في خضم الأزمة الإيرانية الداخلية على أعقاب الاحتجاجات الشعبية ضد السلطة الحاكمة في طهران، بالإضافة إلى المشهد الإقليمي والدولي المعقّد والمتشابك، فضلا عن انسداد أفق المفاوضات النووية و تعليق المحادثات الجانبية مع دول المنطقة، زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بيروت مؤخرا ومن ثم دمشق. ويبدو أن هذه الزيارة تحمل في طياتها العديد من الرسائل والأبعاد، خاصة أنها تتزامن مع أزمة الشغور الرئاسي اللبنانية، وخطوات التقارب التركي السوري، والزيارة الإماراتية الأخيرة لدمشق.

لذلك، لا بد من طرح بعض التساؤلات، لعل أبرزها الرسائل التي تحملها زيارة عبد اللهيان إلى لبنان للأطراف الإقليمية، إضافة إلى تداعيات هذه الزيارة، وفيما إذا سيكون هناك توافق على انتخاب رئيس جديد للبنان، وإذا ما ثمة علاقة بين هذه الزيارة والتقارب التركي السوري والزيارة الإماراتية الأخيرة كذلك.

توقيت ومرحلة حساسة

خلال زيارته إلى بيروت، التقى عبد اللهيان يوم الجمعة الماضي رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، كما التقى رئيس “مجلس النواب” نبيه بري، بجانب لقائه وزير الخارجية اللبناني عبدالله بو حبيب.

عبد اللهيان أعرب مجددا عن استعداد إيران لمدّ لبنان بالفيول وتأهيل مصانع إنتاج الطاقة الكهربائية المتهالكة، أو بناء أخرى في حال تم الاتفاق مع الحكومة اللبنانية، وفق وكالة “فرانس برس“. هذا ووسط انهيار اقتصادي منذ صيف 2019، يشهد لبنان أزمة كهرباء اتسمت بتخطي ساعات التقنين 22 ساعة، فيما السلطات عاجزة عن استيراد ما يكفي من الفيول لتشغيل معامل الإنتاج.

في حين قال بو حبيب من جهته “هناك محاولات جدّية للاستفادة من المساعدات الإيرانية، وهناك عوائق واختلاف سياسي في لبنان وضغوط خارجية”، مضيفا “لكن المحاولة قائمة ونحن متفقون مع الإخوان في إيران على استمرار هذه المحاولة”. وزير الخارجية الإيراني، أعرب أيضا من بيروت عن أمل بلاده في تطبيع العلاقات مع السعودية بما يشمل إعادة فتح سفارتي البلدين في طهران والرياض.

قد يهمك:  سياسة تتريك في شمال سوريا.. العوامل الدافعة وكيفية معالجتها

كذلك، قال عبد اللهيان يوم الخميس الماضي في مؤتمر صحافي مع نظيره اللبناني، “نحن نرحب بعودة العلاقات الطبيعية بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية، وصولا إلى افتتاح المكاتب التمثيلية أو السفارات في طهران والرياض في إطار الحوار الذي ينبغي أن يستمر بين البلدين”.

في هذا الإطار، يرى هاني سليمان المختص بالشأن الإيراني، أن زيارة عبد اللهيان لبيروت ودمشق، تأتي في وقت مهم وحساس ومرحلة انتقالية صعبة، سواء على الصعيد الداخلي لإيران من حيث الاحتجاجات الشعبية الإيرانية والوضع المتأزم للنظام الإيراني على إثره، أو على المستوى الخارجي، والذي يتغير بسرعة وقد تكون هناك توازنات وتفاعلات خارجية على أكثر من ملف، التي تهم وتأتي في عمق النفوذ الإيراني، وتحديدا في لبنان وسوريا، سواء فيما يتعلق بالوضع الانتقالي فيما يتعلق باختيار رئيس جديد للجمهورية اللبنانية وكذلك الموضوع السوري، وتحريك المياه الراكدة والتّحرك ودخول لاعبين جُدد وهندسة بعض المصالح لبعض الدول مثل التقارب التركي السوري والدور الروسي فيه، ووجود بعض المنافسين الأخرين.

لذلك وبحسب تقدير سليمان لموقع “الحل نت”، فإن إيران تراقب بتوجس وترقّب نوعا ما، ويعتقد سليمان أن إيران رغم ما تعانيه داخليا، حريصة جدا على الدفاع عن خط أمنها القومي وفق منظورها، وخط النفوذ الثابت لها في لبنان وسوريا والحفاظ على ما قامت به من تمدد وهيمنة خلال الفترة الماضية في المنطقة، وهو ما يأتي ضمن أولوية زيارة وزير الخارجية الإيراني في هذا التوقيت.

محورية الدور الإيراني بلبنان؟

المتخصص بالشأن الإيراني، يضيف بحسب اعتقاده، أنه يمكن القول إن هذه الزيارة تؤكد على محورية الدور الإيراني فيما يتعلق برسم المسار الانتقالي ومؤسسات الدولة في لبنان وسيطرتها على القرار السياسي هناك. ويعتقد سليمان أيضا أن لبنان تعد من أحد أهم مناطق نفوذ إيران، وبالتالي لها دور كبير فيما يتعلق سواء بدعم “حزب الله” اللبناني، أو التحكم اقتصاديا والسيطرة على موارد الدولة اللبنانية والقرار السياسي، وتؤكد أنها حاضرة في المشهد، ويمكن اعتبارها شريكة في صنع القرار السياسي بالنسبة لمستقبل لبنان.

سليمان يرى موضوع اختيار رئيس جديد للبنان سيكون بحضور وبقوة النظام الإيراني، وأي رسم لمسار انتقالي ومصالح لبنان لن يتم بعيدا عن الدور الإيراني، وأي مسار آخر يتخذ بعيدا عن رؤية إيران في المشهد اللبناني، ستكون هناك أزمة وانتكاسة للوضع ككل، لا سيما محاولة إيران فرض رئيس تابع لها ورفض وصول شخص متوافق عليه من الداخل بين القوى السياسية للأمر، وبالتالي سيكون له دلالات سلبية خاصة مع الأزمة الخانقة بلبنان ومعاناة الشعب الاقتصادية، ورغم الضغوط العربية لخروج لبنان من تحت عباءة طهران.

بالتالي، يجب على الأطراف التوصل إلى اتفاق في هذا الشأن، بعيدا عن التجاذب والاندفاع ورفض الرؤية الإيرانية في لبنان، باعتبار أن وجود “حزب الله” المدعوم من طهران أصبح أمرا واقعا هناك ولا يمكن التغاضي عنه، وبالتالي أيضا فإن الاتفاق بين الطرفين سيكون أفضل ربما لتجنب أزمات أخرى لهذا البلد الهش.

 إدامة أمد الصراع

على صعيد آخر، أجرى عبد اللهيان محادثات في دمشق، يوم السبت الفائت، بعد يوم من ترحيبه بالمحادثات التي تجري بين تركيا وسوريا، وفق “وكالة الأنباء السورية” (سانا).

الوكالة السورية المحلية، أفادت بأن الرئيس السوري بشار الأسد، أكد خلال اللقاء مع وزير الخارجية الإيراني، أن “دمشق حريصة على التواصل المستمر وتنسيق المواقف مع إيران بشكل دائم”، مشيرا إلى وقوف طهران إلى جانب دمشق “في الحرب ضد الإرهاب”، في إشارة إلى الصراع بين دمشق وفصائل المعارضة المسلحة.

الوكالة زادت بالقول أن الأسد، شدد على أن “الدولة السورية تنطلق دائما في كل مواقفها من حرصها على مصالح الشعب السوري، وأنها لن تسير إلى الأمام في هذه الحوارات إلا إذا كان هدفها إنهاء الاحتلال ووقف دعم التنظيمات الإرهابية”، في إشارة إلى خطوات التطبيع مع تركيا.

في المقابل، نقلت “سانا” عن عبد اللهيان أن “بلاده لديها ثقة كاملة بالمواقف والقرارات السورية، وهي ترى أن أي حوار بين سوريا وتركيا إذا كان جادا فهو خطوة إيجابية لمصلحة البلدين والمنطقة”.

بالعودة إلى المتخصص بالشأن الإيراني، فإنه يرى بأن هذه الزيارة بمثابة رسالة موجهة للأطراف الأخرى، فبالرغم من تفاقم ملف الاحتجاجات الداخلية الإيرانية، تظل سوريا من أهم ركائز طهران، والتأكيد على إمكانية رسم أي سيناريوهات أو هندسة بعض المصالح، لا يجب أن يتم إلا بواسطة الحفاظ على الأسس الأساسية للنفوذ والمصالح الإيرانية في سوريا، وبالتالي بعث رسالة  مفادها أن “إيران حاضرة وموجودة بقوة”.

بالتالي، وفق تقدير سليمان، هناك علاقة بين التقارب السوري التركي وزيارة عبد اللهيان، فوجود العديد من الميليشيات التي تم تشكيلها والاستثمار فيها من قبل طهران، كما أن إيران مهتمة بالتغيير الديمغرافي والدخول في صفقات تخص الموارد، لا سيما قطاع الغاز وهي فرص مهمة لها ومن ثم هناك تخوفات في ما يتعلق بالوجود الإيراني من قِبل روسيا، والحكومة السورية نفسها تتوجس من تحركات طهران ومساحات نفوذها.

قد يهمك: سياسة الطاقة الإيرانية مع سوريا.. خلافات متزايدة بين الطرفين؟

إيران دولة أيدولوجية وتريد عزلة سوريا كما لا تهدف الدخول إلى محيطها الإقليمي الحيوي والعربي و تتوجس من أي سياسة مرنة تجعل العلاقة بين سوريا والدول الأخرى طبيعية لذلك تواصل تأزيم الوضع والاستثمار في الميليشيات لإدامة عدم الاستقرار في سوريا، وفق تقدير سليمان حول الزيارة الإماراتية الأخيرة لدمشق.

بعد ظهر يوم السبت، عقد وزير الخارجية السوري فيصل المقداد وعبد اللهيان، مؤتمرا صحافيا مشتركا أكد فيه المقداد أن “هذه الزيارة تأتي في ظل تطورات جديدة في المنطقة وتحديات مستمرة يواجهها البلدان من قبل الدول الغربية، بحسب ما نقلت وكالة “سانا” عنه. وفي خصوص التطبيع مع أنقرة، قال المقداد إنه سيتعين على تركيا إنهاء وجودها العسكري في بلاده لتحقيق تقارب كامل.

المقداد أوضح “لا يمكن الحديث عن إعادة العلاقات الطبيعية مع تركيا من دون إزالة الاحتلال”، مكررا بذلك تصريحات أدلى بها الأسد يوم الخميس الماضي، خلال لقائه مبعوثا رئاسيا روسيا، عندما قال إن اللقاءات السورية  التركية برعاية روسيا يجب أن تكون مبنية على “إنهاء الاحتلال، أي الوجود العسكري التركي في شمال سوريا، حتى تكون مثمرة”.

هذا وكان عبد اللهيان أوضح موقف إيران من محادثات التطبيع بين أنقرة ودمشق، خلال مؤتمر صحافي في بيروت الجمعة، بقوله “نرحب بالمحادثات حول حل المشاكل بين البلدين، ونعتقد أنها يمكن أن تنعكس بشكل إيجابي على مصالحهما”. سبق أن أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية، مؤخرا، عن زيارة سيجريها الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي إلى سوريا وتركيا في المستقبل.

هذا والتقى وزيرا الدفاع التركي والسوري في موسكو في نهاية الشهر الماضي، في أول لقاء رسمي على هذا المستوى بين الدولتين منذ بدء النزاع في سوريا في 2011، كما من المفترض أن يُعقد قريبا لقاء على مستوى وزيري الخارجية.

قبل اندلاع النزاع العام 2011، كانت تركيا حليفا اقتصاديا وسياسيا أساسيا لسوريا، لكن العلاقات بينهما انقلبت رأسا على عقب مع بدء الاحتجاجات ضد الحكومة السورية بدمشق، ودعوة أنقرة التي باتت داعما أساسيا للمعارضة السورية والفصائل المقاتلة، بشار الأسد إلى التنحي.

باختصار، يمكن القول إن تحركات إيران في المنطقة، وتحديدا في لبنان وسوريا، ترقى إلى مستوى خلق حالة من عدم الاستقرار في كل من لبنان وسوريا والرغبة في فرض سيطرتها وهيمنتها. ويبدو أن هذه التحركات بالتزامن مع التطورات الأخيرة في المنطقة لن تؤدي إلا إلى إطالة أمد الاتفاق على أي تسوية أو حل سواء للوضع اللبناني الداخلي أو الملف السوري ككل، خاصة وأن الدول الغربية غير مستعدة للانخراط في أي عملية سياسية أو رعايتها دون تحديد الاتجاه السياسي الشامل لأي تسوية ما.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.

الأكثر قراءة