مع تزايد خطر الحزب “الشيوعي” الصيني شرقي آسيا وتشكيله لحلف بين روسيا والصين، وإدراك اليابان والعديد من الدول المحيطة لهذا الخطر، بدأت الأخيرة في استراتيجيات دفاعية معلنة، تحسبا لأي تصعيد محتمل في المنطقة.

منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، أخذت الولايات المتحدة الأميركية على عاتقها، دعم حلفائها المتمثلين بشكل رئيسي باليابان وكوريا الجنوبية، لمواجهة حلف الصين وروسيا وكوريا الشمالية، فبدأت اليابان بدفع ميزانيتها الدفاعية وتغير عقيدتها العسكرية، فهل تبدأ اليابان في مواجهة خطر الحزب “الشيوعي” في آسيا.

اليابان وخطر الحزب “الشيوعي”

اليابان بدأت تشعر بالتهديد من الحزب “الشيوعي” الصيني، بعد أن بدأ تهديداته بغزو الجزر التايوانية، فضلا عن وجود تنازع السيادة حول جزر في المنطقة بين الصين واليابان، كذلك خطر كوريا الشمالية، التي بدأت منذ العام الفائت بتجارب صاروخية غير مسبوقة.

بالتوازي مع هذه المخاطر، أعلنت طوكيو مضاعفة ميزانيتها الدفاعية من 1 بالمئة إلى 2 بالمئة، من الناتج الإجمالي الخام لثالث أكبر اقتصاد في العالم في غضون عام 2027، في الوقت الذي تعتبر فيه طوكيو بكين وحلفائها تهديدا لأمنها القومي، مع تنامي القوى الصينية في المنطقة.

اليابان خصصت 320 مليار دولار ما بين 2023 و2027، لتعزيز قدراتها القتالية، بشكل يمكّنها من رفع ميزانية الدفاع من 51 مليار دولار في 2023، إلى أكثر من 80 مليار دولار في 2027، بعدما كانت 40.2 مليار دولار في 2022، لتتفوق بذلك على روسيا من حيث مخصصات الدفاع، وتصبح في المرتبة الثالثة بعد الولايات المتحدة والصين.

قد يهمك: ملامح الخطر الإيراني على منطقة الشرق الأوسط.. الاتفاق النووي حل؟

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، انطلقت في آسيا سباقات للتسليح، وزيادة في ميزانيات الدفاع، في ظل مخاوف من أن تقوم كل من كوريا الشمالية والصين بعمليات مماثلة لغزو دول أو جزر في آسيا. عزز هذه المخاوف تهديدات الحزب “الشيوعي” الصيني، بغزو تايوان على مدار الأشهر الماضية.

الباحث في العلاقات الدولية عبد اللطيف مشرف، رأى أن الولايات المتحدة الأميركية تدفع بحلفائها لزيادة عملية الإنفاق العسكري ودعم ميزانيات الدفاع، وذلك تزامنا مع تنامي القوى الصينية في المنطقة، وقد شكّلت واشنطن حلفا مع اليابان وكوريا الجنوبية وكندا لمواجهة محور الصين وروسيا وكوريا الشمالية.

مشرف قال في حديثه لـ”الحل نت”، “أميركا هي من تدفع الحلفاء السابقين لعملية التسليح وزيادة حدّ الإنفاق العسكري، لعل اليابان لم تكن هي الأولى التي تعلن استراتيجيتها الدفاعية، كانت قبلها كندا عندما أعلنت قبل أسابيع عن استراتيجية دفاعية، لمواجهة المخاطر المحتملة في المنطقة”.

مواجهة محتملة؟

مع تصاعد التهديدات الواردة من الصين وكوريا الشمالية، وصعود الحلف الصيني الروسي، أصبحت واشنطن تسعى لأخذ الاحتياطات في شرقي آسيا، ففضلا عن وجود قواعدها العسكرية في اليابان وكوريا الجنوبية، تدعم كذلك أن تعزز هذه الدول من استراتيجيتها الدفاعية لمواجهة أي سيناريو محتمل في المنطقة، على غرار ما فعلت روسيا في أوكرانيا.

مشرف أوضح أن واشنطن لا يجب أن تكون منفردة في التصدي لروسيا وقوّة الصين المتنامية، لذلك بدأت بالعمل مع الحلفاء في اليابان وكوريا الجنوبية وأيضا كندا.

حول ذلك أضاف، “أميركا تعمل الآن على عملية الإمساك بنقطة الانطلاق الصينية المتمثلة بالتهديدات المتجهة نحو تايوان وبعض الجزر، وذلك من خلال ظهور الاستراتيجية الكندية، التي تعمل على التسليح في المحيط الهادي والأطلسي للحد من قوة الصين المتنامية في المنطقة”.

على الرغم من سباق التسليح الذي انطلق في آسيا مؤخرا، والذي قد يوحي بمواجهة عسكرية مواجهة قادمة، إلا أن معظم الترجيحات تذهب للقول إن هذه الإعلانات عن الميزانيات الدفاعية وتغيير العقائد العسكرية، ما هي إلا أدوات تهديد، حيث أن تكلفة الحرب المباشرة الآن لا أحد يقوى على دفعها، في ظل الظروف الدولية والأزمات الاقتصادية التي تعصف بالعالم.

تطوير سلاح اليابان

بالعودة إلى استراتيجية اليابان العسكرية، فقد أفادت وكالة “كيودو” اليابانية للأنباء السبت الفائت، بأن وزارة الدفاع تعتزم تطوير عدة صواريخ طويلة المدى يصل مداها إلى حوالي ثلاثة آلاف كيلومتر، وتهدف إلى نشرها في العقد القادم.

مصدر مطلع، نقلت عنه “كيودو” أكد إن الحكومة تتطلع إلى نشر صاروخ يصل مداه إلى ألفي كيلومتر بحلول أوائل 2030، وصاروخ فرط صوتي بمدى يصل إلى ثلاثة آلاف كيلومتر يمكنه بلوغ أي موقع في كوريا الشمالية وأجزاء من الصين بحلول عام 2035.

كذلك نقلت صحيفة “الشرق الأوسط” في وقت سابق، عن مصادر في الصحافة اليابانية، تأكيدها أن اليابان تدرس شراء ما يصل إلى 500 صاروخ كروز أميركي الصنع من طراز “توماهوك”، بحلول السنة المالية المنتهية في آذار/مارس من العام 2028، مع تسريعها الاستعدادات لتحسين قدرات الهجوم المضاد.

تخطط اليابان لمراجعة استراتيجيتها للأمن القومي، بالإضافة إلى المواقف الدفاعية الأساسية الأخرى بحلول نهاية العام. وقالت بالفعل إنها تعتزم توسيع مدى الصواريخ الأرضية بوصفه جزءا من استراتيجية جديدة لمنح جيشها القدرة على ضرب أهداف بعيدة في البحر والبر.

الحلفاء شرقي آسيا

تسارع دول شرق آسيا إلى تعزيز قدراتها الدفاعية، مرتبط بالتأكيد بالغزو الروسي لأوكرانيا، وإمكانية ظهور اصطفافات جديدة في العالم، ما جعل اليابان وغيرها يستشعرون الخطر من التهديدات المحيطة، وبالأخص التهديدات الصينية في آسيا.

فاليابان تدرك تماما أن ما يحصل اليوم نتيجة الحرب الروسية على أوكرانيا، يشبه تماما حالة الاصطفاف التي سبقت اندلاع الحرب العالمية الأولى، مما ينبئ بضرورة الاستعداد لإمكانية نشوب حرب محتملة، فالحرب الأوكرانية، حفّزت مخاوف العديد من الدول على أمنها القومي وهو ما دفع العديد من الدول لبناء جيوش قوية لمواجهة الخطر“.

أحد أبرز الملفات التي أشعلت الخلافات بين اليابان والصين على مدار العقود الماضية، هي الجزر الواقعة في البحر بين البلدين، وهي جزر غير مأهولة، لكن اكتشاف ثروات وموارد فيها، أشعل الخلافات بعد أن كانت فاترة لعشرات السنين.

تخضع معظم هذه الجزر لسيطرة اليابان، إلا أن بكين بدأت بالمطالبة بها أواخر ستينيات القرن الماضي، وفي حين تقول الصين إن هذه الجزر تعرضت للسرقة من قبل اليابان عام 1895 وكان يفترض أن تعيدها نهاية الحرب العالمية الثانية.

ترد اليابان بالقول، إن الصين لم تبدأ بالمطالبة بها إلا بعد اكتشاف هذه الموارد في تقرير للأمم المتحدة عام 1969، مشيرة إلى أن الجزر التي كانت تضم يوما مصنعا للمأكولات البحرية اليابانية، جزء من أراضيها، سواء تاريخيا أو بموجب القانون الدولي، حسب الرواية اليابانية.

في أحدث مراحل النزاع على هذه الجزر، هي مشاهد الاحتجاجات في الصين عام 2012، وما تبعه من دخول لخفر السواحل الصيني وقوارب الصيد بانتظام إلى منطقة الجزر في بحر الصين الشرقي، في انتهاك للمياه الإقليمية اليابانية، وذلك بعدما أعلنت الحكومة اليابانية تأميم جزر سينكاكو.

يبدو أن تهديدات الصين باتجاه تايوان، لا تطمئن اليابان أبدا بالرغم من العلاقات الاقتصادية التي تجمع البلدين، فالخوف من غزو محتمل للصين باتجاه تايوان، دفع اليابان لتعزيز قدراتها العسكرية وزيادة ميزانيتها. كذلك تُراجع اليابان حاليا استراتيجية أمنها القومي، التي يُتوقع أن تنادي بامتلاك قدرات ضربة وقائية، يقول معارضوها أنها ستنتهك دستور البلاد السلمي.

الولايات المتحدة الأميركية من جانبها، ترى أن الصين قد تشكل خطرا شديدا في حال صعود نفوذها حول العالم، ويؤكد خبراء أن العديد من القادة اليابانيين يتفقون مع هذا الرأي، وبالتالي هم يؤيدون التحالف الأميركي الياباني ضد الصين.

حتى ولو كان خيار الحرب مستبعدا، فإن الدول ستواصل على ما يبدو تعزيز قدراتها العسكرية والدفاعية، كذلك سنشهد تعزيز أكثر لحلف أميركا وكوريا الجنوبية واليابان وكندا، لمواجهة التهديدات المحتملة من محور الصين وروسيا وكوريا الشمالية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.