لا تزال جماعة “الحوثي” اليمنية مستمرة في ممارساتها وسلوكياتها العدوانية ضد المدنيين، وتستهدف فئات مختلفة من المجتمع اليمني، حتى باتوا يستهدفون المؤثرين على منصة “يوتيوب” في اليمن، إذ إن أية معارضة تواجه بالقمع وعمليات الخطف القسري، فضلا عن التعذيب “الممنهج”، والذي يؤدي في كثير من الأحيان إلى إصابة المعتقلين بأمراض مزمنة أو الموت، بحسب منظمات حقوقية محلية وأجنبية، كما أن المحاكمات الجائرة للتنظيم المسلح والعسكري المدعوم من إيران، تهدد المعتقلين قسريا في سجونها بتهم قد تؤدي بهم بالسجن لسنوات طويلة أو حتى عقوبة الإعدام كما حدث في السابق لبعض الصحفيين الذين اعتُقوا قسرا، ولا يزال الكثير منهم يقبعون في تلك السجون، التي تسيطر عليها جماعة “الحوثي”.

في السياق، اعتُقل مؤخرا أربعة من مستخدمي منصة “يوتيوب”، بمن فيهم مصطفى المومري، الذي لديه أكثر من مليوني متابع، في صنعاء في كانون الأول/ديسمبر 2022، بعد أن نشر مقاطع فيديو تنتقد الميليشيات المدعومة من إيران.

لذلك، يجب طرح عدة تساؤلات حول “الحوثيين” الذين يحدّون بشكل متزايد من الحريات الفردية، بما في ذلك حرية التعبير من قبل المؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، وكذلك حرية وحركة المرأة في المناطق التي يسيطرون عليها، وما يترتب على ذلك ككل.

أيضا، في أبريل/نيسان 2020، حكمت “المحكمة الجزائية المتخصصة” في صنعاء، التي يسيطر عليها “الحوثيون”، على أربعة صحفيين بالإعدام بعد محاكمة جائرة بتهمتي الخيانة والتجسس لصالح دول أجنبية، فهل يقومون بإصدار مثل هكذا أحكام بحق “اليوتيوبرز” المعتقلين. وفيما إذا سيؤدي هذا إلى تضييق على مستخدمي الإنترنت في اليمن، بجانب تساؤلات حول ردود المنظمات الحقوقية إثر هذه الممارسات، وما إذا كان ثمة مقاومة قريبة من قِبل السكان اليمنيين الذي يرغب بالدفاع عن حقوقه.

 الرضوخ أو الاعتقال القسري

أربعة يمنيين من مستخدمي منصة “يوتيوب”، مثّلوا أمام محكمة تابعة لميليشيا “الحوثي” يوم الأربعاء الماضي، بتهمة نشر معلومات مضلّلة والتحريض على الفوضى، وفقا لوثائق المحكمة.

مصطفى المومري وصديقه حمود المصباحي “إنترنت”

المتهمون الأربعة، بمن فيهم مصطفى المومري الذي لديه أكثر من مليوني متابع، اعتقلوا في صنعاء في كانون الأول/ديسمبر الماضي، بعد أن نشروا مقاطع فيديو تنتقد الميليشيا المدعومة من إيران التي استولت على العاصمة في 2014.

كما مثّل أمام المحكمة أحمد حجار، الذي لديه أكثر من 243 ألف مشترك، وأحمد علاو بـ 800 ألف مشترك والناشط حمود المصباحي. ووجّهت إليهم تُهم “نشر معلومات مضللة” و”الإضرار بالمصلحة العامة”، وكذلك “تحريض الجماهير على ارتكاب أعمال فوضى”، بقصد تكدير الأمن العام وإلحاق الضرر بالمصلحة العامة، عبر قنواتهم على “يوتيوب”، بحسب وثائق قضائية اطّلعت عليها “أ ف ب“.

كذلك، تم اتهامهم بأنهم “حرضوا الناس على الفوضى والخروج إلى الشوارع واقتحام الوزارات وشل وظيفتها.. بما يؤدي لخدمة العدوان المستمر في حربه وحصاره على اليمن”. ووُجّهت إلى شخص رابع تهم تقديم المساعدة لأحد النشطاء و”تنسيق محتويات الفيديوهات”.

ضمن هذا الإطار، يقول الصحفي والناشط الحقوقي اليمني هشام طرموم، إن جماعة “الحوثي” تفرض لونا وشكلا واحد لوسائل الإعلام، وهذا اللون يخدمها ويخدم سياستها، وعندما تجد شكلا آخر ينتقد سياستها وانتهاكاتها، مصيرها يبقى الاعتقال القسري وبالتالي إما السجن لسنوات طويلة أو الموت.

قد يهمك: انسحاب حكومي ينذر بأزمة سياسية في الكويت.. خلاف حول “إسقاط القروض“؟

طرموم يصف جماعة “الحوثي”، أثناء حديثه لموقع “الحل نت”، بأنها ميليشيا “انتقامية”، وأضاف بالقول “جماعة الحوثي ترتكب انتهاكات وجرائم يومية، وبالتالي فهي تحمل توجّها ضد الإعلاميين والصحفيين والناشطين والعديد من الجماعات المجتمعية، بما في ذلك المؤثرون على منصات التواصل الاجتماعي، ذلك لأن هذه الجماعات تفضح جرائمها وانتهاكاتها”.

 أشد العقوبات

النيابة العامة، طالبت بـ”الحكم عليهم بأقصى العقوبات المقررة قانونا”. وأُوقف أحمد حجر بعد نشره فيديو انتقد فيه سلطات المتمردين وتدهور الأوضاع المعيشية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم واتهمهم بالفساد.

بالتالي، وفق اعتقاد طرموم، غير مستبعد أن تقوم المحكمة بإصدار أشد الأحكام خلال الجلسات القادمة، على المؤثرين المعتقلين، لا سيما وأنها فعلت في السابق بالعديد من الصحفيين، حيث أصدرت أحكام جائرة بحقهم، مثل الإعدام، وقد ذكر ذلك تقرير لمنظمة “مراسلون بلا حدود”، مؤخرا، حيث قالت، إن الصحفي توفيق المنصوري، تعرض للتعذيب على مدى 45 يوما، ولا يزال قيد الاحتجاز في صنعاء مع اثنين من زملائه، حيث حكم عليهم “الحوثيون” بالإعدام في 2020. ويوجد الثلاثة في الحبس الانفرادي حيث تعرضوا لسوء المعاملة خلال عدة أسابيع. وقد أدانت المنظمة الدولية أعمال التعذيب هذه.

في مقطع الفيديو الذي نُشر على قناته على “يوتيوب” وحظي على أكثر من نصف مليون مشاهدة، يقول حجر إن المتمردين “سرقوا الشعب اليمني. نهبوا الشعب اليمني مقولة نسمعها يوميا أكثر من مليوني مرة. اليمنيون كلهم أينما ذهبتَ يقولون.. الكبير والصغير يشتكي من أنصار الله”.

هذا وقال أحد أقاربه شرط عدم الكشف عن اسمه، لـ”فرانس برس” إن حجر “تم اعتقاله وخطفه من الشارع في تاريخ 22 من كانون الاول/ ديسمبر الماضي”، مؤكدا أن العائلة تمكنت من زيارته قبل أسبوعين وكان “في حالٍ يُرثى لها وليس على طبيعته” مشيرا أنه مصاب بأمراض مزمنة.

خطر المجاعة يهدد الملايين من سكان اليمن، فيما يحتاج آلاف، بينهم الكثير من سكان المناطق الخاضعة لسيطرة “الحوثيين”، إلى علاج طبي عاجل غير متوافر في البلد الذي تعرضت بنيته التحتية للتدمير. ويعتمد نحو 80 بالمئة من سكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة، على المساعدات للاستمرار في الحياة.

ردود المنظمات الدولية

منظمة “ميون” لحقوق الإنسان، أدانت قيام جماعة “الحوثي” بمحاكمة أربعة ناشطين على منصة “يوتيوب” في صنعاء، على خلفية انتقادهم الفساد المتفاقم عبر قنواتهم الشخصية.

المنظمة أفادت في بيان صدر يوم الخميس الفائت، أن “سياسة تكميم أفواه الصحفيين والناشطين على شبكة الانترنت بحملات اعتقالات جماعية خارج القانون وإجراء محاكمات جماعية صورية بتُهم ملفّقة يُعد انتهاكا سافرا لحرية التعبير في اليمن”.

قد يهمك: المهاجرون الأفارقة في اليمن.. “كبش فداء” لمخططات “الحوثيين”؟

“ميون” عبّرت عن استنكارها ما ورد في عريضة الاتهامات الموجهة لـ”اليوتيوبرز” في أولى جلسات محاكمتهم، وطالبت “مجلس حقوق الإنسان” ومكاتب المنظمات الأممية العاملة في اليمن بإدانات صريحة لهذه الممارسات القمعية.

كما وشدد بيان المنظمة الحقوقية على أن “المجتمع الدولي معني باتخاذ إجراءات حازمة لإيقاف هذه المحاكمات الهزلية وضمان عدم تكرارها”.

ضمن هذا الإطار، قال الحقوقي اليمني، طرموم، صحيح إنه هناك إدانات مستمرة من جهات ومنظمات حقوقية للممارسات “الحوثية” تجاه الصحفيين والناشطين والإعلاميين، لكن يجب ومطلوب من هذه المنظمات أن تشكّل صوتا على المجتمع الدولي للقيام بدوره في الضغط على جماعة “الحوثي” لإطلاق سراح المختطفين قسرا وإيقاف الانتهاكات ومحاسبة مرتكبي الجرائم بحق هؤلاء الناشطين.

طرموم، هو أحد الذين أُفرج عنهم قبل نحو عام من سجون التنظيم المسلح في صنعاء، بعد أن قضى خمسة أعوام ونصف، اضطر بعدها للسفر إلى القاهرة، وإجراء عملية “انزلاق غضروفي”، في إحدى مستشفيات العاصمة المصرية، نتيجة لما تعرض له من مضاعفات صحية جراء التعذيب الذي تعرض له.

طرموم كان قد صدر بحقه حكم من محكمة خاضعة “للحوثيين” يقضي بخروجه من السجن مع بقائه تحت الإقامة الجبرية، ولم ينفذ “الحوثيون” ذلك الحكم، وبعد ذلك خرج برعاية “الأمم المتحدة” في “صفقة تبادل مع مسلحين حوثيين تمكّن الجيش اليمني من أسرِهم ومبادلتهم بعدد من الصحفيين المختطفين”، في تشرين الأول/أكتوبر عام 2020.

في وقت سابق، أعرب “المركز الأميركي للعدالة” (آيه سي جي)، عن قلقه من حملة قمع جديدة ومصادرة للحريات وحق التعبير، وعن استعداد ميليشيات “الحوثي” لتنفيذ أحكام ضد المعتقلين خلال الأيام المقبلة.

المركز الحقوقي، قال إنه “يتابع حملة الاعتقالات والاختطافات التي تنفذها الميليشيات ضد الناشطين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي على خلفية ممارسة حقهم في التعبير، وإبداء آرائهم ومواقفهم مما يجري في مناطق سيطرة الجماعة من انتهاكات ونهب للأموال العامة والخاصة”.

هذا وانتقد العديد من نشطاء حقوق الإنسان والصحفيين اليمنيين، ممارسات جماعة “الحوثي”، وأشاروا إلى أن هذه الجماعة لم تجلب لهم سوى الخراب والقمع والحد من الحريات وخطف ومحاكمة الإعلاميين والصحفيين بطريقة تنظيم “داعش” الإرهابي، وأنهم يحاولون من خلاله كم الأفواه ومواصلة انتهاكاتهم بحق الشعب اليمني ونهب حقوقه وقدراته ومصادرة هويته.

هل من مقاومة شعبية؟

بلقيس اللهبي، مستشارة النوع الاجتماعي في مركز “صنعاء للدراسات الاستراتيجية”، قالت في وقت سابق لوسائل الإعلام إن السلوكيات والإجراءات “الحوثية” تخدم الأهداف الدينية والسياسية على حد سواء، وتأتي لإرضاء الجناح الأكثر تشددا من “الحوثيين”.

أثناء محكمة اليوتيوبرز اليمنيين

اللهبي قالت إن الحوثيين “يستلهمون من النموذج الإيراني ونموذج نظام طالبان لقمع أي صوت معارض وتركيع المجتمع”.

طرموم، عن الأهداف أو الرسائل التي تتحرى الميليشيات “الحوثية” تحقيقها من خلال هذه الممارسات، يقول “هي تريد، من خلال هذه الممارسات المتكررة والتقليدية بحق الفئات المجتمعية، أن تبعث رسالة لكل من يؤدي دوره في فضح جرائمهم، مفادها أنهم سيواجهون نفس المصير”.

طرموم، أضاف أن الجماعة المسلحة تريد أيضا أن تبعث رسالة رعب مباشرة وفورية لليمنيين، حتى لا يتجرأ أي فرد على معارضتهم، أو يقف في وجهها، أو يعترض على ممارساتها. كذلك تريد، من خلال هذه الممارسات، الضغط على الحكومة الشرعية باليمن وابتزازها فيما يخص ملف المعتقلين والأسرى.

طرموم أشار إلى أنه ثمة استياء وسخط شعبي واسع من ممارسات وجرائم ميليشيات “الحوثي”، لا سيما وأن هذه الميليشيات تنفذ مراقبة عنيفة على وسائل التواصل الاجتماعي، كما تنفذ حملات تفتيش مباغتة، بشكل مستمر، على هواتف المحمول، وبالتالي التضييق على مستخدمي الإنترنت في البلاد.

كما أن هناك دعوات من قبل نشطاء آخرين على العديد من منصات التواصل الاجتماعي، ومنهم “اليوتيوبرز”، سمير الأحمد، الذي يحمل في رصيده نحو 450 ألف مشترك، بالتظاهر والاحتجاج ضد هذه الميليشيات، خاصة وقد لقيت قرارات منع حفلات التخرج المختلطة من الجامعات وفي المطاعم بالإضافة إلى منع الموسيقى خلال بعض الاحتفالات استهجانا من قبل السكان في صنعاء، ما أجبر السلطات على التراجع في بعض الأحيان.

بالتالي غير مستبعد أن تكون هناك مقاومة وحملة احتجاجات شعبية ضد “الحوثيين” في القريب العاجل، لكن هذه الميليشيات ستقمع أي حركة احتجاجية ضدها في حال قيامها، وفق اعتقاد طرموم، وعليه يجب على المجتمع الدولي مساندة الشعب اليمني في الدفاع عن حقوقه.

في اليمن يدور نزاع مسلح منذ العام 2014 بين المتمردين “الحوثيين” وقوات الحكومة اليمنية يساندها تحالف عسكري بقيادة السعودية. وتسببت الحرب بمقتل مئات آلاف الأشخاص بشكل مباشر أو بسبب تداعياتها، وفق “الأمم المتحدة”.

تاليا، هذه الممارسات ليست بجديدة على جماعة “الحوثي”، فهي مستمرة في ممارسة انتهاكات حقوق الإنسان، بما في ذلك تقييد الحريات والاعتقال المستمر للصحفيين، بالإضافة إلى إصدار قرارات تحدّ من حرية المرأة وتنقّلها، كما تفعل حركة “طالبان” في أفغانستان، لذا فإن التدخل الدولي مطلوب للحد من الهمجية وعدوانية هذه الجماعة، ووضع حل نهائي شامل لليمنيين، للحد من هيمنة هذه الميليشيات على المنطقة، وإلا ستواجه المنطقة العديد من التداعيات السلبية نتيجة لهذه الممارسات.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.