كان مسار “هيئة تحرير الشام” (جبهة النصرة سابقا) في السيطرة مؤخرا على “حركة أحرار الشام” وضمها لتبعيتها، دافعا لتحويل ذلك إلى منهجية عمل فيما يبدو للسيطرة على باقي الفصائل الموجودة في مناطق محافظة إدلب، ولعل الأبرز بينها هي “الجبهة الوطنية للتحرير” التي تنضوي بالأساس ضمن إطار “الجيش الوطني” المعارض المدعوم من أنقرة.

مخطط السيطرة على مختلف الفصائل العاملة في الشمال الغربي من سوريا ضمن مناطق نفوذ زعيم “جبهة النصرة”، “أبو محمد الجولاني” بات يأخذ خطوات أكثر بروزا، وقد لا يكون الاندماج هو الشكل الذي يفضله الجولاني بقدر ما يسعى للسيطرة الكلية والتبعية الكاملة له، ما قد يدفع للتوقع باحتمالية حدوث تصعيد عسكري في تلك المنطقة، تكون “الجبهة الوطنية للتحرير” أحد طرفيها بمواجهة “الجولاني” وأتباعه.

تتبع “تحرير الشام” منذ فترة ليست بالقريبة؛ خطة مدروسة لاستقطاب أكبر عدد ممكن من عناصر “الجبهة الوطنية للتحرير”، مستغلة ضعف رواتبهم، وشح الموارد المالية، ثم تطورت وسائل التواصل مع فصائل معينة في الجبهة، لتقديم عروض لها، مشابهة لتلك التي طُبقت مع “أحرار الشام” في وقت سابق، والتي أدت إلى زيادة التنسيق العسكري، وإقامة معسكرات وتدريبات مشتركة.

قد تكون أمام “الجولاني” جملة من المساعي لتحقيق مكاسبه التي يرمي إليها في سبيل ترسيخ نفسه كقائد أوحد للمنطقة، بمقابل تفتيت أي تكتل بمقابله يمكن أن تعتمد عليه القوى الدولية الفاعلة في الملف السوري خلال الفترة المقبلة من أجل ضبط تمدد الهيئة وسطوتها هناك.

إدلب تحت هيمنة “الجولاني”

الكاتب والمحلل السياسي، د.باسل معراوي، يرى أن “الجولاني لا يحتاج لتأكيد هيمنته الأحادية على مناطق إدلب، ذلك لأنه بالفعل يهيمن عليها تماما ويعتبر القوة الرئيسية فيها”.

ووفق تقدير معراوي الذي تحدث لـ”الحل نت”، فإن “أعداد المقاتلين المنتمين للجبهة الوطنية للتحرير والذين يتبعون لفصائل الجيش الوطني السوري المدعومة من أنقرة، لا يشكلون أي خطر أو خشية على هيمنة تحرير الشام مطلقا، فهي لا تتدخل بالأمور الإدارية وفرض الأمن وإنما تغطي الكثير من نقاط الرباط على الجبهات”.

وبالتالي، وفق اعتقاد معراوي، هذا يؤدي لتحرير قسم كبير من قوات “الجولاني” وتفريغها للأمن الداخلي، ووجودها الحالي بالأعداد أمر طبيعي، وفي الأساس تواجدها يخدم الجولاني كثيرا، وبالتالي هو حريص على بقائها طالما كان تواجدها بشروطه.

تنظيم الجولاني ابتلع ما أراد أو ما خطط له من العدو والصديق، وأحيانا بتخاذل الفصائل في مساعدة بعضها البعض والوقوف في جبهة واحدة ضده، وضحايا حركة “أحرار الشام” الإسلامية الأخيرة دليل على هذا التخاذل، حيث أحدثت انشقاقا عموديا فيها، ويمكن القول إنها الآن إما موالية للجولاني بقيادة حسن صوفان، أو خاضعة له تحت قيادة أميرها الحالي ولا يمكن الطعن في سلطته.

قد يهمك: ما هي خيارات “المعارضة” مع المتغيّرات التركية تجاه “الأسد”؟

الجولاني يريد تعويم نفسه دوليا

الكاتب والمحلل السياسي، د.باسل معراوي، فإنه لا يعتقد أن “الهيئة بصدد التوسع على حساب مناطق الجيش الوطني، ذلك لأنه لا يملك القدرة على ذلك أولا، وثانيا لا يريد تخريب العلاقة معهم وإغلاق نافذة اقتصادية هامة جدا مع تلك المناطق، إلى جانب غياب أي قرار إقليمي أو دولي حيال هذا الوضع حتى الآن”.

ويضف لـ”الحل نت”، أن الجولاني كان يسعى منذ فترة طويلة لتغيير خطابه وسلوكه، والايحاء بتأكيد انشقاقه عن تنظيم “القاعدة” الأم.

وخلُص معراوي حديثه بالقول: “التعاون الاستخباراتي ضروري للجولاني، حيث كان هناك في العامين الماضيين خليفتان لتنظيم داعش وعشرات العناصر الإرهابية الخطيرة في مناطقه، وهو يقدم الدعم اللوجستي والبشري المطلوب لتصفية هؤلاء القادة الخطرين”، وبالتالي كسب بعض المصالح وإن كانت قليلة جدا.

أثار حديث “الجولاني” خلال شهر تموز/يوليو الماضي عن “مشروع كيان سني” كثيرا من الجدل، ففي تسجيل مصور، نشرته ما يسمى “حكومة الإنقاذ”، الجناح المدني لـ”هيئة تحرير الشام”، على صفحتها الرسمية في موقع “فيسبوك”، ظهر الجولاني، مع عدد من مسؤولي تلك “الحكومة”، بمناسبة عيد الأضحى.

وبحسب الجولاني “لم يعد المشروع في المناطق المحررة مشروع ثورة ضد الظلم والطغيان فقط، وإنما تحوّل إلى بناء كيان سني، على اعتبار أن أبناء السنة معرضون لخطر وجودي في سوريا”.

وأضاف الجولاني، خلال التسجيل المذكور، أن “العسكرة هي السور الذي يحمي المنطقة، ولكن فكرة الثورة ليست عسكرية فحسب. واقتصار الثورة على الجانب العسكري والأمني يعد توصيفا خاطئا. فالهدف هو بناء مجتمع وكيان إسلامي سني، يحافظ على هوية وتراث الشعب، ويتناسب مع طبيعته وتاريخه”.

وائل علوان، الباحث في “مركز جسور للدراسات”، قال خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، إن تصريحات الجولاني ما هي إلا “رسالة للداخل، وإلى المجتمعات المحلية، الخاضعة لسيطرة هيئة تحرير الشام”.

مضيفا: “تصب تصريحات الجولاني عن المشروع السني في مجرى الانتقال من المشروع الجهادي/العسكري إلى مشروع حكم المنطقة بوصفها إمارة حرب للجولاني، وهو مشروع ذو هوية أيديولوجية محددة، تحرص عليها الهيئة، رغم التغييرات التي طالت توجهاتها، من السلفية الجهادية العالمية إلى السلفية المحلية/المناطقية”.

استثمار طائفي؟

من جهته نظر محمد نور حمدان، الأكاديمي ومدير “مركز مناصحة للدراسات”، إلى حديث الجولاني عن مشروع كيان سني؛ بوصفه محاولة لإقامة حالة في سوريا تشابه حالة “حزب الله” اللبناني.

ويقول حمدان لموقع “الحل نت”: “مشروع الجولاني السني محاولة للاستثمار الطائفي في وضع الحرب السورية الحالي، إذ يريد أن يظهر نفسه بمظهر حامي المكون السني، تماما كما يفعل حزب الله، الذي يدعي حماية الشيعة في لبنان”.

“الجولاني” عاود الظهور أمام الكاميرات في المحافل الاجتماعية، خلال الشهر الفائت، بين المصفقين والمرقعين لمسيرته وقيادته، فبثت وكالة “أمجاد” التابعة لـ “هيئة تحرير الشام”، فيديو يظهر فيه “الجولاني” ومجموعة من العاملين في المجال الإداري بمحافظة إدلب، وجلهم يعمل لصالح حكومة “الإنقاذ”، وآخرون يعملون بالخفية لصالح “الهيئة” وفق ما أدلى به ناشطون محليون لموقع “الحل نت”.

وأضاف الناشطون، أن “حديث الجولاني ضمن الجلسة التي عقدت ثاني أيام العيد، كان عبارة عن تسويق لمشاريعه الاقتصادية والتجارية في محافظة إدلب، وكأنه يحاول إيصال فكرة أن محافظة إدلب تعيش بنعيم مقارنة بمناطق سيطرة الجيش الوطني المعارض المدعوم من أنقرة، أو مناطق سيطرة القوات الحكومية السورية”.

وتضمن كلام “الجولاني” خلال لقائه، أن “خطة تحرير الشام الاستراتيجية العسكرية، هي السيطرة على جميع الأراضي السورية مستقبلا، وأن أكثر من 75 بالمئة من نشاط الهيئة حاليا مركز على الأهداف البعيدة لها، من ضبط أمن مناطقه وتدعيم جيشه المتمركز في محافظة إدلب”.

الباحث في الفصائل الجهادية يوسف قبلاوي قال خلال حديث سابق لموقع “الحل نت”، إن “الجولاني يحاول أن يكون مثل الخامنئي، ويريد أن يكون كقائد للحزب الشيوعي الروسي والصيني، له السلطة المعنوية، موجها رسالته الأساسية إلى داعميه ومناصريه”.

وأشار القبلاوي، أن رسائل الجولاني لداعميه بأن “المستقبل لن يتحقق إلا بوجود الجولاني نفسه، حتى ولو كان هذا المستقبل على غرار قطاع غزة، وليس هناك عوائق سلبية على هذا الأمر”.

الترويج للتجنيد

وفق تقارير صحفية، فقد بدأت “هيئة تحرير الشام” بالترويج لإدارة التجنيد من قبل الإعلام الرسمي والرديف، في شهر أيار/مايو 2021، عبر نشر فيديوهات حماسية تدعو “للنفير والجهاد”، وكذلك نشر لافتات ضخمة في شوارع مدينة إدلب والأماكن العامة تشجع على ذات الأمر.

ومن ثم ظهر القيادي في “تحرير الشام”، مظهر الويس، على إعلام الهيئة وصرح بالقول: إن “انطلاق مشروع إدارة التجنيد العسكري بشعب الانتساب والتطوع في مناطق المحرر، خطوة مهمة للارتقاء بالجهد العسكري وتنظيمه، وهي رسالة واضحة أن إرادة القتال مستمرة وأن الحق والمشاريع لا تحمى وتُصان بغير الشوكة وبناء الجيوش والكتائب”.

يبدو أن فكرة الاستحواذ على جميع المناطق الشمالية قد تم التخطيط له منذ فترة طويلة من قبل الجولاني، لذلك سيحاول مرارا وتكرارا حتى يكون لديه سيطرة فعلية كاملة على المنطقة تلك والتفرد بقرارات المنطقة واقتصادها، ومن ثم التلاعب بخيوط المقايضات الإقليمية والدولية إذا سنحت الفرصة، خاصة أنه يحاول منذ فترة طويلة إتباع سلوك معين لتعويم نفسه دوليا، والسعي لإزالة اسم تنظيمه من قائمة الإرهاب الدولي.

قد يهمك: الأسد يلتقي أردوغان في دولة ثالثة.. رسائل روسية إلى وزير الخارجية السورية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.