في ظل استمرار حركة “طالبان” مخالفتها لمعايير حقوق الإنسان، تواجه أفغانستان خطر الانزلاق في وضع مأساوي كارثي، لاسيما بعد قرار إغلاق الجامعات أمام الطالبات في جميع أنحاء البلاد حتى إشعار آخر، إلى جانب حظر النساء من العمل في المجال الإغاثي. الأمر الذي اعتبره المجتمع الدولي محاولة لمحو النساء من الحياة العامة، ما دفع نحو 150 منظمة غير حكومية ووكالة إغاثية لتعليق أعمالها في البلاد، في الوقت الذي تعيش فيه البلاد عزلة دولية وسط تدهور حالة الاقتصاد.

مساعدات منظمة “الأمم المتحدة” التي تمكنت من الوصول إلى 25 مليون شخص أفغاني تواجه إمكانية عدم استمرارها في الوقت الذي يعاني فيه نحو 97 بالمئة من سكان أفغانستان من الفقر، ما لم ترفع “طالبان” التي تحكم البلاد الحظر المفروض على النساء العاملات في وكالات الإغاثة الإنسانية. الوضع الذي يناقشه مسؤولو الحركة مع “الأمم المتحدة” ومنظمات إغاثية أخرى في العاصمة الأفغانية كابل.

في الأثناء، تحاول منظمة “الأمم المتحدة” التي أعلنت منذ الأسبوع الماضي تعليق رحلاتها التي تحمل أموالا للمساعدات الإنسانية إلى كابل بسبب العقوبات الأميركية، التوصل إلى قرار يقضي برفع حظر “طالبان” على النساء، في الوقت الذي تؤكد فيه المنظمة الدولية بأن مئات الأطفال الأفغان يحضرون إلى المستشفيات مصابين بالتهاب رئوي خلال فصل الشتاء القاسي، وعلى الرغم من أن “الأمم المتحدة” كمنظمة لا تخضع بنفس القدر بعد لنفس الحظر الذي فرضته “طالبان“، بيد أن تقديم الكثير من برامج المساعدات الخاصة بالمنظمة من قبل المنظمات غير الحكومية، يجعلها تخضع لذات المعيار.

أفغانستان تحت ظل “طالبان”

وسط ذلك تظهر أرقاما صادمة كان قد كشفها مساعد الأمين العام لـ“لأمم المتحدة” للشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، عن الوضع الإنساني مدى الأوضاع في أفغانستان، إذ يحتاج ثلثا السكان إلى المساعدة الإنسانية للبقاء على قيد الحياة، في حين يواجه عشرون مليون شخص الجوع الحاد، كما أن نصف السكان بحاجة ماسة إلى المياه النظيفة والصرف الصحي.

اقرأ/ي أيضا: لقاء مكافآت باهظة.. هل تنجح اليابان بتحفيز الهجرة لفك زحام طوكيو؟

إضافة إلى ما تقدم، بيّنت الأرقام أن هناك أكثر من مليون فتاة إلى هذه اللحظة ممنوعات من الذهاب للمدارس الثانوية، بينما لا يزال ما يقرب من 7 ملايين أفغاني في البلدان المجاورة بمن فيهم اللاجئين، الذين من ضمنهم أكثر من 3.4 مليون نازح داخليا بسبب الصراع، ينتظرون حلا للوضع المأساوي.

علاوة على ذلك، وما تسببت به قرارات “طالبان” واستمرار الصراع وعدم الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد؛ أمام أفغانستان تحديات أخرى ترتبط ارتباطا وثيقا في القضايا التي سبق وتمت الإشارة لها، كما لا تقل أهمية عنها، حيث تشهد البلاد موجة جفاف ثالثة مصحوبة بتهديدات بمزيد من النزوح ومزيد من الأمراض وارتفاع في أعداد الوفيات، وهو ما تحاول منظمة “الأمم المتحدة” من تداركه من خلال التوصل إلى تسوية مع الحركة لضمان استمرار تدفق المساعدات.

في ظل هذا المشهد المأساوي، وانعكاساته على الجانب الإنساني، يرى الخبير السياسي علي البيدر أن وجود مثل هذه الأنظمة الراديكالية من شأنه القضاء على الحياة الخاصة للمجتمعات وعلى فكرة حقوق الإنسان، بما تشتمله من جوانب متعلقة بالمرأة وحتى الأطفال، وهي صفة أساسية في سلوكيات هذه الأنظمة التي على شاكلة “طالبان“.

لذلك أن ما فعلته الحركة يدخل منطقيا في حسابات حرمان نصف المجتمع الأفغاني الذي تمثله المرأة بما يشتمله من نجاحات وإبداع من حقوقه، كما سينعكس على مفهوم الدولة الأفغانية الجديدة ومفهوم المرأة وقدرتها على تجاوز الكثير من العُقد المجتمعية والسياسية، فضلا عن ما يساعد به في خلق ثقافة ذكورية حادة.

إجراءات صارمة

البيدر وفي حديث لموقع “الحل نت“، أشار إلى أنه من المفروض على المجتمع الدولي ألا يتعامل مع هذه السلوكيات بخيارات حظر الدعم وغيرها، بل أن الأجدر في التعامل مع مثل هذه السلوكيات التي تمارسها “طالبان“، أن يمنع العالم هذا النظام في الأساس من التواجد على رأس الدولة في أفغانستان، مؤكدا أنه لا شك في تأثير خيار حظر الدعم على الجانب الإغاثي للشعب الأفغاني الذي يتطلع إلى وقوف العالم أجمع إلى جانبه ومساعدته في تجاوز أزماته التي أنشأتها الصراعات والحروب.

الخبير السياسي لفت إلى أن خيار تعليق المساعدات الإنسانية لأفغانستان قد يمثل ورقة ضغط على “طالبان“، بيد أن فرص نجاحها في جعل الحركة خاضعة للإرادة الدولية ضئيلة، لسبب أن الأنظمة الراديكالية والمتطرفة لا يمكن التعامل معها بهذه الوسائل لأنها تمتلك مناعة عدم الاستجابة، وهو ما يحتّم في الأساس التعامل معها بحدة أكبر من ذلك، ربما تصل إلى التهديد في الإطاحة بالنظام واستبداله.

اقرأ/ي أيضا: بعد عامين على مغادرته.. ما احتمالات عودة بريطانيا لـ”الاتحاد الأوروبي”؟

بالمحصلة يمثل قرار “طالبان”، من وجهة نظر البيدر، انتهاكا جائرا، له تداعيات كبيرة على مستوى الشعب الأفغاني من حيث الجانب الإنساني والقيمي المجتمعي، فضلا عما يمثله من انتهاك لكرامة الإنسان وحقوقه والتدخل في خصوصيته وفرض إرادة راديكالية، الأمر الذي يجب بناء عليه وقوف العالم بأسره إلى جانب الشعب الأفغاني والعمل على تخليصه من هكذا نظام وتركه ليقرر مصيره بالطريقة التي يرغب بها.

في سياق ذلك، يقول رئيس مكتب “الأمم المتحدة” لتنسيق الشؤون الإنسانية مارتن غريفيث، والذي من المقرر أن يزور كابل خلال الأيام القريبة جدا لمناقشة هذا المأزق، بدون عمل النساء، لا يمكننا تقديم الخدمات للأشخاص الذين هم في الواقع الأهداف الرئيسية للمساعدات الإنسانية للنساء والفتيات، لذلك فهي مسألة عملية تتجاوز الحقوق، مشيرا إلى أن هناك الكثير من الخبرة في أفغانستان، حتى اليوم، حيث يوجد مرسوم، لكنه لا يتم تنفيذه بطريقة متسقة في أجزاء مختلفة من البلاد.

مساعي دولية

منذ أن استولت “طالبان” على البلاد في منتصف آب/أغسطس 2021، منعت الفتيات من الالتحاق بالمدارس الثانوية، وقيّدت حرية النساء والفتيات، واستبعدت النساء من معظم المِهن، وحظرت النساء من استخدام الحدائق، وصالات الألعاب الرياضية، والحمامات العامة.

في الإطار ذاته، تفيد الأنباء بأن مسؤولين من “الأمم المتحدة” ومنظمة إغاثة اجتمعوا أمس الأحد، مع “طالبان” في أفغانستان وسط دعوات مكثفة للحكام الإسلاميين لإنهاء ما يصفه مسؤول في “الأمم المتحدة” بأنه “حملة خطيرة” لاستبعاد النساء من الحياة العامة، وتأتي الاجتماعات في الوقت الذي قالت فيه ميليسا فليمنغ، كبيرة مسؤولي الاتصال في “الأمم المتحدة” مؤخرا، إن الحملة المنهجية التي تشنها سلطات الأمر الواقع في البلاد لمحو النساء تدريجيا من الحياة العامة وإنكار مساهمتهن هي عمل غير عادي من أعمال إيذاء النفس.

تصريحات فليمنغ جاءت في الوقت الذي عقد فيه ماركوس بوتزل، مبعوث “الأمم المتحدة” إلى أفغانستان، اجتماعات متتالية مع كبار وزراء “طالبان” في العاصمة كابل، وحثّهم على رفع الحظر المفروض على تعليم المرأة وعمل جماعات الإغاثة، مشيرا إلى الظروف الإنسانية القاسية في البلاد، وفي حين عقد بوتزل اجتماعه الأخير يوم الأحد مع وزير “طالبان” لتعزيز الفضيلة ومنع الرذيلة، المكلف بتفسير وإنفاذ نسخة “طالبان” من الإسلام.

مناقشات بوتزل مع مسؤولي “طالبان” في كابل تأتي في الوقت الذي يستعد فيه “مجلس الأمن” للاجتماع على انفراد في 13 كانون الأول/يناير المقبل لمناقشة الحظر المفروض على عمال الإغاثة الإنسانية الأفغان، فيما كان الأمين العام لـ “لمجلس النرويجي للاجئين” قد وصل أمس الأحد للعاصمة الأفغانية لإجراء محادثات مع سلطات الحركة سعيا إلى إلغاء الحظر المفروض على العاملات في المنظمات غير الحكومية.

يُذكر أن “صندوق الأمم المتحدة الإنساني” كان قد حصل على 1.8 مليار دولار هذا العام لدعم العمليات الإنسانية، مما ساعده على ضخ أكثر من 55 مليون دولار أميركي في الاقتصاد الأفغاني كل شهر، بما في ذلك دفع رواتب الموظفين في مؤسسات وطنية توظف عشرات الآلاف من الموظفين في المنظمات الإنسانية الشريكة، كما ساهمت في توفير فرص عمل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة