“ما عاد في كهربا بكل البلد”، يقول صافي سلام. قد يبدو ذلك منطقيا بالنظر إلى الواقع اللبناني، خاصة وأن بلاد الأرز تعودت على القطع الجزئي للتيار الكهربائي، لكن أن تخرج الكهرباء عن الخدمة كليا في لبنان، هنا تكمن الصدمة لدى اللبناني المغلوب على أمره.

“شو هاد.. كيف رح نطبخ وناكل، وكيف بدنا ننام بعجئة هالحَر؟”، بتلك الكلمات يعرب سلام عن غضبه في حديثه مع “الحل نت” من أزمة الكهرباء. لم يستوعب الشارع اللبناني، ما أعلنته “مؤسسة كهرباء لبنان”، اليوم الخميس، بنفاد مادة الغاز “أويل”، وخروجها عن الخدمة، بدءا من غد الجمعة وإلى إشعار آخر، لكن ذلك بات حقيقة واقعة.

المؤسسة اللبنانية بررت قرارها في بيان لها، نتيجة “الوضع الحساس والدقيق والخارج عن سيطرتها”، وأفادت بأنه سيتم وضع “معمل الزهراني” قسريا خارج الخدمة بعد ظهر الجمعة، جراء نفاد خزينه من مادة الغاز “أويل”.

أيام معتمة

“ذلك ما سيؤدي إلى توقف إنتاج الطاقة على كافة الأراضي اللبنانية، على أن يعاد تشغيل معامل الإنتاج فور تزويد المؤسسة بالمحروقات في أقرب فرصة ممكنة”، وفق البيان.

“خيّو.. الله يعيننا، هو وحدو اللي يفرجها”، هكذا يستسلم المواطن اللبناني صافي سلام للواقع. لا يعرف اللبناني كيف سيعيش أيامه المقبلة وسط العتمة والظلام الدامس، خاصة وأن المولدات الأهلية هي الأخرى تعتمد على مادة الغاز “أويل” النافدة أصلا في البلاد، وما يزيد من الطين بلة، هو عدم تنفيذ اتفاق تزويد بيروت بالكهرباء من الأردن عبر سوريا.

يتعقد اتفاق إيصال الكهرباء من عمّان إلى لبنان عبر دمشق؛ بسبب العقوبات المفروضة على الحكومة السورية، لا سيما بعد الكشف قبل أشهر عن حصة دمشق من الاتفاقية، وهي 8 بالمئة من إجمالي كميات الكهرباء المصدّرة إلى لبنان عبر الأراضي السورية.

العقوبات المفروضة على الحكومة السورية، تعيق إتمام الاتفاق، لا سيما المتعلقة بالعقوبات الاقتصادية ضمن ما يعرف بـ “قانون قيصر“. واشنطن و”البنك الدولي” يعرقلان إتمام الاتفاق، نتيجة عدم منح الولايات المتحدة استثناء للبنان بشأن نقل الكهرباء عبر سوريا.

الحديث أعلاه، ألمح له وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية وليد فياض، عندما اعتبر أن “السياسة“، هي التي تقف أمام تأخير مشروع تزويد بلاده بالكهرباء عن طريق سوريا، للتخفيف من وطأة الانقطاعات المتكررة.

في الحقيقة، هنالك العديد من العوامل تعيق تنفيذ مشروع نقل الكهرباء من الأردن إلى لبنان عبر الأراضي السورية، منها متعلق بالسياسة والاقتصاد، ومنها عدم كفاءة البنى التحتية في بلد الأرز.

“حزب الله” ودمشق

“العائق السياسي يتمثل بالسلطة السياسية بلبنان، المسيطر عليها من قبل حزب الله، ومطوقة عربيا ودوليا، ناهيك عن عقوبات قيصر على سوريا”، يقول ألان سركيس.

“لا ننسى أن وزارة الطاقة هي مع التيار التابع لحزب الله والموالي للنظام السوري، وذلك ما يجعل أيضا الدول المانحة تطالب بإصلاح هذا الأمر“، يبين سركيس، وهو صحفي لبناني، في تقرير سابق أعده “الحل نت”.

تضع الدول المانحة، حسب سركيس، عدة شروط لتمويل المشروع؛ بسبب الفساد المنتشر في السلطة اللبنانية. “الفساد جعل الجهات الدولية المانحة تتخوف من تمويل هذه المشاريع؛ لمعرفتها أنه سيتم هدر الكهرباء، وتشترط القيام بإصلاحات من أجل دعم لبنان بمجال الطاقة“.

كبديل عن الاتفاق الذي لن ينفذ بعد، حاولت بيروت في سعيها لحل جزء من محنتها، إرضاء العراق بالمقدور عليه من قبلها مقابل استيراد الوقود منه، آخرها من خلال التفاح. نعم التفاح مقابل الوقود “الفيول”.

“الهيئة اللبنانية لمعالجة المسائل الانمائية” في الشمال، اقترحت مؤخرا خلال اجتماع برئيس الحكومة نجيب ميقاتي، تصدير التفاح اللبناني إلى العراق، في مقابل الحصول على “الفيول” العراقي.

“قدمنا خلال الاجتماع اقتراحا من أجل شراء التفاح اللبناني من المزارعين وتصديره إلى العراق، في مقابل تزويدنا بالفيول كخطوة أولى، وسيكون لها آثار إيجابية على الاقتصاد اللبناني بشكل عام وعلى المزارعين بشكل خاص”.

تعثر “الاتفاق الإطاري”

لبنان وقّع مع العراق، اتفاقا في تموز/ يوليو 2021 لاستيراد مليون طن من وقود “الفيول” للتخفيف من أزمة الكهرباء في البلاد، ووصلت أول باخرة إلى بيروت محملة بـ31 ألف طن من مادة وقود “الفيول” في 16 أيلول/ سبتمبر عام 2021.

“الفيول” هو مزيج من الزيوت التي تبقى في وحدة تكرير النفط بعد التقطير -وقود ثقيل- ويحرق في الفرن أو المرجل لتوليد الحرارة أو لتوليد الطاقة الكهربائية أو الحركية.

قبل ذلك، في نيسان/ أبريل 2021، وقعت بغداد اتفاقا “إطاريا” مع بيروت، تحصل بموجبه الأخيرة على النفط العراقي مقابل تقديم لبنان الخدمات الطبية للعراق.

حصلت الاتفاقية حينها، بأن يتم توريد لبنان 500 ألف طن من النفط العراقي دوريا مقابل الخدمات الطبية، لإنقاذ بيروت من الأزمة الاقتصادية وتحديدا الصعوبات في التزود بالطاقة.

بعد “توقيع الاتفاق الإطاري”، توصل العراق ولبنان إلى تفاهمات من أجل تشكيل “لجنة فنيّة مشتركة” لضمان تطبيق ما ورد في الاتفاق حينها، وفق “الوكالة الوطنية اللبنانية للإعلام”، لكن وبعد تنفيذه لمدة معينة، لم يستمر الاتفاق؛ لأن بغداد هي الأخرى تمر بأزمة وقود مؤخرا.

إزاء تعثر اتفاقياته، يواجه لبنان أزمة حادة مع انهيار قيمة العملة وتراجع مدخراته من العملة الصعبة، بدأت منذ تفجير مرفأ بيروت في 4 آب/ أغسطس 2020، وتفاقمت بشكل واسع، حتى بات لبنان اليوم، بلا اقتصاد ولا كهرباء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.