اضطرابات داخلية وحالة عدم استقرار، مشاهد باتت في تزايد ملحوظ في دول غرب إفريقيا، وسط سيناريوهات مختلفة تلف المستقبل القريب لتك المنطقة المهددة باتساع رقعة الفوضى والتهديدات، لاسيما في ظل الأزمات السياسية الطاحنة التي تعيشها، وغياب الحكم الرشيد في عدد من دول الأقاليم، إضافة لانتشار الجهاديين، ما كان عاملا أساسيا لتكرار الانقلابات العسكرية.

قادة دول غرب إفريقيا، قرروا في اجتماع عُقد، أمس الأحد في أبوجا، إنشاء قوة إقليمية هدفها التدخل ليس فقط ضد الجهاديين، وإنما أيضا في حال وقوع انقلابات كتلك التي شهدتها المنطقة في العامين الأخيرين، كما أعلن مسؤول كبير.

بوادر إيجابية

هذه المبادرة تعتبر جيدة حيث إنها تندرج ضمن رغبة دول إفريقية في إنشاء شراكة أمنية “إفريقية – إفريقية”، دون التوكل على دول أجنبية ودول عظمى في التمويل، وأيضا إدراج أزمة الانقلابات ضمن استراتيجية هذه القوة الإقليمية شيء جيد، لأنه يوجد اعتراف من الدول العظمى، بأن غياب الاستقرار السياسي عن دول إفريقيا يعتبر من العوامل الأساسية لانتشار الجماعات المسلحة، إلى جانب الجريمة المنظمة ككل، بحسب حديث المحلل المختص بشمال إفريقيا في المعهد الفرنسي للشؤون الدولية والاستراتيجية، إبراهيم أومنصور، لـ”الحل نت”.

مدى نجاح هذه القوة الإقليمية، قد تعرقله بعض الأسباب، وفق أومنصور، ومنها ضعف الشراكة بين هذه الدول، إلى جانب مشكلة التمويل، فمعظم دول غرب إفريقيا، ليس لديها القدرة على تمويل هذه القوة، وأن الحرب ضد الإرهاب تحتاج إلى تكلفة كبيرة، حيث إن قوة إقليمية كهذه تحتاج إلى دعم كبير لإنجاح هدفها، لكن الشراكة مع الأمم المتحدة قد يساهم في تمويل هذه القوة.

قادة الدول الأعضاء في الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس” أو ممثلوهم، أمهلوا أيضا المجلس العسكري الحاكم في مالي حتى الأول من كانون الثاني/يناير، للإفراج عن 46 جنديا من ساحل العاج أسرهم منذ تموز/يوليو، تحت طائلة التعرض لعقوبات، كما قال عمر توراي، رئيس مفوضية “إيكواس”، حيث طالب توراي، السلطات المالية الإفراج عن جنود ساحل العاج في موعد أقصاه الأول من كانون الثاني/يناير 2023.

قد يهمك: ما مآلات أزمة الصحراء الغربية على دول شمال إفريقيا؟

“إيكواس” ستفرض عقوبات أيضا إن لم يتحقق ذلك، بحسب تصريح لدبلوماسي من غرب إفريقيا (فضل عدم كشف اسمه) لوكالة “فرانس برس” الفرنسية.  من ناحيته أضاف توراي، أن “الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا تحتفظ بحق التحرك، في حال لم يتم الافراج عن الجنود قبل الأول من كانون الثاني/يناير”.

الدبلوماسي أضاف، أن رئيس توغو فور غناسينغبي، الذي يقوم بمساعي حميدة بين مالي وساحل العاج في هذه الأزمة، سيتوجه إلى مالي للمطالبة بالإفراج عن الجنود. مالي تخوض صراع قوة مع ساحل العاج و”إيكواس”، منذ اعتقلت 49 جنديا من ساحل العاج في 10 تموز/يوليو عند وصولهم إلى باماكو. تم إطلاق ثلاثة منهم منذ ذلك الحين.

ساحل العاج والأمم المتحدة، تؤكدان أن هؤلاء الجنود كان يفترض أن يشاركوا في ضمان أمن الكتيبة الألمانية العاملة ضمن قوة حفظ السلام الدولية في مالي، لكن باماكو قالت إنها تعتبرهم “مرتزقة” جاؤوا للمساس بأمن الدولة.

“إيكواس” كانت قد قررت خلال قمة استثنائية في أيلول/سبتمبر أن ترسل إلى مالي وفدا رفيع المستوى لمحاولة نزع فتيل الأزمة. لكن لم يتم إحراز أي تقدم بعد هذه المهمة التي جرت في نهاية أيلول/سبتمبر.

انقلابات متتالية

عدم الاستقرار السياسي الداخلي في مالي، يعكسه تكرار الانقلابات العسكري، كون مالي تعتبر منذ الاستقلال من الدول الهشة والمفلسة، وهذا يعود لأمور عدة فمنذ الاستقلال هناك أزمة حادة بين الأنظمة السياسية في باماكو، وجماعة الطوارق في الشمال والتي تندد وتستنكر سياسة التهميش من طرف الحكومات المتتالية في باماكو، بحسب أومنصور.

أيضا الأزمة الليبية منذ 2011 وتسرب الأسلحة التي تمت سرقتها من مستودعات الجيش الليبي، وأيضا الأسلحة التي تم إدخالها إلى ليبيا من طرف دول أخرى، ساعد في إضعاف الحكومة المالية، وهذا أدى إلى سهولة الانقلابات وأيضا رغبة اتخاذ السلطة بالقوة من قبل بعض الضباط الماليين، وقد برز ذلك خلال الأعوام القليلة الماضية، حيث شهدت مالي أكثر من انقلاب عسكري، على حد تعبيره.

الأزمة بين الحكومة في باماكو وبين الطوارق، أدت منذ الاستقلال إلى حدوث صراعات مسلحة عدة أولها عام 1963 بعد الاستقلال ثم في التسعينات أيضا، رغم تدخل دول الجوار مثل الجزائر ودول عظمى أيضا.

مالي إلى الآن لم تخرج من الأزمة السياسية، وفق أومنصور، وتصاعد القوة للجماعات المسلحة يلعب دورا كبير في ذلك.

نشأة وتأسيس “إيكواس”

فكرة إقامة إطار للتعاون الاقتصادي بين دول إفريقيا الغربية، تعود إلى خمسينيات القرن الـ 20، وقد ترجمها الاتحاد الجمركي الذي قام عام 1959 بين فدرالية مالي (السنغال ومالي) وبين دول الوئام الأربعة، وهي بوركينافاسو (فولتا العليا سابقا) وبنين (داهومي سابقا) والنيجر وساحل العاج، بحسب موقع “الجزيرة نت”.

مطلع الستينيات حصلت أغلب دول المنطقة على الاستقلال، فبرزت من جديد فكرة إقامة إطار للتعاون الاقتصادي والسياسي معا. كانت أولُ خطوة في هذا الاتجاه دعوة رئيس ليبيريا وليام تومبان في 1964، إلى إقامة منظمة تعاون لدول المنطقة، وأثمرت هذه الدعوة في العام التالي توقيع اتفاق للتعاون البيني بين ليبيريا وساحل العاج وغينيا وسيراليون، بيد أنّ المشروع أخفق.

اقرأ أيضا: شمس الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.. استقرار مستقبلي وحلقة وصل عالمي؟

عام 1972، بُعث المشروع مجددا على يد الرئيس النيجيري يعقوب كون، والتوغولي نياسينغبي أياديما، فقاما بجولة طويلة في 12 دولة إفريقية لإقناع قادتها بالانخراط في المشروع.

الإطار الجديد

في كانون الثاني/يناير 1974، عقد اجتماع للخبراء القانونيين في أكرا، لوضع النصوص التأسيسية. انعقد اجتماع لوزراء الخارجية في العاصمة الليبيرية منروفيا في أيار/مايو 1975، وضع اللمسات الأخيرة على المعاهدة التي وقعت عليها 15 دولة، مُعلنة ميلاد المجموعة الاقتصادية لدول إفريقيا الغربية “إيكواس”.

“إيكواس” تضم 15 دولة يبلغ مجموع سكانها نحو 350 مليون نسمة (إحصائيات 2021)، وتبلغ مساحتها الإجمالية 5 ملايين كيلومتر مربع، أي 17 بالمئة من إجمالي مساحة قارة إفريقيا.

الدول الأعضاء هي، غامبيا وغينيا وغينيا بيساو وليبيريا ومالي والسنغال وسيراليون وبنين وبوركينافاسو وغانا وساحل العاج والنيجر ونيجيريا وتوغو الرأس الأخضر (انضمت عام 1976)، حيث كانت موريتانيا الدولة العربية الوحيدة العضو في المجموعة حتى انسحابها في كانون الأول/ديسمبر 2000.

المغرب قدم رسميا طلبا للانضمام لـ “إيكواس” في شباط/فبراير 2017، وتمت المُصادقة عليه مبدئيا في قمة لرؤساء الدول الأعضاء في المنظمة في حزيران/يونيو 2017. أما بالنسبة للغة الرسمية لهذه الدول، هُناك 8 دول ناطقة باللغة الفرنسية، فيما 5 دول لغتها الرسمية هي الإنجليزية، أما الدولتين المُتبقيتين فاللغة الرسمية فيهما هي البرتغالية.

أهداف “إيكواس” والهيكلية

المنظمة ترمي إلى تحقيق التكامل الاقتصادي، وتعزيز المبادلات التجارية بين دول المنطقة، وتعزيز الاندماج في مجالات الصناعة والنقل والاتصالات والطاقة والزراعة والمصادر الطبيعية، فضلا عن القطاع المالي والنقدي، وتتكون من الهياكل التالية.

مجلس رؤساء الدول والحكومات، وهو أعلى هيئة سياسية وترجع إليه القرارات الكبرى.

المجلس الوزاري، ويطّلع عادة بمهمة التحضير للقمم، وفيه يدور النقاش السياسي لمختلف القرارات في أُفق إقرارها من قبل مجلس الرؤساء.

برلمان المجموعة، له سلطة تشريعية تتعلق بإقرار النصوص التي تصدر عن الهياكل التنفيذية، كما يُقرر في تعاطي المنظمة مع الأزمات التي يشهدها أحد البلدان الأعضاء، ويرسل أحيانا لجان وساطة في أوقات الأزمات.

المجلس الاقتصادي والاجتماعي، له دور استشاري وصلاحية تقديم مقترحات تهم المشاريع التنموية المشتركة بين دول المجموعة. محكمة العدل الخاصة بالمجموعة، تبت في جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة خلال صراعات شهدتها المنطقة.

“إيكواس” تضم بنك “إيكواس” للاستثمار والتنمية “أي بي آي دي”، و”منظمة الصحة لغرب إفريقيا” و”مجموعة العمل الحكومية الدولية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب في غرب إفريقيا” وتضُم “إيكواس” أيضا تكتلين اقتصاديين نقديين ضمنها هما “الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب إفريقيا”، و”المنطقة النقدية لغرب أفريقيا”.

بروتوكول أول قوة فصل إفريقية

أعضاء “الإيكواس” وقّعوا عام 1978 على بروتوكول لعدم الاعتداء والدفاع المشترك، ونص على إمكانية نشر قوة للفصل بين القوات المتحاربة في حال حصول صراع بين بلدين عضوين، وفقا لموقع “الجزيرة نت”.

قادة المنظمة، أقروا في كانون الأول/ديسمبر 1999، البروتوكول المتعلق بوضع آلية للوقاية والتدبير وحل الصراعات، الذي أُسس لإنشاء أول قوة فصل إفريقية للتدخل وقت الأزمات، وعُرفت باسم “قوة الإكوموك”، والتي تدخلت قبل توقيع البروتوكول المتعلق بها في غينيا بيساو عام 1997، ثم في سيراليون عام 1998، وبعد ذلك في ساحل العاج عام 2002.

“إيكواس” أرسلت في عام 2003، قوات لحفظ السلام خلال الحرب الأهلية الأولى في ساحل العاج 2002ـ 2004. أرسلت “إيكواس” في عام 2003 قوات إلى ليبيريا خلال الحرب الأهلية الثانية 1999 ـ 2003.

قمة “الإيكواس” قررت في عام 2004، تحويل “الإكوموك” إلى “قوة الردع التابعة للمنظمة”، وذلك في إطار تشكيل قوة التدخل والردع التابعة للاتحاد الإفريقي، التي أُوكلت إليها مهمة التدخل لحفظ الأمن والاستقرار في أيّ بلد في القارة يشهد اضطرابات مسلحة.

عام 2006، تشكلت لجنة المجموعة وحلَّت محل السكرتارية العامة، وتتألف من 8 مفوضين يضطلعون، بمساعدة فريق إداري يعمل تحت إمرتهم، بالعمل الإداري الخاص بالمنظمة، ويُنسّقون علاقاتها بالدول الأعضاء.

مشروع “ترانس-إيكواس” أُسس في عام 2007 بغرض تحديث السكك الحديدية في هذه المنطقة. في 30 آذار/مارس 2012، أمهل قادة “إيكواس” قادة الانقلاب في مالي 72 ساعة لإعادة النظام الدستوري في البلاد، بعد تعذر هبوط الطائرة التي كانت تقل وفدا يضم 5 من زعماء دول المنطقة في مطار باماكو، بسبب اقتحام محتجين للمطار.

في اجتماع عقدوه بعاصمة ساحل العاج ياموسوكرو، هدد القادة بفرض حصار دبلوماسي ومالي، على دولة مالي إن لم تعد السلطة الانقلابية النظام الدستوري في المهلة المحددة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.