لا يعني تواجد عناصر تنظيم “داعش” الإرهابي، في البادية السورية وفي المناطق الحدودية بين سوريا والعراق، أن خطر التنظيم يمكن أن يتعاظم في الفترة المقبلة، إلا أن ضرورة التنبه لاستمرار هذا التواجد وخلق آليات مواجهة ناجعة له ستكون ضرورية لمنع إيجاد عوامل قد تكون من شأنها زعزعة استقرار المنطقة في الفترة المقبلة.

أرقام تخص هيكلية “داعش”

تقرير جديد للأمم المتحدة، صدر مؤخرا وأشار من خلاله إلى أن تنظيم “داعش” لا يزال يهدد السلم والأمن الدوليين، مشيرا إلى أن الحدود السورية – العراقية “لا تزال معرضة للخطر بشكل كبير، حيث يُقدر أن ما يصل إلى 10 آلاف مقاتل ينشطون في المنطقة“، معتبرا أن قيادة “داعش” تدير أصولا تتراوح قيمتها بين 25 مليونا و50 مليون دولار أميركي.

وقال وكيل الأمين العام للأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب فلاديمير فورونكوف، في تقرير قدمه للأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن التنظيم الإرهابي استغل القيود المفروضة بسبب جائحة “كورونا” لتكثيف الجهود وتجنيد المتعاطفين وجذب الموارد.

وبين المسؤول أن هيكل “داعش” الجديد يعتمد على ما يسمى بـ“المديرية العامة للمحافظات” والمكاتب المرتبطة بها، في سوريا والعراق وأماكن انتشار التنظيم، وأشار إلى أن قيادة “داعش” من خلال هذا الهيكل تحرض أتباعها على تنفيذ الهجمات، وتحتفظ بالقدرة على توجيه ومراقبة تدفق الأموال إلى أتباعها.

قد يهمك: تحركات للتخلص النهائي من “داعش” بدرعا.. من يدعم التنظيم؟

التنظيم في أضعف حالاته

الباحث المتخصص في شؤون الجماعات الجهادية أبو الفضل الإسناوي، يرى أن الأرقام الواردة في تقرير الأمم المتحدة، تؤكد أن تنظيم في تراجع كبير في كل من سوريا والعراق، لا سيما عند مقارنتها بقدرات التنظيم في أولى سنوات تأسيسه.

ويقول الإسناوي في حديث خاص مع “الحل نت“: ”الأرقام التي ذكرت في التقرير وهي أن عدد المقاتلين عشرة آلاف، وأن حجم أو ميزانته أو ما يمتلك من أموال، تشير بالتأكيد إلى تراجع التنظيم، هذه الأرقام لا تؤسس لتنظيم حقيقي أو متشابك، بالتالي هذه الأرقام تشير إلى أن داعش في أضعف حالاته سواء في سوريا أو في العراق“.

ويدعم الإسناوي اعتقاده في تراجع داعش مؤخرا، بالإشارة إلى انخفاض حجم ومعدلات الهجمات التي ينفذها التنظيم مؤخرا في المنطقة.

وحول ذلك يضيف: “هذه الأرقام تؤكد أن معدل هجمات داعش خلال السنوات القليلة الماضية تراجعت كثيرا، خاصة أن عمليات التنظيم كلها هي عبارة عن ضربات فردية، بمعنى أنها ليس قائمة على اشتباكات واضحة فهي أشبه بعمليات الذئاب المنفردة. اعتماد التنظيم على هذا الأسلوب يؤكد على أن التنظيم في الفترة الأخير بسوريا والعراق في اتجاه متراجع“.

وعلى مدار العام الماضي، وجد تنظيم “داعش” ملاذا آمنا وعمقا استراتيجيا داخل البادية السورية، منطقة الصحراء الوسطى الواسعة التي تشمل مناطق في محافظات حمص وشمال شرق حماة وجنوب الرقة وغرب دير الزور.

إنهاء تواجد التنظيم في البادية، والسبل التي تؤدي إلى قطع دابره هناك، حالت دون حدوثها نتيجة اشتداد المنافسة بين روسيا وإيران على البادية السورية، بعد أن عززت الأخيرة وجودها العسكري هناك، مما شجع الأولى على شن حملة استقطاب واسعة لصالح جزء من قوات حكومة دمشق الموالية لها -اللواء الثامن- لتوسيع نفوذها بشكل أكبر داخل المنطقة. الأمر الذي أدى إلى استنتاج عدد من  المراقبين أن روسيا باتت تستخدم فزاعة “داعش” هناك لادعاء محاربتها الإرهاب، إلا أن واقع الحال يبدو غير ذلك.

كما لجأت بعض مجموعات التنظيم وقياداته، إلى مناطق الشمال السوري الواقعة تحت سيطرة النفوذ التركي، سواء بشكل مباشر في مناطق “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة، وسواء بشكل غير مباشر في المناطق التي تشهد تواجد “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) وتضم أيضا نفوذا مختلطا لفصائل تتبع “الجيش الوطني” كما هو الحال في عمليات استهداف الزعماء السابقين للتنظيم الإرهابي، “أبو بكر البغدادي” (نهاية عام 2019) و “أبو إبراهيم القرشي” (مطلع عام 2022).

كثير من المحللين العسكريين، المعنيين بعمليات داعش بالبادية السورية، تحدثوا عن تقسيم التنظيم للبادية إلى قطاعات بأبعاد مختلفة، ولكل قطاع عدد معيّن من العناصر، وأمير جماعة منفصلة تماما عن الجماعات الأخرى. وهذا التكتيك العسكري استخدمته الجماعات الجهادية سابقا في أفغانستان والعراق، وكان له تأثير كبير على تنظيم العمليات العسكرية وتحديد المهام، وأيضا تحديد التكاليف بدقة، وهو أمر يهتم به التنظيم كثيرا، خاصة مع انحسار الموارد التي كان يسيطر عليها في العراق وسوريا.

انتهاء التنظيم؟

في إطار تعليقه على فكرة انتهاء تنظيم “داعش” في سوريا والعراق، يقول الإسناوي إن: “المؤشرات الراهنة وحال التمويل والدعم البشري التي يحظى بها التنظيم، تجعل فكرة اندثار التنظيم ممكنة، لكنه من المحتمل أن ينتقل إلى أماكن أخرى كالصحراء الأفريقية وهو يعمل على ذلك. لسهولتها واتسعاها، ولديه قدرة على الاشتباك فيها، وتسمح له بالتعاون مع التنظيمات الإرهابية الأخرى“.

كذلك يربط الباحث بين مدى الاستقرار في سوريا والعراق، والتضييق على مجموعات التنظيم، ويخدم حديثه بالقول: “كلما زاد الاستقرار في سوريا والعراق، كلما كان ذلك سبيلا للقضاء او التضييق على تنظيم داعش“.

استراتيجية داعش في منطقة الفرات

أما على ضفتي نهر الفرات الشرقية والغربية، فيستخدم التنظيم أسلوبا مشابها لأسلوبه بالبادية السورية، إذ يعتمد على تقسيم مناطق نفوذه إلى قطاعات، تمثّل المدن والقرى الكبرى، مثل قطاع هجين، قطاع الشعيطات، قطاع الشحيل، وقطاع البصيرة في ريف دير الزور، وفي الحسكة هناك قطاع مركدة، قطاع الشدادي، وقطاع غويران.

وبهذا يتحرك التنظيم وفق تراتبية معينة، تشبه تراتبية سباق التتابع، إذ تستمر عمليات المراقبة، والرصد من قطاع لآخر، حتى يصل الهدف لمنطقة التنفيذ، وهنا يتحمّل العناصر الموجودون في القطاع المحدد مهمة تنفيذ عملية الاستهداف.

وكانت الضربة الأخيرة التي تلقاها تنظيم “داعش” الإرهابي، من خلال مقتل زعيمه في سوريا المعروف باسم “ماهر العقال“، بعدما استهدفته طائرة مسيرة أميركية، بمثابة ضربة معنوية لمجموعات التنظيم.

كما أكد باحثون في شؤون الجماعات الإسلامية أن الضربات المتتالية التي تعرض لها تنظيم “داعش” مؤخرا، أنهكت قيادات التنظيم، الذي يعاني من تخبطات نتيجة خسارته أبرز القيادات خلال الفترة الأخيرة بفعل الضربات العسكرية الأميركية، كما كشفت عن وجود اختراقات داخل النتيجة انحساره في سوريا واستهداف معظم قيادييه البارزين.

لجأ تنظيم “داعش” مؤخرا إلى الاعتماد على الخلايا النائمة، إلا أن ضعف قدرته على استقطاب العناصر البشرية، جعلته محاصرا بين ضعف قدرته وبين الصواريخ الأميركية التي تلاحق قياداته.تنظيم من قبل عدة دول.

يحاول قادة “داعش” قدر الإمكان ممارسة عمليات التخفي، من خلال وسائل مختلفة خاصة في الاتصال، باستخدام البريد الصوتي، والتقليل من استخدام التقنيات، ومع ذلك فالعالم صغير بالنسبة لدول “التحالف” وخاصة الولايات المتحدة، وبالتالي فالتنظيم الإرهابي وقادته لن يبقوا قادرين على التخفي والهروب.

اقرأ أيضا: العالم أمام كارثة بسبب روسيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة