الحياة العصرية تعني العيش بصورة بعيدة عن حياة أولئك الذين كانوا يسكنون الكهوف، وتبرمجت حياتهم على الاستيقاظ مع شروق الشمس والنوم مع غروبها، إذ تدفع الحياة العصرية غالبية البشر عن عادات تضر بالساعة البيولوجية وتاليا بصحة الجسم.

لكن التطورات التكنولوجية في الحياة العصرية ساعدت في تقليل نشاط الجسم، بحسب خبير النوم والتغذية والتمثيل الغذائي وعلم وظائف الأعضاء، غريغ بوتر، الذي يقول في حديث لصحيفة “الصن” البريطانية، إن “أسلافنا عاشوا في وئام مع البيئة، فعندما تشرق الشمس يجمعون الطعام والماء، وفي الليل يستريحون بسرعة”.

لكن المشكلة بحسب بوتر هي أنه منذ تطوير الإضاءة الكهربائية في القرن التاسع عشر، أصبح البشر نشيطين طوال الليل، بالتالي ساعدت التطورات التكنولوجية المتلاحقة في التقليل من نشاط الجسم، وهذا كله فاقم من اضطراب الساعة البيولوجية، التي تتسم بأهمية كبيرة، فانسجام عمل الجسم معها يعطيه المزيد من الطاقة ويجعله ينام بصورة أفضل.

أما الذين يعملون بخلاف الساعة البيولوجية مثل العمال في فترات الليل فهم الأكثر عرضة للمشكلات الصحية، وهناك أيضا أخطاء أخرى تعمل على تشويش الساعة البيولوجية حتى بالنسبة إلى الذين لا يعملون في الليل.

والأخطاء هي؛ عدم قضاء ما يكفي من الوقت في الهواء الطلق، إذ إن قضاء وقت أطول في الهواء الطلق يرتبط بتخفيف التوتر لدى الإنسان والاستمتاع بحياة عقلية أفضل، ولذلك ينصح بأن يقضي الإنسان ساعتين في الهواء الطلق يوميا.

اقرأ/ي أيضا: تحذير: النوم قرب التلفاز يؤدي إلى السُمنة

عوامل تحسين الساعة البيولوجية

الخبير البريطاني يشير إلى إن، ضوء النهار مهم بالنسبة إلى الساعة البيولوجية، ولا يمكن استبداله بالأضواء الداخلية، والوقت المفضل ليس في منتصف النهار بالطبع، ويبن أن الإضاءة الخاطئة متمثلة بالأضواء العلوية في المنزل أثناء المساء تعد أسوأ عدو للساعة البيولوجية، لذلك يفضل التقليل من مستواها أو إطفاؤها ساعتين على الأقل قبل النوم.

وكان البشر فيما مضى لا يتعرضون في الليل إلا لضوء النار والقمر والنجوم، أما اليوم فالأضواء العلوية في المنزل تؤخر عملية النوم وتقلل من عمقه، ولون الضوء مهم، فاللون الأزرق المنبعث من الشاشات يؤثر أكثر من غيره سلبا، لذلك ينصح بالتخفيف منها.


كما أن لأكل في ساعات كثيرة خلال اليوم أيضا له تأثير، حيث يتناول البعض الطعام على مدار ساعات اليوم، عوضا عن الالتزام بأوقات محدودة، وهذا أمر خطير.

إذ إن الالتزام بأوقات معينة للأكل يساعد الجسم في هضم الطعام وامتصاص العناصر الغذائية، ومن الأمثلة على ذلك هو أن مستويات سكر الدم ستبقى أكثر استقرارا بعد تناول وجبة خفيفة غنية بالكربوهيدرات على الغداء مقارنة بعد تناول الوجبة ذاتها، قبل النوم بثلاثين دقيقة.

وإضافة إلى ذلك، فأن قلة الحركة لها دورا في التأثير على الساعة البيولوجية، فإن النشاط المنتظم يمكن أن يحافظ على التزام أجسامنا بالساعة البيولوجية، لكن النشاط الزائد عن الحاجة، خاصة قبيل النوم يمكن أن يكون ذو نتائج عكسية.

اقرأ/ي أيضا: دراسة حديثة تحمل نبأ غير سار للسيدات اللواتي يتطلب عملهن مناوباتٍ ليلية أثناء فترة الحمل

علاقة الرياضة بالساعة البيولوجية

كما ينصح الخبير البريطاني بممارسة التمارين الرياضية في الصباح، خاصة بالنسبة إلى أولئك الذين ينامون في وقت متأخر.

والساعة البيولوجية دورة تتكون من 24 ساعة، وهي التي تتأثر بالنور والظلام اللذان يلعبان دورا رئيسا في خلق الشعور بالنعاس أو اليقظة، وتتحكم بوظائف عدة مثل درجة حرارة الجسم والشعور بالجوع وغيرها، بحسب موقع “ويب طب”.

ويساهم اضطراب الساعة البيولوجية في الإصابة بالعديد من الأمراض المزمنة مثل السكري.

جدير بالذكر أن دراسة حديثة أجراها باحثون من جامعة “جلاسكو” ونشرتها دورية “ذا لانسيت سيكاتري”، تكشف أن “الاضطرابات التي تصيب ساعة الجسم البيولوجية من شأنها أن تَزيد خطر الإصابة بالاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب واضطرابات المزاج الأخرى.

تشير الدراسة إلى أن “الساعة البيولوجية للجسم تعمل على تنظيم وقت النوم والتغيرات في مستوى الهرمونات ودرجة حرارة الجسم.

وتقع الساعة البيولوجية في النواة فوق التصالبية بالمخ، فوق نقطة التقاء العصبين البصريين في قاع الجمجمة، والتي تمثل مركز التحكم في الإيقاع اليومي للشخص، وتقوم على تنظيم الجداول الزمنية والتنسيق مع بقية الخلايا للوصول إلى ما يجب أن تكون عليه أنشطته على مدى اليوم‏.

اقرأ/ي أيضا:

عوامل الاكتئاب

المؤلفة الرئيسية للدراسة والباحثة بمعهد الصحة والرفاهية في جامعة “جلاسكو”، لورا ليال، تقول في تصريحات صحفية: “وجدنا رابطة قوية بين تعطل الإيقاعات اليومية للشخص وإصابته بالاضطرابات المزاجية”.

وتعرف “ليال” الإيقاعات اليومية بأنها “اختلافات في علم وظائف الأعضاء والسلوك الذي يتحكم في أنماط النوم لدى الإنسان، ودرجة حرارة الجسم، وأنظمة المناعة والهرمونات”.

وتبين أن “هناك العديد من الدراسات السابقة التي حددت الارتباط بين تعطل إيقاع الساعة البيولوجية واضطرابات الصحة العقلية، لكن هذه الدراسات أُجريت على عينات صغيرة نسبيا، وذلك على النقيض من الدراسة الحالية التي تعاملت مع عينة ذات حجم كبير”.

وتضيف أن “أهمية الساعة البيولوجية للجسم تتعاظم؛ ليس فقط لتأثيرها الكبير على الصحة الجسدية، بل لأن هذا التأثير يمتد أيضا للصحة النفسية، وهذه الأطروحة هي الأكبر من نوعها التي تعكف على دراسة العلاقة بين ارتباط خلل الساعة البيولوجية للجسم وحدوث الاضطرابات النفسية المزاجية، بالإضافة إلى زيادة خطر الإصابة بالاكتئاب والاضطراب ثنائي القطب”.

وتستطرد بالقول: “ارتبط حدوث خلل في الساعة البيولوجية للجسم أيضا بظهور حالة من انخفاض التقييم الذاتي للسعادة والرضا لدى عينة البحث”.

اقرأ/ي أيضا: الصين: استنساخ قرود معدلة جينياً لمصلحة أبحاث اضطرابات النوم!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.