في زيارة وصفها الجانب العراقي بالـ “التاريخية”، أعادت تسليط الضوء على واحدة من أكثر النقاط الخلافية أهمية بين العراق والكويت؛ حيث وصل وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح، أمس الأحد، إلى بغداد لإعادة تفعيل علاقات البلدين التي أصابتها حالة من الفتور، ولبحث القضايا الخلافية العالقة بين البلدين الشقيقين، على رأسها ترسيم الحدود البحرية التي ما انكفأت تشكّل نقطة خلاف تاريخي بينهما.

الزيارة التي يصل من خلالها الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح إلى بغداد للمرة الأولى منذ تسلمه المنصب، كان في استقباله نظيره العراقي فؤاد حسين؛ ناقش خلالها الجانبان مسألة حقول النفط وترسيم الحدود، بحسب ما أكده الوزير العراقي في مؤتمر صحفي عقده مع نظيره الكوتي، حيث جرى التأكيد على ضرورة حسمها عبر لجنة عليا للحوار مع الجانب الكويتي.

كما بحث اللقاء كيفية حماية العلاقات الجيدة بين العراق والكويت وكيفية تطويرها، يقول حسين، ويضيف، تطرقنا إلى عملية تسهيل الزيارات بين البلدين، وناقشنا ملف ترسيم الحدود والاتفاق على استمرار انعقاد اللجان بشأن الملف، مؤكدا على ضرورة إنهاء المسائل الحدودية بين العراق والكويت، وأن الإطار الصحيح لحل المشكلات هو الحوار.

مجريات الزيارة الكويتية إلى العراق

علاوة على ذلك، شملت المناقشات، بحسب الجانب العراقي، ملف الحقول النفطية المشتركة وملف تهريب المخدرات وأهمية الاستمرار في حسم هذه الملفات بين البلدين وتشكيل لجنة عليا لمتابعتها، في حين أعلن خلال ذلك، وزير الخارجية الكويتي، فتح ملحقية تجارية في قنصلية بلاده بمدينة البصرة العراقية أقصى جنوب البلاد والمحاذية للكويت.

رئيس البرلمان العراقي محمد الحلوبسي يستقبل وزير الخارجية الكويتي الشيخ سالم عبدالله الجابر الصباح/ إنترنت + وكالات

الوزير الكويتي أشار إلى إجراء مباحثات مثمرة جدا والعزم على تنفيذ ما جرى بالمباحثات، مؤكدا على ضرورة العمل على إنهاء ملف ترسيم الحدود البحري، بخاصة وأن الكويت حريصة على إعادة الأمور إلى نصابها بالعلاقة التجارية التاريخية وهو ما يقابله تطابقا لوجهات النظر مع الجانب العراقي.

بناء على ذلك، فإن وفدا كويتيا سيبحث في بغداد في 14 آب/أغسطس المقبل ملف ترسيم الحدود المشتركة، فيما سيبحث وفد آخر في العاشر من أيلول/سبتمبر المقبل ملف الحقول النفطية الحدودية المشتركة العراقية الكويتية، وفق ما أكده الوزير الكويتي، الذي أردف قائلا إنه تم بحث الأمور الدولية والإقليمية التي تنعكس بنحو مباشر على أمن البلدين. 

فيما التقى الوزير الكويتي رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ورئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وتركزت مباحثاته مع الحلبوسي خصوصا على استكمال ترسيم الحدود البحرية لما بعد العلامة 162، بحسب ما أوردت وكالة الأنباء الكويتية الرسمية “كونا”، في إشارة إلى السطح البحري الذي لا يزال يتعيّن على البلدين تقاسمه في قطاع من بحر الخليج.

مقابل ذلك، تسعى الحكومة الحالية في العراق برئاسة محمد شياع السوداني، إلى التقارب مع دول الخليج، إذ ترغب بغداد في تعزيز التعاون الاقتصادي ومكافحة تجارة المخدرات واستقبلت في الأشهر الأخيرة مسؤولين رفيعين من تلك الدول.

ذلك يأتي بعد أن أعرب مسؤولون عراقيون في الماضي عن استعدادهم للاعتراف بالحدود البرية مع الكويت، غير أنها لا تزال تشكل نقطة خلاف بينهما، حيث أن بغداد تريد أن يضمن لها ترسيم الحدود القدرة على الوصول إلى بحر الخليج، الذي تحتاج إليه اقتصاديا ولصادراتها النفطية، الأمر الذي ترك الملف معلقا منذ سنوات، وفتح باب السؤال حول إذا ما كان هذا التقارب الأخير بين العراق والكويت يحمل جدوى فعلية.

في هذا الصدد، يرى المحلل السياسي العراقي غالب الدعمي، أن ملف ترسيم الحدود بين العراق والكويت سيتأخر كثيرا، حتى بعد زيارة وزير الخارجية الكويتي إلى بغداد، ذلك لأن الكويت لديها مصالح طويلة الأمد، فكلّما تأخر ترسيم الحدود استطاعت الكويت جني أرباح جديد أكثر.

الدعمي يقول في حديث مع موقع “الحل نت”، إن الكويت ومع كل حكومة عراقية جديدة ومع تأخر تحقيق هذا الملف، تستطيع الضغط على الحكومة العراقية والكتل السياسية وبالتالي تحصل على منافع كثيرة وتتمدد على الحدود العراقية، لذلك هي اليوم تمددت أكثر من 10 كيلومتر داخل الحدود العراقية إذا ما تمت المقارنة مع المرتسم الذي حدده “مجلس الأمن” الدولي، لذلك أن هذا التأخير هو في صالح الكويت، فهي لا تريد حسم هذا الملف وإغلاقه.

وجهات نظر متباينة

بدورها تحدثت رئيسة لجنة التخطيط في “البرلمان” العراقي، ليلى التميمي، لموقع “الحل نت” حول الموضوع قائلة، إنه يجب أن يكون هناك موقف واضح وصريح من قبل الخارجية العراقية، وأن تكون الحكومة حاضرة وممثلة من خلال وزارة النقل والخارجية ووزارة الدفاع لحل مسألة ترسيم الحدود الذي ترتبط بالسيادة العراقية والاقتصاد العراقي وثروات الأجيال القادمة.

العراق والكويت يستعدان لترسيم الحدود البحرية/ إنترنت + وكالات

التميمي أشارت إلى أن لجنة التخطيط سبق وكانت قد عقدت ورشة تعريفية بما يخص ترسيم الحدود بين العراق والكويت، كما سيكون هناك استضافة لعدد من الوزراء المعنيين بهذا الملف للخروج بتوصيات ستكون ملزمة للحكومة العراقية من أجل الالتزام بما يخص الاتفاقيات القادمة وعقد الاجتماعات التفاوضية لترسيم الحدود بشكل كامل لما له من تأثير على ثروة الأجيال القادمة.

من جانبه، أكد الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي، عادل المناع، أن الحدود الكويتية العراقية رسمت منذ 1993 بشكل نهائي، وفقا للقرار 838 الذي نصّ على إنه لم يعطِ أو يأخذ أي أراضي، وإنما سار على أساس الاتفاقيات الثنائية بين البلدين التي لم يكن بالإمكان تنفيذها لولا ما حصل من اجتياح عراقي للكويت.

المناع قال في حديث مع موقع “الحل نت”، إن الحدود موجودة باعتراف عراقي منذ 1932، بالتالي ما فعله قرار “مجلس الأمن” الدولي، هو مجرد السير بناء على هذا الاعتراف أو بناء على اتفاق ما بين الطرفين حدث في 4 تشرين الأول/أكتوبر 1963 في عهد الجمهورية، بني على أساس رسالة رئيس “مجلس الوزراء” العراقي نوري السعيد بزمن الملوكية عام 1932، وقد نص على ذلك.

قد تكون هناك بعض العلامات غير الواضحة التي يمكن العودة للتفاوض عليها وإنهائها، بحسب المناع الذي أشار إلى أن مشكلة “خور عبدالله” وخاصة ما بعد “العلامة 162″، هي المشكلة التي قد تكون خاضعة للنقاش، وهو ما يجب إنهائها أيضا بحيث لا تعود الاختلافات والاشكالات حولها، مبينا أنه بكل تأكيد الطرفان لديهم خبراء، كما يمكنهم أن يستعينوا بجهات أخرى، لإنهاء الخلاف حول “خور عبدالله”.

المناع شدد على أن الكويت متمسكة بالقرار 833 لسنة 1993، وبالتالي الحديث المضاد لهذا القرار، لا يوجه إلى الكويت وإنما يفترض أن يوجه لـ “مجلس الأمن” الدولي الذي أيضا بموجب قرارات سابقة مثل القرار 687 أشارت للحالة الكويتية العراقية وما شابهها من أمور، بالتالي أن الموقف الكويتي واضح في هذا الجانب، ونأمل أن يكون في الجانب العراقي من هو حريص على إنهاء كل مسببات الخلاف وفتح صفحة جديدة.

الأكاديمي والباحث السياسي الكويتي، لفت إلى أن العلاقات الكويتية العراقية بدأت في مرحلة جديدة منذ ما بعد العام 2003 بعد الإطاحة بنظام صدام حسين، غير أنها تمرّ أحيانا ببعض المطبات الهوائية السياسية، خصوصا من قبل أطراف في العراق تعود لتثير الموضوع إعلاميا، وقد يكون لها دوافع خلف ذلك، مثل خلافاتها مع الحكومة العراقية أساسا لتدعي بأن العراق محاصر.

عدم الأذى في سياق الأزمة

المناع اختتم حديثه بالتأكيد على أن الكويت لن تكون سببا في أذية العراق على الإطلاق، من مبدأ “إذا كان جارك بخير فإنك بخير”، كما أنها لا تريد الانشغال بأمور تبعدها عن التفكير في التنمية وتطوير البلاد، وأيضا لا تريد من يعيقها بالاستثمار في العراق الشقيق.

خور عبدالله/ إنترنت + وكالات

هذا وتعتبر مسائل ترسيم الحدود بين الكويت والعراق مسائل مصيرية عبر التاريخ بالنسبة لكلا الطرفين، نظرا لما تكتنفها من تطورات تاريخية نالت طابع الشد والجذب، وساهمت فيها التجاذبات التي سادت علاقات البلدين الجارين، طبقا لمراقبين، ووصلت هذه التجاذبات ذروتها في آب/أغسطس 1990 بالغزو العراقي للكويت، واستمرار آثاره من القضايا الثنائية العالقة حتى اليوم.

بحسب المراسلات الرسمية بين البلدين فإن أول اتفاق ثنائي بشأن الحدود بين البلدين جاء في إطار تبادل رسمي للرسائل في عام 1932، قبل أن يعود العراق في عام 1961 عن الاتفاق مطالبا بضم الكويت دفعة واحدة واعتبارها أرضا عراقية، ثم تبدل الموقف مجددا بحلول عام 1963 بعيد اعتراف العراق بالكويت دولة مستقلة، وإعادة التأكيد على اتفاق الحدود في مراسلات عام 1932 بين البلدين.

لكن ومع صبيحة الثامن من آب/أغسطس من عام 1990، عقب أسبوع من اندلاع الغزو العراقي للكويت، أعلن “مجلس قيادة الثورة” العراقي اندماجا كاملا وأبديا بين العراق والكويت، كما أعلن العراق من طرف واحد ضم الكويت وأنها أصبحت المحافظة العراقية التاسعة عشرة، لتذوب مسائل الحدود بكل أشكالها في غياهب الغزو.

في حين لعبت “الأمم المتحدة” دور الوسيط الأساسي في العلاقات بين البلدَين، حيث طُلب منها في عام 1991، بعد العملية العسكرية التي آلت إلى خروج القوات العراقية من الكويت، ترسيم الحدود رسميا بين البلدين، ليأتي التأكيد من جانب “الأمم المتحدة” على الترسيم في عام 1993 بموجب قرار “مجلس الأمن” رقم 833، بيد أن ترسيم “الأمم المتحدة” للحدود البحرية توقف عند النقطة المعروفة بـ “العلامة 162″، أي النقطة الأخيرة التي عيّن الكويتيون والعراقيون حدودها في المراسلات البينية التي سبقت مرحلة الغزو العراقي للكويت.

بعد ذلك، وفي أعقاب إخراج قوات التحالف الدولي القوات العراقية من الكويت وترسيم “الأمم المتحدة” للحدود، خضع العراق لحصار اقتصادي استمر 13 عاما، واضطر الى دفع تعويضات حرب كبيرة للكويت، عبر “الأمم المتحدة”، أنهت بغداد تسديدها بحلول عام 2021، حيث تم دفع كامل التعويضات المترتبة على العراق، أي أكثر من 52 مليار دولار بعد أكثر من 30 عاما على غزوه الكويت.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات