مسألة استخدام المسيّرات الإيرانية في الحرب الأوكرانية قد تأخذ منعطفا آخر، خاصة بعد ورود تقارير نقلا عن مسؤولين إيرانيين بأن طهران تعهدت بتزويد موسكو بمزيد من الأسلحة والمسيّرات وصواريخ أرض-أرض. ففي حين تنفِ إيران كل الأنباء الواردة بخصوص إرسال طهران أسلحة وطائرات مسيّرة لموسكو لاستخدامها في الحرب الأوكرانية، يعمل الاتحاد الأوروبي وواشنطن، على فرض عقوبات جديدة على إيران بعد جمع “أدلة كافية”، تشير إلى أنها تزوّد روسيا بطائرات مسيّرة فتاكة.

في خضم تصعيد التهديدات بتشديد العقوبات الغربية على إيران بسبب إمداد روسيا بالأسلحة، فإنه يثير عدة تساؤلات، فيما إذا كان السلوك الإيراني هذا قد يؤدي إلى فشل الاتفاق النووي الإيراني، ومدى احتمالات التصعيد بين الغرب وطهران، جراء كل ذلك، وإذا ما قد ينشأ تحالف بين إيران وروسيا، ردا على هذا التصعيد الغربي.

لماذا تزوّد طهران موسكو بالأسلحة؟

وكالة “رويترز”، أفادت نقلا عن مسؤولين ودبلوماسيين إيرانيين إن طهران تعهدت بتزويد روسيا بصواريخ أرض-أرض ومزيد من الطائرات المسيّرة، في خطوة من المرجح أن تثير حفيظة الولايات المتحدة وغيرها من القوى الغربية.

كما ذكرت الوكالة، أن اتفاقا بهذا الشأن أُبرم في 6 تشرين الأول/أكتوبر الجاري خلال زيارة النائب الأول للرئيس الإيراني محمد مخبر واثنين من كبار المسؤولين في “الحرس الثوري” الإيراني ومسؤول من المجلس الأعلى للأمن القومي، موسكو لإجراء محادثات مع المسؤولين الروس بخصوص التزود بأسلحة إيرانية.

كذلك، قال مندوب أوكرانيا في رسالة لمجلس الأمن، إن تقديرات كييف تشير إلى أن لدى طهران خططا لتصدير مئات الطائرات المسيّرة إلى روسيا، مؤكدا أن نقل طهران طائرات مسيّرة إلى موسكو انتهاك لقرار المجلس رقم 2231، المؤيد للاتفاق النووي مع الغرب.

بحسب تقارير إخبارية، يعتقد القادة والمسؤولون السياسيون الإيرانيون، أن غزو روسيا لأوكرانيا يمكن أن يهز بنية النظام الدولي بطريقة تؤدي في النهاية إلى مصالح بلادهم الوطنية، وقد يكون ذلك هو الدافع وراء الدعم العسكري الإيراني لروسيا.

ضمن هذا الإطار يرى الباحث السياسي، الدكتور محمد نعناع، أن إيران تسعى لجمع أكبر عدد ممكن من أوراق الضغط وفتح الملفات في الشرق الأوسط وفي أي مكان آخر، من أجل التفاوض على البرنامج النووي الإيراني، أي أن لا تشدد مجموعة “5 + 1” على النووي الإيراني، فيما يتعلق بأجهزة الطرد المركزي، ونسبة التخصيب وسقوف التفعيل النووي.

إن إيران، بالتدخل في العراق وسوريا، وتدخلها حاليا في أوكرانيا، تجمع أكبر عدد ممكن من أوراق الضغط للمفاوضات النووية. في المقابل، لا تهتم الولايات المتحدة الأميركية بالجانب الفني للبرنامج النووي الإيراني، لأنها تراقبه بعناية، وهي على دراية كاملة بتفاصيله، من خلال استخباراتها، على حد قول نعناع لموقع “الحل نت”.

في حين يرى مراقبون أخرون، أن تسليم إيران طائرات مسيرة لروسيا جاء بسبب اعتبارات متعددة، منها أن هناك اتفاقية بين إيران وروسيا بخصوص التعاون العسكري والاستراتيجي، كما أن روسيا أمدت إيران سابقا بتكنولوجيا عسكرية متقدمة في مجال الطائرات، إلا أن إيران تحتاج الآن إلى أن ترد المعروف الروسي وتم ذلك عن طريق الطائرات المسيّرة الإيرانية.

قد يهمك: هل يهدد استمرار الغزو الروسي لأوكرانيا العلاقات بين موسكو وتل أبيب؟

قرار أممي بحق إيران؟

نبيلة مصرالي، المتحدثة باسم منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، قالت يوم أمس الأربعاء، “الآن بعدما جمعنا أدلة كافية، العمل جارٍ في المجلس الأوروبي لرد واضح وسريع وحازم من الاتحاد الأوروبي”. بينما أشار مسؤول بالرئاسة الفرنسية، بحسب وكالة “رويترز”، إلى أن الاتحاد الأوروبي سيقر هذا الأسبوع عقوبات جديدة تستهدف أفرادا وكيانات إيرانية، بسبب استخدام طائرات مسيّرة إيرانية الصنع في ضربات روسية على أوكرانيا.

إلى جانب أن مصدر دبلوماسي، أفاد لوكالة “فرانس برس”، إن قائمة بالعقوبات قُدمت إلى الدول الأعضاء، ومن المتوقع اتخاذ قرار “خلال الأسبوع”.

من جانبها، حذرت وزارة الخارجية الأميركية والبيت الأبيض ووزارة الدفاع، من تبعات استخدام المسيّرات والصواريخ الإيرانية في دعم الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، وسط تلويح بفرض عقوبات على طهران وأطراف أخرى، قد تساعد موسكو في مساعيها. حيث أكد نائب المتحدث باسم الخارجية الأميركية، فيدانت باتيل، الإثنين، أن “التعاون بين روسيا وبين إيران في مجال الطائرات المسيّرة تهديد حقيقي يجب التعامل معه من قِبل المجتمع الدولي”.

الطائرات المسيّرة الروسية التي يشتبه أنها إيرانية الصنع ألحقت أضرارا بالغة بالمدن الأوكرانية بما فيها كييف “غيتي”

هذا وناقش مجلس الأمن الدولي يوم أمس الأربعاء في جلسة مغلقة ملف المسيّرات الإيرانية التي تستخدمها روسيا في شن هجمات على أوكرانيا، فيما يستعد الاتحاد الأوروبي اليوم الخميس لفرض عقوبات على ثلاثة مسؤولين عسكريين إيرانيين بينهم الجنرال محمد باقري، رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية.

الجلسة انعقدت بطلب من الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا، على الرغم من أن روسيا، التي تتمتع في مجلس الأمن الدولي بحق النقض، بإمكانها أن تجهض أي قرار يمكن أن يصدر عن المجلس. وأبلغت أوكرانيا منذ أسابيع عن شن روسيا هجمات بمسيّرات إيرانية من طراز “شاهد-“136، وهي طائرات بدون طيار تنفجر رؤوسها الحربية في عمليات هبوط انتحارية، كما تحركت كييف لقطع العلاقات مع طهران.

بحسب التقارير، فإن العقوبات التي من المتوقع إقرارها اليوم الخميس في قمة أوروبية في بروكسل ستشمل “شاهد” لصناعات الطيران، وهي شركة مرتبطة بـ”الحرس الثوري” الإيراني.

الباحث السياسي، محمد نعناع، يرى أن واشنطن تؤكد وتشدد دوما على أن أي تحرك لإيران خارج حدودها سواء في العراق أو سوريا أو اليمن أو أوكرانيا حاليا، يجب ألا يواجه بحل عسكري كما تريد إسرائيل دائما، وإنما بتشديد العقوبات.

الباحث السياسي يستدرك ذلك بالقول، “لهذا نرى أن الولايات المتحدة تركز على تشديد العقوبات، وإيران بدورها تركز على رفع العقوبات”.

أما التصعيد بين إيران والغرب فهو مستمر، وفق تقدير نعناع، ومن الممكن أن يقترب الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي “الناتو”، من الولايات المتحدة ويتحالفان أكثر فيما يتعلق بأوكرانيا. وبالتالي، قد يحصل الغرب وبعض الدول الأخرى على قرار من مجلس الأمن الدولي، بوقف أنشطة معينة لإيران؛ مثل “الطائرات بدون طيار”. كما أن العقوبات كانت أحادية الجانب من قبل بعض الدول الغربية، لكنها قد تتطور إلى عقوبات وقرارات من مجلس الأمن الدولي، وهذا سيحرج إيران ويضرها بشكل كبير.

المسؤولون الغربيون سلّطوا الضوء على المسيّرات الإيرانية كدليل على أن روسيا، وهي تاريخيا واحدة من أكبر مصدري الأسلحة في العالم، تستنفد ترسانتها جراء الخسائر التي تتكبدها في ساحة المعركة. كما وكشفت واشنطن معلومات استخباراتية تقول، إن المسيّرات الإيرانية أصيبت بأعطال في أحيان كثيرة، وأن روسيا تحولت إلى كوريا الشمالية للحصول على طائرات بعد رفض الصين الدعوات لإرسال أسلحة.

قد يهمك: مرسوم “حالة الحرب”.. كيف سترد أوكرانيا على “طوارئ روسيا”؟

روسيا في مأزق؟

في السياق، هددت نائب المبعوث الروسي لدى الأمم المتحدة، أمس الأربعاء على أن موسكو ستعيد تقييم تعاونها مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وموظفيه، إذا أرسل غوتيريش خبراء إلى أوكرانيا لتفقد طائرات مسيّرة تقول القوى الغربية إنها صُنعت في إيران. ولم يوضح نائب سفير روسيا لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي، تفاصيل التعاون الذي يمكن أن يتأثر، وفق “رويترز”.

كما أضاف في تصريحات للصحافيين، أن الأمانة العامة للأمم المتحدة ليس لديها تفويض لإرسال الخبراء إلى أوكرانيا لفحص بقايا المسيّرات، وهي ليست لجنة عقوبات أو فريق خبراء، واصفاً الأمر بغير المشروع. في حين جدد بوليانسكي رفقة مندوب إيران الدائم لدى الأمم المتحدة، نفي التقارير التي تتحدث عن بيع المسيّرات الإيرانية إلى روسيا، لافتا إلى أن موسكو لديها مصانعها التي تصنع بها المسيّرات.

تأتي تلك التصريحات بعد أن كان المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، قد أعلن الثلاثاء الماضي، أن “الكرملين” ليس لديه أي معلومات عن شراء بلاده لطائرات دون طيار من إيران، مضيفا للصحافيين، إن “الكرملين” لا يملك معلومات حول هذه المسألة، مطالبا بسؤال وزارة الدفاع.

يذكر أن روسيا كانت قد شنت صباح يوم الإثنين الفائت عشرات الهجمات على كييف ومنطقة سومي في شمال شرقي أوكرانيا، بطائرات مسيّرة مفخخة، أو ما يعرف بالدرون الانتحارية أو “مسيرات الكاميكازي”. وعلى إثر ذلك اتهمت السلطات الأوكرانية طهران بمساعدة موسكو عسكريا عبر تلك المسيّرات.

سفير روسيا في مجلس الأمن خلال جلسة مناقشة حول المسيّرات الإيرانية بأوكرانيا، الأربعاء 19 تشرين الأول/ أكتوبر 2022. “أ ف ب”

كما واقترح وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا، الثلاثاء الماضي على الرئيس فولوديمير زيلينسكي قطع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، بسبب توفيرها طائرات مسيّرة تستخدمها روسيا في شن ضربات.

في المحصلة، قد يؤدي دخول إيران في الحرب الأوكرانية بتزويد روسيا بالسلاح وخاصة المسيّرات، إلى مزيد من الضغط عليها، من خلال تشديد العقوبات الغربية، ونظرا لاستمرار الاحتجاجات الإيرانية منذ قرابة شهر، فإن هذا الأمر سيضرها بشكل كبير، إما الملف النووي الإيراني فمن المرجح أن يدخل أطوار ومراحل أكثر تعقيدا، وهذا ما سيعقّد المشهد السياسي الإقليمي والدولي.

قد يهمك: ما الذي يتغير في المثلث الحدودي عند قاعدة “التنف” بسوريا؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة