الانتهاكات في سوريا، لا تزال العنوان الأبرز للواقع على الأرض، وفق التقارير الأممية التي تصدر منذ العام 2011، ولا تقتصر هذه الانتهاكات على طرف واحد إذ بات لكل من الأطراف، وقوى الأمر الواقع نصيب حافل منها، كما يشير التقرير الأممي الذي صُدر يوم أمس الأربعاء عن “لجنة التحقيق”، بشأن الانتهاكات في سوريا.

انتهاكات “هيئة تحرير الشام”

التقرير الصادر عن “لجنة التحقيق” الأممية، بشأن الانتهاكات في سوريا، تناول الانتهاكات التي تمارسها “هيئة تحرير الشام”، في مناطق سيطرتها.

وجاء في التقرير، ضمن البنود 56-61، أن “الهيئة” استعانت بـ 7 مجالس محلية كان لها دور في تثبيت سيطرتها على إدلب وأجزاء من غربي حلب، بما في ذلك المناطق التي توجد فيها مخيمات للنازحين.

وأضاف التقرير، واصلت “الهيئة” احتكارها لسوق المحروقات، إضافة إلى فرض ضرائب على الشركات المحلية، وبذلك استفادت من أرباح الأنشطة الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وهو ما أثّر بشكل حاد على الواقع المعيشي، ما دفعهم لجلب السلع من المناطق المجاورة لتلبية احتياجاتهم الأساسية.

وحول نقاط العبور، بيّن التقرير أنه، عند نقاط العبور، يقوم أعضاء الجماعة (عناصر الهيئة)، بانتظام بمصادرة أو إتلاف هذه البضائع، واحتجاز وضرب الأفراد، بمن فيهم الأطفال، ففي العاشر من شباط/فبراير الماضي، بالقرب من نقطة عبور قريبة من مخيم أطمة، في دير بلوط، أطلق أعضاء المجموعة النار، وقتلوا امرأة كانت تنقل الوقود من شمالي حلب إلى إدلب، وأثار إطلاق النار ردود فعل عنيفة بين سكان مخيم أطمة. وردت “هيئة تحرير الشام” بإطلاق النيران على المدنيين ما أدى إلى إصابة صبي، كما اعتقل العناصر صحفيا بتهمة التصوير، و10 رجال آخرين على الأقل.

كما سعت “الهيئة” إلى تقييد الحريات الإعلامية والصحفية واستمرت في اعتقال الصحفيين والناشطين أو غيرهم من الأفراد الذين يتحدثون علنا ضد حكمها، ومن خلال إدارة الشؤون التنظيمية للمجموعة لـ”الهيئة”، فرضت اتفاقيات رسمية تقيد بعض أنشطة المشاريع للمنظمات المحلية، مما أدى إلى سحب التمويل من حين لآخر ووقف عملها.

وأيضا هددت “الهيئة”، ناشطين ومنظمات محلية ما دفع كثيرا منهم إلى التوقف عن أنشطتهم، فيما واصل آخرون العمل بشرط ألّا يوجهوا أي انتقادات لها في المستقبل، كما علّقت “الهيئة” عمل المنظمات التي تعنى بقضايا العنف الجنسي، كما قامت بتقييد حرية التعبير، ولا سيما حرية الناشطين والصحفيين من خلال احتجازهم تعسفيا دون اتباع أي إجراءات قانونية.

وبحسب التقرير، اعتقلت مديرية الأمن العام التابعة لـ”لهيئة” في كثير من الأحيان ناشطين وإعلاميين، ومنعتهم من الحصول على الرعاية الطبية كما لم يسمح لهم بالاتصال بعائلاتهم أو بمحام. أنشأت “هيئة تحرير الشام” خط اتصال للعائلات للاستعلام عن الأقارب المحتجزين، لكن العائلات لم تحصل على أي معلومات مفيدة حول مكان احتجاز أولادهم.

وأوضحت “اللجنة” في تقريرها، أنها تلقت تقارير حول مصادرة ممتلكات من قِبل عناصر من أعضاء “هيئة تحرير الشام”، وأشارت التقارير إلى أنه من خلال المديرية العامة لشؤون الإسكان (المعروفة سابقا باسم لجنة غنائم الحرب)، خصصت الجماعة ممتلكات الغائبين لمقاتليها، أو قامت بتأجيرها للعائلات النازحة.

كما عينت “الهيئة”، عدة وكلاء في جميع أنحاء إدلب لتحصيل الإيجار وإدارة عقود الملكية وتحديد المنازل التي أُخليت حديثا في المنطقة، إذ استهدفت ممتلكات نازحين يُعتقد أنهم يدعمون الحكومة السورية أو يعارضونها، بما في ذلك المسيحيون في المقام الأول.

إقرأ:“هيئة تحرير الشام” تتسبب بإيقاف دعم أفران إدلب بالطحين

“الجيش الوطني” والاعتقالات

التقرير الأممي، قال إن “الجيش الوطني السوري”، مارس مزيدا من المركزية لممارسات الاحتجاز في جميع المناطق الخاضعة لسيطرته، كما أُبلغت لجنة التحقيق بأن عددا من أعضاء “الجيش الوطني” حُكم عليهم من قبل محاكم عسكرية بتهمة التعذيب والقتل والاغتصاب والاستيلاء على الممتلكات بين عامي 2018 و2022، في إطار الجهود الرامية إلى ضمان المسائلة”.

وأضاف التقرير نقلا عن أشخاص قابلتهم “اللجنة”، أن مثل هذه الاعتقالات تتزايد منذ عام 2021، بعد التحقيقات التي أجرتها الشرطة العسكرية لـ”لجيش الوطني” في دور الأشخاص المزعوم في دعم الإدارة الذاتية، سواء بصفة عسكرية أو مدنية، بإذن من المحاكم العسكرية في عفرين.

كما يتعرض العديد من المدنيين الأكراد في المناطق التي يسيطر عليها الآن “الجيش الوطني”، بما في ذلك الأطفال، أو على صلة بالإدارة الذاتية الكردية، دون خيار عندما سيطروا على المنطقة حتى عام 2018، يتم الآن اعتقالهم واحتجازهم من قبل “الجيش الوطني السوري”.

وبحسب التقرير، فإنه في أوائل كانون الثاني/يناير الماضي، بالقرب من مدينة الباب، اعتقلت “فرقة الحمزة”، التابعة “للجيش الوطني” (الفرقة 23)، عضوا سابقا في وحدات حماية الشعب الكردية، لم تتمكن الأسرة من تحديد مكان الضحية إلا بعد ثلاثة أشهر من اعتقاله، بدفع رشاوى لتأمين نقله إلى سجن معراتة، في عفرين الخاضع لسيطرة الشرطة العسكرية لـ”لجيش الوطني”.

وفي الوقت الذي أبلغ فيه “الجيش الوطني”، لجنة التحقيق، بأن النظام القانوني المعمول به يحمي المدنيين بشكل كامل من انتهاكات الحظر المفروض على الاعتقال التعسفي، والحق في محاكمة عادلة (بما في ذلك الوصول إلى المحامي والعائلة)، أفاد الأشخاص الذين تمت مقابلتهم بما يلي: “اعتقلتهم الفصائل وأفراد من “الجيش الوطني” السوري واحتجزوا بمعزل عن العالم الخارجي لفترات تتراوح بين شهر وثلاث سنوات، كما حُرم ذويهم من المعلومات المتعلقة بمكان وجود المعتقلين، بما في ذلك المحتجزون الذين نُقلوا إلى تركيا؛ إضافة إلى تعرض أفراد الأسرة الذين يسعون للحصول على معلومات عن مصير أو مكان وجود أحبائهم، تعرضوا للتهديد أو الاعتقال، كما لم يبلغ المعتقلون بأسباب اعتقالهم ولم يسمح لهم بالحصول على تمثيل قانوني، ولم يسمح لهم أيضاً بالاتصال بأقاربهم إلا بعد دفع رشاوى”.

وأوضح التقرير، أنه تم جمع روايات جديدة ذات مصداقية من كل من الناجين، ذكورا وإناثا، بمن فيهم القصّر، عن الضرب وغيره من ضروب التعذيب على أيدي أفراد “الجيش الوطني”، بما في ذلك الاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي التي حدثت في مرافق الاحتجاز المؤقتة فيما بين 2018-2021. وصفت امرأة، كانت محتجزة سابقة، كيف تعرضت للاغتصاب، وأشكال أخرى من العنف الجنسي في 2018 أثناء استجوابها.

كما أدى التعذيب الشديد وغيره من ضروب المعاملة السيئة التي مارسها أفراد “الجيش الوطني” إلى مقتل عدد من المعتقلين. وصف أحد الذين تمت مقابلتهم كيف تم، في 24 شباط/فبراير الماضي، اعتقال أحد أفراد قبيلة عربية، في عفرين من قِبل لواء “فيلق الشام” ونقله إلى موقع عسكري خاضع لسيطرته وضربه حتى الموت. وأصدرت الجماعة بيانا أقرت فيه بمسؤوليتها عن وفاته نتيجة التعذيب الذي تعرض له في أثناء احتجازه، وأعلنت عن اعتقال الجناة المزعومين وتسليمهم للقضاء العسكري.

وحسب التقرير، كثيرا ما كانت عمليات توقيف الأفراد واحتجازهم تقوم بها كتائب “الجيش الوطني” بالتزامن مع الاستيلاء على الممتلكات، بما في ذلك الأراضي الزراعية، مما أجبر العديد من الأشخاص في نهاية المطاف على مغادرة المنطقة والاستمرار في منع عودتهم.

وطبقا للتقرير، قد ترقى مصادرة أطراف النزاع للممتلكات الخاصة إلى حد السلب، وهي جريمة حرب، وهي محظورة على أي حال عندما تتم وفق أسس تمييزية.

ولفت التقرير، إلى أنه فيما يتعلق بالانتهاكات المحددة في هذا التقرير، تلاحظ اللجنة أنه في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا، فإنها تتحمل مسؤولية ضمان النظام العام، والسلامة وتوفير حماية خاصة للنساء والأطفال. تظل تركيا ملزمة بالتزامات حقوق الإنسان السارية فيما يتعلق بجميع الأفراد الموجودين في هذه الأراضي.

قد يهمك:هل يندمج “الجيش الوطني” مع “تحرير الشام”؟

التقرير وانتهاكات أخرى

التقرير كشف أن أكثر من 350 ألف شخص قتلوا في سوريا بسبب الحرب منذ آذار/مارس عام 2011 إلى آذار/مارس عام 2021، مشيرةً إلى أن ما لا يقل عن 14 مليونا و600 ألف شخص بحاجة إلى المساعدات الإنسانية.

وأوضح التقرير، أن حكومة دمشق تستهدف بكثرة المدنيين الموجودين في المناطق الحدودية بدعم من روسيا عبر غاراتها الجوية التي تستهدف المدنيين. مشيرا إلى ما يعانيه المعتقلون في مناطق سيطرة دمشق، والذين يتعرضون لممارسات تنتهك حقوق الإنسان وتنتهي بالموت، بالإضافة إلى عشرات آلاف المفقودين، الذين تتعمد حكومة دمشق، إخفاء أماكن وجودهم ويقوم بممارسات غير إنسانية تجاه ذويهم.

ويعتبر الوضع الاقتصادي والإنساني في أسوأ حالاته منذ بداية الحرب في سوريا، حيث يحتاج ما يقدر بنحو 14.6 مليون شخص إلى المساعدة الإنسانية.

كما أدى الارتفاع بنسبة 800 في المئة، في أسعار المواد الغذائية منذ عام 2020 إلى الحد من قدرة الوكالات الإنسانية على تلبية الاحتياجات المتزايدة، كما فعل إغلاق مطار دمشق، بعد الغارات الجوية الإسرائيلية المشتبه بها. واندلعت احتجاجات في أجزاء من البلاد ضد استمرار تدهور الأوضاع المعيشية.

وذكر التقرير، أنه “على الرغم من بعض الإدانات البارزة في الإجراءات الجنائية في أوروبا، لكن لم تكن هناك مساءلة شاملة عن الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب التي ارتكبها النظام السوري والجماعات المسلحة والجماعات الإرهابية والقوى الأجنبية المدرجة في القائمة”.

كما تطرق التقرير إلى الصور ومقاطع الفيديو التي أظهرت عناصر تابعين لحكومة دمشق، خلال ارتكابهم مجزرة في حي التضامن بدمشق، وأيضا العفو عن الجرائم الإرهابية التي أصدره الرئيس السوري، بشار الأسد.

كما أشار التقرير، إلى المعاناة التي يعيشها النازحون السوريون في مخيم الركبان الحدودي، وتعرض عدد منهم ممن غادر المخيم للاعتقال من قبل الأجهزة الأمنية الحكومي
ة.
ولفت التقرير إلى استمرار الاضطرابات وانعدام الأمن في محافظة درعا، مشيرا إلى المواجهات بين حكومة دمشق ومعارضين لها.

وختم التقرير بالحديث عن استمرار الانتهاكات في السجون التابعة لحكومة دمشق، إضافة إلى استمرار شن القوات الحكومية هجمات على مناطق شمال غرب سوريا، والضحايا الناتجة عنها.

إقرأ أيضا:“تحرير الشام” تستحوذ على سوق الأسلحة بإدلب

يذكر أن ملف الانتهاكات في سوريا من أهم الملفات في الأزمة السورية، والذي لم تتمكن الأمم المتحدة من نقله للمحكمة الجنائية الدولية حتى الآن بسبب الفيتو الروسي الصيني، ولأن سوريا ليست من الدول المصادقة على اتفاقية روما، الناظمة للمحكمة

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.