لا يبدو أن الأزمة السياسية العراقية الأشد في البلاد منذ 2003 ستنتهي قريبا، لكن المساعي من معظم الأطراف تتواصل يوميا بهدف إنهاء العقم السياسي الراهن، آخرها “الحوار الوطني”، فماذا كانت نتائجه؟

“الحوار الوطني” هو مبادرة من رئيس الحكومة مصطفى الكاظمي، سعيا منه للوصول إلى خارطة طريق تنهي الجمود السياسي الحالي، ودعا له الرئاسات الثلاث وقادة القوى السياسية، وعقد ليلة أمس الأربعاء.

حضر الاجتماع رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس السلطة القضائية فائق زيدان، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وجميع قادة الكتل السياسية في “الإطار التنسيقي” وغيره، وشاركت به ممثلة الأمين العام لـ “الأمم المتحدة” لدى العراق، جينين بلاسخارت.

المفارقة أن أبرز طرف معني بالأزمة السياسية العراقية، وهو “التيار الصدري” لم يشارك في “الحوار الوطني” الذي عقد بالقصر الحكومي، وسط العاصمة بغداد، لكن ما مخرجات ونتائج الحوار؟

هذه النتائج

بيان لمكتب رئيس الحكومة، الكاظمي، قال إن اجتماع “الحوار الوطني”، أفضى إلى عدد من النقاط، اتفق عليها المجتمعون، منها التزامهم بالثوابت الوطنية، وإيجاد حل لكل الأزمات من خلال الحوار؛ حفاظا على وحدة العراق وديمومة النظام الديمقراطي الدستوري الذي يحتكم إليه الجميع؛ لمعالجة الأزمة السياسية الحالية.

كما أشار المجتمعون، إلى أن الاحتكام مرة جديدة لصناديق الاقتراع من خلال انتخابات مبكرة، ليس حدثا استثنائيا في تاريخ التجارب الديمقراطية عندما تصل الأزمات السياسية إلى طرق مسدودة، وأن القوى السياسية تحتكم إلى المسارات الدستورية في الانتخابات.

دعا المجتمعون ما وصفوهم “الإخوة” في “التيار الصدري”، إلى الانخراط في “الحوار الوطني”، لوضع آلياتٍ للحل الشامل بما يخدم تطلعات الشعب العراقي وتحقيق أهدافه، حسب بيان مكتب الكاظمي.

من بين مخرجات الاجتماع آيضا، الاتفاق على استمرار “الحوار الوطني”؛ من أجل وضع خريطة طريق قانونية ودستورية لمعالجة الأزمة السياسة الراهنة.

كذلك دعا المجتمعون، إلى إيقاف كل أشكال التصعيد الميداني أو الإعلامي أو السياسي، وأكدوا على ضرورة حماية مؤسسات الدولة، والعودة إلى النقاشات الهادئة بعيدا عن الإثارات والاستفزازات التي من شأنها أن تثير الفتن.

أسباب تظاهرات الصدر

“الحوار الوطني” الذي رعاه الكاظمي، جاء نتيجة تداعيات الأزمة السياسية الراهنة بين “التيار الصدري” بزعامة مقتدى الصدر و”الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، إذ يسعى كل طرف منهما لكسر عظم الآخر؛ رغم بعض المرونة من قبل “الإطار”.

الأزمة اشتدت في 30 تموز/ يوليو الماضي، إذ اقتحم جمهور “التيار الصدري” المنطقة الخضراء وأقام اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار”، مقتدى الصدر وقتئذ.

الصدر وصف الاقتحام الأول للمنطقة الخضراء، بأنه “جرّة إذن” للسياسيين الفاسدين ومنهم قوى “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، قبل أن يحشد أنصاره لاقتحام الخضراء مجددا، وهو ما حدث فعلا.

تظاهرات أنصار الصدر، تأتي بعد إعلان “الإطار التنسيقي” ترشيح السياسي محمد شياع السوداني، المقرب من زعيم “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي، لمنصب رئاسة الحكومة العراقية المقبلة.

اعتراض الصدر ليس على شخص السوداني، إنما على نهج المنظومة السياسية بأكملها؛ لأنها تريد الاستمرار بطريقة حكومات المحاصصة الطائفية وتقاسم مغانم السلطة بين الأحزاب، واستشراء الفساد السياسي بشكل لا يطاق، بحسب عدد من المراقبين

لا مناص من الانسداد

العراق يمر في انسداد سياسي عقيم منذ إجراء الانتخابات المبكرة الأخيرة في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بعد فوز “التيار الصدري” وخسارة القوى السياسية الموالية لإيران، قبل أن تتحالف كلها معا بتحالف سمي “الإطار التنسيقي” لمواجهة الصدر.

وسعى الصدر عبر تحالف مع الكرد والسنة إلى تشكيل حكومة أغلبية يقصي منها “الإطار”، لكنه لم يستطع الوصول للأغلبية المطلقة التي اشترطتها “المحكمة الاتحادية العليا” لتشكيل حكومته التي يبتغيها.

الأغلبية المطلقة، تعني ثلثي أعضاء البرلمان العراقي، وهم 220 نائبا من مجموع 329 نائبا، وفي حال امتناع 110 نواب، وهم ثلث أعضاء البرلمان عن دخول جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الممهدة لتشكيل الحكومة، فسيفعّل الثلث المعطل الذي يمنع تشكيل أي حكومة.

وصل تحالف الصدر إلى 180 نائبا، ولم يتمكن من بلوغ أغلبية الثلثين، ولم يقبل “الإطار” بالتنازل له لتشكيل حكومة أغلبية؛ لأنه أصر على حكومة توافقية يشترك فيها الجميع، ما اضطر الصدر للانسحاب من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو المنصرم.

بعد انسحاب كتلة الصدر من البرلمان، أمسى زعيم “الكتلة الصدرية” يراقب المشهد السياسي من الحنّانة، وحينما وجد أن “الإطار” الذي أضحت زمام تشكيل الحكومة بيده، يريد الاستمرار بنهج المحاصصة، دفع بأنصاره للتظاهر والاعتصام في المنطقة الخضراء، رفضا لنهج العملية السياسية الحالية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.