منذ بدء الاحتجاجات، فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات إضافية على إيران بسبب معاملتها الوحشية للمتظاهرين وقرارها إرسال مئات الطائرات بدون طيار إلى روسيا لحربها في أوكرانيا. فيما ضغطت ألمانيا من أجل عقد اجتماع لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة الشهر الماضي صوت لإدانة حملة القمع وإنشاء بعثة مستقلة لتقصي الحقائق.
يوم الجمعة الفائت، قالت الحكومة الألمانية إنها ستعلق رسميا ائتمانات التصدير وضمانات الاستثمار للأعمال التجارية في إيران، وقالت وزارة الاقتصاد إنها علقت أيضا “الأشكال الاقتصادية” الأخرى، بما في ذلك الحوار حول قضايا الطاقة، نظرا “للوضع الخطير للغاية في إيران”.
عندما لا يتوفر الدعم الاقتصادي اللازم، يمكن أن يتعذر على الدولة المنعزلة الاستيعاب في السوق العالمي والعمل على تطوير الاقتصاد الداخلي وهذا ما يحدث مع طهران، خصوصا وأنها تعاني من ثلاث عزلات سابقا، إذ تسببت العزلة الجغرافية في العزلة الاقتصادية، حيث تعذر على النظام الإيراني الوصول إلى السوق العالمي والتعاون مع الدول الأخرى، وبسبب العزلة السياسية عانت طهران من العديد من العقبات والتحديات السياسية والدبلوماسية، ما أوقعها في عزلة تقليدية فلم تعد تتكيف مع التغيرات التقليدية والتكنولوجية التي تحدث في العالم.
تأثير العقوبات على النظام المالي
في الأسبوع الفائت، قالت مصادر تجارية وبيانات شحن، إن عشرات السفن التجارية التي تحمل الحبوب والسكر عالقة خارج الموانئ الإيرانية بعد أسابيع من التأخير حيث عطلت المدفوعات تدفقات البضائع إلى البلاد. وبالرغم من أن الغذاء معفى من عقوبات الغرب على إيران بسبب برنامجها النووي، لكن تأثير العقوبات على النظام المالي الإيراني بسبب عدم التزامه أمام المجمتع الدولي خلق ترتيبات دفع معقدة وغير منتظمة مع الشركات الدولية.
الخبير في السياسات الإيرانية، محمد سحيمي، أوضح لـ”الحل نت”، أن تأثير العقوبات على النظام المالي يعتمد على نوع العقوبة وعلى نطاقها. فعلى سبيل المثال، في الحالة الإيرانية أثرت العقوبات التي تهدد الدعم المالي للدولة المنتهكة للقوانين الدولية أو الأخلاقيات الدولية بشكل كبير على النظام المالي الداخلي لطهران.
على الرغم من أن هذه العقوبات قد تسبب العديد من التأثيرات السلبية على الشركات، إلا أنها كانت مفيدة في بعض الحالات. فطبقا لحديث سحيمي، منعت العقوبات التجارة الغير القانونية أو الأنشطة الخطيرة التي قد تؤدي إلى التلف أو الخسائر المؤثرة على النظام المالي العالمي.
فالعقوبات التي هددت الدعم المالي للنظام الإيراني باعتقاد سحيمي، حافظت على السلامة والأمان العالميين.
حيث أظهرت بيانات تتبع السفن على رفينيتيف أن مشكلات الدفع الأخيرة أدت إلى عدم قدرة السفن على تفريغ الشحنات، مع وجود ما لا يقل عن 40 سفينة ناقلة سائبة عالقة خارج الموانئ الإيرانية الرئيسية في بندر “إمام الخميني” وبندر “عباس”.
الأمن الغذائي يمثل أولوية بالنسبة لإيران، وقد زادت الحاجة إلى الواردات بسبب الجفاف الذي أصاب إنتاج الغذاء المحلي لموسمين متتاليين. فمن المتوقع أن تستورد إيران 5.5 مليون طن من القمح في موسم 2022/23، انخفاضا من 8 مليون طن في الموسم السابق لكنها لا تزال أعلى بكثير من المستويات العادية، استنادا إلى بيانات وزارة الزراعة الأميركية. وأظهرت البيانات أنه في المواسم الخمسة السابقة، بلغ متوسط الواردات 1.1 مليون طن فقط.
تعليق ضمانات التعامل مع إيران
منذ شهور هزت الاضطرابات أركان الدولة الإيرانية، حيث دعا المتظاهرون من جميع المناطق إلى سقوط النظام الديني الحاكم في طهران، وشكلوا أحد أكبر التحديات للجمهورية منذ “ثورة 1979”. في حين قدر مصدر تجاري غربي مطلع على الأمر، أن الشحنات العالقة خارج ميناء إيران تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار، كما يواجه مستأجرو الشحنات تكاليف تأخير تُعرف باسم غرامات التأخير.
وزارة الاقتصاد الألمانية، قالت إن استخدام هذه الأدوات لمشاريع في إيران الآن، جاء من أجل حماية ضمانات ائتمان صادرات الشركات الألمانية من الخسائر عندما لا يتم سداد قيمة الصادرات، خصوصا وأن البلدين كان بينهما تبادل تجاري منذ عام 2016 نتيجة اتفاق إيران مع القوى العالمية بما في ذلك ألمانيا، بشأن برنامجها النووي.
لكن لم تكن هناك ضمانات جديدة منذ عام 2019، لذا قررت الحكومة في الوقت الحالي “تعليق الضمانات بالكامل”، ولا يمكن منح الإعفاءات إلا إذا كانت هناك أسباب إنسانية قوية. وقالت الوزارة إن إجمالي التجارة الألمانية الإيرانية بلغ 1.76 مليار يورو (حوالي 1.9 مليار دولار) في عام 2021 و1.49 مليار يورو في الأشهر التسعة الأولى من هذا العام.
وفقا للخبير في الشؤون الإيرانية، فإنه من المحتمل أن تكون التأثيرات على الاقتصاد هامشية مقارنة بالآثار الكاسحة للعقوبات المطبقة بالفعل. لكن سيكون المزيد من التخفيضات في التجارة الإيرانية المحدودة بالفعل مشكلة بالنسبة للاقتصاد، لا سيما فيما يتعلق بالسلع الاستهلاكية والإمدادات للصناعة.
طبقا لحديث سحيمي، فإنه من المحتمل أن تؤثر الإجراءات الجديدة ماديا على الحكومة الإيرانية أو تفكيرها، خصوصا وأن استراتيجية إيران منذ عام 2018 تتمثل في اللعب للحصول على الدعم الدولي والوقت. لذا فإن هذه الخطوة الجديدة ستعزل إيران فعليا عن النظام المالي العالمي.
الأثر الاقتصادي لعقوبات إيران
بينما يُقال إن إيران تستكشف طرقا للتغلب على العقوبات الدولية أي بيع النفط من خلال شركات خاصة محلية كوسطاء، فإن هذه الجهود لم تكن كافية لتعويض الصدمة الاقتصادية من العقوبات التي أعيد فرضها. أعلنت العديد من الشركات الأجنبية عزمها على الخروج من السوق الإيرانية أو التخلي عن استثمارات جديدة، غير راغبة في المخاطرة بفقدان الوصول إلى السوق الدولية والاستبعاد من النظام المالي القائم على الدولار.
يتوقع “صندوق النقد الدولي” أن ينكمش الاقتصاد الإيراني بنسبة 1.5 بالمئة هذا العام و3.6 بالمئة العام القادم، وهو انعكاس حاد لكلا العامين. وعلى الرغم من تدخل البنك المركزي الإيراني لدعم العملة المحلية، فقد فقدت العملة أكثر من ثلثي قيمتها في السوق غير الرسمية منذ الأول من كانون الثاني/يناير الفائت.
على الرغم من أن التجارة الثنائية بين الولايات المتحدة وإيران ليست سوى جزء صغير من الاقتصاد الإيراني، إلا أن العقوبات “مؤلمة” وفقا لمركز “الدراسات الاستراتيجية والدولية”، لأنها يمكن أن تحد من وصول إيران إلى التمويل الدولي وتعاقب الشركات متعددة الجنسيات التي تتعامل مع المعاملات بالدولار الأميركي.
العملة الإيرانية تراجعت إلى مستوى منخفض جديد مقابل الدولار، يوم السبت الفائت، إذ حاول الإيرانيون الساعون للعثور على ملاذات آمنة لمدّخراتهم عبر شراءَ الدولار أو العملات الأجنبية الأخرى أو الذهب. الريال الإيراني فقَد ما يقرب من 20 بالمئة من قيمته منذ اندلاع الاحتجاجات على مستوى البلاد قبل 3 أشهر، وجرى تداول الدولار بما يصل إلى 395 ألفا و600 ريال في السوق غير الرسمية، ارتفاعا من 386 ألفا و800 ريال، يوم الجمعة الفائت، وفقاً لموقع الصرف الأجنبي “بونباست دوت كوم”.
ليس هناك شك في أن التأثير المباشر للعقوبات سيكون على المدى الطويل، لكن من تجربة حصار البنك المركزي الإيراني من قبل كل من الولايات المتحدة وأوروبا وتأثر النظام الإيراني بذلك، يمكن أن نرى ما إذا كان تعليق الأشكال الاقتصادية مع إيران يمكن أن تحدث فرقا حقيقيا في سلوك وسياسة الحكومة المركزية.
- وفيق صفا.. ما الذي نعرفه عن أول قيادي ينجو من ضربات إسرائيل
- ما بين النفط والموقع الاستراتيجي.. الصين عينها على السودان
- بموافقة 26 دولة.. مجلس حقوق الإنسان يعتمد قرارا حول سوريا
- إسرائيل تحيّد قائد وحدة الصواريخ بقوة “الرضوان” واستهداف جديد لـ”اليونيفيل”
- العراق وتعديل قانون الأحوال الشخصية.. الرجعية تكسر التنوير!
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.