في خطوة مثلت صدمة للشارع المدني في العراق، أعلنت حركة “الجيل الجديد” مساء أمس الثلاثاء، فك ارتباطها بحركة “امتداد”، الأمر الذي جاء كضربة قاصمة للتيار المدني الذي كان يتطلع لهذا التحالف بخوض تجربة بحجم تطلعات أغلبية الشارع العراقي الذي عبّر عن رفضه بشكل قاطع للعملية السياسية التي تقودها الأحزاب التقليدية منذ ما بعد العام 2003 وحتى الآن، مقابل صعود طبقة مدنية يمكنها أن تنقذ البلاد من الفوَضى وسوء الإدارة والفساد.

فحركة “امتداد” كانت قد انبثقت عن الحراك الاحتجاجي الذي اجتاح البلاد أواخر العام 2019، حيث تمكنت من تحقيق نتائج متميزة في الانتخابات النيابية المبكرة في تشرين الأول/أكتوبر عام 2021، قياسا بالمشاركات المدنية السابقة، وذلك إلى جانب كتلة “الجيل الجديد” التي ساهمت الأحداث حينها أيضا في مضاعفة حظوظها، ليتم تشكيل تحالف “من أجل الشعب” الذي لاقى حينها ردود فعل متباينة.

شريحة واسعة من الشارع المدني العراقي، كان قد اعتبر مشاركة “امتداد” كممثل عن الاحتجاجات في الانتخابات النيابية دون توفر أجواء التنافس الآمنة، ما هي إلا محاولة فاشلة لمقارعة قوى السلاح والمال السياسي، غير أن “امتداد” أصرت على المشاركة في الانتخابات وتبني مشروع “إحداث تغيير من داخل العملية السياسية”، لتدخل فيما بعد بتحالف “من أجل الشعب” مع كتلة “الجيل الجديد” التي تشوبها الكثير من علامات الاستفهام، خصوصا وأنها تُعد واحدة من الأحزاب التي سبق واشتركت بالعملية السياسية.

تحالف شكلي يعكس تجربة “فاشلة”

إلا أن التجربة التي سعت “امتداد” إلى جانب “الجيل الجديد” لترجمتها كحافز لباقي القوى المدنية، يبدو قد فشلت منذ بداياتها، سيما وقد شابها الكثير من الشبهات والتدافعات، وما استمرار تحالفها إلا محاولة صورية للحفاظ على كيانهما، قبل أن تعلن سرورة عبد الواحد رئيسة “الجيل الجديد” انتهاء تحالف كتلتها مع “امتداد” التي تفاجأت بالقرار.

عبد الواحد، قالت في تغريدة على موقع “تويتر”، إنه حينما قررنا نحن “الجيل الجديد” التحالف مع حركة “امتداد” كنا على يقين أن علاء الركابي (رئيس حركة امتداد) شخص يستحق هذه الثقة، وما زلنا نثق به، ونعرف جيدا أنه نزيه ووطني، لكن يبدو أن المشاكل التي تعترض هذه الحركة أكبر وأقوى من إخلاص الركابي وبعض زملائه، لذا نعلن انتهاء هذا التحالف، ونرجو لهم التوفيق والاستمرار على النهج الإصلاحي الواعي.

بالمقابل، رد رئيس كتلة حركة “امتداد” النيابية حيدر السلامي، على إعلان إنهاء تحالف “من أجل الشعب”، وقال في بيان، تفاجأت حركة امتداد بإنهاء تحالفها الهزيل مع الجيل الجديد بتغريدة، مشيرا إلى أن إنهاء تحالف “من أجل الشعب” بتغريدة دون علم حركة “امتداد”، هو دليل على أنه تحالف شكلي وغير فعلي، لافتا إلى أن حركة “امتداد” تعمل بديموقراطية حقيقية ولا تؤمن بالشخوص إنما بالفكر والمبدأ.

بالتالي إن، انفراط التحالف الذي نظر له الكثير من العراقيين أول تشكيله، أن يشكل انطلاقة لحركة مدنية متماسكة؛ كما لو أصاب حظوظ التيار المدني بمقتل في الوقت الذي يفترض فيه أن يعزز حضوره في انتخابات المحافظات التي يرتقب إجراءها في نهاية العام الحالي، بعد تصدعه بشكل كبير نتيجة تشظي الحركات المدنية الناشئة، وفشل تجربة “امتداد” والانشقاقات التي ضربتها في الأشهر الأخيرة.

تعليقا على ذلك، يرى الباحث السياسي علي الشمري، أن إعلان انتهاء تحالف “من أجل الشعب” بين كتلتي “امتداد” و”الجيل الجديد” من جانب واحد، يعكس حقيقة ما قاله في سياق المفاجئة رئيس كتلة “امتداد” بأن التحالف كان شكليا، فالإعلان بهذا الشكل من دون مقدمات ومن دون مباحثات أو حتى انقسام معين في الرأي أو المواقف، يعني أن التحالف ميت في الأساس ولا توجد روابط بين أطرافه.

نتائج مكلفة للتيار المدني

الشمري وفي حديث مع موقع “الحل نت”، أشار إلى أن أغلبية التيار المدني العراقي كان على دراية مسبقة بهذه النهاية، إذ إن مشاركة “امتداد” في الانتخابات بالأساس لم تكن مبنية على دراسة ووعي، فالعاملين على هذه الكتلة لم يكن يفكرون سوى بالمشاركة في الانتخابات دون أن يستمعوا لباقي الأطراف، لذلك من الطبيعي أن تكون هذه النتيجة المخزية ما لم تكن هناك حسابات عميقة في بداية المشوار.

تحالف “من أجل الشعب”/ إنترنت + وكالات

فبينما كانت جميع المعطيات تشير إلى أن المشاركة في الانتخابات ما هي إلا “ورطة” تسعى لها القوى التقليدية قبل المدنية الناشئة، أصرت “امتداد” أن تخوض هذه التجربة الفاشلة قبل بدايتها متحلية بشعارات رنانة تخالف الواقع تماما، يقول الشمري، ويضيف، لذلك كانت مشاركتهم ليست أكثر من وصمة عار للاحتجاجات الشعبية التي حاولت القوى المدنية النيل منها بشتى الطرق، حتى وإن لم تتبنى الحركة الاحتجاجية لـ “امتداد” بشكل رسمي، إلا أن للرأي العام رأيا آخر.

في الوقت الحالي، إن الرأي العام السائد في الأوساط السياسية والشعبية، أن التجربة الاحتجاجية السياسية التي مثلتها “امتداد” وبعض النواب المستقلين الذين انبثقوا من ساحات الاحتجاج وذهبوا لينعموا بحياة “البرلمان”، بأنها تجربة فاشلة وغير قادرة على إنتاج بديل جديد، وفي جذوة هذه الحالة التي تصدم الشارع العراقي من الذين عوّلوا على هذه التجربة بدمائهم، وما تبثّه الماكنة الإعلامية للقوى التقليدية، فبكل تأكيد أن ذلك سيفاقم من حالة اليأس بين الأوساط المدنية حول المشاركة في الانتخابات المحلية.

لذا إن انفراط هذا التحالف “من أجل الشعب” الشكلي في هذا الوقت سيكون له تبعات كبيرة على مستوى المشاركة في الانتخابات المحلية، بحسب الشمري، كما سيفسح المجال للقوى التقليدية الطائفية لملء الفراغ وتعويض خساراتها التي مُنيت بها شعبيا نتيجة الاحتجاجات، مشيرا إلى أن، أسباب انفراط التحالف بين “امتداد” و”الجيل الجديد”، ربما تعود لرغبة “الجيل الجديد” في المشاركة بالانتخابات المحلية منفردة، أو مع ائتلاف انتخابي آخر.

هذا وستشمل الانتخابات المحلية المقبلة 15 محافظة من بينها كركوك، بعد آخر انتخابات محلية جرت في عام 2013، وتعتمد نظام الدائرة الانتخابية الواحدة بصيغة “سانت ليغو” بدلا من الدوائر المتعددة الذي كان معمولا به خلال الانتخابات التشريعية الماضية، الأمر الذي اعترضت عليه “قوى التغيير الديمقراطية”، معتبرة إياه تجاوزا للدستور وقيم الديمقراطية.

يشار إلى أن “مجلس الوزراء” العراقي، حدد في بيان جلسته الخامسة والعشرين، يوم 18 من شهر كانون الأول/ديسمبر المقبل موعدا لإجراء انتخابات مجالس المحافظات لعام 2023، “التزاما بالمنهاج الوزاري الذي تبنته الحكومة”، وأقرّه “مجلس النواب” في شهر تشرين الأول/أكتوبر الماضي، والذي تضمن الالتزام بإجراء انتخابات المحافظات المعطلة بقرار قضائي منذ العام 2019، على خلفية مطالبات شعبية بحلّها.

مجريات الانتخابات المحلية العراقية

السوداني رئيس الوزراء العراقي، كان قد تعهّد في برنامجه الحكومي إجراء انتخابات مبكرة بظرف عام، وإعادة إجراء انتخابات مجالس المحافظات، بعد تعديل قانون الانتخابات خلال 3 أشهر وفقا لما تُطالب به قوى “الإطار”، التي نجحت فيما بعد بالفعل في تغيير قانون الانتخابات الذي اعتُمد في انتخابات 2021 التشريعية، الذي اعتبرته سببا رئيسيا في تراجع حظوظها بالانتخابات النيابية بسبب تشتيت جمهورها بين الدوائر الانتخابية المتعددة.

علاء الركابي رئيس حركة “امتداد” وسط إلى جانب سروة عبد الواحد رئيس كتلة “الجيل الجديد”/ إنترنت + وكالات

آخر انتخابات محلية كانت قد أقيمت عام 2013، قبيل عام واحد من سقوط عدد من المدن العراقية بيد تنظيم “داعش” عام 2014، مما أدى إلى تأجيل الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها عام 2017، وتمديد عملها من قبل “مجلس النواب” العراقي في عام 2018، لحين إجراء انتخابات جديدة، قبل أن يوقف عملها في نهاية 2019 استجابة للاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت البلاد في العام 2019، حيث أُجبر “مجلس النواب” بالتصويت على حلّها وإنهاء عملها، بوصفها حلقة فساد زائدة.

استنادا للدستور العراقي، تملك مجالس المحافظات صلاحيات واسعة فهي لا تخضع لسيطرة أو إشراف أي وزارة أو جهة غير مرتبطة بوزارة، كما أن لديها صلاحيات إدارية ومالية واسعة، ومنذ الإطاحة بنظام صدام حسين عام 2003 أُجريت ثلاث دورات انتخابية لاختيار أعضاء مجالس المحافظات العراقية أعوام 2005 و2009 و2013.

مجالس المحافظات المنتخبة تتولى مهمة اختيار المحافظ ومسؤولي المحافظة التنفيذيين، ويملك هؤلاء صلاحيات الإقالة والتعيين وأيضا إقرار خطة المشاريع وفقا للموازنة المالية المخصصة للمحافظة من الحكومة المركزية ببغداد، بحسب الدستور العراقي النافذ بالبلاد منذ عام 2005.

جدير بالذكر أن “المفوضية العليا المستقلة للانتخابات” في العراق كانت قد منحت إجازات لـ 268 حزبا سياسيا تم تسجيلها ككيانات سياسية، في إطار الاستعداد للمشاركة في الانتخابات المحلية، فيما فتحت المفوضية باب التسجيل أمام التحالفات والأحزاب الراغبة بالمشاركة في الانتخابات، نهاية تموز/يوليو المقبل.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات