قال الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في اتصال هاتفي مع الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، أمس الأحد، إن سياسات وأفعال “حماس” لا تمثل الشعب الفلسطيني، وأن سياسات وبرامج وقرارات منظمة التحرير الفلسطينية هي التي تمثله.

في السياق ذاته، فإن تصريحات إيران وتحركات “حزب الله” اللبناني، منذ بدء عملية “طوفان الأقصى” التي شنّتها “حماس” في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الجاري وحتى الآن، هي أقرب لأن تكون “رفع عتب” أمام القاعدة الشعبية لما يسمى “محور المقاومة”.

كما أن “حزب الله” ومنذ بدء الحرب في غزة، تجنّب حتى الآن استدراج إسرائيل له لخوض الحرب، رغم أن إسرائيل وعلى لسان مستشار أمنها القومي، أبدت استعدادها لخوض الحرب على أكثر من جبهة لاسيما الجبهة اللبنانيّة، وقامت بقصف العديد من المناطق الاستراتيجية لـ”محور المقاومة” والتي كان آخرها مطار حلب الدولي، وأخرجته عن الخدمة.

هنا يظهر جليا، أن قضية دعم “حماس” و”حزب الله” أصبحت محل جدل كبير في العالم العربي، إذ حوّلا غزة إلى جبهة من أجل الاستفادة لا أكثر.

نسف نظرية “المقاومة” في غزة

هناك عدة أسباب ممكنة تؤدي إلى عدم شعبية حركة “حماس” و”حزب الله” لدى الجماهير العربية، أبرزها الخلافات السياسية والأيديولوجية بين هاتين الحركتين وبين بعض الأنظمة والقوى العربية، خاصة في ظل التوترات والصراعات الإقليمية المستمرة، واتهام هاتين الحركتين بالانحياز إلى إيران وخدمة مصالحها وأجندتها في المنطقة، على حساب المصالح والقضايا العربية والإسلامية.

فلسطينيون، بعضهم يحمل جوازات سفر أجنبية ويأملون في العبور إلى مصر وآخرون ينتظرون المساعدات عند معبر رفح في جنوب قطاع غزة، في 16 أكتوبر، 2023.

بعض الحقائق والأرقام المثيرة للاهتمام من آخر استطلاع رأي أجراه معهد “واشنطن” لدراسات الشرق الأدنى، أشاحت اللثام عن موقف سكان غزة من حركة “حماس” ورؤيتهم لطرق الحل في الصراع مع إسرائيل، وكيف تغيرت شعبية “حماس” و”حزب الله” في العالم العربي.

في الواقع، إن الإحباط في غزة من حُكم “حماس” يظهر بوضوح، وبالحديث مع معظم سكان القطاع، ستجد أنهم يعبِّرون عن تفضيلهم لإدارة “السلطة الفلسطينية” ومسؤوليها الأمنيين على “حماس”، وهذه التفضيلية واضحة تتجلى في معدلات التأييد التي وصلت إلى 70 بالمئة من سكان غزة.

كما يرى ما نسبته 47 بالمئة من سكان القطاع، أن “السلطة الفلسطينية” يمكنها تقديم حلّا أفضل لإدارة القطاع، وبصراحة تؤيد هذه الشريحة إرسال مسؤولين وضباط أمن إلى غزة لتولّي الإدارة هناك، وفصل “حماس” عن وحداتها المسلحة المنفصلة.

هذا الرأي ليس جديدا على الإطلاق، إذ أبدى سكان غزة تأييدًا لاقتراح مشابه منذ استطلاع الرأي الذي أجراه “معهد واشنطن” للمرة الأولى في عام 2014، وبالحديث عن موقفهم من خرق وقف إطلاق النار، ربما المفاجأة تظهر عند العلم أن معظمهم كانوا ضد هذا القرار. 

نعم فوفقا للاستطلاع، لم يحظَ قرار “حماس” بخرق وقف إطلاق النار بشعبية، ففي حين أن أغلبية سكان غزة 65 بالمئة اعتبروا أنه من المحتمل حدوث صراع عسكري كبير بين إسرائيل و”حماس” في غزة هذا العام، أيدت نسبة مماثلة 62 بالمئة التزام “حماس” بوقف إطلاق النار مع إسرائيل.

وليس هذا فحسب، بل وافق النصف  50 بالمئة على الطرح الآتي: “يجب أن تتوقف حماس عن الدعوة إلى تدمير إسرائيل، وأن تقبل بدلًا من ذلك بحل الدولتين الدائم على أساس حدود عام 1967”.

“حزب الله” لا يمثل الشعب الفلسطيني

بالحديث عن شعبية “حماس” و”حزب الله” في الشارع العربي، كان السؤال الأبرز خلال الحرب الجارية، هل يتمتّعان بدعم واسع من الجماهير؟ ربما كان هذا صحيحا في الماضي، لكنه ليس كذلك في الوقت الحالي. 

لا مبالاة لحديث زعيم “حزب الله”، حسن نصر الله خلال خطاب متلفز.

فقد خسرت حركة “حماس” شعبيتها مع مرور الوقت لدى الكثير من الشعوب العربية في مختلف أنحاء المنطقة، وشكّل هذا التراجع في الشعبية أحد العوامل المحفّزة التي دفعت الجماعة إلى اتخاذ قرار شنّ الهجوم. وبالمثل، فإن “حزب الله” لا يحظى بشعبية لدى الجماهير العربية الرئيسية، خصوصا في ظل تورّطه في بعض الصراعات والحروب في المنطقة، مثل الحرب في سوريا واليمن.

بالنظر إلى الوضع الراهن، لا يمكن إنكار أن سمعة “حماس” تعرّضت لانتكاسة كبيرة في عدد من الدول العربية، هذه الانتكاسة كانت بطيئةً في بعض الأماكن وأسرع في أخرى، حيث شهدنا تلاشي الدعم لحركة “حماس” بشكل شبه كامل في الإمارات والسعودية. 

كان نحو نصف المواطنين الإماراتيين 44 بالمئة و48 بالمئة على التوالي يعبّرون عن تأييدهم لـ “حماس” في 2014 و2017، ولكن في آب/أغسطس 2023، انخفضت هذه النسبة إلى مستوى مخيب للآمال أي نحو 17 بالمئة، ونجد أن نفس الاتجاه ينطبق على السعودية أيضا، حيث يُعبّر الآن 10 بالمئة فقط من المواطنين عن آراء إيجابية تجاه الحركة، فيما يقول 48 بالمئة منهم إن رأيهم سلبي جدا تجاه الحركة.

وفي الدول العربية الأخرى التي شهدت استطلاعات الرأي الأخيرة في نهاية عام 2020، مثل قطر والبحرين ومصر، نجد أن التراجع في شعبية “حماس” كان أقل وتأثيره أقل بشكل ملحوظ، وفي هذا السياق، سجّل الأردن بشكلٍ خاصٍ نتيجة بارزة، حيث انخفضت نسبة الدعم من حوالي ثلاثة أرباع الأردنيين 72 بالمئة في 2014 إلى 44 بالمئة في تشرين الثاني/نوفمبر 2020.

“حزب الله”، هو الآخر الذي بنى سلطته بالترويج لكونه مدافعاً عن القضية الفلسطينية و”محور المقاومة”، لم يحقق شعبية كبيرة في الدول العربية إلا بين متابعيه الأساسيين في لبنان، وهذا الواقع لم يتغير خلال السنوات الماضية. 

فنسب الدعم للحزب لم تتجاوز 10 بالمئة في مصر والأردن والكويت وقطر والسعودية والإمارات منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2020، ويعبِّر أكثر من ثلث السكان في كل هذه الدول، عن آراء سلبية جدا تجاه الحزب. وحتى في لبنان، يُلاحظ تراجعا تدريجيا في نسب الدعم منذ عام 2017، حيث انخفضت من 50 بالمئة إلى 34 بالمئة في استطلاع الرأي الأخير عام 2020.

إضافة إلى ذلك، تُظهر استطلاعات الرأي في معظم هذه الدول أن أقليات صغيرة فقط يرون أن العلاقات الجيدة مع إيران مهمة إلى حدّ ما بالنسبة لبلدهم، ففي أحدث استطلاعٍ للرأي في السعودية والإمارات، مثلا، اعتبر 19 بالمئة فقط من المواطنين السعوديين أن هذه العلاقة مهمة إلى حدٍّ ما، فيما بلغت هذه النسبة 17 بالمئة لدى المواطنين الإماراتيين. 

وبالتالي، مع أن دعم القضية الفلسطينية منتشرٌ في العالم العربي، يتبين أن المواقف تجاه المجموعات الإرهابية التي تحاول مدَّعيةً دعم القضية الفلسطينية غالبا لا تحظى بشعبية في عدد من الدول العربية.

“غوتشي” و”شانيل” على أيدي نساء قادة “حزب الله”

”حزب الله” تأسس أثناء الحرب الأهلية في لبنان عام 1982 بدعم من إيران ودعم من “الحرس الثوري” الإيراني، وتعززت قوة الجماعة بعد الحرب مع إسرائيل عام 2006، ونما جناحها العسكري ليتفوق على الجيش اللبناني باعتباره القوة العسكرية الرئيسية في البلاد. والآن، يقول الخبراء، إن الحزب لا يتمتع بالدعم الشعبي المحلي الذي كان يتمتع به في عام 2006 لدعم عملية عسكرية في الحرب الإسرائيلية الحالية مع حماس.

أشخاص يحملون لافتات ينظمون احتجاجًا خارج قصر العدل في بيروت وهم يرددون شعارات ضد “حزب الله” في بيروت.

وسط بوادر انتهاء الحرب في سوريا وعودة دمشق إلى الحضن العربي عبر “الجامعة” العربية، اتضح لأهالي المقاتلين في “حزب الله” أن دماء أبنائهم ذهبت سدى، ولم تسفر عن مكاسب من مشاركة الحزب في الصراع في سوريا على أساس “الأهداف الاستراتيجية للمقاومة”، ولذلك، تزايد الاستياء بين الكثير من الشيعة الذين يشكّلون قاعدة الحزب، بشكل يومي، وسط الأزمة الاقتصادية الخانقة والأوضاع المعيشية غير المستقرة التي تواجهها البلاد.

علاوة على ذلك، اقتصر دفع “حزب الله” الرواتب بالدولار الأميركي لمقاتليه فقط بسبب تقلص إيراداته من إيران نتيجة العقوبات، كما قام بتغيير رواتب الموظفين داخل مؤسساتها إلى الليرة اللبنانية، مما زاد من الاستياء والغضب.

أيضا بدأ اللبنانيون يعون تحركات الحزب الخبيثة، مثل محاولة الحزب توسيع مؤسساته المالية، التي تعمل الآن بالتوازي مع البنوك الشرعية لمحاولة استبدالها في المستقبل، وتتوزع هذه المؤسسات، وتحديداً مؤسسة “القرض الحسن” التي يبلغ عدد فروعها الآن 31 فرعاً، على عدد من المناطق المختلفة بعد أن كان عملها يقتصر على فروع محددة لامتصاص استياء الناس. 

وأصبحت هذه المؤسسة جزءاً من سوق المضاربة السوداء في لبنان من خلال استثمار الدولارات في أجهزة الصراف الآلي التابعة لها والقيام بعمليات مصرفية عادية وكأنها مصرف تجاري، في مخالفة لكافة القوانين المصرفية والمالية في لبنان.

ومن اللافت للنظر أيضا أن المساعدات التي تأتي على شكل سلال غذائية، والتي تقدمها في الغالب منظمات دولية، لا تفيد إلا العائلات المرتبطة بـ “حزب الله” بسبب الفساد الذي يفرضه الأخير على المؤسسات اللبنانية، على الرغم من أن الحزب يصرّح علنا عن عداوته للولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى.

الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل بات من الواضح للبنانيين وخصوصا حاضنة الحزب الشعبية، أن عدداً من مسؤوليه وعائلاتهم يعيشون حياة طبيعية ولا يتأثرون بالأزمة لأنهم محظوظون بتلقي تبرعات مباشرة من الحزب، وهو ما يزيد من غضب العائلات التي لا تستفيد منه وتكتفي بالفتات.

أبناء وزوجات قادة “حزب الله” بحسب جيري ماهر، رئيس مجلس الإدارة والمدير التنفيذي لمؤسسة “صوت بيروت” الدولية، يتمتعون بحياة الرفاهية والسفر والإجازات، ويتباهون بحمل الحقائب الفاخرة التي تصنعها شركات مثل “غوتشي” و”شانيل” وساعات من ماركات عالمية مثل “رولكس”، في حين لا يحصل الأشخاص الذين يشكّلون الدعم الشعبي لـ “حزب الله” على قوت يومهم أو أي شيء يساعدهم على مواجهة تحديات العيش اليومية في لبنان.

ورغم أن البلاد تشهد تدهورا اجتماعياً واقتصاديا، إلا أننا نرى بوضوح أفراد عائلات مسؤولي “حزب الله” يعيشون أسلوب حياة فاخر، وهو ما تكشفه صراحة حفلات زفاف أبناء هؤلاء المسؤولين، التي تبلغ قيمتها مئات الآلاف من الدولارات، وهذا بلا شك يزيد من الاستياء الشعبي ضدهم.

وهنا لا يمكن إرجاع تراجع شعبية “حزب الله” وتحالفاته السياسية إلى حادثة واحدة؛ بل هو نتيجة لتراكم مستمر للأخطاء والحسابات الخاطئة التي ارتكبها الحزب على مدى عدة سنوات، ناهيك عن تأثيره السلبي، الذي أعاق العمليات الديمقراطية في لبنان، وأعاق التماسك الاجتماعي وأعاق طريقه نحو الازدهار.

لذلك، وبسبب توجه “حزب الله” للعمل كحزب سياسي حيث يشغل 62 مقعدا في “برلمان” البلاد، ومجموعة شبه عسكرية مصنّفة من قبل الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية، يتبين لماذا كانت ردود أفعال “محور المقاومة” لم ترتقِ حتى الآن لتجابه ما تقوم به إسرائيل في المنطقة.

من السلاح إلى صناديق الاقتراع

ومن اللافت للنظر كيف تحوّل “حزب الله” و”حماس”، اللتان كانتا ذات يوم حركتين مسلحتين بحتة، إلى حزبين سياسيين، وفي الواقع، تشير الأبحاث إلى أن التسييس هو أحد السّبل الرئيسية لتراجع الجماعات المسلحة واندثارها في نهاية المطاف.

إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” الفلسطينية، يلقي كلمة خلال تجمع حاشد في مدينة صيدا الساحلية بجنوب لبنان.

الكاتبة في مجال مكافحة الإرهاب، أودري كورث كرونين، حددت التسييس باعتباره إحدى الطرق السّتة الأساسية التي تنتهي بها الجماعة المسلحة، وفي أحد أعمالها سلطت الضوء على أن الانضمام إلى العملية السياسية كأحد العناصر السبعة الأساسية لمواجهة تراجع الجماعات المسلحة وانتهائها في العصر الحديث. 

علاوة على ذلك، أبدت الجماعات المسلحة اهتماما متزايدا بإنشاء أحزاب سياسية للمشاركة في السياسة المؤسسية، وفي مناقشة تحولات المنظمات المسلحة إلى السياسة، يشير بنجامين أكوستا، إلى أن العديد من الحركات المسلحة تتجه إلى الطرق السياسية اللاعنفية بسبب عدم رضاها عن حدود العنف السياسي. 

وتجد سوزان مارتن وهي صحفية ومقدمة برامج تلفزيونية، وآري بيرليجر، وهو باحث في التطرف وأستاذ في جامعة” ماساتشوستس”، أنه من بين 203 جماعة مسلحة، أنشأ ربعُها تقريبا أحزابا سياسية، فيما كشف فحص 648 منظمة مسلحة كانت موجودة بين عامي 1968 و2006، أن القناة الأساسية لزوال الجماعات المسلحة كانت عبر السياسة، وكان هذا صحيحا في 43 بالمئة من الحالات.

بالنظر إلى “حماس” و”حزب الله”، حاول التنظيمان اللذان يتمتعان بنظام واضح المعالم يشبه النظام العسكري، الذي يشرك الموظفين بطريقة منهجية ويضمن التنفيذ السليم للأوامر، والعمل على تعزيز المركزية لإخضاع المعارضة داخلهما.

ورغم أن قيادة “حماس” و”حزب الله” كانت منقسمة بين المعتدلين والمتطرفين عندما أثيرت مسألة التسييس، إلا أن المركزية ضمنت امتثال كافة القادة للقرار النهائي.

كلا المجموعتين تربط “المقاومة” بشكل مباشر بالقتال ضد إسرائيل، وكلّ من التنظيمين لديه جناح عسكري يعمل خارج الحدود سواء في لبنان أو غزة، لكن الحرب الأخيرة، تظهر أن المصالح الاستراتيجية التي تسعى إلى تحقيقها “حماس” كانت السبب.

وكما قيل “في مطبخ العالم، الإنسانية في درج السكاكين، هنا الإشارة، إلى التقاء مصالح “حماس” مع مصالح إيران و”حزب الله”، الذين جراها إلى هذه الحرب لإعادة تفسير “المقاومة” للحفاظ على السلطة وبعض المساحة للمناورة من التهديدات الجديدة عليهما مثل خط الهند – أوروبا الذي استثنى معظم الدول التي تنشط فيها إيران، وخطة التطبيع مع السعودية التي ضمنت حلّ الدولتين وسيادة السلطة الفلسطينية المعترف عليها، ولذلك كانت هذه الحرب من أجل إضفاء الشرعية على أجندتهم العسكرية مع قاعدتهم الخاصة.

0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة

المزيد من مقالات حول تقارير معمقة

جديداستمع تسجيلات سابقة