يبدو أن زعيم “التيار الصدري” مقتدى الصدر، لن يهدأ باله قبل أن يتحقق مسعاه بحل البرلمان العراقي وإجراء انتخابات مبكرة جديدة، آخرها طلبه من القضاء العراقي، أن يقوم هو بحل البرلمان، فهل يحق له ذلك قانونيا؟

الخبير القانوني، علي التميمي، قال إن “هنالك رأيين في القضية. الأول يقول إنه لا يمكن للمحكمة حلّ البرلمان لعدم وجود نص دستوي أو قانوني، والحل يجب أن يكون دستوريا من ضمن الاختصاصات الذاتية وليست القضائية للمحكمة”.

وبحسب الدستور العراقي، فإن حل البرلمان يمكن بطريقتين، الأولى أن يقوم البرلمان هو بحل نفسه، والثانية أن يقدم رئيس الحكومة طلبا لرئيس الجمهورية بحل البرلمان، لكن الثانية غير ممكنة؛ لأن الحكومة الحالية هي حكومة تصريف أعمال، أي ناقصة الصلاحيات، ولا توجد حكومة جديدة بعد.

هل يمكن الحل؟

علي التميمي، أضاف في تصريح صحفي، أنه “لا يمكن للقضاء البت في المنازعات بحجة عدم وجود نص وفق المادة 1 من القانوني المدني”.
 
وأردف، “أما الرأي الثاني، فإن المادة 59 من القانون المدني والمادة 74، تحدثت عن الشخصية المعنوية ويمكن لـ “محكمة البدائة” إذا كانت الشخصية المعنوية غير قادرة على أداء دورها، إعطائها الإمكانية لحل تلك المؤسسة، في حال لم تستطع تحقيق الغرض الذي أُنشأت من أجله”.

ولفت التميمي، إلى أن “هذا هو الأساس القانوني الذي يمكن من خلاله حسب أصحاب الرأي الثاني، حل البرلمان من قبل المحكمة الاتحادية العليا”.
 
وأكد التميمي، أنه مضت 10 أشهر ولم يستطع البرلمان أداء دوره، لذلك إمكانية الحل ممكنة ذاتيا من قبل “المحكمة الاتحادية” وفق النصوص الدستورية، ووفق الولاية العامة للمحكمة، لكونها أعلى هيئة قضائية في العراق.

يأتي هذا التوضيح القانوني، بعد أن طلب الصدر في تغريدة له، عصر الأربعاء، من السلطات القضائية، وعلى رأسها “مجلس القضاء الأعلى”، العمل على حل البرلمان العراقي، خلال مدة أقصاها نهاية الأسبوع المقبل.

ما وراء التصعيد؟

زعيم “الكتلة الصدرية”، حث في تغريدته عبر “تويتر”، تكليف رئيس الجمهورية بتحديد موعد انتخابات مبكرة جديدة، مردفا: “يجب أن تكون مشروطة بعدة شروط سنعلن عنها لاحقا”.

وتابع الزعيم السياسي الشيعي: “خلال ذلك يستمر الثوار باعتصاماتهم وثورتهم. وسيكون لهم موقف آخر إذا ما خُذل الشعب مرة أخرى”، في إشارة لتظاهرات واعتصام أتباعه داخل المنطقة الخضراء وعند مبنى البرلمان العراقي، الذي سيدخل أسبوعه الثالث.

يأتي هذا التصعيد، بعد خطاب المالكي، أول أمس الاثنين، الذي رد فيه على دعوة زعيم “الكتلة الصدرية” لإجراء انتخابات مبكرة جديدة، قال فيه إنه لا حل للبرلمان ولا انتخابات مبكرة، قبل عودة مجلس النواب لعقد جلساته داحل مبناه الذي يسيطر عليه أتباع الصدر.

الصدر والمالكي ينحدران من خلفيات سياسية إسلامية، إذ يتزعم الأول تيارا شعبيا شيعيا ورثه عن والده المرجع الديني محمد صادق الصدر، فيما يترأس الثاني “حزب الدعوة”، أقدم الأحزاب الشيعية العراقية.

وتنافس الصدر مع المالكي مرارا على تزعم المشهد السياسي الشيعي. إذ يمثل الأول الخزان التصويتي الأكبر على مستوى البلاد في أي عملية انتخابية، بينما يمثل الثاني، الأحزاب السياسية الشيعية التي صعدت بعد إطاحة نظام صدام حسين في ربيع 2003 إلى المشهد.

قطيعة لا متناهية

منذ عام 2008 توجد قطيعة سياسية وشخصية بين الصدر والمالكي عندما شن الثاني حربا على ميليشيا “جيش المهدي” التابعة للصدر، لإنهاء انتشارها المسلح في الوسط والجنوب العراقي آنذاك، قبل أن يفتح المجال لتأسيس ميليشيات مسلّحة موالية لإيران.

في 30 تموز/ يوليو الماضي، اقتحم جمهور “التيار الصدري” المنطقة الخضراء وأقام اعتصاما مفتوحا من داخلها وأمام مبنى البرلمان العراقي، بعد 72 ساعة من الاقتحام الأول لهم للخضراء الذي لم يتجاوز 5 ساعات قبل أن ينسحبوا بتوجيه من زعيم “التيار”، مقتدى الصدر وقتئذ.

الصدر وصف الاقتحام الأول للمنطقة الخضراء، بأنه “جرّة إذن” للسياسيين الفاسدين ومنهم قوى “الإطار التنسيقي” الموالي لإيران، قبل أن يحشد أنصاره لاقتحام الخضراء مجددا، وهو ما حدث فعلا.

تظاهرات أنصار الصدر، تأتي بعد إعلان “الإطار التنسيقي” ترشيح السياسي محمد شياع السوداني، المقرب من زعيم “ائتلاف دولة القانون” نوري المالكي، لمنصب رئاسة الحكومة العراقية المقبلة.

اعتراض الصدر ليس على شخص السوداني، إنما على نهج المنظومة السياسية بأكملها؛ لأنها تريد الاستمرار بطريقة حكومات المحاصصة الطائفية وتقاسم مغانم السلطة بين الأحزاب، واستشراء الفساد السياسي بشكل لا يطاق، بحسب عدد من المراقبين.

استمرار الانسداد

العراق يمر في انسداد سياسي عقيم منذ إجراء الانتخابات المبكرة الأخيرة في 10 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، بعد فوز “التيار الصدري” وخسارة القوى السياسية الموالية لإيران، قبل أن تتحالف كلها معا بتحالف سمي “الإطار التنسيقي” لمواجهة الصدر.

وسعى الصدر عبر تحالف مع الكرد والسنة إلى تشكيل حكومة أغلبية يقصي منها “الإطار”، لكنه لم يستطع الوصول للأغلبية المطلقة التي اشترطتها “المحكمة الاتحادية العليا” لتشكيل حكومته التي يبتغيها.

الأغلبية المطلقة، تعني ثلثي أعضاء البرلمان العراقي، وهم 220 نائبا من مجموع 329 نائبا، وفي حال امتناع 110 نواب، وهم ثلث أعضاء البرلمان عن دخول جلسة انتخاب رئيس الجمهورية الممهدة لتشكيل الحكومة، فسيفعّل الثلث المعطل الذي يمنع تشكيل أي حكومة.

وصل تحالف الصدر إلى 180 نائبا، ولم يتمكن من بلوغ أغلبية الثلثين، ولم يقبل “الإطار” بالتنازل له لتشكيل حكومة أغلبية؛ لأنه أصر على حكومة توافقية يشترك فيها الجميع، ما اضطر الصدر للانسحاب من البرلمان في 12 حزيران/ يونيو المنصرم.

بعد انسحاب كتلة الصدر من البرلمان، أمسى زعيم “الكتلة الصدرية” يراقب المشهد السياسي من الحنّانة، وحينما وجد أن “الإطار” الذي أضحت زمام تشكيل الحكومة بيده، يريد الاستمرار بنهج المحاصصة، دفع بأنصاره للتظاهر والاعتصام في المنطقة الخضراء، رفضا لنهج العملية السياسية الحالية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.