إن قرار إيران بتزويد روسيا بكميات كبيرة من الطائرات المسلحة بدون طيار وسط حرب موسكو المستمرة ضد أوكرانيا، يجعل إيران متواطئة وممكّنة للعدوان الروسي، فمنذ أن بدأت موسكو في استخدام طائراتها بدون طيار الإيرانية التي حصلت عليها مؤخرًا في القتال في أيلول/سبتمبر الفائت، بعد وقت قصير من استلام الدفعة الأولى في آب/أغسطس الماضي، شكّلت هذه الخطوة منعطفا في تعرية حقيقة روسيا العسكرية، وتواطئ طهران غير المفهوم التي تجاهد للخلاص من العقوبات الدولية عبر توقيعها للاتفاق النووي مع الغرب.

وفقا للرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، تسعى موسكو للحصول على ما يصل إلى 2400 طائرة إيرانية مسيّرة أبرزها من نوع “شاهد 136″، ربما للحفاظ على قدرتها على مهاجمة المراكز الحضرية في عمق أوكرانيا، دون الحاجة إلى إنفاق المزيد من مخزوناتها المتضائلة من الصواريخ الباليستية وصواريخ “كروز”.

تعيد طبيعة تسليح إيران لروسيا بطائرات بدون طيار اليوم إلى الأذهان، حقيقة أن روسيا ليست بالفعل القوة العسكرية الثانية عالميا، فهل بالفعل باتت موسكو عاجزة عن صناعة “الدرون” العسكرية، حتى لجأت بذلك إلى طهران المعاقَبة دوليا وغير المتقدمة عسكريا.

الفشل الروسي في أوكرانيا

الطائرات الإيرانية بدون طيار أصبحت جزءا رئيسيا من حملة الغزو التي تقودها موسكو في الأراضي الأوكرانية. لكن لم يكن هذا الدعم غير المباشر من طهران مفاجأة لدى العديد من الخبراء، فحرب الطائرات بدون طيار باتت مستعرة في سماء أوكرانيا، خصوصا بعد أن تمكّنت كييف من الاعتماد على التفوق الذي لا يمكن إنكاره للطائرات بدون طيار التركية الصنع من طراز “بيرقدار”، مع إمكانية الإنتاج المحلي على المدى الطويل، حيث وجّهت هذه الطائرات بدون طيار ضربة قوية للقدرات العسكرية الروسية منذ 24 شباط/فبراير الفائت، لدرجة الاحتفاء بها.

يقول الخبير في الصراعات الروسية الأوروبية، داني بيلو، لـ”الحل نت”، إن إيران عززت التزامها بتزويد روسيا بالأسلحة للهجوم الروسي على أوكرانيا، من خلال الموافقة على توفير مجموعة من الصواريخ متوسطة المدى، بالإضافة إلى أعداد كبيرة من الطائرات بدون طيار الرخيصة والفعالة، حيث صُممت صواريخ أرض – أرض لتكمّل المخزون المتهالك من الصواريخ الروسية، كجزء من محاولة لتدمير منهجي للبنية التحتية للكهرباء في أوكرانيا قبل فصل الشتاء القاسي.

برأي بيلو، فإن عدد الطائرات بدون طيار التي تزوّدها إيران حاليا لروسيا والتي تُصنع لموسكو أو تخرج من المخزونات العسكرية الإيرانية الحالية، ربما يكون قليلا بالنسبة لشدة الحرب، وعلى الرغم من أن الطائرات بدون طيار “مهاجر”، و”شاهد” لا يمكن مقارنتها بالتأكيد بالطائرات المقاتلة، إلا أن تسليح موسكو بما يصل إلى 2400 من هذه الأخيرة، هو على الأقل “استفزازي” للطرفين.

علاوة على ذلك، فإن الطائرات بدون طيار التي تستخدمها روسيا ضد منشآت الطاقة الأوكرانية في محاولة واضحة لخنق البلاد اقتصاديا، وهو ما يعيد للأذهان ما حصل مع إيران في أعوام 1983، وعليه فإن تزويد إيران لروسيا في هذا التوقيت يُنظر على أنه رسالة من طهران لفرض نفسها على المجتمع الغربي، وأن موسكو تعتمد على إنتاجها العسكري في الحروب معهم.

كررت إيران يوم الثلاثاء الفائت، نفيها بيع طائرات مسيرة لروسيا، ودعت إلى إجراء محادثات مع أوكرانيا “لحل” الاتهامات، لكن طهران في الوقت نفسه تؤكد أن لها الحق الكامل في بيع الأسلحة للخارج منذ انتهاء القيود المفروضة على مبيعات الأسلحة الواردة في الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 في عام 2020. فيما تقول الولايات المتحدة وفرنسا والمملكة المتحدة، إن مبيعات الصواريخ ستكون انتهاكاً للاتفاق النووي.

وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، ذكر في ذات اليوم، إنه نصح بلاده بقطع جميع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، قائلا إن أوكرانيا لن تتسامح مع “خسة إيران وأكاذيبها” بشأن هذه القضية.

السلاح الجديد المفضل لروسيا في الحرب

العشرات مما يسمى بالطائرات الانتحارية الإيرانية، باتت تحلّق فوق الأراضي الأوكرانية منذ آب/أغسطس الفائت. تُعرف هذه الأسلحة باسم “شاهد” وهي كلمة يمكن ترجمتها في داخل مكونات “الحرس الثوري” الإيراني على أنها “شاهد إيمان”، ولكن لها أيضا دلالات لفعل أن تصبح “شهيدا”، وهي السلاح المفضل الجديد لـ “الكرملين” في غزوه لأوكرانيا. أدى تقليص ترسانة صواريخ “كروز” الروسية ونقص التكنولوجيا إلى إجبار موسكو على نشر الأجهزة والأسلحة المصنعة في إيران، أحد الحلفاء القلائل المتبقيين للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

أخبرت مصادر دبلوماسية أوكرانية في واشنطن، الصحافة الأسبوع الماضي أنه في المتوسط ، تعترض أنظمة الدفاع الجوي في كييف ستا من هذه الطائرات بدون طيار يوميا. النموذج الحالي المستخدم هو “شاهد 136″، أعيدت تسميته في روسيا باسم “غران 2″، وهو أحدث إصدار من الطائرات الانتحارية بدون طيار التي تعمل منذ عام 2021.

تقول هيئة الأركان العامة الأوكرانية، إن قواتها خفضّت بنسبة 60 بالمئة من الطائرات بدون طيار التي تصل إلى المجال الجوي الأوكراني. لكن العدد الذي تنشره موسكو يتزايد باطراد. ففي 11 تشرين الأول/أكتوبر وحده، تم إسقاط 10 طائرات بدون طيار من طراز “شاهد 136”.

تزامن إنتاج “شاهد 136” على نطاق واسع مع الغزو الروسي لأوكرانيا، خصمها الأساسي في سماء أوكرانيا هو “بيرقدار” التركية، أحد أهم أسلحة الجيش الأوكراني في الحرب الجوية. الميزة الرئيسية للطائرة “شاهد 136” هي نطاقها القتالي الذي يزيد عن 2000 كيلومتر.

يعود تعطش موسكو للطائرات الإيرانية، كونها فقيرة جدا في هذه الصناعة ويُعد الجيش الروسي الأقل حظا بصناعتها مقارنة بالقوى الكبرى الأخرى، وفقا لما قاله أنطون مارداسوف، الخبير العسكري في معهد “الشرق الأوسط”، خصوصا وأن الخطة الأساسية لموسكو في أوكرانيا فشلت في الأسابيع الأولى، لأن روسيا في البداية كانت تظن أنها ستخوض حربا تقليدية وركزوا على أساليب الحرب غير المتكافئة. ولم يأخذوا بحسبانهم استخدام الطائرات بدون طيار كأسلحة هجومية ضد قواتهم.

الهروب من دعم روسيا

الجيش الروسي ينشر طائرات بدون طيار لأغراض الاستطلاع وإعادة توجيه المدفعية، لكن موسكو لديها نقص كبير في الطائرات الهجومية بدون طيار، حيث اعترف بذلك إيغور إيشوك، مستشار بوزارة الدفاع الروسية، في مقابلة مع وكالة أنباء “تاس” الروسية، في أيلول/سبتمبر الفائت.

إيشوك قال، “لا تنتج روسيا طائرات بدون طيار تفي بالمتطلبات الفنية والتكتيكية”. موسكو لديها إمدادات وفيرة من الطائرات بدون طيار الصينية للاستخدامات المدنية والاستطلاعية، ويمكن تكييفها مع الخطوط الأمامية، لكن العملاق الآسيوي لا يزوّد روسيا بكميات كبيرة من الطائرات بدون طيار القتالية.

صامويل كراني إيفانز، الزميل الباحث في المعهد “الملكي” البريطاني، وهو مركز أبحاث الدفاع والأمن الرائد في المملكة المتحدة ذكر، أن “ما لن تفعله الصين هو ترك صداقتها مع روسيا تقف في طريق أهدافها الاستراتيجية مع أوروبا”، ولذلك جاءت طهران لتحل هذا المكان.

في هذا الصدد، يقول بيلو، إن خيار اللجوء إلى إيران كان خيارا واضحا بالنسبة لـ”الكرملين”، لأن التعاون التكنولوجي بين البلدين كان في ازدياد منذ بداية الحرب السورية في عام 2011، حيث قاتلت القوات الروسية لصالح الحكومة السورية إلى جانب القوات التي قدمتها طهران، واستخدمت القوات الروسية طائرات بدون طيار في سوريا وتم تدريب طيّاريها في إيران.

ويعتقد بيلو أن التدفق الهائل للطائرات الإيرانية بدون طيار سيستمر، على الأقل طالما أن روسيا تعاني من تأخيرات في إنتاج الصواريخ. ويقول المحلل، إنه لا يستطيع تحديد مدى تأثير العقوبات الدولية على روسيا على الصناعة العسكرية في موسكو لأنها قد تستخدم أجزاء قديمة لسد الفجوة. ومع ذلك، يشير بيلو إلى أن صواريخ “كاليبر” الروسية بشكل خاص “تعتمد بشدة” على مكونات أجنبية الصنع.

سبب آخر لتفضيل موسكو استخدام الطائرات الإيرانية بدون طيار بالرغم من عيبها بأن فعاليتها ضد مواقع المدفعية ضعيفة وميزتها الرئيسية، هي أنها أثبتت فعاليتها ودقتها في مواجهة الأهداف الثابتة، هو أنها أرخص بكثير من صواريخ “كروز”، إذ يُقدر الخبراء أن طائرة “شاهد 136” تكلف 20 ألف دولار، فيما يكلف صاروخ “كروز” الروسي ما بين 4 ملايين دولار و14 مليون دولار.

إيران في الجانب الخطأ

خلال السنوات السابقة، طورت إيران مخزونا واسعا من الطائرات بدون طيار المنتجة محليا ذات القدرات والنطاقات المختلفة. وقد استخدمت بعض تلك الطائرات بدون طيار في هجمات ضد دول الخليج العربي، وقدمت بعضها لوكلائها الإقليميين لاستخدامها في مثل هذه الهجمات.

سلّط الهجوم الذي استهدف كييف الإثنين الفائت، الضوء على كيف تتجه روسيا بشكل متزايد إلى استخدام الطائرات بدون طيار الهجومية التي صنعتها إيران وزودتها بها لتعزيز جهودها الحربية الفاشلة في أوكرانيا. طلبت روسيا مئات الطائرات العسكرية بدون طيار من الحكومة الإيرانية، وفقا لمسؤولين غربيين وأوكرانيين، في سعيها لسد الثغرات في ترسانتها من الطائرات المسيّرة ونقص الصواريخ بعيدة المدى.

يتفق معظم الخبراء على أن روسيا غير قادرة على تصنيع أعداد كبيرة بما يكفي لتجديد مخزونها. لكن الطائرات بدون طيار الإيرانية قد تسمح لروسيا بسد تلك الفجوة، مما يسمح لها بمواصلة حملتها العسكرية وتقويض البنية التحتية الأوكرانية.

“إن من نصب نفسه بطل معاداة الإمبريالية يقوم الآن بتغطية حرب إمبريالية”، هكذا يصف بيلو تدخل إيران بالحرب الروسية على أوكرانيا، ولذلك فإن وصول إيران إلى مرمى العقوبات الأوروبية والبريطانية، بسبب المسيّرات يُعد الخطوة الأولى لـ”العدالة”، وفق تعبيره.

الاتحاد الأوروبي أول من أعلن أمس الخميس، عن فرض عقوبات جديدة على إيران تستهدف ثلاثة جنرالات وشركة لتصنيع السلاح، “مسؤولين عن تزويد روسيا طائرات مسيرة انتحارية” لقصف أوكرانيا.

وانضمت المملكة المتحدة إلى دول الاتحاد الأوروبي التي فرضت عقوبات على طهران في وقت سابق الخميس. وقالت الحكومة البريطانية في بيان، “عبر تسليم تلك الطائرات المسيرة، تظهر إيران سعيا حثيثا إلى القتال، مستغلة الهجمات المشينة لروسيا ضد المدنيين الأوكرانيين”.

وأقر الاتحاد الأوروبي، عقوبات ضد إيران بسبب مسيّراتها في أوكرانيا. وأعلنت الرئاسة التشيكية للاتحاد الأوروبي، أن دول الاتحاد قررت تجميد أصول 3 أفراد وكيان واحد، مسؤولون عن توريد الطائرات المسيّرة.

كما ذكرت الرئاسة على حسابها في موقع “تويتر”، أنها “قررت دول الاتحاد الأوروبي تجميد أصول 3 أفراد وكيان واحد، مسؤولون عن توريد الطائرات المسيّرة، وهي على استعداد أيضا لتمديد العقوبات لتشمل أربعة كيانات إيرانية أخرى مدرجة بالفعل على قائمة عقوبات سابقة”.

وبالمثل، فإن الأوكرانيين اليوم ليس لديهم أي نية للجلوس مكتوفي الأيدي بينما تضرب هذه الطائرات بدون طيار بنيتهم التحتية المدنية. يحاولون حاليا معرفة موقع القواعد التي تستخدمها روسيا لإطلاق وتوجيه هذه الطائرات، حتى يتمكنوا من استهدافها بالمدفعية أو أنظمة الصواريخ عالية الحركة التي توفرها الولايات المتحدة “هيمارس”، والتي تهددها أيضا الطائرات الإيرانية بدون طيار.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة