على خلفية التهديدات المتزايدة في الممرات البحرية الدولية في منطقة البحر الأحمر، أقامت العديد من الدول تحالفا لحماية أمن مياه البحر الأحمر ومضيق “باب المندب” وخليج عدن. وتم تشكيل هذا التحالف تحت مسمى “قوة المهام المشتركة 153″ أو ما يعرف ايجازا بـ”سي تي إف 153” من قبل الولايات المتحدة الأميركية، في نيسان/أبريل 2022، بمشاركة دول عربية، مثل الإمارات والسعودية، حيث تم تكليفها بمهمة حماية المنطقة البحرية الممتدة من قناة “السويس” حتى مضيق “باب المندب” ومكافحة القرصنة وتهريب البشر والمخدرات والأسلحة.

دولة مصر، تولّت قيادة “سي تي إف 153″، في 12 كانون الأول/ديسمبر الماضي خلال حفل أُقيم في البحرين. حيث ستساعد القيادة المصرية الجديدة الجديرة بالثناء هذا التحالف المشترك، والزخم المتزايد لفريق العمل في تأمين الممرات المائية الحيوية، مع بناء قدرات الشركاء وتعزيز التعاون بين القوى الإقليمية والدولية.

صحيح أن القوة البحرية المشتركة هذه تعمل تحت مظلة القيادة الوسطى في الجيش الأميركي، التي تغطي الشرق الأوسط بما في ذلك الدول العربية وإسرائيل، غير أن إسرائيل بقيت خارج هذه القوة المشتركة لتفادي إثارة الحساسيات مع بعض الدول العربية. لكن في خضم مواصلة إيران ووكلائها من الميليشيات وغيرهم استخدام البحر الأحمر لإجراء عمليات تهريب غير مشروعة وتعطيل الشحن الدولي وتنفيذ العديد من الأعمال الإرهابية هناك، لا سيما استهداف بعض السفن بطائرات “الدرونز” مؤخرا، فإن حاجة انضمام دول أخرى إلى التحالف البحري المشترك بات أكثر أهمية من أي وقت مضى.

هذا الأمر بات محل تساؤل للعديد من الخبراء والمحللين، لذا لا بد من طرحه هنا، إلى جانب تساؤل حول مدى احتمالية انضمام إسرائيل للتحالف المشترك في البحر الأحمر، وتداعيات انضمام إسرائيل إلى هذا التحالف وكيف سيكون موقف إيران، ووسط عدم استقرار الملاحة البحرية في تلك المنطقة، هل تشجع أو تقوم الولايات المتحدة وشركائها الإقليميين السعي لبناء تحالف أكبر وموحّد في الشرق الأوسط  قادر على مكافحة العدوان البحري والأنشطة غير المشروعة.

قرب انضمام إسرائيل؟

القوة المشتركة لا تعني اندماج القوى البحرية لهذه الدول، بل تعني التنسيق بينها وفق المساحة التي تنشط فيها بجوار شواطئها ومياهها الإقليمية. والتعاون في هذه الحالة يضاعف فاعلية كل منها، لا في تغطية مساحة بحرية فحسب، بل في تبادل الخبرات والاستعانة بتقنيات تتمتع بها بعض الدول دون نظيراتها.

تحليل يقول إنه طالما أن الهدف مشترك بين العديد من الدول العربية وإسرائيل، وكلّها دول متحالفة مع الولايات المتحدة، وهو هدف يقضي بمكافحة الإرهاب والتهريب والحفاظ على استقرار الأمن وحرية الملاحة البحرية وأمن السفن التجارية، فلا سبب لاستثناء إسرائيل وعدم مشاركتها رسميا في “سي تي إف 153”.

التحليل نفسه لـ”مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات“، يشير إلى أن القوة المشتركة الحالية أدت إلى زيادة ملحوظة في عدد الشحنات غير المشروعة التي تم ضبطها، بما في ذلك ضبط 2.5 طن من المخدرات، توازي قيمتها 20 مليون دولار. عثرت القوة عليها في قارب صيد، في خليج عدن، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

هذه القوة المشتركة تقوم بشكل غير مباشر بمواجهة نشاطات ميليشيات طهران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وضبط سفنها التي ترسلها محملة بالأسلحة، بما فيها المسيّرات المفخخة والصواريخ الباليستية.

ضمن هذا الإطار، يقول المحلل السياسي والاستراتيجي، عبده سالم، إنه في الظرف الراهن يكاد النظام الأمني الإقليمي لبحر العرب، لا سيما في المنطقة الممتدة من بندر عباس حتى خليج عدن يخضع قياديا بحكم الواقع للهيمنة الإيرانية، في حين أن النظام الأمني لمنطقة البحر الأحمر ظل يعاني من فراغ قيادي لأسباب ذاتية وأخرى موضوعية أهمها؛ “موروثات وتبعات الصراع العربي الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط”.

قد يهمك: عراقيل وتهديدات “الحوثي” للملاحة الدولية.. إلى أين؟

أما بالنسبة لإسرائيل، وفق حديث سالم لموقع “الحل نت”، فهي موجودة أمنيا ضمن منظومة دول البحر الأحمر ومن الناحية العملية، فإن قِطع البحرية الإسرائيلية تجوب منطقة أعالي البحار عبر دوريات أمنية منتظمة إذا لم تكن هي أحد مفردات “قوة المهام المشتركة 153”.

المحلل الاستراتيجي، لا يستبعد أن ينظّم بشكل معلن انضمام إسرائيل للتحالف ولكن في إطار القيادة المصرية لـ”قوة المهام المشتركة 153″.

مصلحة مشتركة

في إطار البناء على النجاح المبكّر لفرقة العمل المشتركة، وتوليد قدرة إضافية، وتقليل الطلبات على السفن البحرية المأهولة المحدودة، عملت “سي تي إف 153” مع “فرقة المهام 59” التابعة للبحرية الأميركية، التي تدمج التقنيات الجوية والبحرية وغير المأهولة تحت الماء في العمليات البحرية.

بالتالي، انضمام إسرائيل بشكل علني ورسمي، يأتي في مصلحة كل البلدان المتحالفة، وفي طليعتها السعودية والإمارات، ولا سيما في سياق مكافحة تسليح طهران للميليشيات الموالية لها، مثل “حزب الله” اللبناني، وجماعة “الحوثي” في اليمن، وحركة “حماس” في غزة، وهو ما يملي على الدول التي تسعى لحفظ الأمن والاستقرار التنسيق والتعاون في المنطقة بالمجمل.

التحليل الغربي، يشير إلى أن “البحرية الإسرائيلية هي واحدة من أكثر القوات البحرية قدرة في المنطقة”، وأن لديها “قاعدة بحرية في إيلات تقع على خليج العقبة في البحر الأحمر، كما تضم البحرية الإسرائيلية سفنا مسلحة بصواريخ، وطرّادات، وسفن إمداد، وغواصات، وكثير منها مزوّد بأجهزة استشعار متطورة ومدعومة بمسيّرات ومقاتلات”. كما تشمل الأصول البحرية الإسرائيلية “العشرات من زوارق الدوريات التي تديرها أطقم من ذوي الخبرة في الكشف عن عمليات التهريب واعتراضها، خصوصا العمليات التي يقوم بها الموالون لإيران”.

وفق تحليل برادلي بومان وهو مدير أول لمركز القوة العسكرية والسياسية في “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، أنه من الناحية الاستراتيجية والعسكرية، من غير المفهوم بقاء إسرائيل خارج القوة البحرية العربية التي تعمل بالتنسيق مع الولايات المتحدة لحماية حرية الملاحة وضبط الأمن والتجارة غير الشرعية في البحر الأحمر.

ما موقف إيران؟

أما بالنسبة لموقف طهران في حال انضمت إسرائيل بشكل رسمي للتحالف البحري، فإنها لن تدخل في أي مواجهة عسكرية مع أميركا ولا مع إسرائيل في منطقة البحر الأحمر، ولكنها ستسعى إلى استغلال قضية الوجود الإسرائيلي في منطقة البحر الأحمر، واستثماره على النحو الذي يساعدها في تقديم نفسها كطليعة إسلامية مقاومة لهذا الوجود من خلال الإعلام والنشر والبروباغندا عبر وسائلها الإعلامية التي تهدد وتنذر وتعلن عن قرب المواجهة مع إسرائيل، وفق تقدير سالم.

بمعنى أن إيران تستخدم شماعة الوجود الإسرائيلي في هذه المنطقة لشن حربها على الدول العربية المطلّة على البحر الأحمر بذريعة أنها دول حليفة لإسرائيل، وفي المقدمة مصر والسعودية، أكبر دول البحر الأحمر مكانة وتأثيرا، بحسب تعبير سالم.

بالتالي وفق منظور سالم، هذا يعني أن إيران في حقيقة أمرها غير جادة في خوض حرب مباشرة ورسمية باسم الدولة الإيرانية ضد إسرائيل، وإنما تستخدم شماعة الوجود الإسرائيلي في هذه المنطقة كذريعة لشن الحرب على الدول العربية وإخراجها من المعادلة الأمنية للبحر الأحمر باسم “الحرب ضد إسرائيل”، ومن ثم تقديم نفسها وركائزها وأدواتها للرأي العربي والإسلامي كعدو حقيقي لتل أبيب، وهو ما يعني التحريض السلبي بهذه الدول وتلطيخ سمعتها أمام شعوبها فضلا عن التحريض عليها باعتبارها دول حليفة لإسرائيل في هذه المنطقة.

التداعيات

إيران حاولت مرارا وتكرارا الاستيلاء على السفن الأميركية غير المأهولة. ففي 29 آب/أغسطس 2022، رصدت البحرية الأميركية سفينة إيرانية في الخليج العربي تسحب حاملة طائرات أميركية. عندما ردت القوات الأميركية، قطعت السفينة الإيرانية خط سحب “يو إس في” وغادرت. وبعد يومين، استولت سفينة إيرانية أخرى على طائرتَين من طراز “يو إس في” كانتا تعملان في البحر الأحمر لأكثر من 200 يوم دون وقوع حوادث. استجابت مدمرتان تحملان صواريخ موجهة تابعتان للبحرية الأميركية بسرعة، سعيا لاستعادة الطائرتين، وحينها رفض الطاقم الإيراني إطلاق سراحها لمدة 18 ساعة تقريبا، وتراجع في نهاية المطاف في صباح اليوم التالي.

قد يهمك: إلى جانب مصر والأردن.. سلام واستقرار في المنطقة ترسمه الاجتماعات الخليجية؟

كما تُظهر هذه الحوادث، أن الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لزيادة قدرات المراقبة البحرية والصد مع الشركاء الإقليميين الرئيسيين تسببت في الذعر لجمهورية إيران الإسلامية، التي لا تزال تمثل تهديدا رئيسيا لحرية الملاحة في الشرق الأوسط الأوسع. حيث تفضل طهران إخفاء أنشطتها البحرية العدائية وانقسام خصومها، وفق الخبراء.

في حال تمكنت إيران من تعزيز حضورها الأمني في البحر الأحمر، ومضيق “باب المندب”، ستستخدم المنافذ البحرية في هذه المنطقة لتهريب السلاح إلى غزة، وفق اعتقاد سالم.

إن الاستغلال الإيراني للوجود الإسرائيلي في هذه المنطقة يعتمد في حقيقة الأمر على الصراخ الإسرائيلي المستمر من خطر وتمدد إيران بالمنطقة، وبالتالي تتخذ منه إيران عاملا مساندا لما تروّج له ضد مصر والسعودية وبقية الدول العربية في المنطقة، والحقيقة في الأمر هي غير ما تقوله.

بالتالي، إيران تستخدم لغة المواجهة مع إسرائيل بهدف تعزيز تواجدها في بعض الممرات البحرية والبرية في البحر الأحمر، و”باب المندب”، والقرن الإفريقي، وغيرها من المنافذ القريبة من مناطق الأزمات لاسيما منطقة الصراع الإسرائيلي العربي.

ضرورة التعاون الصلب

المحلل الاستراتيجي، يرى أنه من حق مصر أن تقلق جدا من استخدام إيران لتواجدها بالقرب من مناطق الأزمات للدخول في صراع وهمي “وليس مواجهة حقيقية” مع إسرائيل، على النحو الذي يوفر لها أي “إيران” ورقة ابتزاز تستطيع استخدامها للضغط في اتجاه ضمان نفوذها في المنطقة بالقدر الذي يتلاءم مع مكانتها الإقليمية الجديدة.

بتعبير أوضح، يقول المحلل الاستراتيجي، إن قلق مصر ومعها الدول العربية في المنطقة هو في أن تتحول هذه المنطقة إلى ساحة صراع وهمي بين إيران وإسرائيل، لما له من آثار سلبية جمة، وبالتالي يجب على الدول التي تدعم حرية الملاحة والاستقرار الإقليمي وسيادة القانون بحيث ألا تدع إيران تفلت من هذه الاستراتيجية.

لكن، الأمر الأهم والذي يُعد أكثر قلقا وخطورة، هو الخوف من أن تخوض إيران هذا الصراع بأدوات غير أدوات الدولة الإيرانية الرسمية، فرغم أن الوجود الإيراني في هذه المنطقة واضح ويخدم السياسة الإيرانية الخارجية رسميا؛ إلا أن الصراع القادم الذي تلوّح به طهران في هذه المنطقة لن يتم باسم الوجود الإيراني رسميا، بمعنى أن إيران ترتب لتفجير هذا الصراع بأدوات مذهبية أو صراعات إثنية أو تمييز سلالي وتشبيكات اجتماعية وادعاءات تاريخية وحروب دينية وما إلى ذلك.

المحلل الاستراتيجي، يعتقد أن دور “قوة المهام المشتركة 153” بقيادة مصر هو لمواجهة هذه الأوضاع والمخاوف المقلقة وبالتالي من المهم عربيا دعم تقوية دور مصر وتعزيز مركزها القيادي في المنطقة ودعمها ماليا ولوجستيا بالقدر الذي يمكّنها من حسم هذه المخاتلة الإيرانية المزدوجة، ولا يحتاج الأمر إلى بناء تحالفات جديدة أخرى لحماية الملاحة البحرية الدولية.

عليه، يبدو أنه من مصلحة دول المنطقة بالمجمل، أن تغيّر سياساتها تجاه انضمام إسرائيل بشكل علني لهذا التحالف البحري المشترك لحماية البحر الأحمر و”باب المندب” وخليج عدن، في سبيل ردع إيران من التمدد أكثر وإيقاف أنشطته العدائية، ذلك لأن استقرار الإقليم، وتأمين حرية الملاحة والتجارة بات من الضرورات لدول المنطقة ككل، ولا سيما أنه يساعد في نمو اقتصادات هذه الدول أيضا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.