مع تصاعد وتيرة الانسداد السياسي في تونس، لا سيما بعدما شهدت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إقبالا وصف بـ“الهزيل“، يبدو أن تونس على موعد مع مأزق سياسي خلال الفترة القادمة.

تراشق في الاتهامات بين الرئيس التونسي والمعارضة السياسية، فضلا عن أزمات اقتصادية تعصف بالمواطن التونسي وتدفعه نحو الهجرة، تدفع هذه المعطيات للحديث عن مأزق سياسي قادم، فهل تكون مبادرات الإنقاذ مخرجا نحو الاستقرار السياسي.

مبادرة لإنقاذ البلاد

“الاتحاد العام التونسي للشغل” أعلن قبل أيام، عن نيته تقديم مبادرة “لإنقاذ البلاد من الانهيار“، وذلك بالتعاون مع مكونات المجتمع المدني، بعيدا عن التجاذبات السياسية.

الأمين العام للاتحاد نور الدين الطبوبي، قال خلال إشرافه على اجتماع نقابي بمدينة باجة شمال غربي البلاد، إن الاتحاد “لن يقبل الفوضى وانهيار البلاد“، مشيرا إلى أن تونس تعاني من أربع مشاكل بالأساس وهي قانونية ودستورية واقتصادية واجتماعية.

الطبوبي أشار في تصريحات نقلها موقع “القدس العربي“، إلى أن الشتائم وتراشق الاتهامات بين السلطة والمعارضة لا يمكن لها أن تؤدي إلى الالتقاء أو الحوار، معتبر أن “التونسيين فقدوا الثقة بالجميع“.

الطبوبي أضاف أيضا أن الاتحاد ومنظمات المجتمع المدني “سيمضون قُدما في وضع تصور في إطار القانون لإنقاذ البلاد، وأكد أن الاتحاد “لن يفتك دور الدولة ولا دور المعارضة، لكنه لن يقبل بالفوضى ولن يسمح بانهيار البلاد“.

قد يهمك: الحكومة الأردنية تتمسك بالبقاء.. تجاهل لمطالب الشارع؟

الباحث السياسي رامي زهدي، رأى أن التعثر السياسي الذي تمر به تونس، مرتبط بتراجع الإصلاحات الديمقراطية في البلاد، فضلا عن الأزمات الاقتصادية المرافقة للمشاكل السياسية، مشيرا إلى أن دعوة الاتحاد تلقى تجاوبا جيدا في الشارع التونسي.

أبرز نقاط التعثر السياسي

زهدي قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “أبرز نقاط التعثر السياسي في تونس هو تراجع الإصلاحات الديمقراطية المرجوة منذ العام 2019 وسط حالة من التشتت تنتاب جميع الأطراف السياسية المتداخلة في الشأن التونسي العام. الأزمات الاقتصادية كذلك تؤثر على توازن الأمور في البلاد، إذ يعاني المواطن التونسي باستمرار من تراجع الدخل والخدمات“.

“الاتحاد العام التونسي ساهم في وقت سابق، في تعديل وإصلاح وتوجيه الأوضاع السياسية والاقتصادية منذ “الثورة التونسية” في العام 2010، إلا أن المسار الديمقراطي والاقتصادي منذ ذلك الوقت، لم يفي بحسب زهدي بما يحتاجه المواطن التونسي.

حول المبادرة التي أطلقها “الاتحاد” أوضح زهدي أن “الدعوة موجهة لجميع جهات المجتمع المدني، عبر حوارات مجتمعية وخطوات ديمقراطية دون إقصاء سياسي لأي فصيل وأيضا عبر إجراءات احتواء للفئات المؤثرة من الشباب والمرأة والعمال والنخب السياسية والحزبية، على أن يكون الهدف دائما إعلاء مصالح تونس فوق أي مصالح فردية أو فئوية، ويبدو أن هناك استجابة شعبية ورسمية للدعوات“.

خلال إجراء الانتخابات البرلمانية الشهر الماضي، شهدت البلاد تراشقا للاتهامات بين الرئيس التونسي قيس سعيّد وأحزاب المعارضة السياسية، خاصة بعد أن أشاد سعيد بنتائج الانتخابات البرلمانية التي شهدت غياب نحو 90 بالمئة من الناخبين.

بعد انتقاد المعارضة السياسية للانتخابات واعتبار عدم إقبال الناخبين بمثابة “فشل سياسي للسلطة“، فتح قيس سعيّد النار على معارضة، معتبرا أن “انتخابات حقيقية يشارك فيها 9 في المئة من الناخبين أفضل من أخرى مزورة يشارك فيها 99 في المئة“.

تبادل اتهامات

سعيّد وجه كذلك انتقادات شديدة للمعارضة، التي اتهمها بالتآمر مع الخارج والعبث بمقدرات الشعب، فضلا عن الحصول على تمويل من فرنسا لإثارة الفوضى في البلاد، كما هاجم من سماهم “مرتزقة الإعلام” الذين قال إنهم يتباكون على حرية التعبير في البلاد.

الاتهامات التي رفضتها المعارضة، واعتبرتها تهديد صريح للمنظمات التي تفكر في إطلاق مبادرة لإنقاذ تونس، “وهجوم كاسح على الإعلام والإعلاميين“.

الباحث السياسي رامي زهدي، اعتبر أن هذه الاتهامات المتبادلة، من شأنها المساهمة في تأجيج الصراعات السياسية في البلاد والدخول في مأزق سياسي خلال الفترة القادمة.

زهدي أضاف قائلا، “يجب على الجميع سواء قيادة سياسية أو معارضة أن يتحركوا مرحليا على الأقل في هذا التوقيت لعبور نقاط الخلاف والاختلاف لإحداث قدر من الحلحلة للأمور، وليؤمن الجميع أن السير على طريق التوافق هو في حد ذاته توافق وفرص نجاح مضاعفة“.

والانتخابات التي جرت الشهر الماضي، هي انتخابات برلمانية مبكرة، شهدت إقبالا وصف بـ“الهزيل“، ما جعل الضبابية تسيطر على المشهد السياسي في البلاد، خاصة مع استمرار التوتر بين الرئيس التونسي والمعارضة السياسية المنقسمة والتي لا تحظى بثقة كاملة من التونسيين.

بحسب متابعين للشأن التونسي فإن العزوف عن المشاركة جاءت بسبب “تداعيات العشر سنوات الأخيرة من حكم حركة الأخوان المسلمين ومن معها، فضلا عن العبث السياسي لكل القيادات التي قدّمت صورة مخزية للعمل السياسي الذي اقترن بالفساد والانتهازية، وتبديد أمل التونسيين لحياة أفضل ووضع اجتماعي أحسن بعد 25 جويلية“.

وضع المعارضة

المعارضة السياسية التي يتقدمها “حزب النهضة“، تبقى منقسمة وضعيفة لأن حلفائها الأيديولوجيين يعاكسونها، وتسعى إلى تعبئة الشارع ودأبت على تنظيم المظاهرات داعية قيس سعيّد إلى التنحي والرحيل.

القانون الانتخابي الجديد الذي أقره الرئيس التونسي قبل شهرين من الانتخابات، نص على ضرورة ألا يكشف المرشحون عن انتمائهم السياسي، ونتج عن ذلك غياب كامل لمشاركة الأحزاب. حيث طالبت “جبهة الخلاص الوطني” المعارضة والتي تضم “حركة النهضة“، الرئيس التونسي بالتنحي فورا عقِب المشاركة المتدنية في الانتخابات.

استنادا إلى الدستور الجديد الذي تم إقراره إثر استفتاء شعبي في تموز/يوليو الماضي، ولم يشارك فيه سوى نحو 70 بالمئة من الناخبين، فإن البرلمان الجديد مجرد من الصلاحيات الفعلية التي كان يتمتع بها المجلس الذي حله الرئيس، بحسب موقع “الجزيرة نت“.

أواخر أيار/مايو الماضي، استثنى الرئيس التونسي قيس سعيّد الأحزاب الأساسية من المشاركة في لجنة إعداد مشروع الدستور الجديد عبر حوار وطني، فيما رفض “اتحاد الشغل” حينها المشاركة فيه، معتبرا أنه “حوار شكلي يقصي القوى المدنية“.

فضلا عن الصراعات السياسية، تعاني تونس من أزمة اقتصادية ومالية، ارتفعت حدتها بسبب تداعيات انتشار فيروس “كورونا“، ولاحقا الغزو الروسي لأوكرانيا.

هجرة التونسيين غير النظامية نحو أوروبا، شهدت نسقا تصاعديا خلال السنوات الأخيرة، خاصة بعد عام 2020 وظهور التداعيات السلبية لجائحة “كورونا” ثم الأزمة السياسية، حيث سجل أكثر من 12 ألفا و360 مهاجرا تونسيا نحو السواحل الإيطالية عام 2020، ثم ازداد العدد عام 2021 ببلوغه 15 ألفا و675، وقبل أن يصل العام الحالي إلى أعلى مستوياته.

خبراء ومراكز مختصة تعزو أسباب تنامي حالة الهجرة بين التونسيين إلى تأزم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وانسداد الأفق وضعف الأمل في مستقبل أفضل، إذ إنها العوامل التي أسهمت في تواصل حالة الاحتقان وعدم الرضاء واللجوء إلى الهجرة على رغم من أخطارها، وهي العوامل ذاتها التي ستسهم في تصاعد وتيرة الاحتجاج والعنف خلال الأشهر المقبلة في حال لم يتم تدارك الأمر.

يبدو أن فشل الانتخابات التشريعية، سيعقّد من المشهد السياسي في البلاد، الذي يحتاج إلى مبادرة حقيقية للخروج من نفق التعثر السياسي، كما أن استمرار الوضع على هو عليه، سيعقّد المفاوضات بين تونس و“صندوق النقد الدولي” للحصول على قرض تحتاجه للخروج من أزمة الديون التي تعانيها، ما يعني مزيد من المعاناة للمواطن التونسي.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.