بعد ساعات من اجتماع عمّان أوردت وكالة “الأنباء السورية” (سانا) نقلا عن مصدر عسكري، إنّه “حوالي الساعة 23,35  نفّذت إسرائيل عدوانا جويا برشقات من الصواريخ من اتجاه جنوب شرق حلب مستهدفة مطار حلب الدولي وعددا من النقاط في محيط حلب”.

القصف الجوي جاء بعد تبني دمشق عبر مسؤوليها وإعلامها الرسمي لثلاثة بنود من بيان اجتماع عمّان التشاوري الذي عقد بين وزراء خارجية مصر والعراق والسعودية والأردن وسوريا في ذات اليوم، في حين اضطرت الأردن لإبلاغ الدول العربية برد وزير الخارجية السوري، الذي لم يحضر المؤتمر الصحفي للاجتماع، وغادر قاعات الاجتماعات عدة مرات.

نادرا ما تؤكّد إسرائيل تنفيذ ضربات في سوريا، لكن توقيت ومكان القصف أثار العديد من التساؤلات، خصوصا وأن وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، لم يعلق على مخرجات اجتماع عمّان، إنما اكتفت وسائل الإعلام الرسمية السورية بتبني 3 بنود فقط، فما مصير  المبادرة الأردنية، وما الرسالة التي يريد العرب إيصالها للحكومة السورية.

أجواء مفتوحة للطيران الإسرائيلي

الضربات الجوية الإسرائيلية ليل الإثنين استهدفت منطقة مطار حلب الدولي ومطار النيرب العسكري المحاذي له، ما أدّى إلى تدمير مستودع ذخائر بشكل كامل. كما سقطت صواريخ على معامل تابعة للدفاع الجوي في الجيش السوري بمنطقة السفيرة جنوب شرق حلب، يستخدمها المقاتلون الإيرانيون والمجموعات الموالية لها.

على إثر القصف، قُتل سبعة أشخاص، بينهم عسكريون سوريون ومقاتلون موالون لإيران، وأدت الغارات لخروج مطار حلب الدولي عن الخدمة.

عملية القصف والمكان الذي انطلقت منه الصواريخ أثارت العديد من التكهنات، حيث استخدمت الطائرات الإسرائيلية هذه المرة الحدود الثلاثية بين العراق وسوريا والأردن وليس أجواء البحر المتوسط أو لبنان للتسلل وضرب مستودعات السفيرة البعيدة عن مديات الصواريخ.

أيضا توقيت القصف لم يكن هو الآخر بمنأى عن التساؤلات، خصوصا وأن دمشق عبر لسان وزير المصالحة، عمر رحمون، تبنت 3 بنود من أصل 12 بند لبيان اجتماع عمّان التشاوري، منها التعاون بين دمشق والدول المعنية والأمم المتحدة في بلورة استراتيجية شاملة لمكافحة الإرهاب بجميع أشكاله وتنظيماته.

ضربة إسرائيلية تخرج مطار حلب عن الخدمة - إنترنت
ضربة إسرائيلية تخرج مطار حلب عن الخدمة – إنترنت

أيضا أشار رحمون، إلى العمل على دعم سوريا ومؤسساتها لبسط سيطرتها على أراضيها وفرض سيادة القانون، وإنهاء تواجد الجماعات المسلحة والإرهابية على الأراضي السورية، ووقف التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، وفق أحكام القانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة. وأيضا إنهاء تواجد المنظمات الإرهابية في الأراضي السورية وتحييد قدرتها على تهديد الأمن الإقليمي والدولي.

وزير المصالحة لفت إلى أن ما يهمّ دمشق هو حضورها الاجتماعات العربية، إذ إن الاختلاف بين ما تطرحه الأردن عبر مبادرتها على الأولويات، فمن الأولويات السورية طرد القوات التركية والأميركية ومنع تقسيم سوريا، فيما تصرّ الدول العربية على دفع المسار السياسي، حسب تعبيره.

مصير المبادرة الأردنية

صحيفة “فايننشال تايمز”، قالت بعد ختام اجتماع عمّان التشاوري، إن الرئيس السوري بشار الأسد رفض تقديم أي تنازلات لوزراء خارجية العرب مقابل عودته للجامعة العربية. في حين أعلنت دمشق ترحيبها بزيارة الرئيس الإيراني لسوريا تحت وسم “كنا معا وسنبقى”.

وزير الخارجية يلتقي نظيره السوري - وكالة "بترا"
وزير الخارجية يلتقي نظيره السوري – وكالة “بترا”

حسب تحليل الخبير في الشؤون السياسية، محمد عبيد، فإن ما حظي باهتمام دمشق منذ اجتماع عمّان ليس ما تمت مناقشته داخل قاعات المؤتمر، إذ تشير تصريحات وزير المصالحة السوري المتلفزة، إلى أن مسؤولي دمشق تبنوا ثلاثة بنود فقط، فيما ركزوا على أن حضور دمشق هي خطوة غير مسبوقة لبلد لم يشارك في اجتماعات سابقة من هذا النوع.

مصير المبادرة الأردنية لا يزال غير واضح، بحسب حديث عبيد لـ”الحل نت”، حيث إن الأردن رتّب المؤتمر، وكان منفتحا بشكل إيجابي على اجتماع عمّان التشاوري، ليكون بمثابة جهد دبلوماسي لتحقيق أهداف القضايا الخلافية عبر الحوار والتسوية. 

عدم حضور وزراء “مجلس التعاون الخليجي” لا سيما الإمارات وعُمان والبحرين بحسب عبيد، هو إشارة وتأكيد على أن دمشق لديها إشكالية في المقترحات العربية، ولذلك فإن وزارة الخارجية الأردنية ومسؤوليها عالقون في مكان صعب يحاولون السير في خط رفيع لحل القضايا مع جارتها الشمالية.

الرسالة التي يأمل الكتلة العربية في إيصالها إلى الحكومة السورية باتت واضحة بحسب تقدير المحلل العسكري، عبد الله حلاوة. خصوصا أن سوريا تبنت بنود البيان المتداولة في الشبكات الإعلامية دون التطرق إلى ما يقلق الدول المجتمعة معها والتي انفتحت عليها مؤخرا.

هذا يشير بحسب حديث حلاوة لـ”الحل نت”، إلى أن الحكومة السورية تتبع خطة “العصا والجزرة” لكسب أكبر قدر من الوقت ولتمييع بقية البنود التي تصرّ عليها الدول العربية، لذلك كان الرد الأردني خلال المؤتمر الصحفي لاجتماع عمّان واضحا، بأن قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية يتم اتخاذه من قبل الجامعة وفق الآليات المتّبعة.

بحسب مصادر مطلعة، فقد كان من المقرر أن يشارك المقداد المؤتمر الصحفي مع وزير خارجية الأردن، “لكنه غادر ممتعضا، حيث سبق المؤتمر مفاوضات توقفت عدة مرات ترك خلالها وزير الخارجية السوري الاجتماع ثم عاد ثم خرج ولم يعد. فيما قال أحد الوزراء المجتمعين لأحد نظرائه شددوا على المصطلحات في البيان لأن دمشق سوف تفسرها كما تريد لا كما اتفقنا”.

الرسالة التي يريد العرب

من الصعب القول بشكل قاطع ما إذا كانت المبادرة الأردنية ميتة أم لا. إن اعتماد سوريا لبعض البنود الواردة في بيان اجتماع عمان التشاوري يمكن أن يُنظر إليه على أنه إشارة سلبية على عدم استعداد سوريا للانخراط مع جيرانها العرب. ومع ذلك، فإن غياب وزير الخارجية السوري عن المؤتمر الصحفي وما تردّد عن غموضه في التعامل بشكل كامل مع وزراء الخارجية الآخرين يشير إلى أنه قد تكون هناك بعض العقبات التي يجب التغلب عليها قبل أن تتمكن المبادرة من المضي قدما.

الرسالة التي تريد الدول العربية إيصالها للحكومة السورية هي على الأرجح رسالة وحدة وتعاون وإلا لن يكون هناك حضور عربي لحل الأزمة السورية، وفقا لتحليل عبيد. 

إذا ما غيّرت دمشق من موقفها واعتمدت كامل البنود الواردة في البيان، وتبعث بإشارة إلى استعدادها للانخراط مع جيرانها والعمل على حل القضايا الإقليمية، فلن تتشجّع الدول العربية على اتخاذ مزيد من الخطوات نحو التعاون والمشاركة معها، مما قد يؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار والأمن في المنطقة.

الوزير الأردني الأسبق سميح المعايطة، قال في تصريحات لوكالة “بترا” الأردنية، إن تفكيك عقدة الأزمة السورية التي استمرت منذ 12 سنة بأبعادها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية هو الأهم بالنسبة للأردن، من خلال عودة سوريا للإطار العربي، لكن ذلك يحتاج أيضا إلى حل الأزمة السورية مع المجتمع الدولي الذي يتخذ مواقف متشددة بهذا الصدد، ولا سيما الدول الأوروبية والإدارة الأميركية، في العديد من المجالات، ومنها موضوع الحل السياسي.

وزراء الخارجية العرب في اجتماع عمّان التشاوري - إنترنت
وزراء الخارجية العرب في اجتماع عمّان التشاوري – إنترنت

الأردن يعتقد بأن المسار الأسلم هو الذهاب في خطوات متدرجة تراعي كل قضايا حل الأزمة السورية خطوة خطوة بالتنسيق مع الدول العربية والتشاور وإقناع المجتمع الدولي بحسب المعايطة. مشيرا إلى أهمية موضوع تهريب المخدرات الذي ناقشه اجتماع عمان التشاوري، وتشكيل لجنة سورية أردنية عراقية للبحث في هذا الموضوع المُلحّ، لأن القضية أصبحت مقلقة للأردن، وتهدد أمنه الاجتماعي، وكذلك عودة اللاجئين، وهذه القضايا جميعها مهمة بالنسبة للأردن.

موقف الدول العربية من الرد الرسمي على دمشق سيعتمد على الطبيعة المحددة للرد ومدى استعداد سوريا للانخراط مع جيرانها. إذا اعتُبرت استجابة سوريا إيجابية وبناءة، فقد تكون الدول العربية أكثر ميلا لمواصلة التواصل مع البلاد والعمل على حل القضايا الإقليمية. ومع ذلك، إذا نُظر إلى استجابة سوريا على أنها غير تعاونية أو تصادمية، فقد تضطر الدول العربية إلى إعادة النظر في نهجها واستكشاف خيارات أخرى لمواجهة التحديات الإقليمية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة