من الواضح أن الجمود السياسي في العراق سيستمر لمدى طويل، هكذا يبدوا المشهد بعد أن صعد زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر الذي يعتصم أنصاره داخل البرلمان العراقي منذ أسبوع، خطابه ضد خصومه في تحالف “الإطار التنسيقي” المقرب من طهران.

حيث أكد الصدر اليوم في بيان له، أن لا بديل عن حل البرلمان وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، وإنه لا مجال لـ “الحوارات الهزيلة” فالعراق بحاجة إلى أفعال لا أقوال، على حد تعبيره.
 
كما أعلن استمرار من اسماهم بالـ “الثوار” بـ “ثورتهم” حتى تحقيق المطالب، مؤكدا عدم التنازل على الاطلاق فهي فرصتهم الوحيدة والأخيرة، في حين يستمر غرمائه في “الإطار” بالتمسك بمرشحهم لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني، الذي كان ترشيحه شرارة انطلاق تظاهرات أنصار الصدر. 

وسط ذلك المشهد، يبدو أن الحل القانون لنزع فتيل الأزمة بين الطرفين غائب حتى الآن، إذ لا يوجد مسوغ دستوري لحل البرلمان الذي لم تمضي من دورته الحالية سوى نحو 10 شهور، وفي ظل حكومة تصريف الأعمال، التي يبدوا “الإطار” مستعدا لتذليل كل شيء مقابل الخالص منها. 

إذ يطالب “الإطار” بالتمسك بالأطر الدستورية في الاستجابة لدعوة الزعيم الصدري، الذي ما يزال حتى الآن يحكم قبضته على المشهد العام من خلال دفع أنصاره بالاستمرار في تعطيل البرلمان.

والحديث عن الالتزامات الدستورية يعني الذهاب نحو تشكيل حكومة جديدة تأخذ على عاتقها اجراء انتخابات مبكرة، وهذا ما لم يقتنع الصدر به حتى الآن، والذي يرفض حتى الحوار.

اقرأ/ي أيضا:  بعد الدعوة لإجراء انتخابات مبكرة.. مطلب نيابي بحل البرلمان العراقي

عدمية الحوار

الحوار الذي كان الصدر قد سلم له على مدى أكثر من 7 أشهر على الانتخابات المبكرة التي أجريت في العاشر من تشرين الأول/أكتوبر المنصرم وفاز بها بأكبر عدد من المقاعد في البرلمان، بمحاولة للتوصل إلى تفاهمات لتمرير مشروعه بتشكيل حكومة “أغلبية وطنية” تستثني بعض الأطراف المنضوية في “الإطار”، قبل أن يتوجه إلى الإصلاح عبر الشارع.

لجوء الصدر إلى الشارع جاء بعد فشله بتمرير مشروع “الأغلبية” لوقوف “الإطار” بوجهه، وقبل أن يعلن انسحابه من العملية السياسية وتوجيه أعضاء كتلته الـ 73 بالاستقالة من البرلمان.

وذلك الخصام المحتدم بين الصدر وخصومه المتحالفين مع إيران، ترك العراق بدون حكومة لفترة قياسية هي الأطول في حقبة ما بعد 2003، ليفتح باب السؤال: إلى أي مدى يمكن أن يستمر الخلاف؟

وبحسب القيادي في “الإطار التنسيقي” عارف الحمامي، الذي أكد اليوم السبت، أنه لا يمكن حل الأزمة السياسية إلابالحوار مع جميع القوى السياسية.

وقال في تصرح صحفي لوكالة “بغداد اليوم”، وتابعه موقع “الحل نت”، إنه “اذا لم تتحاور الكتل السياسية فيما بينها فلنيتقدم البلد خطوة واحدة في حل الأزمة السياسية الحاصلة”، مضيفا أن “المطالب الآن هي حل مجلس النواب وهذا الأمرلا يتم إلا بتحاور الكتل السياسية لأن الكتل هي من ستقوم بحل البرلمان”.

من جهته، قال المهتم في الشأن السياسي محمد الغريباوي في حديث لموقع “الحل نت”، إن “المرحلة الحالية من العملية السياسية في العراق لا نبالغ إن قلنا عليها هي أكثر مرحلة حساسية في تاريخ البلاد على مدى العقدين الأخيرين، إذ أنها يمكن أن تمثل نقطة فاصلة لمسار الفساد والإدارة السيئة، إو العودة إلى ذات النقطة التي يمني العراقيين أنفسهم بالخلاص منها”.

اقرأ/ي أيضا: العراق.. مبادرة أممية لنزع فتل الأزمة السياسية

الاستثمار بالخصام

الغريباوي أشار إلى أن “ذلك يعتمد على مدى الاستثمار في الفرصة”، مبينا أن “الصدر في الوقت الحالي جاد في عزل القوى المتحالفة مع إيران، وبغض النظر عن دوافع ذلك سوى كان لرغبة في زعامة البيت الشيعي أو غيرها، لكن المهم هو الجدية في إزاحة طغمة الفساد الجاثمة على السلطة في البلاد والتي تعيش أضعف أوقاتها حاليا”.

وأردف أن “هذا الحدث لا يعني تبرئة الصدر مما مرت بها البلاد فهو جزءا رئيسي من المشهد طول العقدين، لكن وعلى ما يبدو هذه المرة هو بمراجعة حقيقية لمواقفه، والأهم من ذلك أنه يحمل نفسا وطنيا وأيضا بغض النظر عن مديات استخدامه لوطنيته، المهم هو الاستفادة من هذه الفرصة لعزل أصحاب السلاح المنفلت، وخصام الصدر معهم الذي يمتلك هو الآخر سلاحا يمثل الفرصة المناسبة لذلك”.

 واستدرك: “لكن ذلك الخصام ومدياته ونتائجه يعتمد على مدى إدراك القوى الوطنية الجديدة على الساحة من اندفاعها واصطفافها مع الصدر فهو من دون تأيد لا يمكنه المضي وحده في هذا المشروع، بالتالي أن بقائه وحده في هذا الصراع سيجبره بالجلوس لطاولة حوار تقليدية قد تجدد عقدين أخرين للبلاد من سطوة السلاح المنفلت والفساد”.

يذكر أن، حل البرلمان يعتمد على الأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بناء على طلب من ثلث أعضائه، ما يعني أن قائمة التواقيع يجب أن تتضمن 110 تواقيع على الأقل.

يأتي ذلك، أثناء مواصلة أنصار الصدر اعتصامهم لليوم السابع داخل مبنى البرلمان للمطالبة بحل البرلمان، وإجراء انتخابات مبكرة، والقصاص من الفاسدين، ورفض ترشيح محمد شياع السوداني لتشكيل الحكومة الجديدة.

سبب صراع الصدر و”الإطار”

تأتي تلك الأحداث نتيجة لصراع سياسي دام لنحو 10 أشهر منذ انتهاء الانتخابات المبكرة، بين الطرفين وبعد وقوف “الإطار التنسيقي“، بوجه مشروع “التيار الصدري“، الذي كان يدعو إلى تشكيل حكومة أغلبية وطنية.

بعد الانتخابات ذهب “التيار الصدري” صاحب الحظ الأوفر في الانتخابات، لتشكيل تحالفا ثلاثيا مع الحزب “الديمقراطي الكردستاني” وتحالف “السيادة” الجامع لأغلب القوى السنية، وسمي بتحالف “إنقاذ وطن“.

أصر “إنقاذ وطن” بـ 180 مقعدا نيابيا على الذهاب نحو تشكيل حكومة “أغلبية” تستثني مشاركة بعض أطراف “الإطار التنسيقي” الذي استمر بالدعوة إلى حكومة “توافقية” يشترك الجميع فيها، وهذا ما لم يقتنع به زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، ولم ينجح في ذات الوقت بتمرير مشروعه.

الفشل في تمرير مشروع الأغلبية، جاء بسبب عدم تمكن التحالف الثلاثي من حشد النصاب القانوني لجلسة انتخاب رئيس الجمهورية في ثلاث مناسبات، والذي تكمن أهمية انتخابه في تكليف مرشح الكتلة الأكبر بتشكيل الحكومة، ودونه لا يمكن المضي بحكومة جديدة.

والفشل سببه كان إلزام “المحكمة الاتحادية العليا” التي لجأ إليها “الإطار” صاحب 83 مقعدا نيابيا بالتصدي لمشروع الأغلبية، البرلمان العراقي بعقد جلسة انتخاب رئيس الجمهورية بحضور ثلثي أعضاء المجلس، أي 220 نائبا من أصل 329، وفقا للدستور.

بعدها، شهد العراق انسدادا سياسيا أضطر الصدر للانسحاب من العملية السياسية وتوجيه أعضاء كتلته بالاستقالة من البرلمان في الثاني عشر من حزيران/يونيو الماضي، لتستبشر قوى “الإطار” بعدها بسهولة تشكيل الحكومة، وهذا ما لم يحدث، حيث وجه الصدر أنصاره بالنزول إلى الشارع، مجرد أن أعلن “الإطار” توصله إلى تفاهمات داخلية أفضت لترشيح محمد شياع السوداني لرئاسة الحكومة.

اقرأ/ي أيضا: بسبب الأزمة السياسية في العراق.. ممثلة أممية تلتقي الصدر

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.