منذ بدء أزمة نقص الغاز في أوروبا الناتجة عن تبعات الغزو الروسي لأوكرانيا، تسعى الولايات المتحدة في أن تكون أحد بدائل مصادر الغاز للدول الأوروبية، وذلك عبر إرسال الغاز الأميركي المسال.

غير أن صادرات الغاز الأميركي تواجه العديد من الصعوبات، أبرزها التكلفة العالية لوصولها إلى أوروبا، إضافة إلى ضرورة وجود محطات تحويل الغاز المسال إلى شكله الغازي قبل ضخّه في الشبكة الأوروبية، فهل تنجح الولايات المتحدة الأميركية في تلبية احتياجات أوروبا من الغاز.

مستقبل غير مضمون

تقرير لمركز “سياسة الطاقة العالمية” في جامعة كولومبيا الأميركية، قال إن مستقبل تدفق صادر الغاز إلى أوروبا غير مضمون ويواجه بعض القيود، لا سيما في حال عودة السوق الأميركي للنمو الاقتصادي خلال الفترة القادمة، ما قد يعني تحويل قسم من الكميات التي يتم تصديرها لسد الحاجة المحلية.

الدول الأوروبية رفعت وارداتها من الغاز المسال الأميركي، في إطار مواجهتها لأزمة نقص الغاز بعد انخفاض الإمدادات الروسية، وقد ارتفعت صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية بنحو 12 بالمئة خلال الأشهر الثمانية الأولى من عام 2022 إلى حوالى 74 مليار متر مكعب.

بحسب تقرير المركز فإن أزمة الطاقة في أوروبا، ساهمت في زيادة سريعة في صادرات الغاز الأميركي، حيث جنت شركات الطاقة الأميركية نحو 35 مليار دولار من تصدير الغاز إلى أوروبا. كما حققت الشركات الأميركية أحجام تصدير قريبة من قدرتها القصوى البالغة أكثر من 130 مليار متر مكعب على أساس سنوي في الشهر الخامس والسادس من العام الفائت.

أهم العقبات

الخبير في اقتصادات الطاقة والبيئة البروفيسور أحمد جبر، رأى أن واشنطن يمكن لها أن تساهم بشكل كبير في أزمة الطاقة الأوروبية وهي البديل الأول لأوروبا بالتوازي مع دول الخليج، مشيرا إلى أن العقبات تتمثل في التكلفة العالية لعملية تصدير الغاز من أميركا نحو أوروبا.

جبر قال في حديث خاص مع “الحل نت“، “وقف إمدادات الطاقة من روسيا لأوروبا بعد غزو أوكرانيا وتفجير خط ستريم 2، خلق مشكلة كبيرة في العجز في مجال الطاقة، لذلك رأينا الدول الأوروبية تعمل على تقنين في الطاقة، لذلك تبحث عن مصادر بديلة للطاقة، الولايات المتحدة الأميركية بديل مناسب لكن بُعد المسافة يخلق العديد من العقبات“.

بُعد المسافة بين أميركا وأوروبا، سيفرض تكاليف عالية جدا على عمليات وصول الغاز الأميركي إلى الدول الأوروبية، وبعد دخول الغاز المسال إلى المحطات الأوروبية وخروجه بصورة غازية، ستصبح الفاتورة ثقيلة جدا على المنشآت الصناعية والأفراد في المنازل.

برأي جبر، فإن أوروبا لديها فرصة كذلك للحصول على الغاز المسال من دول الخليج، وبتكلفة قد تكون أقل بسبب المسافة الأقرب من الولايات المتحدة الأميركية.

في عام 2022، بلغت نسبة ارتفاع صادرات الولايات المتحدة من الغاز الطبيعي في صورة غاز مُسال 8 بالمئة، لتبلغ 10.6 مليار قدم مكعب في اليوم، أي أقل بقليل من 10.7 مليار قدم مكعب في اليوم تصدرها أستراليا التي هي في المرتبة الأولى عالميا.

هذا الارتفاع بنسبة الصادرات كان معظمه متجها نحو القارة الأوروبية، ما ساعد أوروبا على ملء احتياطياتها من الغاز من أجل تخطي فصل الشتاء بأقل الأضرار الممكنة، في ظل أزمة الطاقة التي تعاني منها أوروبا.

ارتفاع الصادرات الأميركية

صادرات الغاز الأميركي بالمقابل واجهت العديد من العقبات خلال 2022، وخاصة بعد انفجار منصة “فريبورت” للغاز الطبيعي المسال في تكساس، التي تبلغ سعة التحميل الأساسي فيها نحو 1.98 مليار قدم مكعب في اليوم، وتصل في أوقات الذروة إلى 2.2 مليار قدم مكعب في اليوم.

هذا التعطل في المنصة، جعل الولايات المتحدة تتخلى عن مكانة أكبر دولة مُصدرة لأستراليا في وقت ازدهر فيه الطلب العالمي على الوقود.

قد يهمك: انخفاض سعر الغاز في أوروبا.. بوتين فشل في الرهان على سلاح الطاقة؟

بحسب تقرير لصحيفة “العربي الجديد“، من المتوقع أن تعوض منشأة ” كالكاسيو” في لويزيانا التي أُنشئت في العام الماضي، وتبلغ طاقتها 0.5 مليار قدم مكعب في اليوم بعض خسائر منصة “فريبورت”. كذلك من المتوقع أن يكتمل العمل بمنشأة الغاز الطبيعي لشركة “غولدن باس” بتكساس في عام 2025.

على الرغم من هذا التحسن في صادرات الغاز الأميركي المسال، إلا أن توقعات تشير إلى صعوبة تغطية كافة احتياجات السوق الأوروبية مع تراجع صادرات الغاز الروسي، وذلك بسبب خروج شركات الطاقة الغربية ومقدمي الخدمات والتقنية الغربيين من السوق الروسي بحسب تقرير “سياسة الطاقة العالمية“، كما أن سوق الغاز العالمي سيشهد نقصا في الإمدادات ليس فقط في الغاز الطبيعي المنقول عبر الأنابيب، ولكن كذلك في الغاز المسال.

من أبرز صعوبات تغطية الفجوة الذي تركها الغاز المنقول عبر الأنابيب من روسيا كذلك، هي التكلفة العالية للنقل عبر البحر، فضلا عن الوقت التي تستغرقه الدول الأوروبية لتشييد محطات تحويل الغاز من صورته المسالة إلى الغازية.

الولايات المتحدة الأميركية، تمكنت عبر ثورة الغاز الصخري أن تصبح من كبار مصدري الغاز الطبيعي المسال في العالم. وكانت فكرة أن تتحول أميركا من دولة مستهلكة إلى دولة مصدرة تبدو خيالية حتى قبل سنوات قليلة، ولكن الولايات المتحدة فعلت ذلك، حيث صدّرت كميات من الغاز الطبيعي المسال تعادل الكميات التي صدرتها قطر في العام الماضي 2022، حيث بلغت أكثر من 81 مليار متر مكعب.

شركات الطاقة الأميركية التي تعمل في النفط والغاز الصخري، تواجه كذلك صعوبات قانونية وبيئية في التوسع في إنتاج الغاز مع سياسات إدارة الرئيس جو بايدن، التي تعارض عمليات إنتاج الطاقة الأحفورية وترى أنها ملوثة للبيئة، وبالتالي يجب الاستثمار في الطاقات البديلة وفق تقرير “العربي الجديد“.

من جانبها تسعى أوروبا لتجاوز اعتمادها على الغاز الروسي، وذلك عبر تهيئة بنية تحتية وتشييد محطات طاقة، تسمح لها باستيراد الغاز المسال عبر النواقل البحرية وتحويله إلى شكله الغازي وضخه عبر الشبكات المحلية.

ألمانيا أعلنت خلال الأشهر الماضية، أنها بصدد بناء ثلاث محطات لتسييل الغاز، إضافة لمحطتين لإنتاج الهيدروجين الغاز، ما سيسمح لها باستيراد الغاز المسال بشكل أوسع.

من الدول كذلك التي بدأت بتشييد محطات تسييل الغاز بلجيكا، الأمر الذي سيساعدها على استيراد الغاز المسال الذي يتم نقله بواسطة بواخر في البحر، وبالتالي تخفيف الاعتماد على الغاز الطبيعي.

كذلك سعت أوروبا خلال العام الفائت، إلى البحث عن منتجين جدد لاستقبال الغاز عبر الأنابيب، أو حتى عبر النواقل البحرية، فكانت أميركا في طليعة الدول التي بدأت بنقل الغاز إلى أوروبا، فضلا عن المساعي الأوروبية المتواصلة لزيادة حجم الغاز الطبيعي من دول شمالي إفريقيا وبشكل خاص الجزائر.

مع تحسن صادرات الولايات المتحدة الأميركية من الغاز المسال، بالتأكيد سيكون لواشنطن دور كبير في سد ثغرة نقص الغاز في أوروبا، إلا أن الصعوبات التي تواجه الشركات الأميركية، فضلا عن الصعوبات اللوجستية، يعني استمرار الدول الأوروبية في الاستراتيجيات التي بدأتها العام الفائت، لا سيما فيما يتعلق برفع وارداتها من الغاز الطبيعي عبر تعزيز الشراكات مع دول شمالي إفريقيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.