خلال الفترة الماضية، لوحظ اهتمام دول الخليج برفع مستوى الشراكات الدفاعية الاستراتيجية مع العديد من الدول، وتعزيز قطاعها العسكري بشكل عام، وقواتها الدفاعية الجوية بشكل خاص، وازدادت هذه المصالح مع المتغيرات الدولية والتحولات والتحديات التي شهدتها منطقة الشرق الأوسط مؤخرا، وبالتالي أصبحت مسألة الأمن ضرورة قصوى لدول للخليج، وخاصة بالنسبة للمملكة العربية السعودية.

تجلى ذلك بوضوح في معرض الدفاع الدولي “أيدكس” 2023، حيث كان هناك حضور خليجي لافت هذا العام، واستنادا إلى حرص هذه الدول المتزايد على تعزيز ترسانتها الدفاعية الجوية وبناء شراكات متعددة ومختلفة لضمان أكبر قدر ممكن من تعزيز أمنها، فقد أنفقت مليارات الدولارات لشراء الأسلحة.

في أعقاب ذلك، وقّع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقيات تعاون في مجالات استثمارية ودفاعية أبرزها شراء المملكة طائرات مسيّرة تركية، وذلك خلال زيارة رسمية للأخير يوم الإثنين الماضي في مدينة جدة السعودية.

من هنا لابد من طرح بعض التساؤلات حول أهداف السعودية من توقيع اتفاقيات الصناعات الدفاعية مع تركيا، وخاصة صناعة الطائرات المسيّرة، وما تعنيه هذه الاتفاقيات للبلدين، وإذا ما كانت هذه الاتفاقيات مقابل تعاون واستثمارات اقتصادية في تركيا، ومدى استفادة الرياض من قدرات أنقرة في مجال الصناعات العسكرية، وهل سيتمكن أردوغان من إنقاذ اقتصاد بلاده من خلال هذه الاتفاقيات الاقتصادية مع دول الخليج، مؤخرا.

اتفاقيات بن سلمان وأردوغان

نحو ذلك، استقبل بن سلمان، أردوغان في قصر السلام في جدة على ساحل البحر الأحمر، في مستهل جولة إقليمية للرئيس التركي شمل قطر والإمارات. وأوردت “وكالة الأنباء السعودية” (واس) أن الزعيمين وقّعا ثلاث مذكرات تعاون في مجالات الطاقة والاستثمار المباشر والتعاون الإعلامي، وخطة تنفيذية للتعاونِ في مجالات القدرات والصناعات الدفاعية والأبحاث والتطوير وعقدين مع شركة “بايكار للتكنولوجيا” للصناعات الدفاعية والجوية، لاسيما الطائرات المسيّرة.

ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس التركي رجب طيب أردوغان- “صحيفة العرب”

وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، كتب على منصة “تويتر” اليوم الذي يليه، أنه وقع عقدَي استحواذ بين وزارة الدفاع وشركة “بايكار” التركية للصناعات الدفاعية، تستحوذ بموجبهما وزارة الدفاع على طائرات مسيَّرة؛ بهدف رفع جاهزية القوات المسلحة، وتعزيز قدرات المملكة الدفاعية والتصنيعية، وفق ما نقلته صحيفة “العرب” اللندنية.

الوزير السعودي لم يحدد عدد أو نوع المسيّرات التي ستحصل عليها السعودية بموجب هذه الصفقة ولا موعد تسلّمها، مضيفا أن البلدين وقعا أيضا خطة للتعاون الدفاعي.

الباحث والأكاديمي السياسي، عبد السلام القصاص، يرى خلال حديثه لموقع “الحل نت”، أن اهتمام المملكة العربية السعودية لا يبدو أمرا مباغتا حيث إن هذه الانعطافة السعودية تعكس رؤية وأهداف استراتيجية وأمنية قصوى في ظل الأوضاع الإقليمية والدولية وتنامي أهمية هذا السلاح الذي برز مخاطره وتأثيراته أو بالأحرى تداعياته في أوكرانيا.

كما وهذا السلاح الذي دعمت به طهران روسيا في حربها على كييف كان مدخلا للتعاون الاستراتيجي المحتمل بينهما وفرض احتمالات تجاوزه لنطاقات أخرى في مجالات وقطاعات متفاوتة بل إنه تسبب في تصعيد إسرائيلي لضرب مراكز تصنيع المسيّرات في أصفهان بإيران مؤخرا، على حد قول القصاص.

القصاص أردف في حديثه، أنه في الحرب اليمنية كما في العراق ظهر خطورة هذا السلاح من خلال القوى الولائية المدعومة من إيران، فضلا عن استهداف وكلاء طهران المملكة والإمارات بالمسيّرات كما جرى في منشآت “أرامكو” النفطية، وبالتالي فإن الرياض تنظر إلى هذا السلاح وتأمين احتياجاتها منه على نحو استراتيجي حتى في ظل التهدئة الإقليمية والانفتاح مع إيران سياسيا ودبلوماسيا، وفق ما يحلله الباحث السياسي.

دبلوماسية أردوغان تتغير

تعتبر هذه أكبر صفقة دفاعية في تاريخ تركيا، حيث يبدو أن أردوغان قد نجح كبداية في أحدث الجهود الدبلوماسية التي بذلها لإصلاح العلاقات مع دول الخليج بغية مساعدة الاقتصاد التركي المتعثر، وذلك بقرع الباب الذي كان دول الخليج يهتمون به، وهو الشراكات الدفاعية، وخاصة صناعة الطائرات المسيّرة التي تتصدر أنقرة وطهران مقدمة البلدان المصنعة لها في المنطقة.

خلال أيام الإثنين والثلاثاء والأربعاء، زار أردوغان السعودية وقطر والإمارات، في أول جولة خارجية له منذ إعادة انتخابه في أيار/مايو الفائت لفترة رئاسية جديدة تستمر 5 سنوات.

يقول القصاص إن نبرة أردوغان، تغيرت خلال الفترة الماضية، وخاصة بعد أن تيقن هو نفسه أن سياساته وتدخلاته العدائية في العديد من دول المنطقة وراء انهيار اقتصاد تركيا، وبالتالي اتبع سياسة “صفر مشاكل” مع العديد من دول المنطقة ومنهم الخليج ومصر وحتى مؤخرا بات يقترب نحو الدول الغربية، وبدا ذلك جليا خلال موافقته انضمام السويد لـ”حلف شمال الأطلسي” (الناتو) وحديثه في مؤتمر الحلف كان واضحا.

إضافة إلى ذلك، كشفت جولة أردوغان الخليجية مدى تراجعه عن مشاريعه وأحلامه بالمنطقة وسياساته الخاطئة والتدخل الخارجي في شؤون بعض دول المنطقة، مثل ليبيا وسوريا، والاكتفاء بتعاونات اقتصادية، وفق وجهة نظر القصاص. ويبدو أنه مهتم بجذب الاستثمارات بغية إنقاذ اقتصاده الذي أصبح ضحية لشعاراته والصراعات الإقليمية والدولية.

أردوغان، خلال زيارته للسعودية، لم يتطرق إلى القضايا السياسية ولم يهدد أو يهاجم كما كان يفعل في الماضي، أشخاصا ودولا، واكتفى بالحديث عن العلاقات الاقتصادية، وهو ما يشير إلى مدى التغيير الذي حدث في دبلوماسيته.

دبلوماسية أردوغان تتغير- “صحيفة العرب”

بطبيعة الحال ستستفيد السعودية من هذا التعاون الدفاعي مع تركيا، وستستفيد حتى الإمارات، التي وقّعت أيضا اتفاقيات ومذكرات تفاهم مع أنقرة بقيمة 50.7 مليار دولار. وإذا لم ترَ هذه الدول الخليجية أقصى قدر من الفائدة والاستفادة من اتفاقية الدفاع وخاصة الطائرات المسيّرة، لما وقعت اتفاقيات اقتصادية بمليارات الدولارات على الجانب الآخر مع تركيا، وفق ما يراه القصاص.

هذا وقالت “واس” إن أردوغان وبن سلمان حضرا توقيع الخطة التنفيذية للتعاون في مجالات القدرات والصناعات الدفاعية والأبحاث والتطوير، والتي وقعها من الجانب السعودي وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان ومن الجانب التركي وزير الدفاع يشار غولر.

كما ويشكل تطوير صناعة عسكرية محلية جزءا من خطة ولي العهد السعودي لتنويع اقتصاد المملكة بعيدا عن النفط. وقالت شركة “بايكار” في بيان منفصل إن الاتفاق مع الرياض ينطوي على تعاون في نقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك “من أجل النهوض بقدرات تطوير التكنولوجيا الفائقة في البلدين”.

إنقاذ اقتصاد أنقرة

خلال جولة أردوغان الخليجية عُقدت منتديات أعمال بين تركيا وكل من السعودية وقطر والإمارات، خلصت جميعها إلى توقيع اتفاقيات في مجالات متنوعة، لاسيما الاقتصاد والصناعات الدفاعية والطاقة.

كل المعطيات والتوقعات أشارت إلى أن جولة أردوغان لدول الخليج في هذا التوقيت بالذات كانت بهدف جذب الاستثمارات الخليجية لتركيا، وإنعاش اقتصاد أنقرة الذي يبدو أنه يعاني بالفعل من ارتفاع معدلات التضخم وانهيار في سعر صرف الليرة التركية. وتدعيما لهذه الفرضية، قال أردوغان قبل مغادرته اسطنبول يوم الإثنين الفائت، إن “خلال زياراتنا سيكون جدول أعمالنا الأساسي هو الاستثمار المشترك والأنشطة التجارية مع هذه الدول خلال الفترة المقبلة”.

القصاص يرى أن مساعدات دول الخليج واستثماراتها وتمويلها، خاصة المساعدات الإغاثية بعد زلزال شباط/فبراير الماضي الذي ضرب تركيا، خففت من حجم الضغوط على اقتصاد أنقرة واحتياطياتها من العملات الأجنبية منذ نحو العامين، خاصة منذ عام 2021، انتهج أردوغان سياسة “صفر مشاكل” مع السعودية والإمارات، وأصلح علاقاته مع هذين البلدين.

تركيا- “إنترنت”

من كل بد، يعتمد مستوى تطوير العلاقات التركية الخليجية على مدى جدية تركيا في سياستها الجديدة في بعض الملفات الإقليمية والدولية والتخلي عن صراعاتها وطموحاتها القديمة بالمنطقة، بالإضافة إلى مدى تحسن الاقتصاد التركي من خلال الاستثمارات الخليجية هذه، والتي ستكون عنصرا مهما للدفع بمستوى العلاقات بين هذه الأطراف، وفق القصاص.

القصاص يرى أن اقتصاد تركيا قد يتحسن قليلا خلال الفترة المقبلة وذلك في جوانب معينة، لكن لا يمكن التعويل بشكل كامل على دول الخليج في سبيل إنقاذ اقتصاد تركيا، وأردوغان يعلم ذلك جيدا، ولهذا اتجه للمحور الغربي مؤخرا، نظرا لأن المشاكل الموجودة في اقتصاد تركيا يحتاج لتعاونات واستثمارات مع الدول الأوروبية وحتى الولايات المتحدة، وليس فقط دعم دول الخليج، وفق ما يقدره القصاص.

هذا وتتوقع تركيا أن تضخ السعودية والإمارات وقطر استثمارات مباشرة قدرها 10 مليارات دولار في البداية و30 مليار دولار إجمالا في قطاعات الطاقة والبنية التحتية والدفاع في أعقاب زيارة أردوغان إلى الدول الثلاث.

البيانات الأخيرة أظهرت أن عجز الميزانية التركية ارتفع إلى 219.6 مليار ليرة، 8.37 مليار دولار، في حزيران/يونيو الماضي، أي سبعة أمثال العجز قبل عام. واقترب التضخم السنوي من 40 بالمئة خلال الشهر ذاته بينما تراجعت الليرة بنسبة 29 بالمئة هذا العام.

يبدو جليا أن أردوغان يريد بناء شراكات استراتيجية وتحديدا في المجال الاقتصادي، وزيارته الأخيرة لدول الخليج وتقاربه مع الغرب مؤخرا دليل على ذلك، وذلك بغية إنقاذ اقتصاده المتعثر على كافة المستويات. ومع ذلك، فإن دول الخليج كباقي دول الغرب تعرف جيدا سياسة واستراتيجية أردوغان البراغماتية، ولهذا سيكون العلاقات معه مدروسا ومحددا، أي “المنفعة مقابل المنفعة”، وبالتالي ستبقى العلاقات في طور التبادلات النفعية خلال المستقبل المنظور.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات