الاتحاد الأوروبي رفع مجددا لاءاته الثلاث في وجه حكومة دمشق، التي تعاني من تبعات الحصار عليها، في محاولة لدفعها إلى الجلوس إلى طاولة مفاوضات جادة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، وأكدت دائرة العمل الخارجي الأوروبي في الاتحاد الأوروبي عقب اجتماع لها، يوم الثلاثاء الفائت، في العاصمة البلجيكية بروكسل، اللاءات الثلاث بما يخص الأزمة، وهي “لا للتطبيع، لا لإعادة الإعمار، لا لرفع العقوبات عن حكومة دمشق”، ما لم يسر بشكل فعّال في الحل السياسي.

من جانبه، قال المبعوث الألماني الخاص إلى سوريا ستيفان شنيك، إن “الاتحاد الأوروبي ودوله متحدون. سنواصل دعمنا للشعب السوري”. وأضاف شنيك في تغريدة على “تويتر”، “نعيد تأكيد لاءاتنا الثلاث ما لم يشارك النظام بشكل فعّال في الحل السياسي. ندعم بشكلٍ كامل جهود الأمم المتحدة والقرار 2254”.

موقف أوروبي موحّد يطرح تساؤلا حول الجديد في هذا الموقف، وأسباب رفض التطبيع مع دمشق، والدور الذي يمكن أن يلعبه هذا الموقف في مسارات التطبيع مع دمشق، وما مستقبل التطبيع مع دمشق.

موقف أوروبي متجدد

الموقف الأوروبي الموحّد، يأتي في ظل تقارب تركي مع حكومة دمشق ، التي تعاني من تبعات الحصار الاقتصادي المفروض عليها من الغرب، بسبب رفضها التعاطي بشكل إيجابي مع جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية، ويتماهى موقف الاتحاد الأوروبي تماما مع الموقف الأميركي الرافض بشدة أي انفتاح أو تقارب مع حكومة دمشق، سواء من الجانب التركي أو من غيره.

من لقاء الأسد مع وزير خارجية الإمارات عبدالله بن زايد

الجانب التركي بدأ الانفتاح المفاجئ على حكومة دمشق بدفع من الروس، وهو ما استدعى تأكيد الاتحاد الأوروبي أن أي تقارب مع دمشق مرفوض من دون تقدم حقيقي في المسار السياسي، المستند إلى القرارات الدولية، وخصوصا القرار 2254 الذي رسم خريطة حل للأزمة السورية، إلا أن دمشق وحلفاءها الروس والإيرانيين يعرقلون تطبيق مضامين هذا القرار.

في هذا السياق، يرى الكاتب السياسي، عقيل حسين، أنه ليس هناك جديد في الموقف الأوروبي إنما هو تأكيد على الموقف السابق، فهو متماهي تماما مع الموقف الأميركي، حيث لا يستطيع الأوروبيون الافتراق عن موقف الولايات المتحدة بأي قضية من القضايا، خاصة إذا كانت قضية كبرى، والملف السوري اليوم من القضايا الكبرى بالنسبة للولايات المتحدة بالنظر إلى أنه جزء من المواجهة الشاملة بين الغرب وبين روسيا والتي مركزها حاليا أوكرانيا.

إقرأ:فرص تطبيع السعودية مع دمشق.. ما الاحتمالات؟

فسوريا حسب حسين، هي ميدان جانبي من ميدان المواجهة المركزي مع موسكو، لذلك فإن الاتحاد الأوروبي لا يستطيع إلا أن يكون في الصف الأميركي فيما يتعلق بسوريا، وقد حاولت بعض دول الاتحاد الأوروبي الـ 27 تحقيق اختراق خلال الفترة الماضية في العلاقات مع دمشق إلا أنه تمت مواجهتها بقوة من الاتحاد كما هو الحال بالنسبة لصربيا واليونان وبلغاريا.

هل هناك تأثير للموقف الأوروبي في مسارات التطبيع؟

الاتحاد الأوروبي اعتمد في الأزمة السورية على تشديد العقوبات الاقتصادية كطريقة للتعامل مع حكومة دمشق التي لم تردعها العقوبات عن ارتكاب المجازر واعتقال عشرات الآلاف، وتهجير الملايين من السوريين منذ عام 2011، لجأ نحو مليونين منهم إلى دول أوروبية عدة، أبرزها ألمانيا والسويد وهولندا، في موجات لجوء لم تنتهِ بعد.

لكن هذه الطريقة لم تمكّن الاتحاد الأوروبي من تأدية دور فعّال في سوريا، التي تحولت منذ عام 2015 الى ساحة نزاع وصدام بين الروس والغرب، الذي لم ينخرط عسكريا بشكل فعلي في الصراع، مكتفيا بالعقوبات والبيانات.

بحسب مراقبين فإن الدور السياسي الفاعل للاتحاد الأوروبي ودوله غائب عن الملف السوري، كما أن الاتحاد الأوروبي غير مؤثر بالأزمة السورية إذا ما قورن بالموقف الروسي أو الإيراني، حيث أن فعالية الاتحاد الأوروبي تتجلى بالبُعد السياسي والاقتصادي والقانوني.

عقيل حسين يرى أنه ليس هناك دور خاص يمكن أن يلعبه الاتحاد الأوروبي في مسارات التطبيع الحالية بين بعض الدول وبين حكومة دمشق وخاصة تركيا، فالموقف الأوروبي محكوم بالنهاية للموقف الأميركي أي ما يمكن أن يفعله هو دعم الأميركيين.

ما مستقبل التطبيع مع دمشق؟

التدخل الروسي في أيلول/ سبتمبر 2015، تسبب بتقليص التأثير والحضور الأوروبي في الأزمة السورية إلى الحدود الدنيا، إلا أن الرفض الغربي لأي تطبيع مع حكومة دمشق، يُفشل كل المحاولات الروسية لإعادة تأهيل هذه الحكومة ويجهض أي محاولة للبدء بإعادة الإعمار.

لقاء قديم بين أردوغان والأسد

لكن بالنسبة لمستقبل التطبيع مع دمشق، فإن ذلك يتوقف على مدى وحجم التنازلات التي يمكن أن تقدمها حكومة دمشق للمجتمع الدولي وليس للسوريين، بمعنى أن كل جزء من هذا المجتمع الدولي لديه مطالبه، فالغرب يطالب حكومة دمشق بالابتعاد عن روسيا والخروج من حضن إيران من أجل أمن إسرائيل، هذا ما يريده الغرب من دمشق، حسب عقيل حسين.

لكن بالنسبة لهذين المطلبين حسب حسين، لا يمكن لحكومة دمشق أن تقدم شيئا منها للغرب فلا هي تستطيع إخراج روسيا ولا هي تستطيع إبعاد إيران عن الحدود الجنوبية لسوريا أو إخراجها من كل سوريا، وأيضا العرب يريدون من حكومة دمشق الابتعاد عن إيران وهي غير قادرة على ذلك.

لذلك فإن الطرف الوحيد الذي يمكن أن يتماهى مع روسيا وإيران في سوريا هي تركيا، لذلك من المرجّح جدا أن تنخرط تركيا في تطبيع مع حكومة دمشق، خاصة أن تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق بات مطلبا شعبيا تركيا سيستفيد منه حزب “العدالة والتنمية” في الانتخابات القادمة.

من الواضح أن الاتحاد الأوروبي ركّز على تمويل العمل الإنساني بهدف إدارة ملف الهجرة إلى دوله من دون حلول جذرية لها، كما أن الاستجابة للمأساة السورية من قبل الاتحاد لم تكن قوية مقارنة باستجابته للأزمة الأوكرانية.

أيضا فإن الاتحاد الأوروبي لم يضغط بشكل كاف وفعّال لفرض انتقال سياسي في سوريا، ولم يستخدم أوراقه للضغط على الفاعلين الأساسيين، خصوصا على الولايات المتحدة وروسيا، فالاتحاد الأوروبي جسم تنسيقي، لكنه ليس دولة واحدة، وبالتالي هنالك خلافات داخله، ما يصعب أخذ مواقف حاسمة، كما تأثر كثيرا بخروج بريطانيا منه.

بالنتيجة من المتوقع أن تستمر تركيا في مسار التطبيع خلال المرحلة القادمة، فالانتخابات التركية القادمة هي انتخابات مصيرية لأردوغان وحزبه “العدالة والتنمية”، كما أنه من المتوقع أن لا يكون هناك تطبيع عربي جديد مع حكومة دمشق فالتحذيرات الأميركية واضحة بهذا الاتجاه، وحتى الإمارات العربية فهناك اعتقاد سائد أن تطبيعها مع حكومة دمشق جاء من أجل إيجاد صلة وصل بين دمشق وبقية العالم في سبيل إيجاد حلٍّ ما للأزمة السورية.

إقرأ أيضا:هل يلتقي جاويش أوغلو والمقداد بمساعي روسية؟

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.