لم تكن العلاقات القطرية الإماراتية على ما يرام منذ زمن طويل، حيث اتصفت بالتباين والتوتر، ولكن في الأعوام الأخيرة شهدت هذه العلاقات تطورات كبيرة، إذ تم التوصل في كانون الثاني/يناير 2021 إلى “اتفاق العلا” الصادر عن القمة الخليجية الحادي والأربعين في السعودية، والذي ساهم في إنهاء الخلاف السياسي والدبلوماسي بين البلدين.

منذ إبرام الاتفاق في الرياض، شهدت العلاقات الإماراتية القطرية تحسنا ملحوظا، حيث تم إعادة فتح الحدود واستئناف حركة التبادل التجاري والسياحي بين البلدين، كما تبادل البلدان التصريحات الودية والزيارات الدبلوماسية، والاجتماعات المنتظمة لتنفيذ مخرجات الاتفاق.

في ظل الجهود المستمرة، يسابق البلدان الزمن للمضي قدما بالعلاقات إلى آفاق أفضل، خاصة في ظل التغييرات السياسية والاقتصادية الكبيرة في المنطقة، حيث تلعب كلا من أبو ظبي والدوحة دورا بارزا فيها، ويتوقع مراقبون أن تستمر هذه العلاقات بالتحسن في الفترة القادمة، وخاصة بعد التصريحات الأخيرة، بأن كلا من قطر والإمارات بصدد إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما وفتح السفارتين.

عودة العلاقات

عقب “اتفاق العلا” شهدت العلاقات بين أبو ظبي والدوحة محطات إيجابية كثيرة؛ ففي أيار/مايو الماضي، زار أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني الإمارات، لتقديم العزاء بالرئيس الراحل خليفة بن زايد آل نهيان، وفي كانون الأول/ديسمبر العام الماضي، زار رئيس الإمارات محمد بن زايد آل ثاني قطر، لإجراء مباحثات مع الشيخ تميم، تناولت العلاقات الثنائية وسبل تعزيز التعاون المشترك.

أمير قطر ورئيس الإمارات (AFP‏)
أمير قطر ورئيس الإمارات (AFP‏)

خلال الزيارة أشاد رئيس دولة الإمارات بتنفيذ الدوحة مونديال 2022، الذي تستضيفه دولة عربية لأول مرة، واعتبره “نجاحا للعرب كافة”، كما شارك أمير قطر في اللقاء الذي دعا له الرئيس الإماراتي بحضور عاهل الأردن ونظيره البحريني وسلطان عُمان والرئيس المصري، في كانون الثاني/يناير 2023، لبحث تعزيز التعاون ودعم الاستقرار والتنمية بالمنطقة.

قديهمك: وزير خارجية الإمارات في دمشق.. ما الدلالات؟

في آذار/مارس الماضي، وتعبيرا عن تطور العلاقات بينهما، أعلن الرئيس الإماراتي دعم بلاده لملف ترشح دولة قطر، لاستضافة الاجتماعات السنوية لصندوق النقد الدولي ومجموعة البنك الدولي لعام 2026، في حين أعرب أمير قطر عن امتنانه للرئيس الإماراتي على ذلك، بحسب موقع “الخليج أونلاين”.

من جهته يقول المحلل السياسي عامر السبايلة خلال حديثه لـ”الحل نت” إن “الانتقال من حالة الأزمة المفتوحة التي شهدتها الأزمة الخليجية، وحالة عزلة قطر والقرارات التي اتخذت للوصول إلى هذه النقطة، هو في حد ذاته إنجاز”، وفق تعبيره.

حيث يضيف، بأن العلاقة بين البلدين الآن ليست متوترة، ولكن قد يكون مازال هناك خلافات في بعض الملفات أو وجهات النظر، لكنها لم ترقى أو لن ترقى الآن في هذه المرحلة مقارنة بمرحلة سابقة بما كانت عليه، بفكرة أنها أقرب إلى المواجهة السياسية المفتوحة بين البلدين.

مكاسب مشتركة

إن انهاء الخلافات وحالات الاستنزاف اليوم، هو مكسب لأي من الطرفين، ويعتبر انعكاس إيجابي على الأزمات وفق السبايلة، وبالتالي الخروج من فكرة التجاذبات السياسية وفكرة الاستنزاف والمواجهات اليوم يعد مكسب للطرفين، وفي النهاية أي تفاهم تجاه أي أزمة يقلل فكرة إدامة الخلاف، ويقلل من احتمالية استمرار الصراع.

إذا يمكن أن يؤثر تحسن العلاقات بين الإمارات وقطر على الديناميكيات الإقليمية في المنطقة، ويمكن أن يساهم أيضا في إنهاء بعض الصراعات في دول أخرى. ومن المهم أيضا التأكيد على أن التسوية السياسية للصراعات تتطلب التعاون والتنسيق بين جميع الدول المعنية، بما في ذلك قطر والإمارات، وهذا يمكن أن يتحقق عبر الحوار والتفاهم والتعاون البناء بين الدول في المنطقة.

أيضا، يمكن للبلدين أن يتعاونا في حل العديد من الأزمات السياسية كالأزمة في سوريا، التي ترتبط أبو ظبي بعلاقات وثيقة مع حكومتها، في حين تمتلك الدوحة علاقات قوية مع المعارضة السورية، كما قد يساهم البلدان في حل الأزمة الليبية، والدفع لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية المتعثرة منذ أكثر من عام، بفضل علاقتهما الجيدة مع مختلف الأطراف السياسية والعسكرية الليبية.

اقتصاديا، ترتبط قطر والإمارات بمشروع “غاز الدولفين”، وهو أول مشروع لنقل الغاز المُكرر عبر الحدود في مجلس التعاون الخليجي، وقبيل الأزمة الخليجية، بلغ التبادل التجاري بين الدوحة وأبو ظبي 5.8 مليارات دولار في العام 2016، وعقب الأزمة عاد التبادل التجاري لينشط بشكل واضح، بحسب موقع “الخليج أونلاين”.

بحسب بيانات “المكتب الإعلامي” لحكومة الإمارات بلغ حجم التبادل التجاري خلال 2022، نحو 13.54 مليار درهم “3.66 مليارات دولار”، وسجلت واردات الإمارات من قطر خلال النصف الأول نحو 3.22 مليارات درهم “880 مليون”.

اقرأ أيضا: الأزمات العالمية تعزز دور دول الخليج في ظل المتغيرات الدولية؟

حجم إعادة التصدير من الإمارات بلغ نحو 9 مليارات درهم “2.45 مليار دولار”، بنسبة نمو وصلت إلى 293 بالمئة مقارنة مع النصف الأول من عام 2021، كما بلغ حجم الصادرات الإماراتية إلى قطر خلال النصف الأول نحو 1.32 مليار درهم “360 مليون دولار”، ومثلت قطر الشريك الاستثماري السادس لدولة الإمارات على المستوى العربي والـ 26 عالميا خلال هذه الفترة.

فتح السفارات

وكالة “رويترز” كانت قد كشفت مؤخرا عن أن قطر والإمارات بصدد إعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما وفتح السفارتين، وذلك بعد أكثر من عامين ونيف على “اتفاق العلا” الذي أنهى الأزمة الخليجية.

الوكالة نقلت عن مسؤول إماراتي لم تسمه بأنه “يجري تنشيط العلاقات الدبلوماسية بما يشمل إعادة فتح سفارتي البلدين، إذ إن إعادة فتح السفارتين وتعيين سفيرين جديدين سيكون بحلول منتصف حزيران/يونيو المقبل”.

من جانبه أكد المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية القطرية ماجد الأنصاري، الثلاثاء 18 نيسان/أبريل الجاري، على التقدّم الإيجابي الذي تشهده العلاقات القطرية الإماراتية، حيث أن الأسابيع المقبلة ستشهد فتح السفارتين في البلدين وعودة العلاقات الدبلوماسية بينهما.

إن فتح السفارتين في البلدين واستئناف علاقاتهما الدبلوماسية أصبح مسألة إجرائية الآن، حيث تعكف اللجان الفنية على دراسة الآليات اللازمة لعودة العلاقات الدبلوماسية، وفتح السفارتين، تطبيقا “لاتفاق العلا”، وفق الأنصاري.

في موازاة ذلك يرى المحلل السياسي عامر السبايلة، بأن موضوع إغلاق السفارات أو عدم فتحها سياسيا قد انتهى فعليا، لهذا يعتقد بان مسالة إعادة فتح السفارات الآن إجرائية فقط. 

أخيرا، العلاقات القطرية الإماراتية متجذرة وخاصة مع وجود حدود بحرية وبرية مشتركة بينهما، حيث يرى متابعين للشأن الخليجي، بأن هنالك اختلاف ببعض وجهات النظر بينهما متعلقة في قضايا بالمنطقة، إلا أن نقاط التوافق بينهم كثيرة، حيث سيتجه البلدان خلال الفترة القادمة إلى التوافق الدبلوماسي والتوسع في المجالات الاستثمارية والاقتصادية، بما ينعكس إيجابيا على كلا الطرفين.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات

الأكثر قراءة