بعد سنوات من توتر العلاقات بين تركيا ومعظم الدول الخليجية، يبدو أن تركيا بدأت تدرك أن سياستها في المنطقة، أدت إلى خسارتها مكانتها الإقليمية، كما أفضت سياسة حزب “العدالة والتنمية” الحاكم بقيادة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى تدهور الاقتصاد التركي وانهيار العملة المحلية، نتيجة انسحاب معظم الدول الخليجية من المشاركة الفاعلة في اقتصاد البلاد.

منذ أشهر وتركيا تحشد طاقاتها لتهدئة علاقاتها مع الدول الخليجية، فأخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يجري في الزيارات للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، مدفوعا بالعودة إلى سياسة “صفر مشاكل” ولتحسين اقتصاد بلاده الذي تدهور بفعل سياسة الحزب الحاكم الخارجية.

جولة من الزيارات بدأها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على الدول الخليجية، الأمر الذي يطرح التساؤلات حول مساعي الرئيس التركي في هذه المرحلة، وكيف يمكن لتركيا أن تصل إلى “صفر مشاكل” بعد سلسلة من التوترات مع دول إقليم الشرق الأوسط وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.

جولة على دول الخليج

أردوغان وصل في آخر محطات الرحلة إلى الخليج اليوم الأربعاء إلى الإمارات العربية المتحدة، قادما من العاصمة القطرية الدوحة وقبلها زار المملكة العربية السعودية، ووقع اتفاقيات مشتركة مع السعودية تشمل مذكرات تفاهم في مجال الدفاع المشترك وشراء مسيّرات تركية.

خلال زيارة أردوغان لقطر ولقائه أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، أكد الجانبان التزامهما بالعمل معا لتعزيز وضعهما على الخريطة الاقتصادية العالمية، وهو أصلا ما يرمي إليه أردوغان لتعزيز الاستقرار الاقتصادي في بلاده، عبر تنشيط مجالات تمويل الصادرات والسياحة والمجالات الأخرى ذات الاهتمام المشترك مع الخليج.

حتى الآن لا تبدو أن المساعي التركية محققة رغم الترحيب الخليجي، حيث تبقى “أزمة الثقة” بين الأطراف العربية وتركيا قائمة، خاصة بعدما سببت السياسة التركية على مدار السنوات الماضية، في تعميق هذه الأزمة مع العديد من الدول العربية خصوصا مصر والسعودية.

الخبير في العلاقات الدولية الدكتور عبد اللطيف مشرف، رأى أن أهداف المساعي التركية تتمحور بشكل رئيسي حول الاقتصاد أولا والسياسة بما أنها المتمم والوسيلة لتحقيق المكاسب الاقتصادية، مشيرا إلى أن تركيا ستحاول التهدئة عبر تنفيذ سياسة “صفر مشاكل” بعد تراجع شعبية الحزب الحاكم في البلاد.

أهداف ومساعي تركية

مشرف قال في حديث خاص مع “الحل نت”، “بداية هو مسعى اقتصادي بحت، بمعنى أن تركيا تمر بوعكة اقتصادية وتريد عملية إعادة تنشيط اقتصادها مرة أخرى، عبر جذب الاستثمارات الأجنبية والخليجية إلى السوق التركية، وفتح باب الاستيراد والتصدير، خصوصا التصدير إلى دول الخليج بعد أن كانت هناك قطيعة أثرت على الاقتصاد بشكل كبير”.

أما من الناحية السياسية، فقد بدأت القيادة التركية فيما يبدو بالتراجع عن سياساتها السابقة التي سببت لتركيا أزمة مع دول المنطقة، وذلك عبر الترويج لسياسة “صفر مشاكل”، وسياسة حسن الجوار ومبدأ حسن النية في العلاقات الدبلوماسية مع مختلف دول الشرق الأوسط.

حول ذلك أضاف مشرف، “تسعى تركيا لإزالة آثار المشاكل السابقة مع بعض دول الخليج ومصر، أما بالنسبة لقطر فهي أصلا تربطها معها علاقات ودية، ويبدو أن تركيا تسعى لتنفيذ هذه السياسة مع الجميع، ورأينا كيف تقول إنها منفتحة حتى لعودة العلاقات مع دمشق، وهو أمر كان مستحيلا خلال الفترة الماضية”.

السلطة الحاكمة في تركيا، واجهت على مدار السنوات الماضية وخلال أزمتها مع دول المنطقة، أزمة حقيقية مع الشعب التركي، الأمر الذي أفضى إلى رفض فئة واسعة من الشباب التركية للنظام الحاكم، بسبب تدهور اقتصاد البلاد وانهيار العملة المحلية فضلا عن انخفاض الاستثمارات الخليجية وتوقف تصدير البضائع التركية نحو الخليج.

أما من الناحية السياسية فقد خسرت تركيا مكانتها السياسية في الشرق الأوسط، نتيجة تدخلاتها العسكرية في سوريا وليبيا، ومعاداتها بشكل صريح للحكومة المصرية وسياسة مصر.

عن ذلك أردف مشرف، “حاليا تسعى تركيا لإعادة ضخ الاستثمارات، وبالتالي عملية تنشيط للاقتصاد التركي وتوفير العملة الصعبة خصوصا مع تدهور العملة التركية، ثانيا فتح السوق التركي مرة أخرى في الخليج، بعد المقاطعة منذ عام 2013 كانت هناك توتر بين تركيا والخليج خاصة السعودية مما جعل هناك صد عن البضائع التركية والسياحة مما أثر في الاقتصاد التركي، فضلا عن ترويج الصناعات الدفاعية العسكرية”.

صفر مشاكل؟

الجولة التي يجريها أردوغان في الخليج، هي الأولى من نوعها بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة وحديثه عن ضرورة تعزيز علاقات بلاده مع دول الخليج باعتبارها دولا شقيقه على حد وصف أردوغان.

ويبدو أن أنقرة أدركت أنه لا بد من إقامة علاقات جيدة مع دول المنطقة لا سيما الدول الخليجية على أساس نهج يحقق الفائدة للجميع وتطبيق فعلي للشعار الذي ترفعه تركيا “زيادة عدد الأصدقاء وتقليل عدد الخصوم”، وذلك بعد أن اتخذت خيار التدخل العسكري في سوريا وليبيا لتعزيز مكانتها، الأمر الذي عاد عليها بنتيجة عكسية تماما.

زيارتي أردوغان للمملكة العربية السعودية خلال الأشهر الماضية، تحققت بعد أن طوت كل من أنقرة والرياض خلافا عميقا على خلفية اغتيال الصحفي السعودي جمال خاشقجي، في قنصلية بلاده في إسطنبول في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر عام 2018، وكان أحد أبرز أسباب تعميق الخلافات بن الجانبين.

وقد اتهم أردوغان ذات مرة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بشكل غير مباشر بأنه أمر عملاء سعوديين بقتل خاشقجي. ونفى الأمير أي دور له في اغتيال الصحفي السعودي الذي كان ينتقد حكمه.

الانفراجة في العلاقات التركية الخليجية كانت قد بدأت منذ بداية العام الجاري 2023، وقد أعلن وزير التجارة التركي عمر بولاط، أن حجم التبادل التجاري مع السعودية بلغ 3.4 مليارات دولار في النصف الأول من العام الحالي.

الانفراجة في العلاقات الثنائية، شملت إعلان “الصندوق السعودي للتنمية” في آذار/مارس الماضي، توقيع السعودية اتفاقا مع أنقرة لإيداع 5 مليارات دولار في البنك المركزي التركي، وذلك تنفيذا لتوجيهات الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان آل سعود.

التقارب الاقتصادي التركي الخليجي وإن كان يخدم مصلحة الطرفين، إلا أنه من المنتظر أيضا حلحلة العديد من الخلافات العالقة المتعلقة بتراكم نتائج السياسات الخارجية لتركيا في المنطقة على مدار السنوات العشرة الماضية، خصوصا فيما يتعلق بتدخلها في الشؤون الداخلية لبعض الدول العربية وأبرزها سوريا وليبيا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
1 1 صوت
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات