في خضم المتغيرات والتطورات الإقليمية والدولية، عُقد خلال الفترة الماضية العديد من المؤتمرات والاجتماعات الإقليمية والدولية وعلى مستوى القادة. وبعيدا عن باقي قارات العالم، انعقدت مؤخرا قمة “الاتحاد الإفريقي” والتي استمرت لمدة يومين لمناقشة أوضاع دول القادة. وعلى إثرها ونظرا لما تمر به ليبيا من عدد من الظروف والاضطرابات العصيبة، لا سيما المشهد السياسي المعقّد، أخذت المنظمة القاريّة على عاتقها تنظيم مؤتمر بشأن المصالحة الوطنية في ليبيا، في أحدث محاولة لإعادة الاستقرار إلى البلد الذي مزقته الصراعات منذ سنوات طويلة.

كما ثمة تحركات إقليمية ودولية لافتة تجري على الساحة الليبية مؤخرا، ولا سيما بعد أن احتضنت العاصمة المصرية القاهرة، اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة “5+5″ برعاية أممية وحضور الممثل الخاص للأمين العام لـ”الأمم المتحدة” في ليبيا عبد الله باتيلي، وانتهى الاجتماع نحو آلية لتقويض حضور المقاتلين الأجانب والمرتزقة، بجانب ما جرى في بنغازي، حيث أقرّ “مجلس النواب” التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري في صورة أقرب للوثيقة الدستورية المرتقبة.

بالإضافة إلى العديد من التحركات الأخرى وأخرها مبادرة “الاتحاد الإفريقي”، فإن هذا كله يدلل إلى مدى تعقّد الأزمة الليبية، وصار من المحتم على الفرقاء في ليبيا التوصل إلى حل توافقي ومن ثم إجراء الانتخابات العامة خلال العام الجاري، وإن كان احتمالية تحقيق ذلك ضعيفا، بالنظر إلى صراع الأطراف المحليين فيما بينهم والتهرب من الاستحقاق الانتخابي بذرائع مختلفة، ومن بينها مسألة السلطة التنفيذية التي ستتولى الإشراف على العملية الانتخابية.

هذه التحركات الإقليمية والدولية الحثيثة، تثير العديد من التساؤلات حول الدوافع التي دفعت بـ”الاتحاد الإفريقي” لإطلاق هذا المؤتمر، وما إذا كان بمقدور الاتحاد جمع الفرقاء السياسيين في ليبيا على طاولة واحدة وحلحلة الأزمة الليبية تاليا، وإذا ما ثمة أطراف وراء هذه المبادرة في الأساس، وأخيرا تداعيات فشل المساعي الإقليمية والدولية ككل على أوضاع البلاد.

ضرورة حل الأزمة الليبية

غداة انعقاد القمة الـ36 لـ”الاتحاد الإفريقي” يومي السبت والأحد الماضيين في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، أوصت “مجموعة الأزمات الدولية” قادة الاتحاد وبمساعدة “الأمم المتحدة” رسم مخرج من المأزق السياسي في ليبيا، مقترحة على الأفارقة دعم خيار إعطاء الأولوية للحوار المؤدي إلى الانتخابات بدلا من تشكيل حكومة جديدة.

“مجموعة الأزمات الدولية”، نوّهت إلى مساعي الاتحاد لمناقشة الوضع الليبي، وسعيه للعب دور أكبر لإنهاء حالة الجمود، وقالت “بينما مصلحة الاتحاد الإفريقي مفهومة بالنظر إلى أهمية ليبيا للسلام والأمن في شمال إفريقيا والساحل، إلا أنه ينبغي أن ينظر في دوره بعناية”.

كما أن الآمال تبددت في توحيد ليبيا بعد تعيين “مجلس النواب الليبي” فتحي باشاغا رئيسا لحكومة جديدة في آذار/مارس 2022، مع تمسك رئيس “حكومة الوحدة الوطنية” المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، بمنصبه ورفضه التخلي عنه إلا بعد انتخاب سلطة جديدة. وذكّر التقرير الدولي باندلاع أعمال عدائية بين الجانبين لفترة وجيزة في آب/أغسطس 2022، وقال “لا يريد أي منهما العودة إلى الحرب. ومع ذلك، فإن المأزق الذي استقر فيه له تكاليف باهظة حيث تشكل عمليات الإغلاق المتكررة لآبار النفط والغاز في البلاد والخلافات حول كيفية توزيع الإيرادات ضربة لاقتصاد البلاد الذي يعتمد على الدخل النفطي”، حسبما نقله موقع “الوسط” الليبي.

تاليا، كشف رئيس مفوضية “الاتحاد الإفريقي” موسى فقي محمد، يوم الأحد الماضي، أن المنظمة القاريّة ستنظم مؤتمرا بشأن المصالحة الوطنية في ليبيا. وقال خلال مؤتمر صحفي اختتمت به قمة “الاتحاد الإفريقي” التي استمرت يومين “لقد التقينا مع مختلف الأطراف ونحن في صدد العمل معهم لتحديد موعد ومكان عقد المؤتمر الوطني”.

قد يهمك: “المعادلة الجيوسياسية” للطاقة.. كيف تعزز الشرخ بين المغرب والجزائر؟

هذا وسيتم المؤتمر “برعاية لجنة رفيعة المستوى من الاتحاد الإفريقي” يترأسها الرئيس الكونغولي دنيس ساسو نغيسو، بحسب فقي محمد. وأوضح أن اجتماعا تحضيريا لمؤتمر المصالحة انعقد في العاصمة الليبية طرابلس قبل أسابيع، مضيفا أنه “تم طلب مغادرة المرتزقة. ينبغي بالضرورة أن يتحاور الليبيون. أعتقد أنه شرط مسبق للمضي نحو انتخابات في بلد هادئ”.

مما لا شك فيه أن ليبيا التي تقع في القارة الإفريقية لعبت دورا مهما في تنظيم الوحدة الإفريقية. وزاد هذا الدور بتأسيس “الاتحاد الإفريقي” عام 2002، عندما ساهمت ليبيا في التقريب بين دول القارة. وما حدث في ليبيا منذ عام 2011 شغل بال الكثير من دول الاتحاد، ورأوا أن لذلك تداعيات على دول الجوار وأوضاع ليبيا ككل. وعليه، يحاول الاتحاد بذل الجهود وتشكيل لجنة برئاسة نغيسو، الذي تربطه علاقات طيبة مع الأطراف الليبية، حسبما يوضح الباحث السياسي في الشأن المغاربي، إدريس حميد، لموقع “الحل نت”.

تكاتف كل الأطراف

في السياق، شارك عضو “المجلس الرئاسي الليبي”، عبدالله اللافي، ومعه وفد رفيع المستوى، أعمال قمة “الاتحاد الإفريقي” في إثيوبيا. وكان في استقباله وزيرة الخارجية في “حكومة الوحدة الوطنية” المؤقتة، نجلاء المنقوش، رفقة مسؤولي الحكومة الإثيوبية وطاقم البعثة الليبية، وفق بيان مقتضب صادر عن “المجلس الرئاسي”.

فقي محمد، أكد خلال اجتماعه مع المنقوش على هامش القمة، ترحيب “الاتحاد الإفريقي” بعودة ليبيا إلى أسرتها الإفريقية ورغبته في استقرارها، معتبرا أن حضور ومشاركة المنقوش بالاجتماعات المستمرة بمثابة أثر رمزي يعبر عن رغبة الليبيين في تدبُّر شؤونهم، مشيدا بدور ليبيا إفريقياً.

هذا وتطرق لقاء المنقوش وفقي محمد إلى أهمية الاستفادة من التجارب الرائدة في بعض الدول الإفريقية التي واجهت نزاعات وأزمات سياسية، وفق بيان صادر عن “وزارة الخارجية الليبية”.

كما يعلم الجميع، ثمة تحركات وزيارات لمسؤولين أفارقة لليبيا، وقبل نحو شهر قدم وفد من “الاتحاد الإفريقي” إلى طرابلس، وكان هناك حديث عن ضرورة البحث عن حل للأزمة الليبية، وبالتالي يعتقد حميد أن هذه المبادرة الإفريقية التي أطلقها فقي محمد بحاجة إلى المزيد من العمل ويحتاج دور ومساعدة الأطراف الليبية نفسها، ذلك لأن المصالحة من أولويات حل الأزمة بعد أكثر من 10 سنوات من الانقسام في البلاد.

قد يهمك: ليبيا تترنح بين مواقف الأحزاب والاضطرابات الأمنية.. الأزمة إلى أين؟

ما حدث في ليبيا خلال السنوات الماضية من الصراعات والاضطرابات الأمنية ودخول العديد من الأطراف الخارجية ولا سيما دخول البلاد لـ”الحرب بالوكالة” إلى حد ما، يتطلب مصالحة وطنية من أجل إعادة الثقة بين الفرقاء السياسيين في ليبيا، وبالتالي إحداث هذه المصالحة، ستتم أولا بمساعدة وجهود الأطراف الليبية ومن ثم “الاتحاد الإفريقي” وإلا فلن تثمر جهود الأخير، وفق تقدير حميد.

انقسام أكبر؟

في نظر “مجموعة الأزمات الدولية”، فإن إعطاء الأولوية للحوار المؤدي إلى الانتخابات بدلا من تشكيل حكومة أولا ربما يحمل أكبر قدر من الأمل، وأن عقد ملتقى حوار سياسي منقح يعد طريقة أفضل للمضي قدما بدلا من تكليف فريقين بالمفاوضات يحملان سجلا حافلا في إبرام الصفقات، حيث يعتقد الكثير من الليبيين أن هذه الهيئات مهتمة بالحفاظ على الوضع الراهن.

“المجموعة الدولية” حذرت من أن عقد مؤتمر المصالحة الليبية في جمهورية الكونغو رغم أنه قد يكون مدفوعا بالنوايا الحسنة، إلا أن ثمة خطرا من أنه قد يتنافس مع المبادرة التي تقودها “الأمم المتحدة”، وأنه ينبغي على “الاتحاد الإفريقي” والدول الأعضاء فيه بدلا من ذلك أن يشجعوا الممثل الخاص لـ”لأمم المتحدة” على عقد ملتقى حوار جديد والعمل بنشاط داخله لتطوير خارطة طريق انتخابية.

الأمين العام لـ”الجامعة العربية”، أحمد أبو الغيط، قال إنه يجب على كافة الأطراف في ليبيا، اللجوء للحل السياسي، والوصول إلى الانتخابات، مؤكدا خلال قمة الاتحاد، أنه لابد من تخطي العقبات التي تحول دون إنجاز الاستحقاقات الانتخابية، للوصول إلى الاستقرار السياسي، مشددا على أن الاستقرار السياسي يحفظ وحدة البلاد وسيادتها، ويُنهي وجود المليشيات والقوات الأجنبية.

قد يهمك: اتفاقية النفط مع إيطاليا.. هل تفجر الاحتقان في الشارع الليبي؟

كما أشار إلى أن “الوضع في ليبيا يمثل أولوية مشتركة ومهمة لنا كشركاء في العالمين العربي والإفريقي”، ولا سيما في ظل وضع دولي دقيق ومضطرب فرضه الغزو الروسي لأوكرانيا والتبعات التي نجمت من تفاقم لأزمتي الغذاء والطاقة، التي تعاني منها الكثير من الدول العربية والإفريقية.

حميد يقول من جانبه إن كل دول “الاتحاد الإفريقي” ترغب وتسعى، لا سيما الجانب المصري، لبحث ووضع حلول وأطر للأزمة الليبية، ذلك لأن الاستقرار الليبي يصب في مصلحة هؤلاء الدول أولا ومن ثم لمصلحة طرابلس؛ ولكن لحل هذه الأزمة يحتاج إلى معرفة نسبة التوافق بين الدول الكبرى المتداخلة على طول البلاد، ومدى قدرة المجتمع الدولي على التدخل وإنهاء التدخلات الخارجية، من الميليشيات والمرتزقة المسلحة.

بمعنى أن حل الأزمة يتم بحل الخلافات الداخلية وخاصة على مستوى السلطة التنفيذية والنجاح في تمرير سلطة موحّدة تقبض على كامل التراب الليبي وتمارس صلاحياتها في جميع أنحاء البلاد الأمر الذي سيتيح لها الإشراف على الانتخابات، بالإضافة إلى خلق رؤية توافقية لقوانين الانتخابات التي تحدد الشروط المقيدة للمرشح الرئاسي سيما شرط مزدوجي الجنسية، ربما يمكن أن تؤدي إلى حل المأزق السياسي في البلاد.

لعل ما وقع خلال الفترة السابقة يتماهى مع المقاربة الأميركية في ليبيا ونتيجة فاعلة لضغط السيد باتيلي نحو التلويح بفض الأجسام السياسية الفاعلة والذهاب نحو تنظيم ملتقى حوار جديد يؤسس لترتيبات جديدة، غير أن إقرار البرلمان للتعديل الأخير تبدو حركة وخطوة دافعة للأمام للخروج من وضعية الانسداد السياسي.

لكن حقيقة الأمر أن ثمة تفاصيل تملك القدرة على نسف الخطوة من أساسها إذا ما لم تستكمل القوى الفاعلة دوليا مهامها صوب تهيئة الأجواء السياسية والميدانية لتنفيذ الانتخابات الرئاسية تحديدا، وفق مراقبين.

يمكن القول، إن حل الأزمة الليبية مرتبط بشكل أساسي بتبعية بعض الأطراف السياسية في البلاد، ورفضهم الانفكاك عن حالة التبعية هذه، وبالتالي هذا ما جعل البلاد ساحة للتجاذبات الدولية ومن ثم الاضطرابات الأمنية المستمرة بين الحين والآخر، وبدون ضغوط دولية كبيرة لن يخرج القوات الخارجية من البلاد وبالتالي لن يكون هناك حل للأزمة الليبية وثم تحقيق الاستقرار.

في إطار تداعيات، الفشل، يقول حميد، إنه بطبيعة الحال سوف يزيد من تعقيد وعمر الأزمة الليبية، بجانب جملة من التداعيات السلبية على البلاد والشعب ككل، هذا فضلا عن تزايد إحباط الأطراف التي تحاول إيجاد حلول لطرابلس، ودور “الاتحاد الإفريقي” مهم ومرحب به في الداخل الليبي، ويؤكد بأن مصلحة القارة ككل واحد ومترابط ببعضه البعض من حيث الاستقرار الأمني والسياسي، ولكن يبقى الرهان على مدى توافق الفرقاء السياسيين في ليبيا.

في سياق تداعيات فشل مبادرة “الاتحاد الإفريقي”، يقول حميد، إنه بطبيعة الحال سيزيد من تعقيد وطول أمد الأزمة الليبية، إلى جانب عدد من الانعكاسات السلبية على الدولة والشعب ككل، بالإضافة إلى الإحباط المتزايد لدى الأطراف الدولية الساعية لتحقيق الاستقرار للبلاد.

دور “الاتحاد الإفريقي” مهم ومرحب به داخل ليبيا في هذه المرحلة الحساسة والمهمة لعمر البلاد، وأن مصالح دول القارة ككل مترابطة فيما بينها من حيث الأمن والاستقرار السياسي، لكن الرهان يبقى على مدى توافق الفرقاء السياسيين الليبيين ومن خلفهم من الجهات الخارجية. ومن هنا، فإن عدم حل الأزمة الليبية من قبل الأطراف التي تسعى إلى حلها سيبقي البلاد في حالة من عدم الاستقرار الأمني ​​والسياسي والاقتصادي وحتى الاجتماعي، مما سيدخل البلاد لمرحلة أكثر انقساما وتعقيدا.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.