تنافس محموم مع قرب موعد الانتخابات الماليزية المبكرة، خصوصا مع انطلاق الحملات الدعائية الخاصة بها، فكيف ستكون النتائج وهل سيعود مهاتير محمد، لرئاسة الحكومة مرة ثالثة وهو الذي يقف على أعتاب قرن من العمر.

انتخابات ماليزيا التشريعية لتجديد عضوية أعضاء البرلمان، ستجري في 19 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري، بعدما أعلن رئيس الحكومة إسماعيل صبري يعقوب، حلّ البرلمان في 10 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فاتحا الباب أمام إجراء انتخابات مبكرة.

الانتخابات كانت مقررة في أيلول/سبتمبر 2023، إلا أن يعقوب تعرض لضغوط كبيرة من حزبه، “المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة” (أمنو) لحل البرلمان والدعوة إلى انتخابات مبكرة، أملا في تعزيز غالبيته الضئيلة جدا.

يعقوب قال في خطاب متلفز بعد حل البرلمان وقتئذ، “آمل أن يستخدم الناس أصواتهم بحكمة للتصويت من أجل الاستقرار والنمو الاقتصادي والوئام في البلد”.

حلّ البرلمان الماليزي، جاء بعد أيام من إعلان الحكومة عن ميزانية تضمنت ما قيمته نحو مليارات من الدولارات من المساعدات النقدية، وخفضا لضرائب الدخل الفردي.

ماليزيا تشهد عدم استقرار سياسي منذ انتخابات عام 2018، التي أوصلت إلى الحكم رئيس الحكومة الإصلاحي مهاتير محمد، متغلّبا على حزب “أمنو”، الذي كان يحكم البلاد منذ أكثر من 60 عاما.

النتائج المتوقعة للانتخابات

الناخبون عاقبوا حينها رئيس الوزراء نجيب رزاق، لضلوعه في اختلاس مليارات عدة من الدولارات من صندوق “إم دي بي 1” السيادي، وأُدين وسُجن بعد ذلك لمدة 12 عاما.

حكومة مهاتير محمد خسرت الغالبية بعد 22 شهرا على توليها السلطة، وخلفه مساعده السابق محيي الدين ياسين، غير أن الغضب الشعبي المتزايد حيال إدارته لأزمة تفشي وباء “كورونا”، أرغمه على الاستقالة بعد أقل من عامين من توليه رئاسة الحكومة.

عقب استقالة ياسين، جرى تعيين إسماعيل صبري يعقوب، رئيسا جديدا لحكومة ماليزيا، وكانت ولايته هادئة نسبيا بعدما وقّع هدنة مع المعارضة الماليزية، لكن الضغوط السياسية لم تنتهِ، ما أسفر عن حل البرلمان مؤخرا.

وفق وكالة “بلومبرغ”، فإن قرابة ألف مرشح سيتنافسون على 222 مقعدا في الانتخابات المبكرة، مما يزيد من احتمال الحاجة إلى تحالفات جديدة لتشكيل حكومة جديدة.

من المقرر أن تشهد العديد من الدوائر الانتخابية معارك خماسية، إذ سينافس 10 مرشحين على مقعد “باتو” الحضري في كوالالمبور العاصمة، وهي أعلى منافسة في البلاد.

زعماء سياسيون ماليزيون، بدأوا السبت الماضي، حملاتهم الانتخابية استعدادا لخوض سباق متقارب، يشهد منافسة بين رئيس الوزراء الحالي إسماعيل صبري، والسياسيين المخضرمين من أمثال أنور إبراهيم ومحيي الدين ياسين، إضافة إلى مهاتير محمد.

أربع كُتل على الأقل تتنافس على أغلبية في مجلس النواب المكون من 222 مقعدا، مما يجعل المنافسة شديدة، خاصة مع إضافة الناخبين الشباب الذين لا يركزون على الأحزاب السياسية.

بحسب استطلاعات رأي ماليزية، فإنه لن يفوز أي حزب أو تحالف واحد بأغلبية في البرلمان، وأنه سيتعين على التحالفات المتنافسة أن تجتمع معا لتشكيل الحكومة المقبلة.

نحو 21 مليون ماليزي يحق لهم التصويت في الانتخابات المبكرة، مع تركيزهم في المقام الأول على التضخم وعدم الاستقرار السياسي الذي شهدته البلاد في الآونة الأخيرة على خلفية تباطؤ الاقتصاد.

المدير في شركة “باور غروب آسيا” للاستشارات السياسية أديب زالكابلي، قال إن “هذه المرة الأولى التي تشهد فيها ماليزيا منافسة ثلاثة تحالفات متماثلة في القوة بقيادة زعماء مخضرمين”.

زالكابلي أردف بحسب تقرير لصحيفة “العربي الجديد”، أن هناك احتمالا كبيرا بأنه لن يكون هناك فائز واضح في الانتخابات، وأن التحالفات ستضطر إلى التفاوض لتشكيل حكومة جديدة.

خارطة الأحزاب والتحالفات

وكالة الأنباء الوطنية الماليزية “برناما”، أفادت بأن رئيس الوزراء صبري يعقوب -الذي ينتمي لتحالف الجبهة الوطنية- قال إنه، ليس هناك فوز سهل بأي مقاعد برلمانية في هذه الانتخابات.

استطلاع رأي أجراه مركز “مرديكا المستقل” لاستطلاعات الرأي مؤخرا، أظهر أنه لن يتمكن أي تحالف بمفرده من الفوز بأغلبية، وأن تشكيل حكومة جديدة سيتطلب اتحاد ثلاثة تحالفات أو أكثر.

الانتخابات تأتي في وقت يتوقع أن يتراجع فيه الاقتصاد الماليزي بسبب التباطؤ العالمي، مما يعيق التعافي من الركود المرتبط بوباء “كورونا”، كما يرتفع معدل التضخم مع رفع “البنك المركزي” الماليزي أسعار الفائدة الأسبوع الماضي، للمرة الرابعة على التوالي.

في ماليزيا 69 حزبا سياسيا مسجلا لدى هيئة تسجيل المؤسسات والأحزاب، وهي موزعة على 5 كتل رئيسية، وهي كما يلي:

“تحالف الجبهة الوطنية”، هو أقدم تحالف حزبي في البلاد، ويضم ثلاثة أحزاب رئيسية هي “المنظمة الملايوية القومية المتحدة” (أمنو)، و”الجمعية الصينية الماليزية” و”المؤتمر الهندي الماليزي”، وقد حكم البلاد منذ استقلالها عام 1957 إلى أن خسر انتخابات عام 2018.

“تحالف الأمل”، هو امتداد لتحالفات المعارضة بزعامة أنور إبراهيم منذ خروجه من السلطة عام 1998، ويضم 3 أحزاب رئيسية، هي “حزب عدالة الشعب”، و”العمل الديمقراطي” (يهيمن عليه ذوو الأعراق الصينية)، و”حزب الأمانة الوطنية” المنشق عن “الحزب الإسلامي الماليزي”، وخرج منه حزب “برساتو” عام 2020.

“تحالف العقد الوطني”، يتزعمه رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين، ويضم “حزب وحدة الملايو” (برساتو) و”الحزب الإسلامي الماليزي”، وأحزابا صغيرة، وأبرز ما يميز “برساتو” أنه توليفة للمنشقين عن مختلف الأحزاب الرئيسية في البلاد، خصوصا الحزبين الكبيرين “أمنو” و”عدالة الشعب”.

“تحالف التجمع الوطني المحارب”، أسسه رئيس الوزراء الأسبق مهاتير محمد مؤخرا، ويضم عدة أحزاب صغيرة ومنظمات غير حكومية.

أحزاب ولايتي “ساراواك” و”صباح” في القسم الشرقي للبلاد (جزيرة بورنيو)، وهي تجمع لأحزاب ساراواك الذي فاز بانتخابات مجلس الولاية العام الماضي، وأحزاب ولاية “صباح” يتقدمها حزب “التراث”.

موقف أحزاب الولايتين يعتبر حاسما في النتيجة النهائية، وذلك بترجيح كفة التحالف الفائز، نظرا لأن مجموع مقاعد الولايتين في البرلمان المركزي يبلغ 56 مقعدا، والتي تعادل 25 بالمئة من مجموع المقاعد البالغة 222 مقعدا.

حظوظ مهاتير محمد

فيما يخص التنافس على رئاسة الحكومة المقبلة، قدّم رئيس الوزراء إسماعيل صبري يعقوب، من حزب “المنظمة الوطنية الماليزية المتحدة” الحاكم، وزعيم المعارضة أنور إبراهيم من “تحالف الأمل” ترشيحهما للرئاسة.

رئيس الوزراء السابق محيي الدين ياسين، هو الآخر يتشبث بأمل عودته للسلطة متكأ على تحالفه مع “الحزب الإسلامي الماليزي”، وهو الحزب الذي عاش شهر عسل في ظل حكومة ياسين التي لم تعمر سوى 22 شهرا.

مهاتير محمد الذي حكم البلاد الواقعة في جنوب شرق آسيا بين عامي 1981 و2003، كان قد عاد من التقاعد لقيادة “تحالف الأمل” المعارض في الانتخابات العامة التي أجريت عام 2018، ووصل لرئاسة الحكومة للمرة الثانية حينها، قبل أن يستقيل، قدّم أوراق ترشّحه للانتخابات السبت المنصرم، آملا في العودة لرئاسة الحكومة للمرة الثالثة وهو في سن الـ 97 من عمره.

محمد الذي دخل موسوعة غينيس للأرقام القياسية كونه “أكبر رئيس وزراء في المنصب” عندما انتخب عام 2018 لولاية ثانية بعمر 93 عاما، بدا في صحة جيدة، رغم مظاهر كبره في السن.

رئيس الحكومة الأسبق قال للصحفيين، إن لديه “فرصة جيدة” للفوز، وسخر من الاقتراحات بأنه يجب أن يتقاعد، وأضاف “ما زلت واقفا على قدمي وأتحدث إليكم، وأعتقد أنني أقدم إجابات معقولة”، مشيرا إلى أن حزبه لن يشكل أي تحالف مع أحزاب يقودها “محتالون أو خريجو سجون”، في إشارة واضحة إلى “أمنو”.

على أرض الواقع، فإن مهاتير محمد سيحصد مقعده البرلماني، لكن وصوله لرئاسة الحكومة، سيكون بحاجة إلى معجزة انتخابية تعيد إليه ثقة القادة السياسيين في البلاد، بحسب تقرير لموقع “الجزيرة نت”.

وفق التقرير، فإن مهاتير لم يفلح في إقناع أي من الأحزاب ذات الشأن بتوبته من سياسة قلب ظهر المجن للحلفاء (الانقلاب عليهم)، وتمكنه من تشكيل حكومة على أبواب 100 عام من عمره، ما اضطره لتشكيل تحالف من أحزاب صغيرة تكاد لا تكون معروفة.

ماليزيا تتبنى حكما برلمانيا وملكية دستورية على غرار النظام البريطاني، ومدة الدورة البرلمانية 5 سنوات، وينقسم البرلمان إلى مجلسين، النواب، وعدد أعضائه 222 يصلون بالانتخاب المباشر، والشيوخ ويضم 70 عضوا، ويقوم النظام الانتخابي على “ناخب واحد-مرشح واحد” بمعنى أن كل ناخب يختار مرشحا واحدا في دائرته لتمثيل الدائرة في مجلس النواب.

الملك يكلّف من يعتقد أنه قادر على الحصول على ثقة البرلمان، ولا يعقب التكليف تصويت على الثقة بالحكومة، كما أن الحسم بالفوز يكون بعدد المقاعد في البرلمان وليس بأغلبية الأصوات الانتخابية.

في تموز/يوليو الماضي، أُقر تعديل دستوري يمنع أعضاء البرلمان من تغيير ولاءاتهم الحزبية بعد الانتخابات، وذلك بعد أن تسبب تغيير الولاءات بانهيار حكومتين من الحكومات الثلاث التي شكلت بعد انتخابات 2018، وأبقت الثالثة في حالة عدم استقرار إلى أن حُلّ البرلمان في الشهر الفائت.

قانون حظر الانتقال من حزب إلى آخر، لا يشمل أعضاء مجلس الشيوخ، إذ إنهم غير منتخبين مباشرة من الشعب، ويتم اختيارهم من قبل المجالس التشريعية في الولايات، وتعيّنهم الأحزاب السياسية المشاركة في البرلمان ضمن حصص لكل حزب.

أخيرا، المستخلص من كل ما تم سرده، أن مهاتير محمد لن يصل إلى رئاسة الحكومة مجددا للمرة الثالثة، وأن أي حزب مهما كانت قوته لن يستطيع تشكيل الحكومة بمفرده، دون الولوج إلى التحالفات؛ لأنه من الصعوبة الفوز بأغلبية مقاعد البرلمان، في ظل تنافس حزبي شديد جدا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.