المؤشرات على إمكانية تحقيق المصالحة التركية المصرية في تزايد، مدفوعة بالمصافحة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره المصري عبد الفتاح السيسي، خلال مشاركتهما في حفل افتتاح مونديال قطر في 20 تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، الأمر الذي إن تحقق فإن تداعياته لن تقتصر على البلدين، وإنما قد تمتد لتشمل أكثر من ملف منها ليبيا، واتفاقيات ترسيم الحدود البحرية في حوض البحر المتوسط الشرقي، لكن في المقابل تقلل الملفات الخلافية والشائكة من حظوظ نجاح المساعي التي تبذلها كل من أنقرة والقاهرة.

مع أن أولى محاولات تطبيع العلاقات بين أنقرة والقاهرة بدأت منذ أواخر العام 2020، إلا أن حجم الخلافات كان يحول دون إحراز تقدم في المحادثات التي توقفت لأكثر من مرة، لتأتي القمة التركية المصرية التي جرت في الدوحة، التي أعطت دفعا قويا لمسار التطبيع البطيء، وصولا للحديث أخيرا عن احتمالية تبادل السفراء خلال الشهور القادمة، وفق ما أكد وزير الخارجية التركي، مولود تشاووش أوغلو.

تشاووش أوغلو رد على أسئلة الصحفيين قبل أيام، بالإشارة إلى إمكانية تنظيم مشاورات سياسية مجددا مع مصر، على مستوى نواب الوزراء قريبا، وإلى إمكانية تعيين سفراء في الأشهر القادمة.

قبل ذلك بنحو شهر، كان وزير الخارجية المصري سامح شكري قد أعلن عن توقف المحادثات “الاستكشافية” مع تركيا، متحدثا عن وجود توترات جديدة بين الجانبين حول الملف الليبي، رغم تقدم مسار تطبيع العلاقات على مدار عامين.

محاولات التصحيح

القطيعة بين أنقرة والقاهرة بدأت في صيف العام 2013، وتحديدا في تموز/يوليو عندما انتزع الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي السلطة من الرئيس الراحل محمد مرسي المنتمي لجماعة “الإخوان المسلمين” بدفع من الشعب، حيث رفضت أنقرة هذا الإجراء ووصفته بـ”غير الشرعي”.

بعد ذلك، دخلت العلاقات بين البلدين في مرحلة عنوانها التوتر الشديد، وزاد من حدته الخلاف في الأجندات للبلدين في لبيبا واتفاق أنقرة مع حكومة الوحدة الوطنية برئاسة عبد الحميد دبيبة، بشأن ترسيم الحدود في العام 2019، وبعدها توقيع مصر على اتفاقية دفاع مشتركة واتفاقيات تعاون في مجال الطاقة وتعيين الحدود البحرية مع اليونان الخصم اللدود لتركيا.

وصولا لأواخر العام 2020 بدأ التقارب بين البلدين، وأجرت القاهرة خلال هذه الفترة، بالتزامن مع تنامي دور أنقرة في ليبيا، تغييرات مهمة في سياستها الخارجية تجاره جارتها ليبيا، وغيرت موقفها من اللواء الليبي خليفة حفتر، وحثت الليبيين على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لتحقيق السلام.

قد يهمك: لماذا يصر أردوغان على المصالحة والتقارب مع مصر؟

القاهرة كذلك أعربت عن التزامها بإحداثيات الجرف القاري التي أعلنتها أنقرة، وفتحت الباب أمام تركيا لإجراء بعض الترتيبات الممكنة في شرق البحر المتوسط، وتلقفت أنقرة بإيجابية الموقف الجديد للقاهرة، وأكدت أهمية التعاون بين البلدين على أساس المصالح المشتركة، وجرى تأكيد هذه النقطة مرارا من جانب دبلوماسيين رفيعي المستوى، وجهات رسمية في تركيا، بحسب وكالة “الأناضول” التركية.

رسميا بدأ أول لقاء بين القاهرة وأنقرة في أيار/مايو 2021، وأجرت وفود برئاسة نائبي وزيري الخارجية محادثات استكشافية، والثاني في أيلول/سبتمبر، حيث جرى خلال هذه اللقاءات مناقشة القضايا الثنائية والإقليمية، إضافة إلى ضمان الأمن والسلام في منطقة شرق المتوسط.

بعد لقاء أردوغان – السيسي الأخير في الدوحة، كشفت وكالة “رويترز”، أن وفدين استخباريين من كلا البلدين التقيا في القاهرة في تشرين الثاني/نوفمبر الفائت، بحسب مصدر إقليمي مطلع على المسألة، وقال مصدر ثان، وهو مسؤول تركي رفيع، إن مباحثات “مهمة” بدأت بين الطرفين، وإن البلدين يتحضران لبدء محادثات حول المسائل العسكرية والسياسية والتجارية بما فيها مشاريع الطاقة.

“رويترز” نقلت عن مصدر استخباراتي مصري تأكيده أن الوفدين في القاهرة ناقشا كيفية تقريب وجهات النظر بشأن الملفات الأمنية المشتركة، مضيفا أن تلك الملفات شملت وسائل إعلام مقرها تركيا مرتبطة بجماعة “الإخوان المسلمين”، تعارض الحكومة المصرية، أما المسؤول التركي فقال إن الدولتين “قد تدخلان في تعاون جدي بشأن قضايا إقليمية خصوصا في أفريقيا”.

“المصافحة بين أردوغان والسيسي لم تكن البداية، إنما نتيجة جهد من الاتصالات بين البلدين معظمها كانت بين أجهزة الاستخبارات، لتسوية بعض الملفات وبناء أرضية لأي محادثات تبدأ من أي مستوى سياسي”، بحسب حديث الكاتب والمحلل السياسي، باسل المعراوي لـ”الحل نت”.

منذ بداية العام 2021 وقبل تسلم إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مهامها، بدأت تظهر في المنطقة تموضعات جديدة، استباقا لسياسة أميركية، أعلنها بايدن بحملته الانتخابية، وهي العودة للاتفاق النووي مع إيران والضغط على دول الخليج العربي ومصر وتركيا، بدعوى عدم تطبيقها معايير حقوق الإنسان وحرية التعبير، وغيرها من السياسات أو الشعارات التي يحرص الحزب “الديمقراطي” الأميركي على جعلها من أولويات سياساته الخارجية.

تصفير المشاكل

الكاتب الصحفي التركي عبد الله سليمان أوغلو، يضع توجه بلاده نحو تطبيع علاقتها مع مصر، في إطار الاستراتيجية الهادفة إلى تصفير المشاكل مع دول الجوار والمنطقة، وفي مقدمتها دول الخليج العربي ومصر.

من غير الممكن، بحسب أوغلو، الفصل بين ملف العلاقات التركية – الخليجية وعلى وجه التحديد مع السعودية والإمارات، وبين العلاقات التركية – المصرية، خصوصا أن السعودية والإمارات تربطهما علاقة جيدة بمصر، وفق تعبيره.

اقرأ أيضا: العلاقات المصرية التركية على مفترق طرق.. ما علاقة أمن البحر المتوسط؟

يعتقد الكاتب التركي أن تطبيع العلاقة بين أنقرة والقاهرة، قد يكون أحد متطلبات رفع مستوى العلاقات التركية الخليجية، موضحا أنه “يمكن اعتبار أن تحسين العلاقة بين تركيا ومصر، هو أحد أبرز المطالب السعودية والإماراتية”.

كل ما يجري له تداعيات إيجابية على العلاقات الاقتصادية العربية التركية، وفق أوغلو، والذي يشير إلى إيداع السعودية مبلغ خمسة مليارات دولار أميركي في البنوك التركية، لدعم الليرة التركية وتخفيف الضغوط عليها.

مقومات التطبيع غير متوفرة

من شأن تطبيع العلاقات بين تركيا ومصر، أن يُحدث في بعض الملفات الإقليمية انفراجه سياسية مثل ليبيا، لكن تعقيد الملف الأخير، يجعل منه نقطة خلاف رئيسية ليس من السهل تجاوزها، إذ تدعم القاهرة اللواء خليفة حفتر، بينما تدعم أنقرة حكومة الدبيبة.

كذلك، يتواجد الجيش التركي في ليبيا، الأمر الذي ترفض استمراره القاهرة وتصفه بـ”غير شرعي”، وهو ما ترفضه أنقرة، التي تؤكد أن “تواجد قواتها في ليبيا، يستند على اتفاقيات دفاعية مع حكومة طرابلس السابقة بقيادة فائز السراج”، و التي تتهم كذلك القاهرة بالوقوف إلى جانب المحور المضاد لها في ملف الحدود البحرية في شرق المتوسط.

ملف خلافي آخر يتمثل بملف الغاز شرقي المتوسط وما يتبعه من ترسيم للحدود البحرية مع اليونان، وكل ذلك يعني من وجهة نظر باسل المعراوي أن “مقومات وظروف التطبيع بين أنقرة والقاهرة غير متوفرة بعد. القاهرة تفضل قبل ذلك مراقبة نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية التي ستجري في حزيران/يونيو 2023، أما أنقرة فهي في عجلة من أمرها، لحسابات اقتصادية وانتخابية”، وفق تعبيره.

التطبيع مصلحة مشتركة؟

التطبيع يبدو مصلحة مشتركة لأنقرة والقاهرة، ففي الوقت الذي تريد فيه تركيا ضمان وقوف مصر إلى جانبها في ملف تقاسم الحدود البحرية، يرى خبير العلاقات الدولية بمركز “الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية” أحمد سيد أحمد، أن بلاده لديها رغبة في تصفير مشكلات المنطقة، وبقاء أجواء المصالحات على المستويين العربي والإقليمي.

في حديثه لـ”الجزيرة نت” يردف أن لبلاده مصلحة في أن تتحول تركيا من دولة ذات سياسيات سلبية تجاه مصر في بعض القضايا إلى دولة إيجابية، خاصة في الملف الليبي، إضافة إلى ما تفرضه التحديات الجيوإستراتيجية على الدول، بأن تتسم بالواقعية وتقلل من منسوب التوترات والصراعات مع الدول الأخرى.

ملف شرق المتوسط، يمثل مصلحة اقتصادية مشتركة للبلدين، بحسب أحمد، ورجح أن يشهد تطورا وتحسنا كبيرا، إذ إن هناك رغبة في الاستفادة القصوى من اكتشافات الغاز، في ضوء تحول مصر لمركز إقليمي للطاقة واحتضانها مقر منتدى غاز شرق المتوسط.

مهما كانت الملفات الخلافية بين تركيا ومصر صعبة وشائكة، يبدو أن هناك إصرارا من الجانبين على تجاوزها عبر تقديم التنازلات المتبادلة، لكن نجاح ذلك لا يعني انتهاء الحالة التنافسية بين أنقرة والقاهرة على قيادة المنطقة إلى غير رجعة.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.