“حسدوا الفقيرة على الحصيرة”، تعبير استخدمته أم محمد البحيري، كوصف لتردي المعيشة في سوريا، والذي أعاد المواطنين إلى زمن “الحصيرة”، حيث لاقى رفع أسعار السجاد سخرية واستنكار واسعَين خلال الأيام الماضية.

مع غزو الموكيت والسجاد بأسعارهم المرتفعة داخل الأسواق السورية، عادت الحصيرة وهي بساط كان يُنسج قديما من سعف النخيل او سوِق نبات القصب وغيرها، ثم من البلاستيك الملون في مراحل لاحقة، أو كادت أغلب بيوت الطبقة الفقيرة في سوريا تعج أرضيتها بـ “الحُصر” التي لا تقي برد الشتاء، بعد أن كانت بساط يصحبه الناس في رحلات التنزه.

اقتراب فصل الشتاء وزيادة الإقبال على شراء احتياجاته، أشعل الأسعار داخل أسواق دمشق، فأسعار السجاد تجاوز الحد الذي تقبله القدرة الشرائية للمواطنين، حيث يبدأ سعر متر السجاد بـ 75 ألف ليرة، لأسوأ الأنواع ويرتفع سعره ليصل إلى 250 ألف ليرة أي إن سعر السجادة 6 أمتار يبلغ نحو 1,5 مليون ليرة.

السجاد في سوريا لقاطني القصور

“بدن المواطن مبسوط وراتبو بيطلع حق متر سجاد”، هذا ما جعل البحيري وغيرها من السيدات التي تعملن في سوريا للتوجه نحو شراء أكثر من “حصيرة” من أجل عزل أرضية بيوتهن عن البرد القادم خلال أشهر الشتاء.

البحيري التي نزحت من مخيم اليرموك منذ سنوات دون قدرتها على نقل عفش بيتها، تقول لـ”الحل نت”، إنه مع تردي الأوضاع المعيشية وما تبع ذلك من تراجع القدرة الشرائية لدى كثير من الأهالي، فقد باتوا يُقبلون على شرائها كبديل أقل سعرا من الموكيت، ناهيك عن الأصناف الأخرى من البِسط وأنواع السجاد.

هذا الحديث، أكده أحد أصحاب المحال التجارية وهو صاحب ورشة تصنيع صغيرة في جرمانا، حيث بيّن أن الإقبال على الشراء ضعيف جدا وباليوم الواحد لا يشتري أكثر من 5 زبائن فيما يمتنع الباقون عن الشراء بسبب ارتفاع الأسعار، لافتا إلى أن أسعار المواد الأولية الداخلة في صناعة السجاد ارتفعت نحو 30 بالمئة عن العام الماضي، وهذا ما ينعكس بالطبع على الأسعار النهائية.

عدم قدرة المواطن على شراء سجادة واحدة لمنزله، وخصوصا الذين يعودون إلى منازلهم في الأحياء التي هجّروا منها، اضطرهم لفرش “بطانيات معونة” عوضا عن السجاد، لأنهم غير قادرين على دفع مبلغ يصل إلى مليونين ونصف المليون ليرة في حال اعتمد أقل الأنواع جودة، فبحسب ما تقول البحيري، فإن “السجاد بات لفرش القصور، وليس للبيوت في سوريا”.

صدمة جديدة

هناك عدد من العوامل التي وضعت صناعة السجاد السوري في مكان صعب للغاية، وفقا ما أكده مالك محل المفروشات، وليد الرفاعي، لـ”الحل النت”، حيث قال “أدى ارتفاع أسعار المواد الخام إلى ارتفاع أسعار السجاد، وما زاد الطين بلة أن قلة الرواتب أدت إلى تسرب أيدي الخبراء، ودمرت بعض ورش الصناعة اليدوية بسبب نقص المواد الخام”.

حول ذلك، أوضح عضو مجلس إدارة جمعية حماية المستهلك، الدكتور أدهم شقير، لذات الصحيفة، أن سعر السجاد محرر ولا يوجد له ضوابط معيّنة، لأنه لا يعتبر من السلع الأساسية والضرورية التي تهم الموظفين، معتبرا أن مسألة التسعير تتعلق بوزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك.

إضافة إلى وجود حالة تضخم كبيرة على مستوى سوريا خارجة عن السيطرة ستؤدي إلى ركود تضخمي وكساد في السلع، ناهيك عن أن التسعير يتم وفق مبدأ “حارة كل مين إيدو إلو” أي دون وجود ضوابط أو رادع وخاصة بالنسبة للمواد غير الأساسية التي يحتاجها المواطن بشكل يومي.

من جانبه، ذكر مدير الأسعار في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، نضال مقصود، لصحيفة “الوطن” المحلية، اليوم الاثنين، أن السجاد يُعتبر من المصنوعات المحلية، لذا هي تخضع لإعداد بيان تكلفة يُقدم إلى مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك في المحافظة التي يتبع لها المنتج، ليجري تدقيقه من قبل دائرة الأسعار واعتماده ليكون حجة على المنتجين والبائعين.

لافتا إلى أنه عندما ترد شكاوى إلى الوزارة حول ارتفاع الأسعار يتم تحويلها إلى مديريات التجارة الداخلية وحماية المستهلك، ليتم تدقيق الشكاوى ومقارنتها مع بيانات التكلفة لكشف حالات التلاعب بالأسعار، ويتم اتخاذ الإجراء القانوني بحق المخالف وفق المرسوم 8 لعام 2021.

وفي سياق متصل، اعتبر مسؤول في وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، أن أي مخالفة في الأسواق من ناحية البيع بأسعار زائدة يتم ضبطها من دوريات الوزارة التي تعمل على مدار الساعة، منوها إلى أن أسعار السجاد تختلف وفقا لأنواعه المتعددة جدا، وأن الأسعار المرتفعة لبعض الأنواع ناتجة عن ارتفاع تكاليف الإنتاج.

هناك مشكلة اقتصادية كبيرة لا يمكن حصرها في المنتج أو في وزارة التجارة الداخلية، ومن ثم فإن ارتفاع الأسعار يرجع علميا إلى عدد من العوامل، وتشمل هذه العوامل ارتفاع أسعار ناقلات الطاقة وعدم توافرها، فضلا عن ارتفاع أجور اليد العاملة نتيجة للتضخم.

ومن الواضح أن النظام الاقتصادي غير مستقر ولا يمكن التنبؤ به، كما يتضح من حقيقة أن المسؤولية عن تنظيم الأسعار وتنفيذ الإصلاح الضريبي، قد قُسّمت بين عدة وزارات مختلفة. ولذلك من غير المعروف إلى أين يتجه الاقتصاد في سوريا، وهذا ما ينعكس على كل القطاعات.

لماذا السجاد السوري باهظ الثمن؟

امتناع المواطنين عن الشراء عائد إلى ضعف القدرة الشرائية والفقر والتدني بالدخول وعدم تناسبها مع الاحتياجات، فحتى لو تم الاستعاضة عن السجاد ببطانيات المعونة من بعض المواطنين، فإن هذا الحل يُعتبر مكلفا أيضا حيث يصل سعر المتر الواحد منها إلى 5 آلاف ليرة، وكذلك الأمر بالنسبة لسجاد المعامل الحكومية ذات الأسعار المرتفعة أيضا.

يُعتبر السجاد السوري نفسه من أهم الرموز الثقافية لسوريا. إن التقاليد والحرفية الكامنة وراء إنتاجها، هي ما جعلها مميزة وفريدة من نوعها. ولكن بسبب نقص رواتب العمال والمواد الخام للتصنيع، فقد فقدت هذه التقاليد ببطء.

ارتفعت أسعار السجاد السوري بمقدار 3-4 أضعاف بسبب تجاوز العرض للطلب لدى محلات ومصانع السجاد في سوريا، ووفقا لما نقله مدير الشؤون الاجتماعية والعمل في السويداء، سامر بوحصاص، في وقت سابق، فإن عدم ربط العاملات اللواتي يعملن على الإنتاج بعقود سنوية يتضمن الحد الأدنى للأجور أدى إلى تسرب الأيدي الخبيرة في صناعة السجاد اليدوي.

ومن جملة الأسباب التي ذكرها بوحصاص، ترهل الأبنية المعّدة لصناعة السجاد اليدوي بسبب إقفال الوحدات منذ عام 2002 ولغاية 2019 وسوء وسائل ومستلزمات الإنتاج. وتلف قسم من المواد الأولية من صوف وقطن وغيرها. وعدم صلاحيتها للعمل في صناعة السجاد بسبب سوء تخزينها.

ومن المتوقع رفع تكاليف الصناعة إلى ثلاثة أو أربعة أضعاف السعر الحالي، جراء غلاء أسعار مادتي الصوف والقطن، إذ يُقدر سعر كيلو الصوف الموجود حاليا لدى الوحدات بـ 800 ليرة، وسعر القطن الحالي 5 آلاف ليرة.

مستقبل الصناعة التقليدية في سوريا

خلال السنوات الماضية، شهدت الأسواق السورية إحياء العديد من المِهن التقليدية، كما غيّر آلاف السوريين من عملهم، واضطروا للعمل في مِهن إضافية لتحقيق التوازن بين الدخل والاحتياجات الأساسية.

بعد عزوف معظم السوريين عن شراء السجاد الجديد، عادت مهنة “رتّي السجاد“، كذلك مهنة “مندوب الأمبيرات“، التي ظهرت نتيجة انقطاع التيار الكهربائي، واعتماد الأهالي على المولدات المحلية.

في حديث سابق لـ“الحل نت“، قال الشاب منير الرجب، إنه “منذ نحو عامين ونصف، تراجع البيع كثيرا، ولم نعد نبيع سوى ما يبلغ عشرة بالمئة مما كنا نبيعه سابقا، فخطر ببالي أن نفتح فرع صغير لإصلاح السجاد القديم، وفعلا أصبح فرع إصلاح السجاد يعمل أكثر من فرع بيع السجاد الجديد“.

وتابع، “رتّي السجاد مهنة قديمة، ولم تنقطع أبدا، لكن تراجع عدد الذين يعملون بها مطلع القرن الماضي، في حين أن الأزمة الاقتصادية، كانت السبب في جعل شراء الأشياء الجديدة مكلفا جدا، لذلك فمن الطبيعي أن تعود المِهن الترميمية إلى الواجهة مرة أخرى في هذه الظروف“.

مع الأزمة الاقتصادية، يعتقد المتابعون للشأن السوري أنّ الصناعات التقليدية واليدوية ستتجه نحو الاندثار بسبب ارتفاع تكاليف المواد الخام، وأيضا هجرة المَهَرة والأيادي العاملة بسبب الأجور المتدنية. والظاهر للشارع السوري، أنّ تاريخ سوريا التراثي بات مهدد بالضياع والانقراض، ما لم تقوم الحكومة بخطوات تعيد بريق هذه الصناعات التي تحكي قصة آلاف السنين عن سوريا، وتعمل على تقليل أسعارها الكاوية لجيوب المواطنين الذين باتوا ما بين سندان الأسعار ومطرقة برد الشتاء.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.