لا أحد يمكنه توقع قرار القضاء العراقي بعد نهاية الأسبوع المقبل، للرد على طلب زعيم “التيار الصدري”، مقتدى الصدر، بحل البرلمان العراقي، لكن السؤال هو ما الخطوة المقبلة بعد انتهاء المهلة؟

من الممكن أن يرد القضاء بقبول طلب الصدر، خاصة بعد رفع المئات من أتباعه دعاوى قضائية أمام “المحكمة الاتحادية العليا” لمطالبتها بحل البرلمان،، تمهيدا لإجراء انتخابات مبكرة.

لكن احتمال القبول ضئيل جدا؛ لأنه لا مسوغ دستوري يمنح القضاء حل البرلمان، وقد يرد القضاء برفض طلب الصدر، أو قد لا يرد ويتبع سياسة “التغليس”، وكل تلك الخطوات المتوقعة، ستعقبها خطوات أخرى سياسية، فكيف ستكون؟

بحسب المحلل السياسي، علي البيدر، فإن طلب الصدر من القضاء بحل البرلمان، هو طلب عبثي، يشبه أن تذهب لطبيب وأنت تحتاج لبناء منزل؛ لأن القضاء لا يملك أي خيار قانوني لحل البرلمان.

تسوية؟

بحسب الدستور العراقي، فإن حل البرلمان يمكن بطريقتين، الأولى أن يقوم البرلمان هو بحل نفسه، والثانية أن يقدم رئيس الحكومة طلبا لرئيس الجمهورية بحل البرلمان.

لكن الطريقة الثانية غير ممكنة حاليا؛ لأن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، أي ناقصة الصلاحيات، ولا توجد حكومة جديدة بعد تمتلك صلاحيات كاملة.

البيدر يضيف لـ “الحل نت”، أن الصدر بدأ يستنفذ خياراته الدستورية؛ لأنه خارج العملية السياسية بعد أن سحب نوابه من البرلمان، لذا فهو لا يملك أي ورقة دستورية ضد “الإطار” سوى ورقة الشارع.

ويردف، أنه في حال لم يحل القضاء مجلس النواب العراقي، وهو الأمر المتوقع، فإن الصدر سيلجأ للتصعيد عبر تعزيز تظاهرات واعتصام أنصاره في كل مكان وزاوية في المنطقة الخضراء الحكومية، للضغط على “الإطار”، لتنفيذ مطلبه بحل البرلمان.

ويسيطر الصدريون منذ أسبوعين على جانب واحد من مجموع 4 جوانب للمنطقة الخضراء، وهو مدخل البرلمان الذي اقتحموه وبسطوا سيطرتهم عليه، في وقت يوجد في الخضراء مقر الحكومة وتتنشر بها عدة وزارات، إضافة لسفارات دول عديدة.

وعن كيف سيكون المشهد في نهاية المطاف، يتوقع البيدر، أن يمضي “الإطار” بخياراته الدستورية، لكن بتسوية لعدم إزعاج الصدر، وذلك عبر انتخاب حكومة جديدة، ثم يتم حل البرلمان بعد تشكيل الحكومة بـ 3 أشهر، لتشرف الحكومة الانتقالية على إجراء انتخابات مبكرة جديدة.

تصعيد الصدر بمطالبته للقضاء العراقي لحل البرلمان، جاء بعد خطاب خصمه زعيم “ائتلاف دولة القانون”، نوري المالكي، الاثنين الماضي، الذي رد فيه على دعوة زعيم “الكتلة الصدرية” لإجراء انتخابات مبكرة جديدة، قال فيه إنه لا حل للبرلمان ولا انتخابات مبكرة، قبل عودة مجلس النواب لعقد جلساته داحل مبناه الذي يسيطر عليه أتباع الصدر.

قطيعة مستمرة

الصدر والمالكي ينحدران من خلفيات سياسية إسلامية، إذ يتزعم الأول تيارا شعبيا شيعيا ورثه عن والده المرجع الديني محمد صادق الصدر، فيما يترأس الثاني “حزب الدعوة”، أقدم الأحزاب الشيعية العراقية.

وتنافس الصدر مع المالكي مرارا على تزعم المشهد السياسي الشيعي. إذ يمثل الأول الخزان التصويتي الأكبر على مستوى البلاد في أي عملية انتخابية، بينما يمثل الثاني، الأحزاب السياسية الشيعية التي صعدت بعد إطاحة نظام صدام حسين في ربيع 2003 إلى المشهد.

منذ عام 2008 توجد قطيعة سياسية وشخصية بين الصدر والمالكي عندما شن الثاني حربا على ميليشيا “جيش المهدي” التابعة للصدر، لإنهاء انتشارها المسلح في الوسط والجنوب العراقي آنذاك، قبل أن يفتح المجال لتأسيس ميليشيات مسلّحة موالية لإيران.

في 30 تموز/ يوليو الماضي، اقتحم جمهور “التيار الصدري” المنطقة الخضراء وأقام اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار”، مقتدى الصدر وقتئذ.

الصدر وصف الاقتحام الأول للمنطقة الخضراء، بأنه “جرّة إذن” للسياسيين الفاسدين ومنهم قوى “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، قبل أن يحشد أنصاره لاقتحام الخضراء مجددا، وهو ما حدث فعلا.

تظاهرات أنصار الصدر، تأتي بعد إعلان “الإطار التنسيقي” ترشيح السياسي محمد شياع السوداني، المقرب من زعيم “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي، لمنصب رئاسة الحكومة العراقية المقبلة.

انغلاق سياسي

اعتراض الصدر ليس على شخص السوداني، إنما على نهج المنظومة السياسية بأكملها؛ لأنها تريد الاستمرار بطريقة حكومات المحاصصة الطائفية وتقاسم مغانم السلطة بين الأحزاب، واستشراء الفساد السياسي بشكل لا يطاق، بحسب عدد من المراقبين.

العراق يمر في انسداد سياسي عقيم منذ إجراء الانتخابات المبكرة الأخيرة في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بعد فوز “التيار الصدري” وخسارة القوى السياسية الموالية لإيران، قبل أن تتحالف كلها معا بتحالف سمي “الإطار التنسيقي” لمواجهة الصدر.

وسعى الصدر عبر تحالف مع الكرد والسنة إلى تشكيل حكومة أغلبية يقصي منها “الإطار”، لكنه لم يستطع الوصول للأغلبية المطلقة التي اشترطتها “المحكمة الاتحادية العليا” لتشكيل حكومته التي يبتغيها.

الأغلبية المطلقة، تعني ثلثي أعضاء البرلمان العراقي، وهم 220 نائبا من مجموع 329 نائبا، وفي حال امتناع 110 نواب، وهم ثلث أعضاء البرلمان عن دخول جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الممهدة لتشكيل الحكومة، فسيفعّل الثلث المعطل الذي يمنع تشكيل أي حكومة.

وصل تحالف الصدر إلى 180 نائبا، ولم يتمكن من بلوغ أغلبية الثلثين، ولم يقبل “الإطار” بالتنازل له لتشكيل حكومة أغلبية؛ لأنه أصر على حكومة توافقية يشترك فيها الجميع، ما اضطر الصدر للانسحاب من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو المنصرم.

بعد انسحاب كتلة الصدر من البرلمان، أمسى زعيم “الكتلة الصدرية” يراقب المشهد السياسي من الحنّانة، وحينما وجد أن “الإطار” الذي أضحت زمام تشكيل الحكومة بيده، يريد الاستمرار بنهج المحاصصة، دفع بأنصاره للتظاهر والاعتصام في المنطقة الخضراء، رفضا لنهج العملية السياسية الحالية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.