الأزمة الاقتصادية اللبنانية لم تبق داخل حدود بلد الأرز، بل تعدتها اليوم إلى الخارج لتشمل سفارات بيروت لدى معظم دول العالم. تلك السفارات مهددة بالتوقف عن العمل من قبل الدول المضيفة، ما لم يدفع لبنان ديونه لها، فما الحكاية؟

القصة تبدأ بتأخر صرف رواتب السفراء والعاملين في السلك الدبلوماسي اللبناني للشهر الرابع على التوالي، ناهيك عن أن مصاريف السفارات التشغيلية لم تصرف منذ مطلع العام الجاري 2022.

كل ذلك، يهدد استمرارية العمل في سفارات لبنان وقنصلياته في الخارج التي تقدم الخدمات لنحو 14 مليون لبناني مغترب ومنتشر حول العالم.

الواقع أعلاه، دفع بالعاملين في السلك الدبلوماسي اللبناني إلى التلويح بالإضراب الشامل في مختلف سفارات البلاد الخارجية، في حال لم يتم إرسال رواتبهم.

تهدئة وعرقلة

التصعيد بالإضراب وصل في النهاية إلى تهدئة مارسها مصرف لبنان بالتنسيق مع وزارة المالية، تمثلت في صرف راتب شهر واحد من الأشهر المتأخرة، على أن يتم معالجة بقية الرواتب في الفترة المقبلة، وفق بيانات صادرة عن وزارة المالية اللبنانية ومصرف لبنان.

بيان لوزارة المالية اللبنانية، قال الاثنين الماضي، إن “مصرف لبنان بدأ بتحويل رواتب أعضاء السلك الدبلوماسي العاملين بالخارج، وذلك بعد التواصل الذي جرى في الأيام الأخيرة بين وزير المالية في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل، وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة، لتحويل هذه الرواتب بالدولار الأميركي.

مصرف لبنان من جانبه، أعلن في بيان، أنه “حول إلى المصارف كافة الرواتب لموظفي القطاع العام والمساعدات الاجتماعية الواردة إليه من وزارة المالية، وباشر أيضا بتحويل رواتب الدبلوماسيين عن الأشهر السابقة”.

آلية صرف رواتب الدبلوماسيين، تقوم على إرسال وزارة الخارجية لجداول الرواتب بالأسماء إلى وزارة المالية، التي بدورها تنقل الاعتمادات إلى مصرف لبنان، الذي يحولها إلى حسابات السفارات والدبلوماسيين في الخارج بالعملة الصعبة.

الآلية تلك، تشهد عرقلة في الآونة الأخيرة من جهة مصرف لبنان، الذي يقول إنه يواجه مشاكل في تأمين سيولة مالية بالدولار تكفي لتسديد هذه الرواتب، وغيرها من نفقات الدولة اللبنانية بالدولار، فيما احتياطاته من العملة الصعبة آخذة بالتآكل.

تواجه الحكومة اللبنانية أزمة مالية حادة ناتجة عن الانهيار المالي غير المسبوق في لبنان، والذي دفع بالليرة اللبنانية إلى الهبوط نحو مستويات قياسية.

إنذارات

هبوط العملة اللبنانية، أدى إلى تآكل قيمة الموازنات المصروفة للوزارات والمؤسسات الحكومية، إضافة إلى رواتب الموظفين لديها التي فقدت أكثر من 90 بالمئة من قدرتها الشرائية.

معظم السفارات اللبنانية، عمدت إلى تخفيض نفقاتها التشغيلية بمعدل 25 بالمئة منذ بداية العام، وهذا التخفيض ترجم بنقل مكاتب تابعة للسفارات من مناطق إلى أخرى أقل كلفة لناحية بدلات الإيجارات، إضافة إلى عدم ملء الشواغر في وظائف السفارات.

خلال الأشهر الماضية اضطرت البعثات الدبلوماسية الموزعة على 75 سفارة لبنانية و15 قنصلية في الخارج، للجوء إلى المدخرات من أجل تمرير هذه المرحلة، وبذلك استطاعت أن تصمد 4 أشهر، حسب تصريح قنصل لبناني لموقع “الحرة“، رفض الكشف عن هويته.

وفق القنصل، فإنه في الوقت نفسه لا إمكانية للتعويل على المدخرات في أزمة مستمرة، لا سيما بالنسبة إلى الدبلوماسيين الذين لديهم عائلات، حيث كانوا الأكثر تأثرا في الأشهر الماضية، فتراكمت عليهم الفواتير والمدفوعات.

“بعض السفراء تلقوا إنذارات بخصوص بدل إيجارات المنزل ومبنى السفارة، وهناك زملاء مديونين لبطاقاتهم المصرفية، وعليهم قروض، وبعضهم وجه كتبا لوزارة الخارجية بهذا الشأن”، كما يقول القنصل.

من جهة أخرى يحذر سفير لبناني في إحدى الدول الإفريقية بتصريح لموقع “الحرة”، من أن هناك بعض السفارات اللبنانية بدأت بتلقي إنذارات تتعلق ببدل الإيجارات، وهناك خطورة على بعض السفارات في الخارج التي تتفاوت أوضاعها بين دولة وأخرى، قد يدفع لإيقافها.

ويخشى أن تؤثر هذه الأزمة على سمعة لبنان في الخارج، لاسيما إذا ما تخلف عن تسديد المتوجب عليه تجاه الدول المضيفة، لناحية بدلات الإيجار لمباني السفارات ومنازل الدبلوماسيين وعقود الصيانة والتأمين، ما قد يدخل لبنان بدعاوى قضائية مع أصحاب الملك.

“حسابات السلفة”

السلك الدبلوماسي اللبناني، يطالب بداية بتسديد الرواتب المتأخرة، وهو ما يمثل حقا قانونيا، ثم البت بمصير المرحلة المقبلة، خاصة وأن السلطات اللبنانية لم تشر إلى مصير الأشهر المتأخرة، ولا إلى طريقة الحل المنتظرة.

المشكلة الأساسية في تأخر دفع الرواتب، تتمثل بعدم توفر السيولة اللازمة بالعملة الصعبة لدى مصرف لبنان لإرسالها، وهذه المشكلة لا زالت قائمة وتتجه إلى مزيد من التأزم مع تراجع احتياطات مصرف لبنان شهرا تلو الآخر.

تصل موازنة وزارة الخارجية اللبنانية إلى نحو 1680 مليار ليرة، ومن أصل هذا المبلغ فإن التكاليف التشغيلية الخارجية، وقيمة رواتب العاملين في السلك الخارجي وعددهم 260 دبلوماسي ما بين سفير وقنصل ومستشار وسكرتير ثاني، بالإضافة الى العاملين المحليين، تبلغ 93 مليون دولار.

يذكر أن الرسوم التي تؤمّنها البعثات الديبلوماسية للخزينة العامة، تكفي لتغطية نحو 50 بالمئة من موازنة وزارة الخارجية، وبالتالي يكون العجز في الـ 50 بالمئة الباقية، التي تسدد من الخزينة اللبنانية واحتياطات مصرف لبنان.

وتصرف السفارات المتعثرة اليوم مما يسمى “حسابات السلفة” التي لديها، حيث أن كل سفارة تملك حسابا محليا في الدولة التي تتواجد فيها، حين تنتهي هذه الأموال عليها تقديم طلب سلفة، من وزارة الخارجية التي تتدبر أمر تأمين الأموال، عبر وارداتها أو من مخصصات سفارة أخرى مثلا، ولكن هذا تدبير يبقى مؤقتا، قد يصلح لتمرير شهر أو شهرين، وليس اجراء مستداما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.