“اللاعنف“، استراتيجية متكاملة للشعوب التي ترغب بإحداث تغيير في بلدانها التي تعاني سواء من دكتاتورية أو فشل اقتصادي، عبر الطرق السلمية، لكن ما يبدو واضحا أن هذه الخطة دائما ما تبقى مفتوحة على عدة سيناريوهات دون حسم، منها السقوط باضطراب أكثر حدة، أو دكتاتورية لا ترحم، ويبدوا أن مشهد سيرلانكا يمر في هذا المخاض.


إذ تستعد البلاد التي تشهد اضطرابا في المشهد السياسي نتيجة تدهور الوضع الاقتصادي منذ نحو 100 يوم، تجلى في اقتحام آلاف المحتجين للقصر الحكومي للرئيس السابق غوتابايا راجابكسا، الذي هرب إلى سنغافورة الأسبوع الماضي، لانتخاب رئيسا جديدا للبلاد.


ورغم حرص السريلانكيين على “اللاعنف” في محاولات الإصلاح، كما يبدو واضحا في احتجاجاتهم السلمية واعتصاماتهم، إلا أنه على ما يبدو أن حزب “الشعب السريلانكي” الحاكم بقيادة الرئيس المستقيل، لا يهتم إلى 22 مليونا مواطن يعانون من نقص شديد في الغذاء والدواء والوقود، بقدر الحفاظ على النفوذ، متجاهلا رغبة المحتجين.


حيث يتنافس ثلاثة مرشحين في اقتراع سري على رئاسة البلاد غدا الأربعاء، من بينهم رانيل ويكريميسينغه الذي أصبح رئيسا بالإنابة بعد استقالة راجابكسا، والذي شغل منصب رئيس الوزراء لستة مرات سابقة، والمدعوم من قبل الحزب الحاكم ذو الأغلبية البرلمانية، إلى جانب وزير التعليم السابق دولاس ألاهابيروما، الذي يحظى بدعم المعارضة، والزعيم اليساري أنورا ديساناياكي.


يجري ذلك وسط إعلان الرئيس ويكريميسينغه تمديد حالة الطوارئ في البلاد، أمس الاثنين، وقبل تصويت البرلمان لانتخاب رئيسا جديدا للبلاد، بحسب “فرانس 24”، التي نقلت عن الرئيس قوله إن “حالة الطوارئ سارية بالفعل، لكن مجلس النواب لم يجتمع للتصديق على الإعلان كما هو مطلوب، كما أن ذلك من مصلحة الأمن العام“.


بالمقابل، عززت الشرطة والجيش في سريلانكا التدابير الأمنية قبل عملية التصويت المرتقبة لانتخاب رئيس يتولى قيادة البلاد في الفترة المتبقية من ولاية غوتابايا راجاباكسا الرئاسية، التي تنتهي في تشرين الثاني/نوفمبر 2024.


حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس بالإنابة ويكريميسينغه، تسمح بموجبها للقوات الأمنية السريلانكية باعتقال واحتجاز المشتبه بهم، وتمرير الرئيس المؤقت لوائح تتجاوز القوانين القائمة للتعامل مع الاضطرابات.


يأتي ذلك وسط رفضا جماهيريا واسعا لاستمرار الرئيس الحالي الذي سبق وأعلن بعد تفويضه يتولى رئاسة البلاد من قبل الرئيس السابق في 13 تموز/يوليو، حالة الطوارئ في البلاد، وأمر الجيش والشرطة بإعادة إرساء النظام، مما فاقم غضب المحتجين الذين اقتحموا مقري الحكومة والتلفزيون.


الرفض الجماهيري سببه اعتبار ويكريميسينغه جزءا من النظام الحالي، ومنظومة الفساد التي ساهمت بتدهور أوضاع البلاد، في حين تسعى أحزاب المعارضة إلى تشكيل تحالف حكومي والدفع بمرشح ممثل لها لرئاسة الجمهورية، فيما أعلن حزب المعارضة الرئيسي ترشيح زعيمه ساجيث بريماداسا، قبل أن يعود وينسحب لصالح ألاهابيروما، وفق ما أعلن عنه في “تويتر“، وتابعه موقع “الحل نت“.

اقرأ/ أيضا: زلزال في أفغانستان وانهيار اقتصادي في سريلانكا


حملة نضالية


في الوقت الذي ترفض المجموعات المشاركة في الاعتصام استمرار الرئيس الحالي في منصبه، أكد المتحدث باسم المتظاهرين المعتصمين في كولومبو لوكالة “فرانس برس“، وتابعه “الحل نت“، إنه “ندرس مع المجموعات المشاركة في حملة النضال توجيه الحملة ضد رانيل ويكريميسينغه“.


لكن خبراء ومختصين أشاروا إلى أن، ويكريميسينغه حليف الرئيس السابق قد يكون صاحب الحظ الأوفر في تولي منصب رئاسة الجمهورية، مؤكدين في الوقت ذاته، أن استمراره في المنصب سيفاقم من الوضع كما سيؤدي إلي مزيد من التوترات السياسية.


من جهته، قال رئيس البرلمان ماهيندا يابا أبيواردينا، في بيان له إن “الترشيحات الخاصة بمنصب الرئيس سيتم تقديمها في البرلمان 19 يوليو، وسيصوت البرلمان في 20 يوليو لانتخاب رئيس جديد“، فيما حذرت قوى المعارضة في البلاد استمرار ويكريميسينغه بمنصبه، مهددة باستمرار الاحتجاجات في حال أعلن البرلمان ذلك.


جدير بالذكر، أن الأزمة الاقتصادية التي أدت إلى نقص حاد في الغذاء والدواء والوقود والكهرباء، نجحت في تحقيق ما لم تحققه أي جهود أو محاولات سابقة، إذ وحدت الغالبية العرقية السنهالية البوذية وأقليات التأميل والمسلمين – وهي المجموعات العرقية التي يصعب التوفيق بينها- في كراهية راجاباكسا ومحيطه.


وتعتمد الجزيرة التي يقطنها 22 مليون شخص على السياحة كمصدر دخل رئيسي، وهو القطاع الذي انهار إثر الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها سريلانكا عام 2019، ثم تبعات جائحة كورونا والأزمة الأوكرانية، ما أثر بشكل كبير على موارد الدولة، كما أدت أكبر تخفيضات ضريبية في تاريخ البلاد، منحها راجاباكسا عند توليه الرئاسة، إلى إفراغ خزائن الدولة.


وأصبحت طوابير الوقود التي تدوم لأيام أمرا معتادا في الدولة الجزيرة، وتضاءلت احتياطيات النقد الأجنبي لتقترب من الصفر مع بلوغ معدل التضخم الكلي 54,6 في المئة الشهر الماضي.


أما عن ولد رانيل ويكريمسينغه، فهول سياسي ولد في 24 مارس/آذار 1949 بكولومبو لعائلة ثرية، وهو الابن الثاني لإزموند ويكريمسينغه، أحد أقطاب الصحافة المهمة في البلاد، والذي كان سابقا رئيس معهد الصحافة الدولي، ومستشارا لبعض المسؤولين الحكوميين.


درس في كلية رويال الملكية بالعاصمة كولومبو، ثم ألتحق بكلية الحقوق في جامعة سيلان بالمدينة نفسها، وحصل على درجة البكالوريوس في القانون، وأصبح محاميا بعد تغييرات طرأت على مهنة المحاماة في عام 1973، وخلال دراسته شغل منصب رئيس اتحاد طلاب القانون ونائب رئيس مجلس طلاب الجامعة.


في عام 2014 كان زميلا في مركز الدراسات الدولية في معهد ماساشوستس للتكنولوجيا “إم آي تي” في كامبردج بالولايات المتحدة الأميركية.

اقرأ/ أيضا: فرار ألف لاجئ مسلم من منازلهم عقب هجمات سريلانكا الانتقامية


نشاطه السياسي


في عام 1972 باشر العمل محاميا في المحكمة العليا لسريلانكا، ثم بدأ مسيرته السياسية في منتصف السبعينيات من القرن الماضي مع الحزب الوطني المتحد “يو إن بي” الذي تأسس سنة 1946، بصفته رئيسا للهيئة الانتخابية في كيلانيا.


أصبح لاحقا رئيسا للهيئة الانتخابية في بياغاما، وفاز في الانتخابات البرلمانية لأول مرة في العام 1977، وفي السنة ذاتها أصبح وزيرا للخارجية وأسس الحرس الوطني السريلانكي والمجلس الوطني للشباب، ورقي بعدها بفترة وجيزة إلى منصب وزير شؤون الشباب والتوظيف، ليصبح أصغر وزير في الحكومة.


في عام 1989 عين وزيرا للصناعة والعلوم والتكنولوجيا، حيث بدأ بإصلاحات صناعية، وأسس منطقة بياغاما الاقتصادية الخاصة.


تولى رئاسة الوزراء لمدة 16 شهرا في العام 1994، وفي العام ذاته أصبح زعيم الحزب الوطني المتحد بعد اغتيال جاميني ديساناياكي.


وفي الانتخابات الرئاسية في ديسمبر/كانون الأول 1999 خسر ويكريمسينغه أمام الرئيسة شاندريكا كوماراتونغا خلال فترة متوترة في البلاد، نجا فيها من محاولة اغتيال بعد انفجار قنبلة في اجتماع كان يخطب فيه ببلدة إباوالا.


في الانتخابات البرلمانية العامة عام 2001 قاد ويكريمسينغه الاتحاد الوطني، وفاز بـ109 مقاعد متغلبا على التحالف الشعبي، مما ساعده على تشكيل حكومة وأصبح رئيس الوزراء الـ17 لسريلانكا.


اقترح خلال توليه رئاسة الوزراء للمرة الثانية بناء مدينة ضخمة (ميغابوليس) في المقاطعة الغربية للبلاد تنافس المدن الكبرى عالميا، لكن المشروع لم يستمر بعد سقوط حكومته.


ساهم أيضا بتلقي الدعم الخارجي الذي كان من المتوقع أن يدعم الاقتصاد المحلي ويحل الأزمة الاقتصادية في سريلانكا والأزمة العرقية المستمرة فيها.


انفتاح خارجي ثم إقالة


في يوليو/تموز 2002 التقى رئيس الولايات المتحدة جورج بوش الابن، وكان ذلك أول لقاء من نوعه لزعيم سريلانكي منذ 8 عاما، وركز خلاله على بحث سبل بناء علاقات اقتصادية مع أميركا.


بعدها أقالته الرئيسة السابقة لسيرلانكا وقتها كوماراتونغا من منصبه، وقالت إن ذلك “لمصلحة الأمن القومي” للبلاد.


وفي الانتخابات الرئاسية لعام 2005 هزمه عضو البرلمان ماهيندا راجاباكسا بفارق ضئيل.

https://twitter.com/alyhussinmahdy/status/1545795887603015680?s=21&t=RfdS0a_7H7VAVOSWaP4MoA


عين للمرة الثالثة في الانتخابات الرئاسية في العام 2015 رئيسا للوزراء في خطة أعدت لـ 100 يوم بموجب اتفاقية تفاهم بقيادة المرشح للحزب الوطني مايثربيبلا سيريسينا.


وفي الانتخابات البرلمانية في أغسطس/آب 2015 أصبح ويكريمسينغه، رئيس الوزراء للمرة الرابعة أعاد فيها إطلاق مشروع المدينة الضخمة (ميغابوليس)، وأعاد إعمار المناطق التي تأثرت بالحرب الأهلية.


طلب بعض البرلمانيين من ويكريمسينغه، الاستقالة من قيادة الحزب ومنصب رئاسة الوزراء، لكنه رفض متحججا بمخالفة ذلك للدستور، فأقيل من منصبه، وتسبب ذلك في أزمة دستورية بالبلاد، ليعود بعدها بعد صدور أحكام المحكمة العليا ومحكمة الاستئناف، وعين رئيسا للوزراء في 16 ديسمبر/كانون الأول 2018 للمرة الخامسة.


وفي العام 2020 فشل الحزب الوطني المتحد بقيادة ويكريمسينغه في الحصول على مقعد في البرلمان، لكن ويكريمسينغه عاد مجددا عام 2021 وأدى اليمين عضوا في البرلمان ممثلا لحزبه.


في 12 مايو/أيار 2022 عيّن رانيل ويكريمسينغه رئيسا للوزراء، بهدف إنقاذ اقتصاد البلد بعد صدامات عنيفة وقعت خلال مظاهرات اندلعت قبل تعيينه بأسابيع، لتكون المرة السادسة التي يتولى فيها هذا المنصب منذ العام 1993، وقبل أن يتولى أخيرا رئاسة البلاد بعد نحو شهرين.

اقرأ/ أيضا: بعد هجمات عيد الفصح… رئيس سريلانكا يحظر البرقع ويصفه بالخطر الأمني

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.