بعد إعلان أعضاء “أوبك بلس”، عن خفض الإنتاج اليومي بمقدار مليوني برميل، أصدرت واشنطن بيانا غاضبا اتهم فيه المجموعة بالانحياز إلى موسكو، إلى جانب العديد من التصريحات والتعليقات الصادرة عن مسؤولين أميركيين ووكالات حكومية، حول هذه الخطوة المباغتة.

هذه الخطوة بلا شك لها تداعيات وتأثيرات سلبية على العالم ككل، وتحديدا الدول ذات الاقتصادات الهشّة، عندما أعرب الرئيس الأميركي جو بايدن، عن خيبة أمله من القرار الذي سيرفع الأسعار من كل بد. لكن، بايدن أضاف أن هناك بدائل كثيرة.

في الأثناء، ستشاور إدارة الرئيس جو بايدن، الخيارات مع أعضاء الكونغرس للرد على السعودية بعد قرار مجموعة “أوبك بلس” لمنتجي النفط، هذا الأسبوع بتعميق تخفيضات إنتاج النفط. إضافة إلى الأدوات والبدائل التي تقلل من سيطرة “أوبك بلس”، على أسعار الطاقة. كما تدرس إدارة بايدن، عددا من خيارات الرد فيما يتعلق بمستقبل العلاقات مع الرياض. من هنا تبرز عدة تساؤلات حول المقصود بدراسة خيارات الرد، والخيارات المتاحة أمام أميركا بخصوص ذلك، وما إذا كان سيكون هناك تصعيد وتوتر في العلاقات نتيجة هذه التغييرات المفاجئة.

قرار يمكن التراجع عنه؟

وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قال إن الولايات المتحدة الأميركية تدرس عددا من خيارات الرد بشأن علاقاتها مع السعودية بعد اتفاق الرياض مع بقية الدول الأعضاء في مجموعة “أوبك بلس” لمنتجي النفط، هذا الأسبوع على تخفيضات أكبر في إنتاج النفط.

بلينكن، أضاف في مؤتمر صحفي في ليما، مع نظيره وزير خارجية بيرو “فيما يتعلق بمستقبل العلاقات مع الرياض ندرس عددا من خيارات الرد. نتشاور عن كثب بهذا الشأن مع الكونغرس”.

لكن، بلينكن، لم يذكر على وجه التحديد الخطوات التي تدرسها واشنطن. وتبحث إدارة الرئيس جو بايدن، الرد بعد اتفاق “أوبك بلس”، الأربعاء على خفض أكبر لإنتاج النفط، في حين دعا أعضاء ديمقراطيون في الكونغرس، الخميس، إلى خفض حاد في المبيعات العسكرية للسعودية، بينما يبحث الرئيس الأميركي، جو بايدن كيفية الرد على خطط “أوبك بلس”.

هذا واتفقت مجموعة “أوبك بلس”، التي تضم دول أوبك وحلفاء مثل روسيا، على تخفيضات حادة في إنتاج النفط الأربعاء، لتكبح الإمدادات في سوق غير مستقرة ومأزومة، وتزيد احتمال ارتفاع أسعار البنزين مباشرة قبل انتخابات التجديد النصفي الأميركي في الثامن من تشرين الأول/نوفمبر، عندما يدافع الديمقراطيون، الذين ينتمي لهم بايدن، عن سيطرتهم على مجلسي الكونغرس.

ضمن هذا السياق، قال الكاتب والمحلل السياسي، ميّار شحادة، أنه “من حيث المبدأ، قال أنتوني بلينكن، إننا ندرس خيارات الرد، وفي الوقت نفسه قال إن العلاقات مع السعودية استراتيجية ولا يمكن أن نفقدها. ولكن، أوبك بلس، خفّضت إنتاجها بنحو مليوني برميل يوميا وهذا الحديث نظري، وهكذا اجتماعات وقرارات نظرية تُعقد وتُتخذ شهريا. بمعنى آخر، هذا القرار يمكن أن يتم التراجع عنه في أي وقت، وواشنطن تعرف ذلك تماما”.

أما الرأي السعودي فأولا، تقول السعودية إنها تريد الاستقرار على مستوى الإنتاج، وأنه خلال الصيف كان هناك قدر كبير من الاستخدام النفطي، بسبب التكيفات والاستخدام الكبير للسيارات. ومع ذلك، في الشتاء سينخفض الطلب على النفط، وبالتالي نريد خفض الإنتاج، على حدّ تعبير شحادة لـ”الحل نت”.

ولا يخفى على أحد أن هذه الحركة متبوعة سياسيا، خاصة وأن دولتي الإمارات والسعودية، لا تتفقان ولا تميلان نحو روسيا أو الصين، لكنهما في الوقت نفسه لديهما قرارات مناوئة للإدارة الديمقراطية الأميركية الحالية، على إقرار تصريحات الأخيرة تجاه السعودية والتحالف الخليجي في اليمن.

قد يهمك: اليمين المتطرف الإيطالي.. ما هي تحديات الحكومة الجديدة؟

عدم خفض كمية الأسلحة للخليج

السيناتور كريس ميرفي، رئيس اللجنة الفرعية للعلاقات الخارجية للشرق الأوسط في مجلس الشيوخ، أفاد لشبكة “سي أن بي سي” إنه يعتقد “أن الوقت حان لإعادة تقييم شامل للتحالف الأميركي مع السعودية”.

وفي مجلس النواب، قدم توم مالينوفسكي وشون كاستن وسوزان وايلد، تشريعا يسعى إلى سحب القوات الأميركية من السعودية والإمارات.

السعودية هي أكبر عميل للمعدات العسكرية أميركية الصنع، إذ توافق وزارتا الخارجية والدفاع على طلبات بمليارات الدولارات لها كل عام. وفي آب/أغسطس أعلنت إدارة بايدن، بيع صواريخ باتريوت الاعتراضية ومعدات تصل قيمتها إلى 3.05 مليار دولار للسعودية.

بالعودة إلى الكاتب والمحلل السياسي، ميّار شحادة، فإنه يرى أن تصريحات الإدارة الأميركية تأتي في سياق تهديد وتخويف، حيث قال: “نحن ندرس عدّة خيارات”، وبالطبع خيار تقليص ومنع بيع الأسلحة سترفضها البنتاغون أو وزارة الدفاع الأميركية، خاصة وأنه في الفترة الحالية تدرس أميركا والاتحاد الأوروبي، عقوبات جديدة ضد إيران، خاصة بعد أن ساعدت إيران روسيا في توريدها وبيعها لطائرات مسيرة، وبالتالي تخفيض كمية بيع الأسلحة للسعودية والإمارات سيكون انتصارا للحوثيين في اليمن، رغم أن الحوثيين أبلغوا الشركات الإماراتية والسعودية العاملة في اليمن، لمغادرة أراضيه.

على اعتبار أن الهدنة في اليمن، التي انتهت في بداية هذا الشهر، فإن الوضع الخطير وغير المؤكد في البلد المُدمر جرّاء الحرب قد يجعل السعودية عرضة لهجمات الحوثيين بصواريخ وطائرات بدون طيار، خاصة وأن السعودية تعتمد على الولايات المتحدة، في ضمان أمنها، والحماية، وهذا الواقع يمنح واشنطن بعض النفوذ الذي يدعو عدد من المشرّعين الأميركيين إدارة بايدن، لاستخدامه من أجل التأثير على سياسات الطاقة السعودية لكن، قد لا تتمكن أميركا من اتخاذ قرار خفض أسلحة لدول الخليج أو سحب البطاريات الدفاعية، لأن هذا سيعني أن أميركا تركت المنطقة للصين، وهي في حرب شرسة معها، و بالطبع كل هذا يأتي في إطار الصراع الإقليمي والدولي.

قد يهمك: ما التداعيات الإقليمية والدولية لقرار “أوبك بلس” بخفض إنتاج النفط؟

ضغط إعلامي؟

في المقابل، نقلت مجلة “بوليتيكو”، عن عضو مجلس النواب توم مالينوسكي، مطالبته للإدارة الأميركية بـ”التوقف عن التصرف كالمهزومين” في العلاقة مع السعودية والإمارات، مشيرا إلى ضرورة “التأكيد على أن الخدمات التي نقدمها لهذه البلدان تتطلب منها مراعاة مصالحنا واهتماماتنا المشروعة”. وأضاف: “وإذا لم يكونوا مستعدين للقيام بذلك، فعليهم العثور على صديق آخر”، وفق تعبيره.

مالينوسكي، اعتبر أن قرار خفض الإنتاج سيعزز أسعار النفط بطريقة تساعد روسيا على الاستمرار في غزوها على أوكرانيا، مؤكدا ضرورة عدم تقديم الولايات المتحدة مساعدة عسكرية للدول الراغبة في مساعدة موسكو بهذه الطريقة.

أما بالنسبة لخيارات رد أميركا على السعودية، فمن حيث المبدأ، يمكن أن تمارس ضغوطا إعلامية، خاصة وأن الإدارة الأميركية الحالية ليس لديها الكثير من الوقت، حيث أن أمامها نحو أربعة أسابيع قبل انتخابات التجديد النصفي، على حدّ وصف شحادة.

من الواضح إن الجمهوريين، وفقا للمعطيات والأرقام الحالية، أنهم سيأخذون مقاعد الكونغرس، وبالتالي فإن وضع جو بايدن وإدارته حرج، حيث سيتعين عليه اتخاذ قرارات رئاسية، لكن هذه القرارات لا يمكن أن تتحدى الكونغرس والبنتاغون، وبالتالي فإن خيارات الرد الأميركي ضيقة للغاية.

لكن، يمكن لأميركا أن تزعج دول الخليج، من خلال الملف اليمني، من خلال التصريحات الإعلامية، لأن اختيارات بايدن، محدودة في ظل هذه الظروف الإقليمية والدولية.

كما وترى دول الخليج، والمملكة العربية السعودية على وجه الخصوص، أن وصول الجمهوريين إلى الرئاسة الأميركية هو تعاون أو انتصار لهم، وبالتالي فهم لا ينصاعون كثيرا للإدارة الأميركية الحالية (الديمقراطيون)، وينتظرون الانتخابات التجديد النصفية، وأيضا الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، وبالتالي، ستبقى العلاقات على هذه الوتيرة بين واشنطن والرياض، حتى الانتخابات. أما بالنسبة للعلاقات الأميركية السعودية فستكون مستقرة، خاصة وأن بلينكن، قال وشدد على أن العلاقات بين البلدين تاريخية، أي أن هناك عددا من الروابط الداخلية والتجارية والاقتصادية من النفط والغاز. لذلك، فإن جدول العلاقات بين البلدين لن يهتز.

السيناتور الديمقراطي إد ماركي، قال إنه سيعيد تقديم مشروع قانون لمطالبة الممثل التجاري الأميركي بمتابعة ملف ممارسات الدول المنتجة للنفط الاحتكارية والمناهضة للمنافسة.

كما دعا السيناتور الديمقراطي جو مانشين، يوم الأربعاء الفائت، إلى استثمار المزيد من الموارد الأميركية في إنتاج المزيد من وسائل الطاقة الأحفورية. وقال مانشين، في بيان له “إعلان اليوم من أوبك بلس يؤكد لماذا يجب على الولايات المتحدة أن تكون مستقلة وآمنة للطاقة حتى لا يتم تخويفنا من قِبل الخصوم الأجانب”.

الجدير ذكره، أنه منذ أكثر من عشرين عاما، طُرح في الكونغرس مشروع قانون، أطلق عليه “نوبيك”، يسمح لوزارة العدل الأميركية بمقاضاة أعضاء منظمة “أوبك” بتهمة مخالفة قوانين منع الاحتكار، ومن ثم مصادرة أصولهم في الولايات المتحدة لفرض تنفيذ أي غرامات مالية يحكم بها عليهم. لكن لم يتم إقرار القانون حتى الآن، حرصا على العلاقات مع السعودية، كما يقول المحللون. ويرى محللون أن قرار “أوبك بلس”، الأخير قد يعيد إحياء هذا التشريع.

في حين، يرى مسؤولون أميركيون إن فرض حظر على صادرات المازوت والبنزين أمر ممكن، لكنه ليس وشيكا. وقال محللون ومراقبون إن الإدارة الأميركية من المرجّح أن تنتظر لترى ما إذا كانت الأسعار سترتفع مرة أخرى قبل اتخاذ إجراء صارم.

قد يهمك: واشنطن وسيول على خط مواجهة بيونغ يانغ.. تصعيد أم تهديد؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة