في السنوات الأخيرة، تُعد إفريقيا القارة الأكثر عرضةً لخطر الإرهاب في العالم، حيث شهدت القارة السمراء نمّوا كبيرا لتنظيمات إرهابية مثل “داعش” و”القاعدة”. وقد نجحت هذه التنظيمات في السيطرة على مساحات واسعة من أراضي العديد من الدول الإفريقية، وشنّت هجمات دامية أسفرت عن مقتل الآلاف من المدنيين.

في مشهد يعبق بالتحديات، تنشغل قارة إفريقيا بمعركة مستميتة ضد التنظيمات الإرهابية الخطيرة، التي تسعى إلى تفريقها واستنزاف مواردها بمساندة مجموعات خارجية مثل “فاغنر” الروسية. وفي هذا السياق الهام، تثور التساؤلات حول إمكانية إنقاذ القارة من هذا الخطر الجلي ومدى قدرة جيش إفريقي على لعب دور حاسم في مكافحة هذا الظلام المتمثل في الإرهاب والتطرف.

ضمن هذا السياق، تشير الدلائل إلى أن الجيش المصري لديه القدرة على القيام بذلك. ففي السنوات الأخيرة، تمكن الجيش المصري من تحقيق العديد من الانتصارات ضد التنظيمات الإرهابية في شمال إفريقيا. وقد ساعدت هذه الانتصارات في الحدّ من نفوذ هذه التنظيمات في المنطقة، ودفعها إلى التراجع. لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل يمكن للجيش المصري أن يلعب دورا في إنقاذ إفريقيا من الإرهاب.

دعم مصري لمكافحة المتشددين

التجارب السابقة في شمال إفريقيا وجنوبها، أثبتت أن المقاربات السلمية لا تنجح في ظل تزايد قوة جماعات التمرد المسلحة وهيمنتها على مناطقٍ من الأرض. وتظل هذه الجماعات مستمرة في نشر الفوضى وتهديد أمن القارة السمراء واستقرارها. 

مصر تقدم مساعدات عسكرية للنيجر لمكافحة الإرهاب - إنترنت
مصر تقدم مساعدات عسكرية للنيجر لمكافحة الإرهاب – إنترنت

التجربة المصرية تبرز بوضوح كونها مصدر غني بالدروس التي يمكن تطبيقها في غرب إفريقيا وغيرها من مناطق القارة التي تتعرض لنفوذ التنظيمات الإرهابية. إذ إن استراتيجيات الحرب على الإرهاب والجماعات المتطرفة المعتمدة من قبل الجيش المصري تحمل في طياتها النجاحات والانتصارات التي يمكن أن تصبح قوة دافعة لباقي دول إفريقيا.

مع زحف الظلام الإرهابي وانتشاره على وجه القارة، تزايدت الرغبة بين دول إفريقية متعددة بعضها استطاع صده وكبح تمدد التنظيمات الإرهابية وبقي منيعا، وبعضها الآخر يكافح بين زحام الأزمات للتصدي لهذا الخطر. وهنا تتفجر رغبة تبادل الخبرات والمعدات وتأمين المستقبل الذي يضمن النجاح ويحرم الإرهابيين من مكانهم في دول القارة.

في الأيام الأخيرة، تلقت دولة النيجر شحنات من الأسلحة الثقيلة والمدرعات من مصر، وذلك لاستخدامها في محاربة الجماعات التكفيرية المتطرفة. ليس هذا وحسب، بل لجأت دول أخرى في الساحل الغربي وجنوب الصحراء الكبرى إلى زيادة قواتها وتعزيزها، بهدف مواجهة تلك العصابات الإرهابية. تلك الدول تلجأ إلى الاستفادة من الخبرات المُكتسبة من قبل دول شمال إفريقيا التي حققت انتصارات هامة على جماعات المتمردين.

السلطات العسكرية النيجيرية في نيامي خصوصا، تسلّمت 30 مركبة استطلاع مصفحة من طراز “بي آر دي أم-2″، ونحو 20 قذيفة هاون ومدفع عيار 122 ملم، وأكثر من ألفي مسدس آلي وبندقية هجومية من طراز “أي كاي 47″، فضلا عن ذخيرة، من الجيش المصري.

إلى ذلك، أعلن الاتحاد الأوروبي الأربعاء الفائت، تعزيز دعمه العسكري لمحاربة الجماعات المتشددة. وقال مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد، جوزيب بوريل، خلال زيارة لنامي، إن النيجر ستكون أول دولة إفريقية تستفيد من مساعدة أوروبية لتجهيز قواتها بمعدات قاتلة، خصوصا الذخيرة المتطورة للمروحيات القتالية.

التعاون المصري مع دولة النيجر أخذ شكل تدريب قوات خاصة في الجيش النيجري، وذلك ضمن إطار أمني صعب ومعقّد، كما أفاد وزير الدفاع القاسوم إنداتو. فالخطر الذي يواجه بلاده لا يقتصر فقط على التهديد الناشئ من جماعات مرتبطة بـ”داعش” و”القاعدة”، بل يشمل أيضا التحديات المتمثلة في العصابات المسلحة وجماعات الجهاد مثل “بوكو حرام” وتنظيم “داعش” الذين ينشطون على حدود النيجر.

إفريقيا بين طرفي كماشة

المعلومات المتاحة تشير إلى أن الخلافة الدينية التي كانت تسعى جماعات السلفية الجهادية لإقامتها في مصر ودول شمال إفريقيا، انتقلت إلى غرب القارة وجنوب الصحراء الكبرى بعد أن عجزت عن تحقيق أهدافها في المنطقة الأولى بين عامي 2013 و 2018. وهذه الجماعات اعتمدت تمرد “طالبان” في أفغانستان كنموذج لنشاطها وتوسّعها في المنطقة الجديدة.

مصر ترسل أسلحة ثقيلة ومدرعات للنيجر لمكافحة الإرهاب - إنترنت
مصر ترسل أسلحة ثقيلة ومدرعات للنيجر لمكافحة الإرهاب – إنترنت

بعد سنوات من المواجهات الميدانية، نجحت الدول العربية في شمال إفريقيا في تنفيذ خطة استراتيجية أنهكت تشكيلات التنظيمات الإرهابية، وفككت أواصرها وقطع صلاتها الخارجية، وإغلاق منافذ دعمها المالي والتسليحي. ونتيجة لهذه الجهود المتضافرة لمكافحة الإرهاب، شهد الوطن العربي تراجعا متفاوتا في مستوى العنف وانحسار تهديد هذه التنظيمات.

كان المخطط الرئيسي لتنظيم “داعش” يتمثل في إقامة خلافة في ليبيا، حيث تمّ جلب الدعم من الحركة الجهادية العالمية واستدعاء المقاتلين الليبيين والتونسيين من سوريا. وبفضل هذه الجهود، نجح التنظيم في السيطرة على بعض المناطق في شمال ووسط ليبيا لمدة عامين.

نيجيريا تُعدّ القوة الرئيسية في قوة المهام المشتركة، التي انضمت إليها دولة النيجر، وعلى الرغم من أنها قتلت العديد من قادة جماعة “بوكو حرام” وأجبرت العديد من المتمردين على الاستسلام، إلا أنها لا تزال تواجه تحدّيا كبيرا في استعادة المساحات الشاسعة في شمال شرق البلاد من سيطرة التنظيم الإرهابي. وهذا ما يمكنه من مواصلة شن هجمات عبر الحدود إلى النيجر وتشاد والكاميرون، وحتى وصول هجماته إلى مناطق وسط وجنوب نيجيريا.

هذا الوضع جعل النيجر بين المطرقة والسندان، خاصة بعد تفاقم الوضع الأمني في المنطقة المثلثة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، حيث استعادت جماعات الجهاديين ثقتها وقوتها، وسيطرت على جُلّ المناطق في الجارتين مالي وبوركينا فاسو. وتجاوزت هذه الجماعات حدود الوحشية في ارتكابها لجرائم ضد المدنيين، واضطرت آلاف الأشخاص إلى النزوح، خاصة من مناطق تيسيت وتالاتاي وأنسونغو وميناكا، بغرض التحكم في الممتلكات والسيطرة على القرى والبلدات الحدودية.

أصبحت غالبية دول إفريقيا، وخاصة تلك التي يسيطر المتشددون على مساحات واسعة من أراضيها، مدركة بشكل مُلحّ لضرورة التعاون الوثيق مع دول شمال القارة، ولا سيما مصر التي مرت بنفس التحديات في الماضي ونجحت في تطهير مناطق سيناء شرق البلاد من تنظيمات “القاعدة” و”داعش”. وهذه الدول تسعى للاستفادة من الخبرات الناجحة التي حققتها مصر في التصدي للتنظيمات الإرهابية والتطرف.

لكن دور مصر لم يقتصر على مساعدة النيجر فقط، فقد أظهرت مصر الدعم والتأييد لنيجيريا أيضا في تعزيز قدراتها في مكافحة الإرهاب والتطرف في ولاية بورنو بشمال شرق البلاد. وفي إطار التعاون العالمي لمكافحة الإرهاب، شاركت مصر بنشاط في اجتماعات “المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب” الذي انعقد بمشاركة الاتحاد الأوروبي في أيار/مايو الماضي، حيث تم تسليمها الرئاسة المشتركة للمنتدى.

مهمة إنقاذ إفريقيا من الإرهاب ليست سهلة؟

يبدو أن “داعش”، الذي ينافس تنظيم “القاعدة” يستفيد من هذه الفرصة، ويسعى إلى التوسع في خليج غينيا، بعد أن استولى على العديد من مناطق مالي وبوركينا فاسو، وهدفه النهائي هو الوصول إلى شواطئ البحر، متسلحا بالإرهاب والدمار.

أحداث الأشهر الماضية في مالي أظهرت أن البلاد استسلمت لقوى الجهاد المتطرف - إنترنت
أحداث الأشهر الماضية في مالي أظهرت أن البلاد استسلمت لقوى الجهاد المتطرف – إنترنت

حكّام الدول الإفريقية يواجهون تحديا استثنائيا مع التقدم الذي يحققه تنظيم “داعش” غرب القارة السمراء، حيث أصبح من الواضح أن التحالف مع شركة “فاغنر” الروسية لا يمكن أن يكون بديلا فعّالا للقوات الدولية.

الباحث والمختص بالشؤون العسكرية في الشرق الأوسط، إياد معلوف، أوضح لـ”الحل نت”، أن الجماعات المسلحة التي تسيطر على أجزاء من إفريقيا تؤثر في عدم نجاح المقاربات السلمية في مكافحة التطرف من خلال عدة طرق. أولا، تفرض هذه الجماعات سيطرتها على السكان المحليين، مما يجعل من الصعب على الحكومات الوصول إليهم وتقديم الخدمات لهم.

أيضا تقوم هذه الجماعات بشنّ هجمات على المدنيين، مما يخلق جوّا من الخوف والرعب، ويجعل الناس أكثر عرضة للانضمام إلى الجماعات المسلحة. فضلا عن حصول هذه الجماعات على التمويل والدعم من الخارج، مما يسمح لها بالاستمرار في القتال.

هذه المقاربات بحسب معلوف عاشها الجيش المصري من تجربته في سيناء داخليا ومحاربة تنظيم “داعش” خارجيا في تونس وليبيا وسوريا والعراق، ويمكن للجيش المصري تحويل خبراته في مكافحة التطرف إلى التعاون مع دول إفريقية أخرى من خلال عدّة طرق. 

يمكن للجيش المصري تقديم الدعم العسكري للحكومات الإفريقية التي تكافح ضد الجماعات المسلحة، لا سيما وأن القوات المصرية اكتسبت من خلال الحروب خبرة كبيرة في استخدام الأسلحة والمعدات الحديثة، وإدارة العمليات العسكرية في المناطق الصحراوية والوعرة.

موقع “غلوبال فاير باور” قد أعلن تصنيفه لأقوى جيوش العالم للعام 2023، حيث تصدر الجيش المصري، المرتبة الأولى في ترتيب أقوى الجيوش العربية والإفريقية وبالمرتبة 14 عالميا، وهنا يؤكد معلوف أن الجيش المصري يمكنه تقديم التدريب للعسكريين الأفارقة على كيفية مكافحة الإرهاب. وتقديم الدعم الاستخباراتي للحكومات الإفريقية التي تكافح ضد الجماعات المسلحة.

تنظيمات “داعش” و”القاعدة” هي منظمات إرهابية قوية، لديها القدرة على شن هجمات إرهابية في أي مكان في العالم. كما أنها تتمتع بدعم مالي وعسكري من دول خارجية، والجيش المصري أمام مهمة ليست سهلة بحسب معلوف، إذ باعتقاده أن دخوله على خط محاربة الإرهاب، سيعزز من سيطرته على المنطقة واعتماد الحكومات الإفريقية عليه، وهذا ما لا تريده مجموعات عسكرية خاصة مثل “فاغنر” التي يروق لها الوضع في إفريقيا؛ لاستمرار نهبها للموارد الطبيعية هناك.

عملية تأخير وتقديم

أحداث الأشهر الماضية في مالي أظهرت أن البلاد استسلمت لقوى الجهاد المتطرف، حيث أصبحت نقطة أساسية لمركز انتشار التنظيم في المنطقة، فالتقدم الذي حققه التنظيم الإرهابي في مالي يعود إلى رحيل القوات العسكرية الغربية، وما تبعه من سحب قوات الأمم المتحدة “مينوسما”، مما أضعف النظام العسكري الذي تمكن من السيطرة على الحكم وجعله عاجزا عن التعامل مع تداعيات الأوضاع المتفاقمة بسبب حلفه مع موسكو و”فاغنر”.

عناصر من قوات الأمن في النيجر - إنترنت
عناصر من قوات الأمن في النيجر – إنترنت

تنظيم “داعش” تمركز في المناطق الاستراتيجية الرئيسية، ولا سيما في مثلث الموت المعروف بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو قرب الحدود النيجيرية. ويُعتبر هذا المثلث مكانا حيويا لتهريب البضائع والأسلحة والمتمردين المسلحين والمخدرات والمهاجرين عبر الحدود. وتشكل كل هذه الأنشطة مصادر دخل رئيسية للجماعات التكفيرية.

وجود “فاغنر” في إفريقيا بحسب معلوف، سيضع التعاون بين الدول الإفريقية في مكافحة التطرف أمام عدة تحديات. منها ضعف التنسيق بين الدول، حيث ستعمل “فاغنر” على إلزام الحكومات العسكرية المنقلبة، عدم تبادل المعلومات بشكل فعّال. وهنا ستحدث خلافات سياسية واقتصادية بين الدول تعيق جهود التعاون.

لم تعد الفوضى والاضطراب مقتصرة فقط على مالي، بل سقطت مؤخرا بوركينا فاسو في هذا الوضع العصيب. حكومتها العسكرية تسيطر على أقل من نصف المساحة الإجمالية للبلاد، في حين يسيطر المتمردون والتكفيريون على العديد من المدن الرئيسية ويحاصرون مئات الآلاف من السكان.

الاتفاقات العسكرية مع موسكو و”فاغنر” أدخلت المنطقة في ديناميكيات جديدة، وأدى تدخل هذه الجهات الفاعلة إلى تعقيد المشهد الأمني وخلق مصالح متنافسة بين القوى الخارجية المختلفة. كما يثير تساؤلات حول التداعيات طويلة المدى لمثل هذه الشراكات، بما في ذلك احتمال زيادة نفوذ روسيا ونفوذها.

تمثل عودة المقاتلين الإرهابيين إلى إفريقيا خطرا كبيرا ليس فقط على غرب ووسط إفريقيا، بل حتى عودة التنظيم لأماكن أُجتث منها سابقا. إذ يمكن للمقاتلين الإرهابيين العودة إلى شمال إفريقيا ونشر أفكارهم المتطرفة بين الشباب، وتجنيد المزيد من الشباب في الجماعات المسلحة.

القدرات التي يمكن أن يقدمها الجيش المصري في مكافحة الإرهاب بإفريقيا، وكذلك تأثير التعاون المتبادل بين الدول الإفريقية في بناء جدار من الصمود أمام التهديدات الإرهابية، سيكون الجيش المصري فيها البوصلة التي توجه إفريقيا نحو الأمان والاستقرار، لكن مع وجود القوات الروسية المشاركة في هذا المشهد الاستراتيجي، يمكن أن تكون هناك تحديات تعيق تحقيق النجاح في هذه المهمة الحيوية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.
0 0 أصوات
قيم المقال
Subscribe
نبّهني عن
0 تعليقات
Inline Feedbacks
مشاهدة كل التعليقات