الهدوء الحذر في شمال غرب سوريا لا يزال هو المسيطر بعد تمدد “هيئة تحرير الشام” خلال الأيام الماضية في المنطقة وسيطرتها على مدينة عفرين، وتقدمها نحو مدينة إعزاز أبرز مناطق المعارضة في الشمال السوري.

في ظل هذا التقدم لـ”تحرير الشام”، خرجت العديد من المظاهرات في مدينة الباب بريف حلب، وفي مدينة إعزاز رافضة لتمدد “الهيئة”، فيما أشارت تقارير صحفية إلى أن هذه المظاهرات دفعت تركيا للتدخل غير المباشر عبر فصيل “هيئة ثائرون” المرتبط بها للتدخل وإيقاف تقدم “تحرير الشام”، ولكن من جهة ثانية تنفي بعض المعلومات أن تكون تركيا قد تدخلت حتى الآن سواء بشكل مباشر أو غير مباشر في هذه الأحداث.

بحسب المعلومات على الأرض، فإن “تحرير الشام” لا تبعد الآن عن مدينة إعزاز سوى 5 كم بعد سيطرتها على قرية كفرجنة وقطمة في ريف عفرين، فيما تتضارب الأنباء حول انسحابها منهما، بين من يقول، أنها انسحبت ومن يقول أنها لا تزال تسيطر عليهما.

ما دور الحراك الشعبي بتحرك “ثائرون”؟

تقارير صحفية، نقلت عن مصادر في الشمال السوري، أن هناك تعويلا على الحراك الشعبي لإفشال مخططات تتم من قِبل عدة جهات، مشيرة إلى أن الحراك الشعبي تجاوز السياسيين والعسكريين وحتى الشرعيين في مواجهة مشروع تمدد “هيئة تحرير الشام”.

عبيدة العلي، صحفي مقيم في الشمال السوري، يؤكد خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن الحراك إذا كان شعبيا حقيقيا غير مدفوع وغير مسيّس من بعض الفصائل في الشمال، فيمكنه إجبار “هيئة تحرير الشام” على الانسحاب، ولكن غير ذلك فلن ينتج عنه أي شيء.

عفرين بعد سيطرة هيئة تحرير الشام “وكالات”

العلي، لفت إلى الحراك الشعبي في مدينة الباب كان بتحريض غير مباشر من “جيش الإسلام” المختلف من الناحية الفكرية مع “هيئة تحرير الشام”، وغالبية المتظاهرين من مؤيدي الفصيل ولم يكونوا في السابق يشاركون في مظاهرات، وأيضا في إعزاز فالمظاهرات تخرج بتحريض من أتباع “الفيلق الثالث”.

أما حول الحراك الشعبي، ودوره بتحرك تركي، ينفي العلي وجود أي دور تركي فاعل حتى الآن، مبينا أن “هيئة ثائرون” منذ البداية سمحت لـ”هيئة تحرير الشام” بالدخول من محاور تابعة لها لقتال “الفيلق الثالث”، ومضيفا أن هناك معلومات تشير إلى أن “هيئة ثائرون” قد بايعت “هيئة تحرير الشام” سرا، وهي تعمل كما تريد الأخيرة، فتحركات “هيئة ثائرون” جاءت من خلال تسلمها محاور كانت تتبع لـ”الفيلق الثالث” بالقرب من كفرجنة، وهي محاور غير مؤثرة على تقدم “هيئة تحرير الشام”.

قد يهمك:ما المخطط الذي ترسمه تركيا لشمال غربي سوريا؟

تفكيك “الفيلق الثالث”

تصريحات لقياديين في “الفيلق الثالث”، نفت ما تم تداوله عن انسحاب “هيئة تحرير الشام” من كفرجنة والمناطق التي سيطرت عليها في عفرين، مشيرينَ إلى أن هناك تعهدات بالانسحاب لكنها لم تنفّذ حتى الآن، لافتينَ إلى أن قوات “هيئة ثائرون”، تعتبر حاليا بمثابة قوات فصل بين فصائل “الجيش الوطني” و”هيئة تحرير الشام”.

في هذا الوقت، نقلت تقارير صحفية عن مصادر رسمية تركية، أن تركيا ما زالت تراقب التطورات عن قُرب من جهة، وتحاور الفصائل من جهة ثانية في محاولة لاستيعاب الأحداث، والتهدئة، وفي الوقت نفسه، ما زالت تعمل على حل دائم في المنطقة من أجل ضمان الاستقرار بعد النزاعات الأخيرة.

المصادر التركية أشارت إلى أنه، خلال الأيام المقبلة، ستتضح أكثر خريطة التفاهم، إذ إن تركيا تراقب حاليا مآلات الصراع على مدينة أعزاز، والمباحثات التي تجري بين الأطراف المتنازعة، ليتبيّن الشكل النهائي للاتفاقات التي من المؤكد أنها ستؤدي لترتيبات جديدة تزيل أسباب الفوضى وعدم الاستقرار، ومؤكدة أن الأوضاع لن تعود لما كانت عليه قبل النزاع الأخير.

عبيدة العلي، يؤكد أن هناك خلافات داخل “الفيلق الثالث” نفسه، فتيار “جيش الإسلام” الذي يسيطر على بعض مراكز القرار في “الفيلق” على خلاف كبير من “هيئة تحرير الشام”، وهناك تيار يحارب الاتفاقات مع “الهيئة”، وهناك تيار يوافق على الاتفاق مع “الهيئة” وتوحيد إدارة مناطق شمال سوريا.

من هنا تعمل “هيئة تحرير الشام” منذ أيام على تفكيك “الفيلق الثالث”، لتتمكن من التفاهم مع كل تيار من تياراته على حِدة، ووفود “الهيئة” تعمل منذ الأسبوع الماضي على إجراء لقاءات مع العديد من الشخصيات المؤثّرة والوجهاء والناشطين في عفرين وإعزاز، لإقناعهم بمشروعها في الشمال، بحسب العلي.

العلي لفت أيضا إلى أن سيطرة “هيئة تحرير الشام”، على عفرين سيطرة كاملة و”الهيئة” الآن تشكل القوة الضاربة في المنطقة، واستكملت سيطرتها بنشر حواجزها في مداخل ومخارج المدن والبلدات، ولن تتراجع عن مشروعها في السيطرة على الشمال مستغلة الانقسامات الكبيرة بين فصائل “الجيش الوطني”.

مصير شمال غرب سوريا

العديد من السيناريوهات بانتظار التغييرات التي حصلت بعد سيطرة “الهيئة” على عفرين وتقدمها نحو إعزاز ومناطق أخرى، ففي الوقت الذي يرى البعض أن ما حصل سيشكل ذريعة لروسيا وحكومة دمشق، لاستهداف هذه المناطق بحجة محاربة “الإرهاب”، يرى آخرون أن سيطرة “الهيئة” تصب في مصلحة حكومة دمشق أيضا”.

الصحفي عمران حمزة، رأى خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أنه من الواضح أن “هيئة تحرير الشام”، تسعى وراء العديد من النقاط في مقدمتها السيطرة على المعابر في منطقتي “درع الفرات” و”غصن الزيتون”، لتمكين السطوة الاقتصادية لديها، وهناك أمر آخر أن سيطرة “الهيئة” على المنطقة يسهل أي عملية مفاوضات مستقبلية مع حكومة دمشق، لأن التفاوض في هذه الحالة سيكون مع كتلة متجانسة ترضخ للمتغيرات الدولية واقعيا رغم معارضتها لها بالعلن، كما حدث في تفاهمات “أستانا” و”سوتشي” سابقا.

عند تطبيق تلك التفاهمات ردد قادة “الهيئة” أكثر من مرة رفضهم لها، ومن ضمنها اتفاق المناطق الخمس، لكنهم نفذوها بدقة متناهية على أرض الواقع، ورغم تصريحاتهم السابقة عن رفض دخول الجيش التركي إلا أن الواقع كان عكس ذلك تماما، فـ”الهيئة” تحقق مكاسب اقتصادية وسياسية في المنطقة تضاف لمكاسبها في إدلب، حسب حمزة.

تركيا وتحييد “الجيش الوطني”.

على الرغم من تَبعية فصائل “الجيش الوطني” لتركيا، إلا أنها لم تبدِ أي ردة فعل للدفاع عنها، أو محاولة دعمها أو إيقاف القتال، وبحسب مراقبين فإن ما يجري من تغيير في خارطة السيطرة في الشمال السوري، إنما يتم تحت أنظار القوات التركية الموجودة في المنطقة.

عمران حمزة، رأى أن تركيا تريد في الشمال كتلة متجانسة تعمل وفق رؤيتها في المنطقة، ولا ترغب بوجود جهات أو فصائل من الممكن أن ترفض مطالبها، كما رفضت “الجبهة الشامية” أساس “الفيلق الثالث” الطلب التركي بإرسال مقاتلين إلى ليبيا وأذربيجان، في الوقت الذي رضخت العديد من الفصائل لهذا الطلب آنذاك.

مدينة إعزاز “وكالات”

حمزة أضاف، أن استبدال فصائل “الجيش الوطني” بـ”هيئة تحرير الشام”، سيجعل تركيا أمام استحقاق دولي، حيث أن “الهيئة” مصنّفة على قوائم الإرهاب العالمي، ما قد يعرض تركيا للضغط حتى من قبل روسيا، ولكن في حال تم تجاهل وجود “الهيئة” دوليا فستكون تركيا قادرة على استغلال تواجدها كتنظيم يرضخ للمطالب التركية.

أيضا بيّن حمزة، أن الفصائل غير المرغوب بها بالنسبة لتركيا هي فصائل “الفيلق الثالث”، وسبق أن كان هناك محاولات تركية لتنحيتها عن المشهد، من خلال إحداث “هيئة ثائرون” التي جعلت من كافة الفصائل في جهة مضادة لـ”الفيلق الثالث”، لكن الحاضنة الشعبية والعدد الكبير لمقاتلي “الفيلق” حال دون ذلك في ذلك الوقت، ولكن في حال سيطرت “الهيئة” على المنطقة فالخَيار الوحيد قد يكون نقل “الفيلق الثالث” إلى منطقة “نبع السلام”.

تحرك “الهيئة” بضوء أخضر تركي

مدينة إعزاز، شهدت على تخومها الغربية يوم الجمعة الفائت حشودا عسكرية تابعة لـ”الهيئة” والفصائل المتحالفة معها، تحضيرا لاقتحام منطقة كفرجنة غربي إعزاز، وتعتبر مدينتي إعزاز ومارع المعقل الأهم لـ”الفيلق الثالث”.

في هذا السياق أفادت مصادر محلية لـ”الحل نت”، أن مفاوضات جرت بين “الفيلق” و”الهيئة”، في معبر “باب الهوى” الخاضع لـ”الهيئة”، حيث بدأت هدنة بين الطرفين حتى منتصف يوم الجمعة، وخلال المفاوضات طلبت “الهيئة” أن تكون هناك إدارة مشتركة لجميع المناطق على أن تتسلم فيها “الهيئة” الملفات الأمنية والعسكرية والاقتصادية، وهذا ما يوافق عليه “الفيلق”، وبحسب المصادر فإن المفاوضات من غير المرجح أن تنجح.

عمران حمزة، يرى أن أهم تبعات هذا الاقتتال هو إضعاف “الفيلق الثالث” حاليا، ونقل المنطقة لسيطرة “الهيئة” وفصائل “الحمزة” وفرقة “سليمان شاه” بقيادة أبو عمشة، واللتين تتهمان بتجارة المخدرات والاغتيالات، وبشكل عام هذا يسهّل أي مساومة مع حكومة دمشق.

حمزة يؤكد أن وقوف تركيا على الحياد هو بحد ذاته ضوء أخضر علني لـ”الهيئة”، إلا إذا كان هناك تفاهم دولي على هذه المنطقة، فدخول “الهيئة” لمنطقة دخلتها تركيا سابقا أمر محرم، مضيفا أن المنطقة ربما ستشهد تفاهمات تركية روسية في الدرجة الأولى ودخول “الهيئة”، أمر مخطط له مسبقا لإنهاء أي فصيل ذو توجه معارض فعلا لحكومة دمشق، وهذا أيضا هدف روسي قبل أن يكون تركيا.

مصلحة تركية

الكاتب السياسي، صدام الجاسر، رأى خلال حديث سابق لـ”الحل نت”، أن تركيا من مصلحتها أن تكون هناك جهة واحدة وفاعلة تسيطر على المنطقة، خاصة إذا كانت هذه الجهة تمتلك انضباطية ومركزية بالعمل والخلل الموجود فيها وفي بنيتها أقل من غيرها، وهذا ما يمكّنها من السيطرة عليها أكثر من العديد من الفصائل والتي في الأصل معظمها يعادي الآخر، وهذا ما وجدته تركيا بـ”الهيئة”.

الجاسر أضاف أن “هيئة تحرير الشام” قادرة على تلبية المصالح التركية في الشمال السوري خلال المرحلة القادمة، بشكل أكبر من الفصائل المتناحرة، لافتا إلى صمت “الحكومة المؤقتة” و”الائتلاف”، المعارض حول ما يجري، ما يشي برغبة تركية واضحة بما يحصل.

إقرأ:اقتتال بين فصائل “الجيش الوطني المعارض”.. صراع نفوذ وتصفية وجود؟

من هنا يمكن القول، أن الأمور حاليا لا تتجه نحو التصعيد والعودة للقتال مجددا، فهناك احتمالات أخرى متعددة من بينها ضغوط من قبل “هيئة تحرير الشام” على الفصائل، إضافة إلى تفاهمات منفردة مع بعض الفصائل لتتمكن “الهيئة” من تحقيق مصالحها، وفي هذه المرحلة يمكن أن تتدخل تركيا لترتيب التفاهمات الجديدة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.