بعد إقرار “مجلس الأمن الدولي” إنشاء آلية خاصة تابعة لـ “لأمم المتحدة”، من أجل القيام بمهمة التحقق والتفتيش لجميع السفن المتجهة إلى ميناء “الحديدة” الخاضع لسيطرة “الحوثيين” على سواحل البحر الأحمر، توعدت الجماعة الموالية لإيران “الأمم المتحدة” باتخاذ “قرار تاريخي كبير” ردا على ما وصفته بالإجراءات التعسفية من قبل آلية التفتيش والتحقق المعنية بمنح تصاريح دخول السفن إلى الموانئ اليمنية الخاضعة لسلطتها.
القيادي “الحوثي” حسين العزي المُعيّن نائبا لوزير الخارجية في حكومة صنعاء غير المعترف بها دوليا، اتهم آلية التفتيش والتحقق التابعة لـ “لأمم المتحدة” “أونفيم” بارتكاب إجراءات تعسفية مخالفة لقرار إنشائها، وقال العزي في تغريدة على حسابه على تويتر، إن جماعته ستضطر إلى اتخاذ “قرار تاريخي كبير” في حال عدم تصحيح هذه المخالفات، دون الإفصاح عن ماهية القرار أو نوع المخالفات الأممية.
هذا ويأتي ذلك بعد إنشاء آلية التفتيش والتحقق التابعة لـ “لأمم المتحدة” “أونفيم” بناء على طلب تقدمت به الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا لضمان الامتثال لقرار “مجلس الأمن الدولي” رقم 2216 بشأن حظر توريد السلاح إلى اليمن، وتُدار هذه الآلية عبر مكتب “الأمم المتحدة” لخدمات المشاريع، الذي يتخذ من دولة جيبوتي الواقعة على الضفة الأخرى من البحر الأحمر مقرا له.
محاصرة “الحوثيين”
بحكم آلية التفتيش هذه، تخضع جميع السفن التجارية والناقلات النفطية المتجهة إلى ميناء “الحديدة” لتفتيش دقيق لمنع تهريب الأسلحة نحو الداخل اليمني، حيث قامت آلية “الأمم المتحدة” منذ العام 2016 بتخليص ما يقارب 1700 سفينة لضمان وصول المواد الأساسية مثل الغذاء والوقود والسلع التجارية الأخرى إلى اليمن.
تأكيدا على ذلك، ضبطت القوات الأمنية في محافظة المهرة على الحدود مع سلطنة عمان مؤخرا شحنة من محركات الطائرات المسيّرة وأجهزة عسكرية أخرى كانت في طريقها إلى “الحوثيين”، فيما أعلنت البحرية الأميركية في وقت سابق من الشهر الجاري عن ضبط أكثر من 2000 بندقية هجومية كانت مهرّبة على متن قارب صيد، في ممر بحري بين إيران واليمن.
اقرأ/ي أيضا: إريتريا وصراع النفوذ.. عمق استراتيجي على البحر الأحمر
كل ذلك، جاء بعد أيام من ضبط الأسطول الأميركي الخامس مليون طلقة ذخيرة وصمامات ووقود للصواريخ كان يتم تهريبها من إيران إلى اليمن، إذ كانت البحرية الأميركية قد كشفت في منتصف أبريل 2022، عن تشكيل قوة جديدة متعددة الجنسيات من أجل التصدي لتهريب الأسلحة في المياه المحيطة باليمن.
توضيحا على ذلك، قال نائب الأميرال قائد الأسطول الأميركي الخامس براد كوبر، إن القوة الجديدة التي ستشكل ستعمل على ضمان وجود قوة وموقف ردع في البحر الأحمر و”باب المندب” وخليج عدن، في حين يرى مراقبون أن ميناء “الحديدة” بات يشكّل المنفذ الأكثر أهمية سهولة حاليا لتمرير الأسلحة الإيرانية إلى “الحوثيين” مع تشديد الخناق على باقي المسالك، وهو ما يفسر رد فعل الجماعة “الحوثية” حيال القيود الأممية المفروضة على السفن القادمة للميناء.
أي بمعنى أن العزلة الدولية التي يفرضها المجتمع الدولي على إيران، تفسير اندفاع “الحوثيين” نحو التصعيد بغية الضغط على القوى الدولية لفك أو تخفيف الخناق على ممرات توريد الأسلحة والبضائع الممنوعة الأخرى التي تستخدمها طهران في إطار التمويل للتهرب من العقوبات الدولية المفروضة عليها، بهدف تعزيز الاقتصاد الداخلي وديمومته.
أوراق تفاوضية
تعليقا على ذلك، تواصل موقع “الحل نت” مع الخبير الإستراتيجي اليمني علي الذهب، وقال إن هذه التهديدات تدخل في إطار المناورات “الحوثية” والتي تستهدف أمرين؛ الأول الضغط باتجاه زيادة أعداد تدفق السفن إلى الموانئ، إذ إن حركة السفن لازالت تتدفق إلى ميناء “الحديدة” والإحصائيات تدل على أن حركة السفن المحمّلة بالبضائع والمواد الغذائية مستمرة بالتدفق، وأن أكثر من 100 سفينة أُفرغت شحناتها في الميناء، 30 بالمئة منها أُفرغت بعد توقف الهدنة الأممية رسميا في الثاني من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
لذلك، بحسب الذهب، أن لجوء “الحوثي” في هذا الوقت إلى التهديدات هو لزيادة أعداد السفن الداخلة إلى الموانئ وفقا لما تطرحه خلال المفاوضات الراهنة، وأيضا لإضعاف الطرف المفاوض الثاني فيما يخص بتلويحه بإيقاف تدفق السفن، مشيرا إلى أن الإجراءات التي يتم التلويح بها من قبل “الحوثيين” تعني إنها تتعلق بحركة الملاحة في البحر الأحمر، لاسيما قبالة السواحل التي تخضع لسيطرتها، مبيّنا أن هذه الإجراءات التي تتعلق بتهديدات “الحوثي” هي جزء من سلوك البحرية العربية التي استخدمت في الحروب ضد الإسرائيليين منذ منذ العام 1967 وإلى 1973، وما تخللها من حروب الاستنزاف التي عطّلت حركة الملاحة البحرية.
اقرأ/ي أيضا: سياسة البرلمان المغربي الجديدة نحو أوروبا.. تعزيز علاقات أم فراق؟
غير أن الخبير الاستراتيجي، يرى أن تلك الأساليب أكبر من قدرات “الحوثيين” البحرية، كما أن هذه الإجراءات من شأنها خرق الهدنة والتدفق المنتظم للسفن إلى الموانئ وحتى حركة نقل الطيران التي بلغت نحو 100 رحلة ، ما يعني إفقاد “الحوثي” هذه المكاسب الكبيرة التي حققوها خلال الهدنة، بالتالي أن هذه التلويحات هي ليست أكثر من أن تستخدم كأوراق تفاوض للتخفيف من الضغوط التي تُمارس من قبل “الأمم المتحدة” و الوسطاء الإقليميين على جماعة “الحوثيين”، لافتا إلى أن “الحوثيين” اعتادوا مثل هذه الأفعال التي حققوا من خلالها مكاسب جيدة تغريهم بالاستمرار بفعل ذلك.
في غضون ذلك، ترفع طهران من حدّة لهجتها تجاه الممرات المائية الاستراتيجية، كما تتباهى بالتهديدات التي تمثلها الطائرات المسيّرة والصواريخ بالنسبة لقدرتها على الوصول إلى ممرات مائية مهمة مثل مضيق “باب المندب” ومضيق “هرمز” و”قناة السويس”، وذلك في إشارة إلى قدرتها على تعطيل الممرات البحرية.
تقارير إعلامية نقلت عن وسائل الإعلام الموالية للنظام الإيراني، بأن الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية تستطيع الوصول إلى مضائق استراتيجية. إذ نشرت وكالة “تسنيم” الإيرانية مقالا يعكس طريقة تفكير “الحرس الثوري” الإيراني بشأن المنطقة، بأن إيران يمكنها الآن تهديد “باب المندب” قبالة اليمن ومضيق “هرمز” بين إيران والخليج، وأيضا “قناة السويس” المصرية.
الممرات المائية سبل إيران للتخفيف عن الضغط الدولي
غير أن الحديث عن تهديدات مثل استهداف “باب المندب” و”هرمز”، يُعد أمرا شائعا، إلا أن التطرق إلى “قناة السويس”، في هذا التوقيت وإضافتها إلى قائمة نقاط الاختناق الاستراتيجية للتجارة العالمية التي يمكن تهديدها، قد يؤكد شدة العزلة التي دفعت إيران إلى محاولة إيصال رسائل إلى العالم بأنها في حال عدم مراعاتها قد تذهب إلى تهديد حركة التجارة العالمية، وهو ما يفسّر تزامن تهديدات “الحوثيين” مع ذلك.
هذا وأن تهديدات “الحوثيين” يتزامن مع كشف إيران عن عقيدة جديدة للحرب في المنطقة، بحسب تحليلات لمقال وكالة “تسنيم” الذي اعتمد على خطاب ألقاه قائد “الحرس الثوري” الإيراني حسين سلامي، قال فيه إن إيران لديها طائرات بدون طيار يمكنها استخدام “الذكاء الاصطناعي” الذي يمكن أن يؤثر على العديد من الممرات الاستراتيجية في العالم، وهو ما أوضحه المقال بتهديد ثلاثي للممرات البحرية في المنطقة، من خلال الحديث عن الطائرات بدون طيار الآتية من لبنان.
يُشار إلى أن هذه الممرات البحرية المهمة التي يتم الحديث عنها، تقع في نطاق الصواريخ والطائرات بدون طيار الإيرانية، ما يعني أنه من خلال هذه الأسلحة والخطوات يمكن لإيران توسيع قوتها ونفوذها في منطقة مهمة غرب آسيا، والتأثير على أهم الممرات المائية في العالم، وذلك من خلال وكلائها في المنطقة التي يتم تزويدهم بتلك الأسلحة مثل “حزب الله” اللبناني، و”الحوثيين”، وأخرين، وهو ما يمكن أن يحدث خللا في إمدادات الطاقة العالمية.
يُذكر أن مضيق “باب المندب” لوحده، ووفقا لخبراء ملّاحيين، يمثل أحد أهم نقاط العبور البحري التي تستخدمها حاملات النفط في العالم، حيث يمرّ به ما يقرب من 4.7 مليون برميل من النفط يوميا، ويبلغ عرضه 28.9 كيلومتر فقط عند أضيق نقطة منه، والتي تمتد من “رأس سيان” في جيبوتي إلى “رأس منهالي” في اليمن. وقد ازدادت أهميته بوصفه واحدا من أهم الممرات البحرية في العالم، مع ازدياد أهمية نفط الخليج العربي.
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.