درعا لم تبتعد عن واجهة الأحداث في سوريا، على الرغم من محاولات إيران، وحكومة دمشق إيصال صورة للعالم أنها باتت منطقة مستقرة، فإيران تعمل منذ بدء سحب روسيا لجزء من قواتها من المحافظة على تعبئة هذا الفراغ من خلال إرسال عناصر لها، وعلى الرغم من التحذيرات من خطر وجودها على الحدود السورية الأردنية، إلا أنها ماضية في مشروع تحويل الجنوب السوري إلى جنوب لبناني، وهذه المرة من خلال إنشاء قاعدة عسكرية كبيرة في المحافظة.

قاعدة عسكرية إيرانية

تقرير لصحيفة “القبس” الكويتية، يوم الثلاثاء الفائت، أشار نقلا عن مصادر مطلعة داخل إيران، أن طهران أرسلت أخيرا وحدات جديدة من فيلق القدس ـــ الجناح الخارجي للحرس الثوري ـــ إلى الحدود السورية ـــ الأردنية، وهي بصدد إنشاء قاعدة كبيرة بدلا من النقاط الصغيرة التي تُستخدم من قبل ميليشياتها في المنطقة.

وأضافت المصادر، أن “الحرس الثوري” أرسل ثلاث وحدات جديدة من لواء “فاطميون” بزعامة القيادي في الميليشيات الأفغانية، حكمت الله هراتي، وصلت مؤخرا من طهران إلى دمشق ثم إلى مدينة درعا جنوبي سوريا، وقد أُرسلت تحديدا للاستقرار والانتشار على الحدود السورية – الأردنية بعد أن تم تدريبها، في معسكرات تابعة للحرس الثوري جنوب شرق طهران، على استخدام صواريخ قصيرة المدى والطائرات المسيّرة، وهي مجهزة عسكريا أكثر من الميليشيات الإيرانية المتمركزة في دمشق.

وأشارت المصادر الإيرانية، إلى أن “الحرس الثوري” أنشأ قيادة جديدة لإدارة المنطقة السورية الجنوبية، وتولت هذه القيادة مهامها الأسبوع الماضي بعد أن استكملت الوحدات الأفغانية انتشارها على طول النقاط الحدودية مع الأردن.

وأوضحت المصادر الايرانية، أن “الحرس الثوري”، أطلق اسم “مالك الأشتر” على القاعدة الجديدة التي بدأ استكمال بنائها وانشائها في ريف درعا، مبينة أن عدد عناصر ميليشيات “فاطميون” الذين نقلوا إلى الحدود السورية – الأردنية يبلغ نحو 350 عنصرا إضافة إلى ضباط وكوادر لـ”لحرس الثوري”. وتريد إيران الاستقرار لفترة طويلة هناك، وأكدت المصادر أن عائلات عناصر لواء “فاطميون”، التحقت بهم بعد وصولهم الى درعا.

ونقلت الصحيفة عن المصادر الإيرانية، أن طهران تخطط للاستثمار في المنطقة الجنوبية من سوريا، وإنشاء قاعدة “مالك الأشتر” في درعا، هو في جزء حماية الشركات الإيرانية من هجمات قد تشنها فصائل المعارضة السورية، إضافة إلى انشاء نقطة مركزية ثابتة في الجنوب لإحكام السيطرة على مثلث درعا ـ القنيطرة ـ دمشق.

إقرأ:الجنوب السوري.. وفد روسي في السويداء والميليشيات الإيرانية تحاصر درعا

هل هي قاعدة إيرانية واحدة في درعا؟

بحسب معلومات “الحل نت”، فإن هناك أكثر من منطقة يمكن أن تكون صالحة لإنشاء القاعدة الإيرانية، ولكن بحسب معلومات “القبس”، فإن منطقة “مثلث الموت”، الواقعة بين درعا، والقنيطرة هي من بين هذه المناطق، حيث تم إنشاء غرفة عمليات في المنطقة في العام 2014 من قبل قائد فيلق القدس، السابق قاسم سليماني، والذي قتلته الولايات المتحدة، في مطلع العام 2020، وكان سليماني يشرف على المعارك بين الميليشيات الإيرانية، والمعارضة السورية بنفسه في ذلك الوقت.

وتعتبر المنطقة من المناطق المحصنة طبيعيا، إذ تحتوي على مجموعة من التلال الاستراتيجية والتي تخضع لسيطرة الميليشيات الإيرانية، وأبرزها “تل قرين”، و”تلول فاطمة”، والتي تتواجد فيها ميليشيا “فاطميون”.

أما المنطقة الثانية، فهي بالقرب من درعا البلد، وتعرف باسم قاعدة الدفاع الجوي، وهي كتيبة دفاع جوي سابقة لحكومة دمشق، سيطرت عليها الميليشيات الإيرانية مؤخرا، وطردت منها كل المنتسبين المحليين للأجهزة الأمنية.

وتشير المعلومات التي حصل عليها “الحل نت”، إلى أن الميليشيات بدأت منذ عدة أشهر بعمليات بناء وتحصين في القاعدة ومن بينها أنفاق للتهريب نحو الأردن، وأخرى لتخزين السلاح والصواريخ، وتعتبر هذه القاعدة من القواعد الملائمة لاستخدام الطائرات المسيرة، والتي استخدمتها الميليشيات الإيرانية، بالفعل في تهريب المخدرات للأردن في وقت سابق.

من جهة ثانية، بحسب مصادر محلية لـ”الحل نت”، ففي العام 2018 وبعد عملية التسوية قامت الميليشيات الإيرانية، بتجريف 8 بلدات في منطقة اللجاة مجاورة لبلدة “إيب” التي تسيطر عليها الميليشيات وعلى بلدات رئيسية أخرى في اللجاة، من بينها “مسيكة”، و”حامر”، من خلال منتسبين محليين تابعين لـ”حزب الله” اللبناني، وعلى رأسهم حسن رويضان، ووالده منصور الرويضان، وآخرين.

وفي نفس العام قامت الميليشيات الإيرانية، بتخريج أول دورة من المقاتلين المحليين في بلدة “إيب”، بعد تدريبهم على يد “حزب الله” اللبناني.

وبحسب المعلومات، فقد أنشأت الميليشيات الإيرانية العديد من مخازن الأسلحة في “اللجاة” مستغلة التضاريس الصخرية القاسية في المنطقة والتي تحتوي على مغارات كبيرة ومحصنة، استخدمتها المعارضة المسلحة خلال أوقات سابقة.

قد يهمك:من يقف وراء استهداف الروس في الجنوب السوري؟

التعزيزات مستمرة

تقرير سابق لـ”الحل نت”، أشار نقلا عن مصادر خاصة، أن عدة مجموعات من “حزب الله” اللبناني، ولواء “أبو الفضل العباس”، اتجهت من مقراتها في محيط مطار دمشق الدولي إلى منطقة السيدة زينب في مطلع حزيران/يونيو الماضي، وذلك للاجتماع وتوزيع المهام والاستماع إلى خطب دينية من رجال الدين، ليتم بعد ذلك نقلهم إلى مواقعهم الجديدة في الجنوب السوري، مضيفا أن مجموعات مماثلة انطلقت قبل أيام من منطقة السومرية قرب دمشق، للجنوب أيضا.

وأكدت المصادر، أن هذه المجموعات جرى نقلها من دمشق إلى درعا بعد منتصف الليل بهدف منع رصد تلك التعزيزات، وعادت السيارات التي أقلتهم إلى دمشق فجرا، وتمت العملية على مراحل، حيث تم نقل المجموعات على عدة دفعات مزودين بأسلحة خفيفة ومتوسطة، حيث تمركزت هذه المجموعات على الحدود الأردنية، ترافقها دبابات، ورشاشات ثقيلة.

إقرأ:الاغتيالات وسيلة مناسبة لتحجيم النفوذ الإيراني في الجنوب السوري؟

ما الموقف الأردني؟

خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، برزت تصريحات متعددة للجانب الأردني، تمحورت حول خوض القوات الأردنية، حربا حقيقية ضد مهربي المخدرات من الجنوب السوري، وكذلك ضد النفوذ الإيراني الذي يشغل الأردنيين بعد الحديث عن انسحابات روسية محتملة من الجنوب.

فقبيل القمة الإقليمية في جدة السعودية، في تموز/يوليو الماضي، صرح وزير الخارجية الأردني، أيمن الصفدي، أن “استقرار الجنوب السوري هو مصلحة وطنية” لبلاده، وأن عمّان “تريد علاقة صحية مع إيران”، ومشيرا في الوقت نفسه إلى وجود حالة غير صحية على الحدود مع سوريا، وعمليات تهريب ممنهجة للمخدرات، ولذلك هنالك حاجة إلى مقاربات تثبّت الأمن، والاستقرار في الجنوب السوري.

ومن جهة ثانية، وخلال كلمته في القمة، أشار الملك الأردني، عبدالله الثاني، إلى الخطر الإيراني جنوب سوريا، قائلا” نواجه المخاطر الأمنية المتجددة على حدودنا، في مكافحة عمليات تهريب المخدرات والأسلحة، التي باتت خطرا كبيرا يداهم المنطقة بأكملها” ومشيرا إلى وجوب دعم دولي لجهود الأردن في هذا الإطار بقوله، أن “تلك مسؤوليات نتحملها بالنيابة عن المجتمع الدولي”.

وبعد القمة صدرت تصريحات أخرى للملك الأردني، أشار فيها إلى أن بلاده على تواصل مع دمشق، وموسكو بشأن المخاطر الأمنية على حدود الأردن الشمالية.

وأضاف قال خلال لقائه شيوخا، ووجهاء، وممثلين عن المجتمع المحلي في البادية الشمالية، في نهاية تموز/يوليو الماضي، وأضاف أن “نشامى الجيش العربي والأجهزة الأمنية بالمرصاد لأي تهديد قد يحيط بالوطن”، مؤكدا أن “التعليمات واضحة بهذا الشأن وخط أحمر لا يمكن التهاون فيها”.

الصحفي السوري، سمير السعدي، أوضح خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن اجتماعا جرى مطلع شهر تموز/يوليو الماضي، بين مسؤولين أردنيين وإيرانيين، في العاصمة العراقية بغداد، وتم التفاهم على عدد من الخطوط العريضة ومن بينها، أن الأردن اختار النأي بالنفس عما يجري في سوريا، والنأي بالنفس عن أي صدام مع إيران، حتى في أماكن أخرى كاليمن، مقابل ضغط إيراني لوقف عمليات التهريب إلى الأردن، وعدم المساس بالاستقرار الأردني.

ولكن على الرغم من ذلك، وعلى الرغم من انخفاض عمليات التهريب إلى الحدود الأردنية، إلا أن إنشاء قاعدة عسكرية إيرانية بالقرب من الحدود الأردنية يشكل تهديدا للأمن القومي الأردني بشكل مباشر.

الدكتور بدر الماضي، أستاذ علم الاجتماع السياسي في الجامعة الألمانية الأردنية، بيّن في وقت سابق لـ”الحل نت”، أن إيران أصبحت تهديدا استراتيجيا لا يمكن تجاهله، بالنسبة للأمن القومي العربي، من خلال النفوذ التي تسعى إيران لتوسيعه، أو تثبيته في عدة دول عربية، كسوريا، والعراق، واليمن، ولبنان، وهذا التهديد لم يعد بالإمكان التغاضي عنه، والتصعيد الإيراني لا بد من أن يواجهه رفع للتكلفة السياسية، والأمنية، والعسكرية العربية لمواجهة إيران، حتى تنسحب من هذه الدول.

من الواضح حتى الآن أن الأردن لم يحسم خياره بشكل نهائي بكيفية التعامل مع التواجد الإيراني على حدوده الشمالية، فعلى الرغم من محاولات إيجاد حل دبلوماسي لهذا التواجد وعمليات تهريب المخدرات، والسلاح إلى الأردن، إلا أن إيران لا تزال مصرة على تعزيز وجودها في الجنوب السوري وإحكام سيطرتها على هذه المنطقة.

قد يهمك:“منطقة آمنة” في الجنوب السوري.. ما الاحتمالات؟

وكان الملك الأردني، كشف في نهاية حزيران/يونيو الماضي، أن “الميليشيات الشيعية في سورية زادت عمليات تهريب السلاح والمخدرات”، بالتزامن مع تراجع دور روسيا في سوريا على خلفية الأزمة الأوكرانية، كما حذر من تصعيد المشاكل على الحدود السورية الأردنية، بسبب زيادة النفوذ الإيراني.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.