بعد أن ثبت إصابات ووفيات أشخاص بمرض “الكوليرا” مؤخرا، والتي رافقتها تحذيرات وقرارات رسمية من الجهات الصحية السورية، والتي تنص على ضرورة التشديد على زراعات الفلاحين، خاصة بعد أن تبين أن العديد منهم يستخدمون المياه الملوثة لسقاية الخضار، إلى جانب تعميم من مديرية الشؤون الصحية في محافظة دمشق، لكافة أصحاب المطاعم وبائعي السندويش بالامتناع عن تقديم جميع أنواع الخضراوات الورقية تحت طائلة الإغلاق بسبب نقلها لمرض “الكوليرا” مع التشدد على النظافة الشخصية للعمال، كل هذا أثر على منتجات الخضار الورقية “الحشائش”، حيث انخفض الطلب على الخضار الورقية بنسبة 30 بالمئة، بالإضافة إلى انخفاض أسعارها بالجملة بنسبة 50 بالمئة، مما أضر بلا شك بالمزارعين وتكبدهم خسائر كبيرة، خاصة وأن تكاليف مستلزمات الإنتاج مرتفعة، وسط غياب الدعم الحكومي.

تبعات “الكوليرا”

في السياق، كشف عضو لجنة تجار ومصدري الخضار والفواكه بدمشق أسامة قزيز، أن الطلب على الخضار الورقية بعد صدور التعميم من قبل مديرية الشؤون الصحية في المحافظة انخفض بنحو 30 بالمئة، وأدنى طلب حاليا للملفوف والجزر، بالإضافة إلى انخفاض أسعارها بالجملة بنسبة 50 بالمئة، وعلى سبيل المثال، كان يباع كيلو الملفوف بسعر 600 ليرة سورية، أما اليوم فيباع بسعر 300 ليرة، وفق ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الإثنين.

ونقلت الصحيفة المحلية عن قزيز قوله: إن تجار المفرق يشترون الخضراوات الورقية حاليا بكميات قليلة ونسبة كبيرة منهم لم يعودوا يشترون أبدا خوفا من عدم بيعها وخسارتهم ثمنها، خاصة بعد تراجع الطلب عليها من قبل نسبة كبيرة من المواطنين خوفا من إصابتهم بمرض “الكوليرا”.

قزيز، أوضح أن 50 بالمئة من الكميات التي كانت تدخل سوق الهال بدمشق من الخضراوات الورقية قبل صدور التعميم كانت تذهب إلى المطاعم والفنادق والمعامل، أما اليوم فإنها لا تستجر أي كميات منها بعد صدور التعميم خوفا من الإغلاق.

وعلى الرغم من استجابة المطاعم، ومحال السندويش وخاصة الشهيرة منها للتحذيرات، فإن حالة الخوف والقلق من “الكوليرا”، أرخت بظلالها القاتمة لناحية حركة الإقبال على الشراء، ولوحظ في الفترة الماضية، حالة من الكساد الكبير وقلة حركة الطلب على المأكولات الجاهزة، مع بعض الاستثناءات على صعيد محال بيع الفروج “المشوي أو البروستد”، كونها تعد أكثر أمنا ولأنها لا تحتوي على الخضار.

قد يهمك: الكوليرا” تنتقل إلى الساحل السوري.. ما التبعات على الأسواق؟

خسائر للمزارعين

في المقابل، لفت قزيز إلى أن تصدير الخضراوات الورقية لم يتأثر بالتعميم الصادر عن المحافظة باعتبار أنه لم يتم منع تصديرها ومازال في وضعه الطبيعي، منوّها أن الخضراوات الورقية في ذروة إنتاجها حاليا ونتيجة لصدور التعميم تأثر المزارع بشكل كبير وبات معظم إنتاجه للتلف لذا تكبد خسائر كبيرة.

من جانبه، مدير زراعة ريف دمشق عرفان زيادة، كان قد ذكر في تصريحات صحفية سابقة أن استخدام الفلاحين للمياه الملوثة في بعض مناطق ريف دمشق يعود لتضرر أعداد كبيرة من الآبار التي كانوا يعتمدون عليها في تأمين وسائل السقاية غير الملوثة.

زيادة أشار إلى قيام المديرية بفلاحة الأراضي المروية بمياه الصرف الصحي بآليات مديرية الزراعة كرادع لاستخدام هذه المياه الملوثة في الري، مبينا أن هذه الزراعة منتشرة في عدة مناطق بريف دمشق مثل قطنا ودوما وداريا والقطيفة والنبك والتل.

قد يهمك: من “كورونا” إلى “الكوليرا”.. أزمات صحية تحاصر سوريا

الحكومة هي السبب؟

مديرية الشؤون الصحية في العاصمة دمشق، عممت قبل نحو ثلاثة أيام على كافة أصحاب المطاعم وبائعي السندويش، بضرورة الامتناع عن تقديم جميع أنواع الخضراوات الورقية تحت طائلة الإغلاق بسبب نقلها لمرض “الكوليرا”.

بحسب ما نقلته صحيفة “البعث” المحلية، فإن هذا التعميم أعاد طرح ملف “سقاية الخضروات بمياه الصرف الصحي“، الذي طُرح سابقا في العديد من المناسبات، دون أن يلقى استجابة من الجهات الحكومية، التي اكتفت بإطلاق الوعود لحل المشكلة.

الصحيفة المحلية أشارت في وقت سابق إلى أن عدم تدخل الجهات المعنية، ساعد على “توسع المساحات التي تعتمد في سقاية أرضها على مياه الصرف الصحي، تحت مبرر عدم وجود مياه للري أو كهرباء ومحروقات للضخّ من الآبار، وهذا الواقع ليس جديد العهد، بل هو مستمر منذ سنوات سواء في غوطتي دمشق، أو في المحافظات والمناطق الأخرى“.

مياه ملوثة، 17 تشرين الأول/أكتوبر 2020 (Getty Images)

كذلك، أشار تقرير الصحيفة المحلية، إلى أن “وزارة الزراعة على علم بأن معظم الخضار تُسقى من الصرف الصحي، وغيرها من الجهات المعنية، دون أن تقوم بخطوات فعلية لحل ومعالجة هذه المشكلة المستعصية رغم خطورتها وتهديدها المباشر لصحة الناس“.

وتحتوي الخضروات المروية بمياه الصرف الصحي، على نسب عالية من الرصاص وبشكل يخالف الحدود المسموح بها من قبل منظمة “الصحة العالمية” بعشرات الأضعاف، هذا إلى جانب احتوائها على المعادن الثقيلة مثل الكادميوم والزئبق، بالإضافة إلى النتريت وغيرها من المواد الخطيرة على الصحة.

كما وقلل مختصون من أهمية تعميم مديرية الشؤون الصحية، للحد من انتشار “الكوليرا“، لا سيما مع تدفق آلاف الأطنان من الخضار المسقية بمياه الصرف الصحي إلى دمشق، ومنها البندورة والخيار وغيرها من خارج تصنيف الخضار الورقية.

قد يهمك: وفيات وإصابات بالعشرات.. تحذيرات من تفشي “الكوليرا” بسوريا

سياسات جائرة

كل ذلك يأتي في وقت تنحسر فيه أهم الأنهار في سوريا؛ نهر الفرات الذي حبست تركيا حصة سوريا منه، متجاهلة المعاهدات الدولية ببناء السدود والقنوات وإنشاء بحيرات صناعية، مما أدى إلى جفاف وزيادة التصحر، وتغير بيئي في طبيعة الشمال السوري، وما خلق في أوقات سابقة من أزمات صحية محلية.

يعتمد نحو نصف السكان على مصادر بديلة غالبا ما تكون غير آمنة لتلبية أو استكمال احتياجاتهم من المياه، بينما لا تتم معالجة 70 بالمئة على الأقل من مياه الصرف الصحي، وفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”.

كذلك، فإن هناك سياسات حكومية جائرة تمثلت خلال السنوات الماضية، بقطع المياه لأيام طويلة في مختلف المحافظات، ما دفع المواطنين إلى شراء المياه من الصهاريج، مجهولة المصدر، والتي أدت إلى وقوع حالات تسمم، والتهاب كبد وبائي “أ”، فضلا عن غياب الإشراف والرقابة على معامل صنع الثلج، والتي غالبا ما تستخدم فيها المياه غير المعقّمة.

قد يهمك: لمواجهة الكوليرا في سوريا.. سندويشة الفلافل تفقد الخس والبقدونس!

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.