ضمن ما وصِفت بالمحاولات الإيرانية في إيجاد فسحة دولية للخلاص من العزلة الدولية التي تعاني منها نتيجة العقوبات الدولية المفروضة عليها من قِبل الغرب والولايات المتحدة الأميركية؛ انضمت طهران رسميا أمس الثلاثاء، إلى منظمة “شنغهاي للتعاون” التي باتت تضم تسعة دول ترمي إلى تعزيز التعاون بين الدول الأعضاء.

انضمام إيران للمنظمة التي تحمل أهدافا تتعلق بتعزيز التعاون في الشؤون السياسية والاقتصاد والتجارة والعلوم والثقافة والتعليم والطاقة والنقل والسياحة وحماية البيئة، والحفاظ على السلم والأمن والاستقرار الإقليمي، وإنشاء ما تسميه بـ “نظام سياسي واقتصادي دولي عادل”؛ جاء عبر اجتماع افتراضي انعقد برئاسة الهند.

المنظمة التي تأسست عام 2001، تضم حاليا إلى جانب إيران، روسيا والصين وكازاخستان وطاجيكستان وقرغيزستان وأوزبكستان والهند وباكستان، ورحبت الدول الأعضاء في انضمام إيران، حيث قال رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، خلال اجتماع مجلس رؤساء المنظمة عبر تقنية الفيديو، يسعدني انضمام إيران إلى أسرة “منظمة شنغهاي للتعاون” عضوا كامل العضوية.

منظمة “شنغهاي” سبيل إيران للخلاص من العزلة الدولة

من جانبها رحّب رئيسي الصين وروسيا، شي جينبينغ، وفلاديمير بوتين، كذلك بانضمام إيران للمنظمة، وقال بوتين، إن المنظمة ملتزمة بإقامة نظام عالمي عادل ومتعدد الأقطاب، في حين كانت عضوية إيران للمنطقة أحد أهم عناصر تطلعها إلى الشرق، حيث عدّ التيار المحافظ الذي ينتمي إليه الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، إنجازا رئيسيا لسياسة الحكومة الخارجية. 

فالصين وروسيا، حلفاء إيران ضد الغرب، إذ يمكنهما وفق الحسابات الإيرانية، تهيئة ظروف تجارية أفضل من دول مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا، حيث تعتبر طهران المنظمة بديلا ممكنا لتخفيف تأثيرات العقوبات الغربية عنها، والتي تسببت بإرهاق الاقتصاد الإيراني وتعطيله إلى حدّ كبير منذ العام 2018، وحتى الآن.

في هذا السياق، قال الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، في كلمته أمام اجتماع المنظمة حسبما نقلت عنه وسائل إعلام إيرانية، إننا ننتهز الفرصة ونعرب عن ارتياحنا لانضمام إيران رسميا إلى هذه المنظمة بصفتها العضو التاسع، مشددا على الدور المؤثر لإيران في المجال الأمني، إذ إن الأمن الإقليمي ينطلق من إرادة الأمم، ويترسّخ بإرادة الحكومات، وسيكون ممكنا دون تدخل القوى المهيمنة.

بناء على هذا الموقف، أشار رئيسي إلى أن إيران جعلت سياسة الجوار والتقارب والتآزر أساس سياستها الخارجية، حيث تعِدها أفضل السبل لتحقيق السلام والاستقرار الإقليميين، مبينا أن التعددية الحقيقية هي لمصلحة الدول وليست لمصلحة القوى المهيمنة، ومنظمة “شنغهاي للتعاون” تقف الآن في موقف يمكّنها من تحقيق التعاون في بناء الأمن، على حد قوله.

من جهته، وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان، قال في تغريدة على موقع “تويتر”، إن الدبلوماسية النشطة للحكومة الثالثة عشرة، سجلت إنجازا جديدا لأمة إيران العظيمة، مشيرا إلى أن العضوية الكاملة لإيران في منظمة “شنغهاي للتعاون” خطوة مهمة في اتباع سياسة خارجية شاملة، وتعزيز سياسة الجوار والتطلع نحو آسيا، مضيفا أنه بصفتنا العضو التاسع في المنظمة، فإننا نسعى جاهدين لتعزيز التعاون وتحقيق الأهداف والاستفادة من فوائده الكاملة.

معوقات تعيق مكاسب إيران 

رغم ذلك وما تتحدث عنه إيران وحلفاؤها حول أهمية انضمام إيران لمنظمة “شنغهاي للتعاون”، إلا أن شكوكا عديدة تحيط باستفادة إيران من عضويتها في المنظمة، نظرا للعقوبات والوجود الدائم لإيران على القائمة السوداء، إذ يشكلان عائقين أمام التجارة الخارجية والتعاون الاقتصادي مع أعضاء المنظمة.

إيران عضوا في منظمة “شنغهاي للتعاون”/ إنترنت + وكالات

حول ذلك، أَوضح الباحث في الشأن السياسي مصطفى النعيمي، أن إيران تحاول البحث عن مسارات اقتصادية موازية لنظام “سويف” العالمي، لكن بحقيقة الحال أن هناك معوّقات كثيرة أمامها، فالدول التي أسست المنظمة لا تزال غير متفقة بشأن العقوبات التي فُرضت من قبل الولايات المتحدة وتأثيرها على هذه المنظومة في حال وجود بعض الأعضاء التي توجد عقوبات بحقهم.

النعيمي وفي حديث مع موقع “الحل نت”، قال إن إيران في المرحلة الحالية تحاول التّهرب أو التنصل من العقوبات الدولية من خلال فتح خطوط تواصل مع تلك القوى والاندماج مع هذا التشكيل الذي يشكل قرابة نصف السكان من حيث القدرة السكانية، لذلك إن انضمامها إلى المنظمة يُعد محاولة جديدة من أجل أن تكون تلك القوة هي ليست قوة اقتصادية فقط، بل أيضا قد تبحث ملفات أخرى على الصعيد العسكري من حيث ما يجري اليوم في أوكرانيا وإيران.

فيما لفت إلى أن انضمام إيران إلى المنظمة سيكون له تبعات، إذ إنها لا تزال تقوم بخروقات عديدة في المنطقة تجاه الأمن القومي لتلك البلدان، لذلك هي تحاول أن تكون ضمن المحاور والأقطاب التي يمكن أن تكون ضمن المشهد الدولي، لذلك هي تسعى جاهدة للحصول على هذه المكانة ضمن المنظمة المبنية على تحالفات الضرورة.

النعيمي، نوّه إلى أن العقوبات الأميركية هي أحدى أهم الأسباب التي تسعى إيران بسببها الانضمام إلى منظمة “شنغهاي للتعاون”، مبينا أنه في المجال السياسي ستحقق إيران مكاسب كبيرة من انضمامها للمنظمة، لكن ذلك متوقف على رفع العقوبات الأميركية عنها، ففي حال عدم رفع تلك العقوبات فإن التداعيات ستكون كبيرة وذلك بالنظر للمسارات العسكرية.

منظمة “شنغهاي للتعاون”، هي منظمة حكومية دولية تركز على التنمية الإقليمية والأمن، ولدت من رحم مجموعة “شنغهاي” الخماسية التي كانت تضم الصين روسيا وكازاخستان وقيرغيزستان وطاجيكستان، التي عقدت سلسلة اجتماعات منذ عام 1996-1997، حول القضايا الحدودية بين الصين والدول المجاورة لها ما بعد “الاتحاد السوفيتي”.

مطامح إيران بالانضمام إلى منظمة “شنغهاي”

طهران كانت قد تقدمت بطلب للحصول على صفة مراقب في عام 2004. وافقت عليه المنظمة عام 2005. وفي عام 2008، تقدمت بطلب العضوية الكاملة، لم يكتب له الموافقة لأسباب منها تعنت النظام الإيراني بشأن برنامجها النووي والضغط الدولي الناتج عن ذلك.

إيران تحاول تجاوز العقوبات الأميركية من خلال الانضمام لمنظمة “شنغهاي للتعاون”/ إنترنت + وكالات

بعد ذلك، وعند رفع العقوبات عنها بموجب “خطة العمل الشاملة المشتركة” لعام 2015، جرت مناقشات مكثفة بشأن قبول عضوية إيران في المنظمة، غير أن طاجيكستان وقفت عثرة في طريقها، بسبب دعم طهران للمعارضة الطاجيكية، إضافة لتردد بكين خشية استغلال إيران لـلمنظمة للترويج ضد السياسات الأميركية.

على هذا النحو، تحاول إيران من خلال الانضمام لمنظمة “شنغهاي للتعاون” تعظيم المكاسب السياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية، حيث تفكر بالاعتماد في الجانب الاقتصادي، بشكل كبير على الصين، التي وقّعت معها اتفاقية شراكة استراتيجية بقيمة 400 مليار دولار لمدة 25 عاما.

فيما ستحاول الاستفادة عسكريا من خلال الميل نحو روسيا، لاسيما وإنها باتت شريكا موثوقا لموسكو من خلال وقوفها إلى جانبها في غزوها لأوكرانيا، من خلال تزويدها بطائرات بدون طيار بهدف تعزيز التعاون العسكري بين الخصمين المناهضين لأميركا. وذلك بينما هناك قوى أخرى يمكن لإيران أن تعزز معها التعاون الاقتصادي مثل تركيا والهند، وبشكل عام، ستختار إيران بعناية كل قوة صاعدة يمكنها تطوير العلاقات معها في مجالات التعاون المختلفة هذه حسب ما تقتضيه احتياجاتها.

وفقا للمعطيات، فإن مكاسب سياسية وأمنية واقتصادية تحاول طهران تحقيقها من خلال انضمامها إلى منظمة “شنغهاي للتعاون”، إلا أن شكوكا كثيرة حول ذلك، لاسيما في ظل الضغوطات الدولية الكبيرة التي تعاني منها الدول الأساسية مثل الصين وروسيا في المنظمة، الأمر الذي قد يُفقد إيران أي مكاسب حقيقية كانت تفكر في تحقيقها.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات