مجددا يبدو أن الوضع في العراق يتجه إلى منحنى غير واضح، بعد تلويح زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر بخطوات تصعيدية جديدة، وعلى الرغم من التقارب الذي لاح في الأفق بين الصدر وكبير قادة خصومه في تحالف “الإطار التنسيقي“.

تصعيد الصدر جاء بعد أن أعلن، اليوم السبت، تقديمه مقترح للأمم المتحدة لمناظرة علنية مع الأطراف السياسية، لكن الأخيرة تجاهلت مقترحه دون أن توضح موقفها بشكل حاسم.

الزعيم الشيعي البارز الذي كان يبدو على مدى الأزمة التي احتدمت منذ أكثر من ثلاثة أسابيع رافضا للحوار، كشف في تغريدة على موقع “تويتر“، وتابعها موقع “الحل نت” تقديمه مقترحا للأمم المتحدة لعقد جلسة حوار بين الفرقاء السياسيين جميعا.

لكن استجابة الأمم المتحدة لم يكن ملموسا، بحسب بيان الصدر، مبينا أن “الجواب كان عن طريق الوسيط جوابا لا يغني ولا يسمن من جوع.. ولم يتضمن جوابهم شيئا عن الإصلاح ولا عن مطالب الثوار ولا ما يعانيه الشعب“.

اقرأ/ي أيضا: ترقب حذر لحوار الصدر والعامري.. ما هي السيناريوهات المتوقعة؟

درة فعل

نتيجة ذلك، ولما عبر عنه موقف الأمم المتحدة من “عدم إعارة ما يحدث أي أهمية على الإطلاق“، لوح الصدر بخطوات تصعيدية جديدة، قائلا: “نرجو من الجميع انتظار خطوتنا الأخرى إزاء سياسة التغافل عن ما آل إليه العراق وشعبه بسبب الفساد والتبعية“.

وشدد الصدر على أن “لا يتوقعوا منا حوارا سريا جديدا بعد ذلك (..) فأنا لا أخفي على شعبي شيئا ولن أجالس الفاسدين ومن يريد السوء أو قتلي أو النيل ممن ينتمي إلينا آل الصدر“، مردفا: “إنني قد تنازلت كثيرا من أجل الشعب والسلم الأهلي. وننتظر ماذا في جعبتهم من إصلاح ما فسد لإنقاذ العراق“.

وعن تلك الخطوات، قال المهتم بالشأن السياسي العراقي، فاضل الجابري لموقع “الحل نت“، إنه “لا يمكن توقع خطوات الصدر، فالصدر على مدى نشاطاته لم تتضح سياساته واستراتيجياته، فهو دائما ما يخلق المفاجئة“.

وأضاف: “مفاجئات الصدر ليس شرطا أن تتكون خدمية أو في محلها، بل كثيرا من خطواته كانت غير موفقة بل ومكنت خصومه، ومنها استقالة كتله من البرلمان التي فتحت المجال أمام خصومه للسيطرة على المجلس“.

اقرأ/ي أيضا: تصاعد حدّة الخطاب الصدري في العراق

خطوات مجهولة

الجابري لفت إلى أن “الحديث عن خطوات أبعد مما وصلت عليه الأمور قد يكون مبكرا، لاسيما وأن هناك ملامح تقارب بينه وهادي العامري الممثل عن قوى الإطار التنسيقي، وغالبا ما لقاءات العامري والصدر تنتج عن أشياء على غير المتوقع، والتي قد تكون هذه المرة نهاية للأزمة“.

بالمقابل، رد “الإطار التنسيقي” علي مقترح، بأنه غير واضح المعالم فيما إذا كان المعني به جميع القوى السياسية أم البيت الشيعي فقط، وما الذي يمكن أن يتضمنه.

القيادي في “الإطار“، علي الفتلاوي قال في تصريح لوكالة “بغداد اليوم” وتابعه موقع “الحل نت“، إنه “لا نعرف أن كانت هذه المناظرة العلنية التي دعا إليها الصدر هل هي لجميع القوى السياسية أم لقوى البيت الشيعي فقط وهل هي دينية واجتماعية أم سياسية“.

وأضاف، أنه “إذا كانت المناظرة سياسية تخص البيت الشيعي فيجب أن يحضر نواب رئيس الجمهورية في الحكومات السابقة التابعين للتيار الصدري وكذلك أعضاء البرلمان في الدورات السابقة والمحافظين وجميع المسؤولين في التيار“.

ما أهداف الحوار؟

الفتلاوي تابع، أنه “إذا كان الهدف من المناظرة هي اظهار الفساد أم اظهار التلكؤ حيث توجد الكثير من الأدلة على أن التيار الصدري كان حجر عثرة في كثير من المشاريع التي طرحت من قبل احدى الكتل“.

وأشار إلى أنه “من الناحية الإدارية فتوجد أيضا أدلة على تلكؤ المحافظين الصدريين في إدارة المحافظات“، لافتا إلى أنه “إذا كان الصدر يقصد التقصير طوال الـ 17 سنة الماضية فهو شريك أساسي منذ بدايتها وله الدور الأكبر في اختيار رؤساء الحكومات“.

واشتدّت الأزمة السياسية العراقية في 30 تموز/ يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري” المنطقة الخضراء حينها، وأقام اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار“، مقتدى الصدر وقتئذ.

اقرأ/ي أيضا: ما نتائج “الحوار الوطني” العراقي؟

أسباب اعتراض الصدر

الصدر وصف الاقتحام الأول للمنطقة الخضراء، بأنه “جرّة إذن” للسياسيين الفاسدين ومنهم قوى “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، قبل أن يحشد أنصاره لاقتحام الخضراء مجددا، وهو ما حدث فعلا.

تظاهرات أنصار الصدر، تأتي بعد إعلان “الإطار التنسيقي” ترشيح السياسي محمد شياع السوداني، المقرب من زعيم “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي، لمنصب رئاسة الحكومة العراقية المقبلة.

اعتراض الصدر ليس على شخص السوداني، إنما على نهج المنظومة السياسية بأكملها؛ لأنها تريد الاستمرار بطريقة حكومات المحاصصة الطائفية وتقاسم مغانم السلطة بين الأحزاب، واستشراء الفساد السياسي بشكل لا يطاق، بحسب عدد من المراقبين.

العراق يمر في انسداد سياسي عقيم منذ إجراء الانتخابات المبكرة الأخيرة في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بعد فوز “التيار الصدري” وخسارة القوى السياسية الموالية لإيران، قبل أن تتحالف كلها معا بتحالف سمي “الإطار التنسيقي” لمواجهة الصدر.

اقرأ/ي أيضا: مؤيدو “الإطار التنسيقي” يعلنون اعتصاما مفتوح والصدر يوجه لهم دعوة

فشل مساعي التحالف الثلاثي؟

سعى الصدر عبر تحالف مع الكرد والسنة إلى تشكيل حكومة أغلبية يقصي منها “الإطار“، لكنه لم يستطع الوصول للأغلبية المطلقة التي اشترطتها “المحكمة الاتحادية العليا” لتشكيل حكومته التي يبتغيها.

الأغلبية المطلقة، تعني ثلثي أعضاء البرلمان العراقي، وهم 220 نائبا من مجموع 329 نائبا، وفي حال امتناع 110 نواب، وهم ثلث أعضاء البرلمان عن دخول جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الممهدة لتشكيل الحكومة، فسيفعّل الثلث المعطل الذي يمنع تشكيل أي حكومة.

وصل تحالف الصدر إلى 180 نائبا، ولم يتمكن من بلوغ أغلبية الثلثين، ولم يقبل “الإطار” بالتنازل له لتشكيل حكومة أغلبية؛ لأنه أصر على حكومة توافقية يشترك فيها الجميع، ما اضطر الصدر للانسحاب من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو المنصرم.

بعد انسحاب كتلة الصدر من البرلمان، أمسى زعيم “الكتلة الصدرية” يراقب المشهد السياسي من الحنّانة، وحينما وجد أن “الإطار” الذي أضحت زمام تشكيل الحكومة بيده، يريد الاستمرار بنهج المحاصصة، دفع بأنصاره للتظاهر والاعتصام في المنطقة الخضراء، رفضا لنهج العملية السياسية الحالية.

اقرأ/ي أيضا: هل يمكن للقضاء العراقي حل البرلمان قانونيا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.