مع احتدام الحرب الروسية في أوكرانيا شمالا، تلتفت الأنظار إلى تنفيذ اتفاق السلام الذي وقّع في الثاني من تشرين الثاني/نوفمبر في بريتوريا بإفريقيا، حيث وافقت السلطات الفيدرالية الإثيوبية والمتمردون السبت الفائت، على تسهيل إيصال “المساعدات الإنسانية لجميع من يحتاجون إليها”، في منطقة تيغراي التي تشهد نزاعا منذ عامين، وفق ما أعلن الجانبان في مؤتمر صحافي في نيروبي.

فبعد ما يقرب من عامين من الحرب، اتفقت الحكومة الإثيوبية و”جبهة تحرير تيغراي الشعبية” على وقف فوري لإطلاق النار، صرح وسيط الاتحاد الإفريقي، الرئيس النيجيري السابق، أولوسيجون أوباسانجو، إن تطبيق الاتفاق الذي وقّعه المارشال برهانو جولا، رئيس أركان القوات المسلحة الإثيوبية، والجنرال تاديسي ووريدي، القائد العام لقوات المتمردين في تيغراي، سيكون “بأثر فوري”، فيما سيبدأ نزع سلاح الجبهة غدا الثلاثاء.

الاتفاقية تضمنت وقف إطلاق النار والأعمال العدائية ونزع سلاح الجبهة وإنفاذ القانون، وإعادة الحياة إلى طبيعتها في تيغراي قبل اندلاع المواجهات العسكرية بين الحكومة والجبهة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، ولكن ما فُرص تثبيت السلام في إثيوبيا، وما المخاوف من انهيار الاتفاق.

نزع السلاح؟

الصراع في تيغراي بدأ في تشرين الثاني/نوفمبر 2020، عندما أرسل رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، الجيش الفيدرالي لطرد قادة المنطقة الذين تحدوا سلطته لعدة أشهر واتهمهم بمهاجمة قواعد الجيش الإثيوبي في المنطقة.

قوات التيغراي هُزمت في بداية الصراع، لكنها استعادت السيطرة على معظم المنطقة في هجوم مضاد في عام 2021 امتد إلى أمهرة وعفر وشهِد اقترابها من أديس أبابا، ثم تراجعت قوات “الجبهة” نحو تيغراي، وتجددت المعارك بين الطرفين في 24 آب/أغسطس الفائت بعد هدنة استمرت 5 أشهر.

الحرب أدت إلى نزوح أكثر من مليوني إثيوبي ومعاناة مئات الآلاف من الأشخاص لظروف قريبة من المجاعة، بحسب الأمم المتحدة، وبسبب القتال، انقطعت منطقة تيغراي عن باقي أنحاء إثيوبيا وحُرم سكانها من الكهرباء وشبكات الاتصالات والخدمات المصرفية والوقود، وانقطعت المساعدات الإنسانية برا وجوا تماما منذ تجدد القتال.

الخبير بالعنف في الدول النامية وتحديدا إثيوبيا، كريستوفر بلاتمان، أشار في حديثه لـ”الحل نت”، إلى أنه من غير الواضح كيف ستتم مراقبة بنود الاتفاق أو تنفيذها، لأن القوى داخل وخارج إثيوبيا يمكن أن تعرقل العملية وتعيد البلاد إلى الحرب.

آبي، الحائز على جائزة نوبل للسلام، وصف الحرب في بدايتها بأنها حملة “قانون ونظام” ووعد بأن تكون سريعة، بل وحتى خالية من الدماء؛ ولكن سرعان ما تحول إلى صراع طاحن ترافقه فظائع لا تُحصى، بما في ذلك المذابح التي يرتكبها المدنيون والاغتصاب الجماعي واستخدام الجوع كسلاح من أسلحة الحرب، وفق حديث بلاتمان.

طبقا لتحليل بلاتمان، فإن اتفاقية تيغراي هذه اللحظة ليست نهاية عملية السلام، بل بدايتها، لأن رئيس الوزراء الإثيوبي لم يوافق على الصفقة إلا في لحظة تفوق عسكري، بعد أسابيع من التقدم العسكري الكاسح الذي أحرزته قواته عبر تيغراي بمساعدة إريتريا، التي لعبت دورا رئيسيا في القتال ولم تمثل رسميا في محادثات السلام.

حتى القائد الأوتوقراطي لإريتريا، أسياس أفورقي، لديه خصومة أزلية منذ عقود مع قادة تيغراي، وفق بلاتمان. ولم يتضح ما إذا كان قد وافق على الاتفاق الذي تم توقيعه في جنوب إفريقيا، والأهم من ذلك ما إذا كان سيسحب قواته من المنطقة.

بالتالي، فإن عملية نزع السلاح ودمج القوات غير مرجحة الاكتمال في الوقت الحالي، وفق ما يعتقد بلاتمان، نظرا لأن الحرب في تيغراي، وهي واحدة من صراعات عديدة في إثيوبيا، التي حددت معالم البلاد على مدى العقود الثلاثة الماضية.

هل يكتمل السلام؟

في البيان المشترك لاتفاقية تيغراي، قالت حكومة آبي أنها ستتعاون مع الوكالات الإنسانية “لمواصلة تسريع المساعدات إلى أولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة”، وما إذا كان ذلك قد يحدث، وما هي الفترة التي يستغرقها، قد يشكل اختبارا مبكرا للالتزام بالسلام على الجانبين.

الخبير بالعنف في إثيوبيا، بلاتمان، يلفت إلى أن الأيام المقبلة سوف تكون حاسمة في تحديد ما إذا كانت الصفقة قد تستمر، إذ إن الكثير يعتمد على الكيفية التي سيتم فيها إرساء السلام، خصوصا وأن العديد من الجهات المنخرطة في الصراع سواء من الداخل أو من الخارج، ليس لديها مصلحه في توقيعه مثل الزعيم الإريتري والقوات التي تقاتل إلى جانب الجيش الإثيوبي كجبهة “تحرير أورومو”.

بالنسبة للمدنيين في شمال إثيوبيا، فإن الاتفاق هو فترة راحة مرحّب بها من الصراع الذي أصبح معروفا بانتهاكاته الجسيمة، حيث أُجبر ما لا يقل عن 2.4 مليون شخص على ترك منازلهم، وفقا للأمم المتحدة. واتهمت جماعات حقوق الإنسان كلا الجانبين بارتكاب جرائم حرب، بما في ذلك القتل خارج نطاق القضاء والنهب والعنف الجنسي. وقد اتهم محققو الأمم المتحدة مؤخرا القوات الحكومية والمتحالفة معها بالمشاركة في “حرب التجويع”، وإخضاع النساء المحتجزات لـ”العبودية الجنسية”.

إثيوبيا هي واحدة من ست دول حددتها وكالات الأمم المتحدة على أنها تتطلب العمل الإنساني لمنع المجاعة والموت، أدت أربعة مواسم مطيرة متتالية إلى جفاف غير مسبوق يساهم في زيادة النزوح والجوع. لذا فإن استمرارية هدنة تيغراي تمكّن من اتخاذ إجراءات فورية لتوسيع نطاق المساعدة الإنسانية واستدامتها حتى منتصف عام 2023 على الأقل، لتجنب خطر المجاعة.

القصة الكاملة من الحكم للصراع المسلح

التطورات الجارية الآن بين إقليم تيغراي والحكومة المركزية في أديس أبابا، والتي وصلت حدّ الاشتباك المسلح، تكشف أن ثاني أكبر دولة أفريقية، من حيث عدد السكان، باتت على المحك، ويُخشى أن تنزلق إلى أتون صراع يتم فيه استخدام الإثنيات، وهذا سيكون زلزالا يضرب كل دول القرن الإفريقي جراء التداخل الإثني والجغرافي بينها؛ مما يجعل أمن كل منها يرتبط ارتباطا وثيقا مع الأخرى.

فيما يلي نظرة على الكيفية التي أدى بها الصراع في تيغراي إلى قلب إثيوبيا، وهدد بزعزعة الاستقرار بشكل أكبر في منطقة القرن الإفريقي المضطربة.

الأحداث بدأت عندما أعلن آبي أحمد في حزيران/يونيو 2020، أول تغيير لرئيس الأركان ومدير جهاز الأمن والمخابرات الوطنية، في تعديلات هي الأولى من نوعها منذ 17 عاما، وهي النقطة التي اعتبرها التيغراي استهدافا لهم كقومية باعتبار أن رئيس الأركان ومدير جهاز الأمن والمخابرات منذ وصول “جبهة شعوب إثيوبيا” إلى الحكم عام 1991 ظل من نصيبهم.

الخلاف بلغ نقطة الغليان في أيلول/سبتمبر 2020 عندما أجرى “التيغريون” انتخابات برلمانية إقليمية متحدّين الحكومة الإثيوبية، ليتحول الموقف بعد شهرين إلى العنف.

في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، هاجمت “جبهة تيغراي” قاعدة عسكرية فيدرالية في تيغراي فيما أسمته ضربة وقائية ضد القوات الفيدرالية التي كانت تستعد لمهاجمتها من منطقة مجاورة، وبعد ساعات، أمر آبي أحمد بعملية عسكرية ضد قيادة تيغراي.

بحلول أوائل شهر نوفمبر/تشرين الثاني كان المتمردون يتقدمون نحو العاصمة أديس أبابا. لكن مفتاح نجاح آبي أحمد في ساحة المعركة وإجبار قوات “الجبهة” على العودة إلى معاقلهم كان أسطول الطائرات بدون طيار المسلحة، التي تم استيرادها مؤخرا من تركيا وإيران، ومنذ ذلك الحين، خفّت حدّة القتال، على الرغم من استمرار الاشتباكات في منطقتي عفر وأمهرة المتاخمتين لتيغراي.

للمرة الأولى في تاريخ البلاد تحدث مواجهة مسلحة مباشرة ما بين إقليم والحكومة المركزية، وما يزيد المخاوف هو عدم نجاح الهدنة، حيث يرجح الخبراء من أن إقليم تيغراي قد يذهب في خطوة أبعد من المواجهة، ويقرر الانفصال عن دولة إثيوبيا المركزية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.