تتصف الجرائم بداعي “الشرف” في السنوات الأخيرة باختيار الجناة القتل و”غسل العار” على المكشوف وبوقاحة شديدة على مرأى من كل العالم، والافتخار بهذا الفعل وكأنهم على ثقة مطلقة بأن الحساب والعقاب بعيدان، في مجتمعاتٍ ذكوريّة تُبارك للقاتل حفاظه على “شرفه” وتلوم ضحيته على “جريمتها”.

ومن بين تلك الجرائم، مقتل الفتاة “عيدة الحمودي السعيدو”، من حي “الغويران” في الحسكة، بعد أن قامت أسرتها باحتجازها داخل غرفتها، وبمنع الطعام والماء عنها، وبضربها والاعتداء عليها مراراً وبشكلٍ وحشي، وكل ذلك قبل أن يقرر 11 شخص (غالبهم من رجال عائلتها) إنهاء حياتها بشكلٍ مريع.

ففي مشاهدٍ صادمة، تباهى الجناة بجريمتهم عبر نشر مقاطع فيديو تظهر الفتاة وهي تُجر إلى منزلٍ مهجور، ثم كيف راحت تضرب الأرض بجسدها المتعب، ورجال أسرتها يتناوبون على التنكيل بها داعين بعضهم البعض للاستمرار في تعذيبها وإطلاق الرصاص عليها، حتى تلفظ أنفاسها الأخيرة والألم يتسرب من صوتها المتوسل.

كان هذا عقاباً للفتاة التي لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها بعد رفضها الزواج من ابن عمها وتفضيلها عليه رجلاً آخر لم تقبل به أسرتها.

القتل بذريعة “الشرف” جناية مكتملة الأركان

أصدرت الحاكمية المشتركة لمقاطعة الجزيرة بـ”الإدارة الذاتيّة” لشمال شرقي سوريا، في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2014 المرسوم التشريعي رقم 22، تضمن (المبادئ الأساسيّة والأحكام العامة الخاصة بالمرأة)، والذي ينص على «تجريم القتل بذريعة الشرف واعتباره جريمة مكتملة الأركان المادية والمعنوية والقانونية ويعاقب مرتكبها بالعقوبات المنصوص عليها في قانون العقوبات كجريمة قتـل قصد أو عمد».

كما ينص على أنه «يمنع العنف والتمييز ضد المرأة، ويعد التمييز جريمة يعاقب عليها القانون، وعلى الإدارة الذاتيّة الديمقراطية مكافحة كل أشكال العنف والتمييز من خلال تطوير الآليات القانونية والخدمات لتوفير الحماية والوقاية والعلاج لضحايا العنف»، وعلى أنه “يمنع تزويج الفتاة دون رضاها” ويمنع تزويجها “قبل إتمامها الثامنة عشر من عمرها”.

مع ذلك، لا يزال الجناة في قضية “عيدة” حتى لحظة كتابة هذا المقال طلقاء لم يتم اعتقالهم، وتتخوف المنظمات الحقوقيّة من أن الجريمة قد تمر بلا محاسبة بحجة أن المجني عليها «دنست شرف الأسرة»، وأن «الغضب دفع القتلة إلى ارتكاب جريمتهم حفاظاً على شرفهم».

في هذا الصدد، تواصل موقع (الحل نت) مع مشروع توثيق الانتهاكات بسوريا في المركز السوري للإعلام وحرية التعبير، وقالت السيدة “تولين قصار”، المسؤولة عن توثيق الانتهاكات بحق النساء، «ندين بشدة بشاعة ارتكاب جريمة القتل بحق الفتاة المسكينة، ونرفض مبدأ إعطاء الذكر حق قتل أي امرأة من عائلته وإزهاق روحها بحجة غسل العار بدمها. في ظل انتشار السلاح العشوائي وغياب دولة القانون تكون المرأة هي الضحية بحجة “الشرف”. لماذا تسكت السلطات المسؤولة على مثل هذه الجرائم المروعة بحق النساء بدلاً من تطبيق أقسى العقوبات على الجناة لتحقيق العدالة؟».

في السياق ذاته، أخبرنا السيد “عبد الرحمن الدباس” مدير قسم العمليات في المركز «لدينا معلومات أن تقرير الطب الشرعي أكد عذرية الفتاة، وبأن قوات الأمن الداخلي (الآساييش) يحققون مع أقارب الفتاة، أما المجرمون المتهمون فلا يزالوا متوارون عن الأنظار. لقد وثقنا قيام منظمة سارا لمناهضة العنف ضد المرأة برفع دعوى قضائية على أهل الضحية، وسنتابع تطورات القضية التي تمس أهم حق من حقوق الإنسان والذي لا يمكنه أن يتمتع بأي حق دونه، الحق بالحياة والسلامة الشخصية».

جرائم “بلا شرف” و”بلا محاسبة”

لا توجد حدود جغرافية أو سياسية تقف في وجه انتشار هذا النوع من الجرائم في سوريا، فقد باتت ملاحظة في كل مكان دون محاسبة تمنعها، فأجهزة الشرطة لا تتعامل بجدية مع البلاغات المقدمة إليها حول العنف المنزلي، كما تتكتم أجهزة التحقيق على تفاصيل القضايا المشابهة بحجج مختلفة مثل “احترام الخصوصية”.

كانت تقيم “تيماء.س” (22 عاماً من قرية حيالين في ريف حماة) في تجمع مخيمات “أطمة” على الحدود “السوريّة- التركيّة” مع والدتها “فاطمة.د” (54 عاماً من قرية الجديدة في ريف حماة) حين قام الشاب “مهدي.س” (19 عاماً) الشهر الفائت بقتلهما بطلقات نارية بعد انتشار صورة لابنة عمه “تيماء” على الفيسبوك دون حجاب، توفيت الأخيرة على الفور إثر إصابتها بثلاث طلقات، أما “فاطمة” والتي تعرضت لسبعة طلقات فقد توفيت بعد ساعات في مستشفى “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، اعترف الشاب بجريمته وبرّرها بوصايته على “شرف” ابنة عمه، لكنه هرب إلى ريف عفرين ولم يتم القبض عليه.

وسبق الحادثة بشهر، مقتل كل من “علي.ع” (في الثلاثينيات من عمره) وزوجته بعد زواجهما بستة أشهر ضمن عادة تُعرف بزواج “الخطيفة”، الزوجة من عائلة نازحة من الجزيرة السوريّة، وتقيم في ريف السويداء الغربي، وقد قُتلا ذبحاً بالسكين، وهناك آثار لعيارات نارية أيضاً في جسديهما، فيما أشارت التحقيقات إلى أن أحد أقارب الزوجة ارتكب الجريمة بدافع “الشرف”.

هذا وقد أقدم “محمد.ك” في شباط/ فبراير 2021 على قتل ابنته “رهف” (17 عاماً)، من نازحي ريف حمص، بداعي “الشرف”، وذلك في مخيم “أبو دفنه” في بلدة “كللي” بريف إدلب، ورغم أنها كانت تعاني من مشاكل نفسية، فبحجّة أنها كانت تخلع حجابها في الخارج، أقدم على ضربها واللحاق بها عندما لاذت بالفرار، حيث أطلق النار عليها فاستقرّت إحدى الرصاصات في رأسها، ما أدى لوفاتها مباشرة، أمّا الوالد فقد لاذ بالفرار، ولم تتمكن الجهات الأمنية التابعة لـ”هيئة تحرير الشام” من إلقاء القبض عليه.

في كانون الثاني/ يناير 2021، أضرم “مالك.ح” (35 عاماً) وهو أحد النازحين من درعا، النار في بيته في بلدة “أطمة” الحدودية، وبعد إخماد الحريق عثرت فرق الدفاع المدني على جثة زوجته “هبة.م” (20 عاماً) متفحمة ومكبّلة اليدين والرجلين وهي حامل في شهرها الثامن، ونتيجة عمليات التحقيق التي أجريت مع زوج الضحية اعترف بأنه أضرم النار بزوجته بداعي “الشرف” ثمّ افتعل الحريق في المنزل، متحجّجاً بأنه كان تحت تأثير المواد المخدرة.

القوانين ليست شعارات

من المهم جداً مراجعة القوانين المتعلقة بجرائم القتل بداعي “الشرف”، لكن الأكثر أهمية هو مدى الجدية الحقيقية في حماية حقوق المرأة السوريّة لدى مختلف الجهات المسؤولة في سوريا. فالقوانين التي تُسنُّ لا تطبق، إنما لتؤدي وظيفة “الشعارات” الداعمة للـ “علمانية” هذا الطرف أو ذاك من أطراف النزاع، لا تزال لا تعدو كونها عناوين أفرغت من مضامينها. وهي في هذا -وللمفارقة- تبدو انتهاكاً أشدَّ دهاءً لحقوق النساء.


 

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.