تصريحات مختلفة خلال الآونة الأخيرة، تشير إلى إمكانية التقارب بين أنقرة ودمشق، برزت في بدايتها بتصريح وزير الخارجية التركي، جاويش أوغلو، حول لقائه القصير بوزير الخارجية السوري، فيصل المقداد خلال مؤتمر دول “عدم الإنحياز”، وتبعها اجتماعات تم الإعلان عنها بين رئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، ونائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية، علي مملوك في دمشق.

يوم الأربعاء الفائت، قال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إن المفاوضات مع النظام السوري تجري عبر جهاز الاستخبارات التركية، مشيرًا إلى أنه وفق نتائج جهاز الاستخبارات ستحدد “خارطة الطريق”.

ما هي خارطة الطريق المتوقعة؟

أردوغان قال في لقاء تلفزيوني الأربعاء: “استخباراتنا تجري مفاوضات هناك في دمشق، ونحن نحدد خارطة طريقنا بناء على نتائج جهاز الاستخبارات”.

وأوضح أردوغان أن هدف تركيا في الشمال السوري هو تأمين عدد أكبر من المناطق، لزيادة عدد البيوت التي سينتقل إليها اللاجئون السوريون في تركيا، وأشار إلى أن الهدف في المرحلة الأولى تأمين 100 ألف مسكن، ثم زيادتهم إلى 250 ألفا في المرحلة الثانية.

المساكن التي تبنيها تركيا لعودة اللاجئين في الشمال السوري “وكالات”

وشدد أردوغان على ضرورة الاستعداد لـ”العودة الطوعية والآمنة والمشرفة” للسوريين إلى بلادهم، قائلا، “لا يمكننا أن نقول سنرحلهم إلى سوريا كما قال حزب الشعب الجمهوري أو غيره بمجرد وصولهم إلى السلطة، ليس هذا هو الحال سواء في حضارتنا أو في ثقافتنا”.

العديد من التكهنات  ظهرت حول اللقاءات الاستخباراتية بين الطرفين، حيث يذهب البعض إلى أنها تمهيد لاستعادة العلاقات الدبلوماسية، فيما يرى آخرون أنها لا تعدو مفاوضات أمنية تتعلق بعض المسائل، وعلى رأسها عودة اللاجئين السوريين، واستمرار السيطرة التركية على مناطق في شمال سوريا، ومحاربة ما يسميه الطرفان “الإرهاب”؛ كلٌ من وجهة نظره.

الصحفي منار عبدالرزاق، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن جل تركيز أنقرة ينصب في الوقت الحالي على الحصول على ضمانات من دمشق، من أجل تهيئة الأوضاع الملائمة لعودة اللاجئين السوريين، وهو ما تسعى إليه من خلال اللقاءات الاستخباراتية.

ويضيف عبدالرزاق، أن تركيا حتى الآن غير مهتمة بقدر كبير بالوصول إلى لقاء دبلوماسي مع دمشق، ولكن هذا اللقاء من الممكن أن يكون أحد مطالب دمشق لتأمين المتطلبات التركية.

إقرأ:علي مملوك يلتقي رئيس المخابرات التركية في دمشق.. ماذا بعد ذلك؟

ماذا بعد اللقاءات الاستخباراتية؟

أردوغان، وفي اللقاء التلفزيوني، بين أن مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تكون أحادية الجانب، لذا يجب أن يكون لدى الطرف الآخر أيضا نهج إيجابي تجاه ذلك حتى نتمكن من الحصول على نتائج جيدة، في إشارة منه إلى دمشق كـ”شريك محتمل” في ما يعتبره مكافحة للإرهاب.

منار عبدالرزاق، يرى أن هناك مرحلة جديدة في العلاقة بين أنقرة ودمشق، ومن الممكن أن تتوج بلقاءات دبلوماسية على مستوى وزراء الخارجية، وذلك في حال نجحت المباحثات الأمنية في تأمين مطالب أنقرة المتمثلة بأمرين رئيسيين، الأول تأمين بيئة آمن لعودة اللاجئين السوريين، والثاني تعاون دمشق مع أنقرة في تقليص نفوذ “قسد” في شمال شرق سوريا، بحسب الرؤية التركية.

ولكن وبحسب عبدالرزاق، فإنه من غير المعلوم حتى الآن إلى أين وصلت المباحثات الاستخباراتية، وهل من الممكن أن ينجح الطرفان في التوصل إلى صيغة تفاهم بينهما.

مساعي روسية بين الطرفين؟

مساع روسية تسارعت في الآونة الأخيرة، وعقب اللقاء الأمني الأخير الذي جمع رئيسي جهاز المخابرات التركي هاكان فيدان، ونائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية علي مملوك، اقترحت روسيا يوم أمس الإثنين، تنظيم لقاء بين وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو، والسوري فيصل المقداد، معتبرة أنه سيكون مفيدا في الوقت الحالي.

وأوضح نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف، أن بلاده على استعداد للمساعدة في عقد هذا الاجتماع إذا لزم الأمر، مبينا أن الاجتماع سيكون مفيدا حيث سيؤسس لاتصالات سياسية بين الطرفين إضافة للاتصالات العسكرية والأمنية.

ودعا بوغدانوف، منتصف الشهر الحالي، إلى تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، وذلك على خلفية التغير الذي طرأ على العلاقة بين الطرفين عقب قمة سوتشي الأخيرة، وأيضا خلال الاجتماع الأخير الذي جمع فيدان بعلي مملوك، حيث أجرى الطرفان تقييما لإمكانية وكيفية أن يلتقي وزراء خارجية البلدين، بحسب مصادر لـ”الحل نت”.

الكاتب السياسي، صدام الجاسر، بين أنه لا يتوقع أن يكون هناك لقاء بين وزيري الخارجية التركي والروسي في القريب العاجل، مبينا أنه قبل مضي شهرين لا يوجد لقاء كهذا، لأنه حتى الآن لم يحصل توافق أمني بين الطرفين.

وأضاف الجاسر، خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن الأتراك حاليا في حالة تنسيق كبيرة مع الروس، وظهر هذا الأمر جليا في عدم تدخل روسيا في الأزمة الأذرية الأمنية الأخيرة على الرغم من الدعم الروسي الداعم لأرمينيا والدعم التركي لأذربيجان، ولذلك تحاول روسيا استثمار هذا الأمر بالضغط على تركيا من أجل الانفتاح على حكومة دمشق، وهدفها الرئيسي هو إحداث اختراق في الملف السوري وتغيير الوضع في سوريا، مما يخف عنها الضغط الذي تعانيه في أوكرانيا.

لفت الجاسر، إلى أن روسيا تعتقد أنها من خلال النجاح بإجراء تقارب تركي سوري، قد تجعل الأوروبيين والأميركيين يرضخون للتدخل لحل الأزمة السورية، لكن يبدو أن الأميركيين غير مهتمين بالأمر ولديهم “فيتو” على التقارب التركي الروسي، فتركيا لها حدود معينة لا تستطيع تجاوزها سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي.

أهداف تركيا؟

في تصريح للرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، مؤخرا حول إمكانية تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق، أوضح أن هدف تركيا “لم يعد يرتبط بتنحية الأسد”، مبينا أن العلاقات الدبلوماسية بين الدول يجب ألا تنقطع.

وبحسب صدام الجاسر، فإن لدى تركيا أهداف محددة من خلال اللقاء مع حكومة دمشق، أولها بحث مسألة الإرهاب وفق رؤية كل من الطرفين، وضمان عودة اللاجئين السوريين إلى مناطقهم وهذا ما يرفضه النظام، والحصول من دمشق على اعتراف رسمي بالسيطرة التركية على الشمال السوري، وحكومة دمشق لا تستطيع تقديم أي من هذه الأمور لتركيا.

ورأى الجاسر، أن أي لقاء لن يتجاوز البحث في مسائل شكلية والتأكيد في نهاية اللقاء على وحدة الأراضي السورية ومكافحة الإرهاب، وتركيا في الحقيقة ترغب باللقاء من أجل الانتخابات والأصوات الانتخابية التي قد تتأثر بالانفتاح على حكومة دمشق، وهي أصوات معينة في تركيا قد تملك حكومة دمشق التأثير عليها، وفي نفس الوقت تكون الحكومة التركية قد سحبت البساط من تحت المعارضة التي تنادي بالانفتاح على دمشق.

تسريبات من لقاء فيدان- مملوك الأخير

مصادر ديبلوماسية أفادت مؤخرا لموقع “الحل نت” بطبيعة الأجواء التي سادت اللقاء الأمني الأخير الذي جمع رئيس المخابرات التركية، هاكان فيدان، بنائب الرئيس السوري للشؤون الأمنية، علي مملوك.

رئيس الاستخبارات التركية هاكان فيدان “وكالات”

وبينت المصادر بأن أجواء اللقاء كانت طبيعية ولم تحمل طابعا إيجابيا كبيرا، شهد فيها اللقاء جملة من المعوقات التي تحول دون الانتقال إلى خطوات متقدمة بين الطرفين. المساعي فشلت حتى الآن في احتمالية التقارب بين دمشق وأنقرة والاجتماع الأمني الأخير واجه عدة عقبات لا سيما في موضوع إعادة المهجرين/اللاجئين إلى مناطقهم، حيث رفض الجانب السوري إعادتهم إلى مدن حمص وحلب وريف دمشق، ضمن المخطط التركي القاضي بإعادة اللاجئين السوريين المتواجدين على الأراضي التركية إلى مناطقهم في شمال ووسط وجنوبي سوريا.

فيما أبدى الجانب السوري رفضه لأي محاولة قتال مع “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) وهي القوات التي تشكل فيها “وحدات حماية الشعب” العمود الفقري؛ وتعتبرها أنقرة امتدادا لـ”حزب العمال الكردستاني” المصنف على قوائم الإرهاب التركية. وتضيف المصادر بأن ذلك كان مطلبا تركيا “حيث أرادت أنقرة إعادة سيطرة دمشق على تلك المنطقة في أرياف من محافظتي دير الزور والرقة”.

كذلك كان هناك مطلب تركي آخر يقضي باعتراف حكومة دمشق بالسيطرة التركية في شمالي غرب سوريا من خلال الاعتراف بسيطرة فصائل المعارضة المدعومة من قبل أنقرة على تلك المنطقة، وهو مارفضته دمشق أيضا، مطالبة أنقرة بتخليها عن المعارضة السياسية والعسكرية التي تدعمها.

المصادر أشارت إلى أن موسكو تسعى إلى استغلال تقاربها مع أنقرة في سوريا من أجل تخفيف الضغوط عليها بسبب الحرب في أوكرانيا، لافتة بأن “موسكو تريد اختراق الملف السياسي السوري وإحداث خلخلة فيه”.

في حين ذكرت المصادر لـ”الحل نت” بأن تركيا لا تريد إغضاب مصر والسعودية بعد عودة العلاقات معهما، لا سيما وأن هناك “فيتو” حالي من قبل مصر والسعودية ضد عودة العلاقات مع دمشق، وذلك في ظل استمرار الفيتو الأميركي أيضا؛ لأي تطبيع مع دمشق، مضيفة بالقول “جميع الاحتمالات واردة إزاء الفيتو العربي وقد يزال هذا الفيتو خلال الفترة المقبلة بفعل العوامل الإقليمية والدولية”.

قد يهمك:هذه تفاصيل ما ناقشه رئيس المخابرات التركية مع علي مملوك في دمشق

من الواضح أن استمرار المفاوضات الاستخباراتية بين أنقرة ودمشق، يعطي مؤشرا على أن هناك عددا من النقاط على الأقل يمكن للطرفين أن يتفقوا حولها، وإلا لتوقفت هذه اللقاءات، ومن المؤكد أن نتائج هذه اللقاءات ستحدد مآل العلاقة بين الطرفين على المستوى السياسي وكل المستويات الأخرى، في الوقت الذي يرى الكثيرون أن النتائج لن تكون بالمستوى الذي يؤدي لتطبيع العلاقة بين الطرفين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.