الرئيس الصيني شي جين بينغ، زار الرياض في كانون الأول/ديسمبر 2022 للمشاركة في قمة الصين والدول العربية، وقمة مجلس التعاون الصيني الخليجي، وقد أظهرت الرحلة المتعددة الأوجه البارزة وكيف تواصل الحكومات العربية والصينية الاستفادة من العلاقات بطريقة واضحة للغاية لتحقيق أهداف استراتيجية مختلفة.
حسب بعض الروايات كانت رحلة شي إلى المنطقة ناجحة، ورمزا لنهج التعاون المربح للجانبين في الشؤون الخارجية الذي أقّره مسؤولو الحكومة الصينية، ومع ذلك فإن أي تعميق جوهري للعلاقات الصينية الخليجية الحالية أو توسّع حقيقي للعلاقات في عوالم جديدة سيواجه مجموعة معقدة من الصعوبات قصيرة ومتوسطة وطويلة الأجل.
على الرغم من وجود العديد من الاتفاقيات الاقتصادية بين الصين ودول الخليج، وعلى رأسها اتفاقية التجارة الحرة الموقّعة عام 2004، إلا أنه لم يكن هناك جدول زمني واضح للإنجاز حتى أوائل عام 2023، على الرغم من أن بيان القمة بين الصين ودول “مجلس التعاون الخليجي” دعا إلى استكمال المفاوضات في أقرب وقت ممكن.
ما تم الحديث عنه حول نجاح الزيارة الصينية للسعودية والقمة مع دول الخليج، إلا أن هناك عددا من الأسئلة التي يمكن إثارتها، أهمها الصعوبات التي تواجه التعاون الصيني الخليجي، وأسباب التشكيك في القوة الجماعية للصين كشريك اقتصادي لدول الخليج، وكيف تقف السياسة الخارجية للصين عقبة في وجه العلاقات الصينية الخليجية، وما إذا كانت الصين يمكن أن تشكّل بديلا عن الولايات المتحدة للخليج في مجال الأمن.
الصعوبات التي تواجه التعاون الصيني الخليجي
التعاون الاقتصادي يشكّل عمق العلاقات الصينية الخليجية، وسيظل المجال الاقتصادي مجالا ذو أولوية للمشاركة على مدى السنوات القادمة، إلا أن هذا التعاون محفوف بالعديد من العوائق والصعوبات.
رامي زهدي، عضو الهيئة الاستشارية “لمركز العرب للدراسات والأبحاث”، يرى خلال حديثه لـ”الحل نت”، أن هذه الصعوبات متعددة لأن استراتيجية الصين في التعامل مع العالم الخارجي مبنية على القوة المالية الصينية التي تقف خلفها قوة صناعية، لكن دول الخليج لا تفتقر للاحتياج المالي وبالتالي فإن المدخل الذي تستخدمه الصين مع الدول النامية وخاصة الإفريقية كالإقراض وجهود التنمية هو مدخل غير مناسب للتعامل مع الخليج العربي.
قد يهمك:مع تلاشي نجم الصين.. الهند تؤثر على صورة بكين كمصنّع عالمي؟
أيضا بالنسبة لبقية مجالات الاستثمار والتداول المالي المتعلقة بالنفط فهناك صعوبة أيضا، لأن الثروة النفطية الخليجية تذهب بمعظمها للولايات المتحدة والغرب، أي أن الصين ليست مستوردا رئيسيا لأن هناك بدائل، كما أن الصين دخلت كلاعب جديد في منطقة الخليج العربي وهي لم تتدخل في الشؤون السياسية والاقتصادية من قبل، وأيضا في إطار التنافس الدولي بين الصين والولايات المتحدة، لن تكون الساحة الخليجية مهيّئة للصين للتدخل براحتها خاصة أن الصين لا تملك الخبرة الكافية للعمل في هذه المنطقة، حسب زهدي.
هل يمكن أن تكون الصين شريكا للخليج؟
على المدى القصير، هناك سببا للتشكيك في القوة الجماعية للصين كشريك اقتصادي لدول الخليج العربي، وقد يُضعف صنع السياسات غير المتسق، وتباطؤ أرقام النمو، وتقلص عدد السكان جاذبية بعض الأسواق والأصول الصينية للمستثمرين الخليجيين.
كما يُعتبر التباين الإقليمي فيما يتعلق بأهمية الصين في حقائب الشؤون الخارجية عقبة أخرى أمام تعميق العلاقات الصينية الخليجية، خاصة على المدى المتوسط. النفوذ الصيني ليس حاضرا أو قويا أو مرحّبا به في جميع أنحاء المنطقة.
أيضا فإن الصين ليست بأي حال من الأحوال أهم شريك للطاقة لجميع منتجي النفط والغاز في المنطقة، كما أن الصين ليست بالضرورة أكبر شريك استثماري أجنبي لدول الخليج العربي.
في هذا السياق، يبيّن زهدي أن السوق الخليجية بالنسبة للصين هي سوق قوية من ناحية القوة الاقتصادية والمالية، لكن بالنسبة للقوة الشرائية فالأمر مختلف حيث يرتبط ذلك بعدد السكان، حيث لا توجد كثافة سكانية كتلك الموجودة في بعض الدول التي تُعتبر سوقا للصين كمصر والجزائر، أيضا لا يمكن للشركات الصينية الاستحواذ على الشركات الخليجية لأن ذلك ستتم مواجهته بشدة من قبل الولايات المتحدة المسيطر الرئيسي على السوق الخليجية.
السياسة الخارجية الصينية عقبة بوجه العلاقات مع الخليج؟
لم تكن السياسة الخارجية الصينية خلال السنوات السابقة منغمسة في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط، إنما كانت العلاقات الاقتصادية هي القاسم المشترك بين الطرفين، لذلك فإن عدم إلمام السياسية الصينية الخارجية بطبيعة المنطقة والأخطار والتهديدات الموجودة فيها وعلاقاتها واستراتيجياتها ستكون بمثابة عائق آخر في وجه العلاقات بين الطرفين.
زهدي يرى أن الجانب الاقتصادي هو ما يطغى على السياسة الخارجية الصينية إضافة للتجارة البينية، وهذه السياسة لم تتخذ شكلا واضحا في التداخل مع العالم خلال الفترات السابقة لأن الصين لم تكن قوة سياسية مؤثرة، لكنها كانت قوة اقتصادية مؤثرة والأمر يختلف كثيرا.
أيضا فإن الصين تحاول الخروج من التنافس التقليدي بين دولة ودولة لتقدم نفسها كقطب عالمي، لذلك تحاول إيجاد مكان لها في الشرق الأوسط والخليج العربي أملا بإمكانية تقديم نفسها كشريك سياسي جديد في المنطقة لكنها لا تزال جديدة تماما في هذا المضمار.
الصين بديل أمني للخليج عن الولايات المتحدة؟
المسؤولون الأميركيون حذروا مرارا نظرائهم الخليجيين من مخاطر التعاون الوثيق مع الصين في القضايا الأمنية، وغالبا ما يستجيب المسؤولون الخليجيون لمخاوف الولايات المتحدة بشأن الأشكال المثيرة للجدل للتعاون بين الصين والخليج خاصة فيما يتعلق بالأمن، بطريقتين أن الحكومة الأميركية إما غير متأكدة أو غير واضحة بشأن ما يشكل خطوط حمراء، وأن الولايات المتحدة ليست دائما مستعدة أو قادرة على ذلك. توفير بدائل مناسبة، مثل المعدات والتكنولوجيا لشبكات الاتصال من الجيل التالي. ومع ذلك فإن المحللين المقيمين في الولايات المتحدة يرسمون بشكل متزايد مثل هذه الخطوط الحمراء والمبادئ التوجيهية لمجموعة من مجالات التعاون.
زهدي يرى أنه من المستحيل أن تكون الصين شريكا للخليج في مجال الأمن كبديل للولايات المتحدة، لأن الاستراتيجية والعقيدة الأمنية على مدار أكثر من 50 عام لدول الخليج ترتبط بالولايات المتحدة، سواء من حيث التسليح أو من حيث الاستراتيجيات الأمنية والاستخباراتية والمعلومات والقواعد العسكرية، ولن يُسمح أبدا للصين أن تدخل إلى المنطقة من هذه البوابة التي تُعتبر أميركية وبدرجة ثانية أوروبية، لذلك فإن الصين تعلم هذا الأمر وبالتالي تحاول التركيز على الاقتصاد وخاصة مبادرة “الحزام والطريق” أكثر من أي أمر آخر.
من المتوقع أن تنمو العلاقات الاقتصادية بين الصين ودول الخليج العربي خلال المرحلة القادمة، خاصة إذا تم تفعيل اتفاقية التجارة الحرة بين الطرفين والتي عادت إلى الواجهة بعد زيارة الرئيس الصيني الأخيرة للسعودية، لكن هذه العلاقات ستبقى ضمن إطار لا يتجاوز بكل الأحوال المصالح الغربية، كما أنه لا يمكن للصين أن تتجاوز العلاقات الاقتصادية لتغدو ذات تأثير سياسي أو أمني في هذه المنطقة.
إقرأ:الصين تلغي “صفر كوفيد”.. تفوق للاقتصاد على المجتمع؟
هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.