العديد من الدول المغاربية، تواجه أزمة جفاف منذ سنوات، زادت حدتها خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وأصبحت تداعياتها أكثر تعقيدا، ما قد يؤثر على تصاعد معدلات الهجرة، في ظل شح المياه، والتأثير على القطاع الزراعي، وسط تحذيرات من تفاقم الوضع الناجم عن أزمة تغير المناخ.

الدول التي تعاني من الأزمة، وبشكل خاص المغرب وتونس والجزائر، تخوض حاليا سباق مع الزمن، لإيجاد الحلول والتخفيف من تبعات الجفاف، وذلك بعد التراجع الكبير في معدلات هطول الأمطار، فضلا عن آثار التغير المناخي، فما هي أبرز الحلول المطروحة لمواجهة الكارثة.

تراجع كبير في الموارد المائية

الموارد المائية في الدول المغاربية شهدت خلال السنوات القليلة الماضية، تراجعا كبيرا، وتوالت مواسم الجفاف، تزامنا مع ارتفاع معدلات استهلاك المياه نتيجة النمو السكاني والحاجة المتزايدة لمصادر المياه.

تقرير لموقع “سكاي نيوز عربية”، تحدث عن معاناة الفلاحين في المغرب، من الجفاف الذي يضرب البلاد من جراء التّغير المناخي والاحتباس الحراري ما يعرض محصولهم لخطر التلف، في وقت تسعى سلطات إقليم الحوز، وسط المملكة، إلى اتخاذ خطوات عملية تساهم في إنقاذ الوضع.

المغرب يعاني منذ أربع سنوات من جفافٍ في الأنهار والوديان بسبب اعتماده على الأمطار، التي انخفضت معدلات هطولها خلال ذات الفترة، ما أثّر بشكل كبير على مواسم الزراعة.

خلال شهري تشرين الأول/أكتوبر وكانون الأول/ديسمبر من العام 2022، شهدت البلاد هطول أمطار ساهمت في إنعاش الموسم، إلا أن الاعتماد على الأمطار دون أي خطوات رسمية وعملية لا يمكنه إنقاذ المحصول.

قد يهمك: هل تكون الموازنة في تونس سببا لعصيان ضريبي؟

الخبير في الشؤون الإفريقية رامي زهدي، رأى أن أبرز ملامح أزمة نقص المياه في الدول المغاربية فضلا عن التغير المناخي، هو النمو السكاني وزيادة الحاجة للمياه، مشيرا إلى أن الحلول قد تختلف من دولة إلى أخرى بسبب الاختلاف من حيث عدد وطبيعة السكان والخبرات.

زهدي قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “منطقة المغرب العربي وشمال إفريقيا، بداية من ليبيا، تونس، الجزائر، المغرب نهاية بموريتانيا، هي دول صحراوية على الأغلب، وتعاني شحّاَ مائياَ يتفاوت من موسم لآخر حسب سعة الأمطار”.

خلال السنوات الأخيرة زادت معايير التذبذب في كمية الأمطار، مع نمو السكان وارتفاع الحاجة للمياه، تزامنا كذلك مع نمو الأنشطة الاقتصادية وفي مقدمتها الزراعة والسياحة، بالتالي أصبح من الصعب العيش في ظل تراجع كميات المياه المتوفرة.

فرص المواجهة

عن فرص مواجهة أزمة الجفاف وطرح الحلول، أوضح زهدي أنه “يجب هنا دراسة كل حالة على حدا، لأن هذه الدول تختلف كثيرا فيما بينها من حيث عدد وطبيعة السكان، والغطاء الاقتصادي المتوافر للإنفاق على مشاريع من شأنها مواجهة الأزمة، كذلك علي سبيل توافر الخبرات البشرية، علما بأن نفس الأزمة تطال أوروبا أيضا في شمال المتوسط، خاصة إسبانيا”.

زهدي لفت كذلك إلى أن جميع الحلول المرتبطة فقط بكمية الأمطار هي حلول خطرة وغير مأمونة الجانب لأن كمية الأمطار تقل ولم تعد هناك بيانات أو توقعات مؤكدة مضمونة التحقق بخصوص كميات الأمطار ومدد التدفق خلال الأعوام القادمة.

لعل الفلاحون في المغرب وتونس، أبرز المتأثرين بالأزمة وبدا ذلك واضحا في الأرقام المعلنة للإنتاج الزراعي في الدولتين في الأعوام الثلاثة الماضية.

المغرب من بين الدول التي أطلقت مبادرات عديدة لمواجهة الجفاف الذي يضرب مساحات واسعة من البلاد، ومن بين الخطط الحكومية، تشييد 16 سدا في إقليم الحوز في جهة مراكش، لتشكّل مصبّا لعدة أنهار أساسية ما يسمح بجمع حوالي 200 مليون متر مكعب من المياه، تذهب عادة إلى المحيط الأطلسي، كما تحصّن إقليم الحوز ومراكش من المشكلات المرتبطة بنقص المياه.

زهدي اعتبر أن هذه الخطوة قد تساعد وتقلل من كميات المياه المهدورة التي تذهب للمحيط، وأضاف “الدول التي تعاني من الأزمات تتشارك كذلك في إجراء تقنين المياه في أغراض غير الزراعة والشرب، مثل غسيل الشوارع أو مياه مستخدمة في الصناعة أو في عمليات الاستكشاف والتنقيب عن الموارد النفطية”.

خطط عاجلة

أما في الجزائر فقد وضعت الحكومة الجزائرية، خطة عاجلة لمواجهة نقص المياه الناتج عن شح مياه الأمطار وانخفاض منسوب السدود.

هذه الخطوة اعتبرها البعض استباقية من قبل الحكومة الجزائرية التي أعلنت حالة الاستنفار على مستوى عدة قطاعات، أهمها الموارد المائية والفلاحة لإنشاء مخطط استعجالي يهدف الى سنِّ سياسة جديدة لاقتصاد المياه وطنيا والحفاظ على الثروة المائية الجوفية.

كذلك أعلنت الحكومة، إنشاء مخطط لتعميم محطات تحلية مياه البحر عبر كامل الشريط الساحلي البالغ طوله 1200 كيلومتر، تجنبا لتداعيات ندرة تساقط الأمطار.

ما يساعد الجزائر بذلك حسب زهدي، إمكانياتها الاقتصادية، كونها الأعلى بين الدول المغاربية، كذلك تمتلك خطط طموحة للتوسع في نطاق محطات التحلية لكل مناطق السكان المأهولة على الساحل الجزائري.

حول تبعات استمرار أزمة نقص المياه في الدول المغاربية قال زهدي، “تبعات اقتصادية يتبعها تأثير مجتمعي كبير على الصحة والسكان، وتعطل لخطط التنمية في هذه الدول في ظل ظروف اقتصادية صعبة تواجه المنطقة والعالم”.

أما انعكاسات أزمات الجفاف على معدلات الهجرة، فبرأي زهدي، “توافر المياه جزء أساسي من معايير جودة حياة المواطنين في أي دولة، وبالتالي مزيدا من التراجع في جودة الحياة يؤثر على رغبات الشعوب خاصة الشباب للهجرة لمجتمعات أفضل، بالتأكيد ربما تكون الوجهة فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال في مقدمة وجهات الهجرة سواء الشرعية أو غير الشرعية”.

الدول المغاربية تواجه أيضا مشكلة تآكل الشواطئ، حيث تتعرض السواحل في تلك البلدان لخطرين يتمثل الأول في ظاهرة التغير المناخي، حيث تؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى ارتفاع مستويات سطح البحر فيما يكمن الخطر الثاني في التعدي على الشواطئ. وينجم عن ذلك تفاقم الظواهر المناخية المتطرفة مثل الفيضانات والأمواج الكبيرة والرياح القوية التي يمكن أن تضر بالمناطق الساحلية.

ظاهرة تآكل الشواطئ تُعتبر أحد الكوارث التي تحمل تداعيات مختلفة على بلدان المغرب العربي، وتدفع للتساؤل حول أسباب التآكل، وعلاقة التغير المناخي، وتداعيات ذلك على هذه الدول، وما هي الحلول الممكنة لوقف ما يجري.

مشكلة نقص المياه دائما ما تكون حاضرة ومنذ سنوات في حديث المنظمات الدولية، ومن الممكن أن يتفاقم الضغط المائي في بعض المواقع في كوكب الأرض مع تزايد النمو السكاني ومشاكل المناخ، بل يمكن أن تصبح المياه السبب الرئيسي لصراعات المستقبل.

يبدو أن الدول الإفريقية هي من أكثر المناطق تعرّضا للضغط المائي خلال السنوات المقبلة، ما يتوجب على الحكومات التحرك العاجل والسريع للتخفيف من وطأة كارثة محتملة قادمة، وإلا سنشهد هجرة جماعية من إفريقيا تحت ضغط نقص المياه.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.