فوضى كبيرة يعاني منها القطاع الصحي في سوريا، وخاصة في قطاع العيادات والمشافي الخاصة، فعلى الرغم من إصدار تسعيرة لكشفية الأطباء إلا أنها تُعتبر مرتفعة بالنسبة لغالبية السوريين الذين يعانون من انخفاض الدخل، ومن جهة أخرى هناك العديد من الأطباء الذين لا يلتزمون بتسعيرة الكشفية.

هذه الفوضى وتدهور الحالة الاقتصادية، وتردي القطاع الصحي العام دفع بالسوريين إلى البحث عن استشارات طبية مجانية، فوجدوا العديد من صفحات التواصل الاجتماعي سواء كانت لمختصين أو غير مختصين، إضافة للأسلوب التقليدي بسؤال الصيدلي الذي طالما لعب دور الطبيب أيضا.

طول عمره الصيدلي بيحل مشكلة

في سوريا وحتى قبل الأزمة الحالية، العديد من السوريين كانوا يقصدون الصيدليات إذا أحسوا بأعراض لأي مرض، خاصة من الأمراض الشائعة كالإنفلونزا وآلام البطن وغيرها، مما لا يحتاج برأيهم مراجعة طبيب.

صيدلية في سوريا “وكالات”

سمير الحمد، سوري خمسيني يعيش في ريف دمشق مع أسرته المكونة من 4 أبناء وزوجته، يروي لـ”الحل نت” تجربته القديمة المستمرة عن التعامل مع الصيادلة، يقول، “منذ سنوات طويلة كنا إذا شعرنا بأعراض الكريب أو السعال وحتى المشاكل الهضمية، نلجأ إلى الصيدلية، وبكل بساطة نقوم بشرح ما نشعر به للصيدلي الذي يقوم بإعطائنا الدواء المناسب ونتحسن بعد استعماله”.

الحمد يضيف في حديثه، “حتى أولادي عندما يمرض أحدهم آخذه إلى الصيدلية، بذلك نختصر كشفية الطبيب التي باتت فوق قدرتنا، ونكتفي باستشارة مجانية من الصيدلي الذي أحيانا يعطينا دواء رخيصا وأحيانا ينصحنا باستعمال الزهورات أو الليمون أي حسب الحالة، لماذا الذهاب للطبيب، طول عمره الصيدلي بيحل مشكلة”.

الحلول عالنت كثيرة

تطور كبير شهدته السنوات الأخيرة في مجال استخدام الإنترنت الذي وصل إلى كل شخص، وكان لوسائل التواصل الاجتماعي خاصة الـ “فيسبوك” دور مهم باطلاع الناس على كل ما هو جديد وما يهمهم، ومن بين تلك الاهتمامات الناحية الطبية والصحية.

غيداء علي، شابة سورية تعيش في دمشق، تتحدث لـ”الحل نت”، عن فوائد الـ “فيسبوك” من النواحي الطبية فتقول، “من الممكن أن نجد كل ما يهم حول صحتنا على مواقع التواصل الاجتماعي، فهناك صفحات طبية لأطباء معروفين تقدم نصائح طبية وعلاجية ناجحة وبشكل مجاني، وأخرى من خلال إرسال طبيعة الحالة التي يعاني منها الشخص ويقومون بالإجابة عنها أيضا مجانا، وهناك صفحات غير مختصة أيضا لكنها مبنية على تجارب العديد من الأشخاص الذين عانوا من أوضاع صحية معينة”.

علي تتابع، “من الصفحات التي تلقى حاليا متابعات كبيرة تلك المختصة بأمراض القلب والسكر كأمراض مزمنة وكيفية التعامل معها أو الوقاية منها، كما تحظى صفحات التغذية والوزن سواء تخفيفه أو زيادته إقبالا غير مسبوق، حيث تتعدد أنواع البرامج والحمية وغيرها، وأنا استفدت بشكل خاص من أحد برامج التغذية بتخفيف وزني بأسلوب بسيط وغير مُكلف ماديا، إذا لا حاجة للطبيب في كل شيء، الحلول على النت كثيرة”.

إقرأ:جدل سوري واسع على التعرفة الجديدة للأطباء

غلاء في الكشفية واستشارات عبر الانترنت

تقرير لموقع “أثر برس” المحلي، يوم أمس الخميس، أشار إلى أن انتشار وباء كورونا منذ عامين جعل الاستشارات الطبية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكثر انتشارا بسبب الخوف أو عدم الرغبة بالذهاب إلى عيادة الطبيب خشية من العدوى أو لتفادي التكاليف المادية، لكنها اليوم أصبحت شائعة لمختلف الأمراض لدرجة تدفع البعض لطلب من يقرأ تحليل مخبري أو صورة شعاعية أو تشخيص إصابة ما، على صفحات غير مختصة.

التقرير نقل عن الدكتور، أحمد حباس اخصائي طب مخبري ومحاضر بآلية البحث عن المعلومة الطبية، أن طلب الاستشارة الطبية عبر الانترنت لجهة التشخيص والعلاج، يحتاج قبل كل شيء مصدر موثوق للمعلومة، أي أن يكون من يقدم الإجابة مختص.

حباس اعتبر، أن الحصول على معلومة من طبيب مختص عبر الانترنت له قواعد أيضا، فهناك حالات يجب أن تتوجه إلى العيادة أو المستشفى لوضع تشخيص وعلاج دقيقَين، وعلى الطبيب أن يعتذر عن إعطاء استشارة عن بُعد لها حينها، كما أن قراءة تحليل أو صورة شعاعية، غير كاف لإعطاء تشخيص أو وصف علاج، لأن الطبيب يحتاج إلى متابعة بعض المعطيات السريرية للمريض.

أما حول احتمالية أن يكون غلاء أجور كشفية الطبيب جعل هذه الاستشارات شائعة، رأى حباس، أن البُعد المادي لا يجب أن يؤخذ كسبب لتبرير ذلك لوجود مراكز صحية ومشافي حكومية تقدم خدمات مجانا، وتتضمن عيادات خارجية وخدمات إسعافية على مدار الساعة.

حول طرق البحث الصحيحة عن المعلومات، ذكر حباس، عددا من النصائح لتسريع البحث عبر الانترنت والحصول على معلومة ودراسة صحيحة بمختلف المجالات منها الطبية، أهمها التدقيق بمصدر المعلومة وعدم تناقضها مع معلومة أخرى والاعتماد على مواقع رسمية مرخّصة.

جدل سوري حول كشفية الأطباء

 زيارة الطبيب في سوريا باتت تثقل كاهل المرضى، بعد أن لجأ معظم الأطباء في سوريا إلى رفع بدلات الفحص الطبي للضعف، وذلك لتعويض كلفة رفع الدعم الحكومي عن البنزين عنهم من جيوب المرضى، إلا أن ما أثار الجدل مؤخرا هو دفاع نقابة الأطباء عن التعرفة الجديدة بكونها مقبولة للطبيب، والمريض على حد سواء.

نقابة الأطباء السورية، أشارت مؤخرا إلى أن التعريفة الجديدة للفحص مقبولة للمريض خاصة، وأنها درست بشكل شامل ودقيق وواف وبمشاركة النقابة، ووزارتي الصحة والمالية واتحاد العمال والمستشفيات الخاصة، من خلال لجنة كاملة ومتكاملة.

في نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي، أصدرت وزارة الاتصالات بيانا تضمن استبعاد الأطباء من الدعم الحكومي، إذا مضى على ممارستهم مهنة الطب أكثر من 10 سنوات. وقد أفاد نقيب الأطباء في سوريا، غسان فندي حينها، في تصريحات صحفية، بأنه “تم استبعاد نحو ثمانية آلاف طبيب من الدعم من أصل نحو 27 ألفا”.

ردود الفعل على مواقع التواصل الاجتماعي التي رصدها “الحل نت”، كانت رافضة لتصريحات نقابة الأطباء، خصوصا وأن التعرفة الجديدة لم تراعِ متوسط الأجور البالغ 92 ألف ليرة، نحو 37 دولار أميركي.

الكشفية الجديدة المتأخرة الصدور

في الأول من تموز/يوليو الفائت، صحيفة “الوطن” المحلية، في تقرير لها نقلت عن نقيب الأطباء في سوريا غسان فندي، أن التعرفة الجديدة للأطباء ستصدر قريبا، مشيرا إلى أنها ستزيد وتنقص بحسب سنوات مزاولة المهنة.

فندي بيّن، أن التعرفة ستتراوح بين 8 و16 ألف ليرة، مشيرا إلى أن التعرفة ستكون متفاوتة حسب عدد سنوات المزاولة لكل طبيب، فالطبيب الذي لم تمضِ على مزاولته للمهنة 10 سنوات، ستكون تعرفته أقل من الطبيب الذي مضت 10 سنوات، على مزاولته للمهنة.

كما أوضح فندي، أن التعرفة الجديدة ستشمل أيضا المخابر ولكن ستكون لها تسعيرة مختلفة، مؤكدا على ضرورة إصدار التعرفة الجديدة بأسرع وقت ممكن، لكونها ستلعب دورا في تخفيف الخسائر عن الأقسام الخاصة المأجورة في المشافي العامة باعتبار أنها ستشمل المخابر الطبية بما فيها الأقسام المأجورة في المشافي العامة.

إلا أنه على أرض الواقع، وبعد أن تم استبعاد نحو 8 آلاف طبيب، من الدعم من أصل نحو 27 ألف طبيب، وأن الذين تم استبعادهم هم من الأطباء الاختصاصيين، الذين مضى أكثر من 10 سنوات على مزاولتهم للمهنة، ولديهم عيادات خاصة، وصلت أجور المعاينات لدى الأطباء إلى 20 ألف ليرة سورية.

رئيس فرع نقابة الأطباء في ريف دمشق خالد موسى، اعتبر في وقت سابق، أن التأخر في إصدار التعرفة الطبية يفتح باب الفوضى في أجور الأطباء، موضحا أنه لا يمكن محاسبة أي طبيب على تجاوزه للتعرفة الحالية التي لا تتجاوز 700 ليرة، بينما في المقابل أسعار المواد الطبية مرتفعة إضافة إلى الظروف المعيشية الصعبة.

موسى أردف، أنه لا يوجد أي مبرر لتأخر إصدار التعرفة الطبية الجديدة والكل بانتظار إصدارها. وفيما يتعلق بموضوع تقديم الاعتراضات من بعض الأطباء، الذين تم استبعادهم من الدعم بيّن موسى، أن عدد الأطباء الذين تقدموا بطلبات للحصول على وثيقة نقابية لإثبات أنه ليس لديه عيادة خاصة حوالي 25 طبيبا، معظمهم أطباء موظفون في القطاع العام، منوّها إلى أنه ستتم دراسة هذه الطلبات للتأكد من صحة طلباتهم.

لا يوجد توافق مع الدخل

 من وقت لآخر تصدر قرارات جديدة من قِبل المسؤولين الحكوميين حول ارتفاع الأسعار، ويبدو أن الظروف المعيشية في البلاد تزداد سوءا يوما بعد يوم، وبالطبع يدفع المواطنون، وخاصة الفقراء منهم الذين باتوا يشكلون نسبة كبيرة من السوريين، ضريبة هذا الارتفاع المستمر بالأسعار.

من داخل مشفى المواساة بدمشق “وكالات”

من غير المنطقي أن ترفع الحكومة أسعار الخدمات من الخبز والكهرباء، ومنتجات الطاقة من المازوت والبنزين وتسعيرة “كشفيات” الأطباء وخدمات المستشفيات وغيرها، وفي المقابل لا تقوم برفع رواتب ومداخيل المواطنين، خاصة وأن الرواتب في أدنى مستوياتها ولا تتناسب إطلاقا مع الواقع المعيشي في البلاد.

مؤخرا، تم تداول أحاديث كثيرة حول قيام الأطباء برفع تسعيرة المعاينات الطبية بشكل فردي، حيث بلغ بعضها نحو نصف راتب موظف حكومي، أي أكثر من 45 ألف ليرة سورية، وبعد ورود معلومات عن تقاضي بعض الأطباء بدمشق 45 ألف ليرة سورية للمعاينة الطبية، أوضح نقيب أطباء دمشق في تصريح إعلامي سابق، أن “سعر الكشفية يُتوقع أن تتراوح بين 10 و20 ألف ليرة، ومهما ارتفعت ستكون ظالمة للطبيب”.

قد يهمك:تسعيرة جديدة لـ”كشفية” الأطباء في سوريا

الجميع يرى نفسه واقعا تحت الظلم، فالطبيب يعتقد أن ما يتقاضاه من المرضى خاصة بعد رفع الدعم غير كافي، ولا يغطي تكاليف عيادته وتجهيزاته ومصاريفه، والمواطن يرى أنه الحلقة الأضعف فمورده محدود للغاية لا يعلم كيف سيقوم بتقسيمه بين احتياجات ربما أبسطها ربطة الخبز، التي يضطر لشرائها بالسعر الحر بـ 2500 ليرة، في حين لا يتجاوز راتبة 100 ألف ليرة سورية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.