يعتبر التضخم من المنافسين الرئيسيين للاقتصاد العالمي لهذا العام حتى الآن، لكنه الآن يواجه تحديا من قبل الركود، ويعكس هذا احتمالية حدوث تضخم مصحوب بركود – فترة تضخم ونمو بطيء – في صدى غير مريح لا سيما للدول النامية ومن ضمنها سوريا، ففي منتصف السبعينيات عندما أدت الزيادات الحادة في أسعار النفط إلى التضخم والركود في البلدان المستوردة للنفط، تعين على المصرفيين المركزيين إيجاد حلول، بينما يواجه العالم الآن موجة من أزمة ركود تضخمي مدوية ستبتلع الكوكب بأكمله، فالاقتصادات على وشك الإفلاس والعملات على وشك الانهيار، وفقا للتحليلات الاقتصادية.

سوريا في قلب العاصفة

دفعت عدة عوامل تضخم الأسعار العالمية إلى مستويات لم نشهدها منذ أربعة عقود، فالتدخلات النقدية غير المدروسة أثناء انتشار وباء “كورونا”، صاحبها هبات المالية، أدت إلى تسونامي من النقد، مما أدى إلى ارتفاع غير عادي في الأسهم وأسعار العقارات.

كما خلقت الاضطرابات في جميع أنواع سلاسل التوريد مزيدا من الضغوط، بسبب الاختناقات وارتفاع تكاليف النقل، كما اهتزت أسواق السلع الأساسية بسبب حرب أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا، وارتفع معدل التضخم الرئيسي في الولايات المتحدة إلى مستوى قياسي في القرن الحادي والعشرين بلغ 8.5 بالمئة في آذار/مارس الفائت، بعد زيادة بنسبة 1.2 بالمئة عن الشهر الذي سبقه.

وفي هذا الصدد، كشف الخبير الاقتصادي، ماجد الحمصي، لـ”الحل نت”، أن النظرة طويلة المدى للاقتصاد في سوريا تنبئ بالقلق الشديد، خصوصا أن توقعات التضخم في البلاد على مدى السنوات العشر القادمة ارتفعت إلى أكثر من 28 بالمئة، وهي أعلى نسبة منذ 2018.

وأشار الحمصي، إلى أن توقعات التضخم لخمس سنوات في منطقة اليورو على وشك أن تصل إلى 2.5 بالمئة، وهي منطقة تعتمد عليها سوريا في الواردات، وهي أعلى بكثير من المعيار التاريخي، وأعلى من أهداف التضخم للبنوك المركزية الخاصة بهما، فعندما يكون التضخم غير مستقر، يمكن أن يبدأ في التسارع بسهولة.

وأوضح الحمصي، أنه على الرغم من أن مشكلة التضخم الحالية معقدة ومتعددة الأوجه، إلا أن محاربة التضخم تحدث على جبهات متعددة، لكن خطاب البنك المركزي السوري لإعادة تشكيل توقعات السوق قبل فوات الأوان لا تبشر بالخير، وستؤدي التخفيضات الشهرية المخططة لمجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، إلى ظهور بيئة جديدة للأسواق السوداء داخل البلاد لن تستطيع الحكومة مكافحتها.

انخفاضا في نمو الاقتصاد العالمي

في ظاهرة نادرة الحدوث، قال البنك الدولي في أحدث تقرير له، إن العالم يواجه أزمة ركود اقتصادي تضخمي، وهو ما يعني أن الأسعار في كل أنحاء العالم ستواصل قفزاتها، رغم ركود الطلب، مبينا أن الآفاق الاقتصادية العالمية، في ظل الصراع الروسي في أوكرانيا أدى إلى زيادة التباطؤ في الاقتصاد العالمي، الذي يدخل الآن ما يمكن أن يصبح “فترة طويلة من النمو الضعيف وارتفاع التضخم”.

وتوقع البنك الدولي، انخفاض النمو في الاقتصاد العالمي من 5.7 بالمئة في عام 2021 إلى 2.9 بالمئة في عام 2022 – أقل بكثير من نسبة 4.1 بالمئة التي كانت متوقعة في كانون الثاني/يناير.

وأشار البنك، إلى ان “الاقتصاد العالمي سيشهد أقوى تباطؤ يأتي بعد انتعاش … منذ أكثر من ثمانين عاما، وينتج عن ذلك خطر متعاظم بحصول ركود تضخمي”، حيث كتب رئيس البنك الدولي ديفيد مالباس، في مقدمة التقرير “خطر التضخم المصحوب بركود كبير اليوم.. من المرجح أن يستمر النمو الضعيف طوال العقد بسبب ضعف الاستثمار في معظم أنحاء العالم”.

وحذر التقرير، من أن زيادات أسعار الفائدة بهدف للسيطرة على التضخم في نهاية السبعينات كانت حادة للغاية لدرجة أنها أدت إلى ركود عالمي في عام 1982، وسلسلة من الأزمات المالية في الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية، كما أفاد بأن من المتوقع أن تتباطأ وتيرة النمو العالمي بين عامي 2021 و2024 بواقع 2.7 نقطة مئوية، أي أكثر من ضعف التباطؤ الذي شوهد بين عامي 1976 و 1979.

تضخم جامح يضرب اقتصاد سوريا

حذر باحثون في حديث سابق لـ”الحل نت”، من وصول التضخم في الاقتصاد السوري إلى مرحلة التضخم الجامح، وهو الشكل الأكثر ضررا للاقتصاد بسبب الارتفاع السريع والمتواصل في المستوى العام للأسعار، ما يؤدي إلى فقدان المال لقيمته الشرائية، فحسب آخر الأرقام الصادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء، فقد بلغ معدل التضخم في سوريا 163.1 بالمئة في عام 2020.

ومن المتوقع أن يتجه معدل التضخم في سوريا نحو زيادة بنسبة 12 بالمئة في عام 2022 و9.80 بالمئة في عام 2023، وفقا لنماذج الاقتصاد القياسي.

وقال المحلل الاقتصادي، حسام عايش لـ”الحل نت”، أن سوريا أمام حالة من الاقتصاد الجامح تؤدي إلى مزيد من التضخم الجامح في الاقتصاد السوري، كما تؤدي إلى أن يتخلص الناس مما يملكون من أملاك وطنية أو من العملة المحلية ويتجهون نحو الأملاك الأجنبية، مما يرفع الطلب عليها ويخفض بدوره سعر صرف العملة المحلية من جديد في حلقة جهنمية دائرية من الفعل ورد الفعل الذي يصعب السيطرة عليه.

وأشال المحلل الاقتصادي، إلى أنه في سوريا في فترة من الفترات قاربت معدلات التضخم 900 في المئة، والبطالة وصلت إلى 50 في المئة، لكن الأمور عادت مرة أخرى بحسب ما تحدثت به الجهات الرسمية، ولكن ومع ذلك فإن معدلات التضخم الصحية هي 2 أو 3 في المئة وهي المعدلات المطلوبة من أجل تنشيط الحركة التجارية والاقتصادية.

ومع ذلك، فإن سوريا الآن وبحسب عايش، هي في المراكز الأولى في تصنيف دول العالم من حيث معدلات التضخم الأعلى، وهذا كله يدفع للقول أن الأوضاع في سوريا خطرة نسبة إلى مستويات المعيشة المكلفة جدا، وأن الاقتصاد السوري غير قادر على إنتاج ما يكفي الحاجة.

الجدير ذكره، أنه ووفقا للتقديرات الأممية فإن سوريا تحتاج إلى 800 مليار لعلاج أزمتها الاقتصادية، وطبقا لحديث المحللين الاقتصاديين، فإن هذه الأرقام إذا لم يكن هنالك هيكلية سليمة وأسس اقتصادية سليمة فسوف تذهب الأموال سدى وإلى التضخم الجامح في الاقتصاد السوري.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.