وسط الأوضاع المضطربة في ليبيا، لا سيما المشهد السياسي المعقّد، جرت أحداث وتطورات مهمة خلال الأسبوع الماضي، لعل أبرز هذه الأحداث هو التعديل الدستوري من قبل البرلمان بشأن الانتخابات الليبية، في خطوة لم يعلّق عليها حتى الآن “المجلس الأعلى” للدولة، لكنها اعتبرت ذلك بمثابة مماطلة وتمديد جديد للمراحل الانتقالية ومحاولة لتأخير الانتخابات، إضافة إلى وقوع اشتباكات بين ميليشيات تابعة لـ”مجلس الرئاسة” في طرابلس، مما أدى إلى إغلاق مطار “معيتيقة” الدولي، بجانب تعليق رئيس “حكومة الوحدة الوطنية” المنتهية ولايتها في ليبيا عبد الحميد الدبيبة، حول أسباب تعطل إجراء الانتخابات في البلاد وعزا ذلك بعدم وجود قانون عادل منبثق عن أساس دستوري.

كل ذلك أثار جدلا واسعا وسط مخاوف من أن تؤدي خطوة التعديل الدستوري هذه إلى إطالة أمد الانسداد السياسي في البلاد وتعقيد المشهد ككل، لما له من آثار جمّة على أوضاع البلاد عامة، لا سيما بعد تدخل بعض القوى الدولية من خلال ميليشيات تابعة لها واستغلالها للوضع السياسي المضطرب منذ سنوات عديدة.

إلّا أن هذه التطورات اللافتة فتحت الباب أمام العديد من التساؤلات، خاصة وأن بعض المراقبين يرون أن هذا التعديل الدستوري قد يكون بادرة أو خطوة للتقدم وإزاحة المعضلات التي تقف أمام التوافق السياسي بين الأطراف السياسية، وبالتالي ووسط هذه التوترات الأمنية، لا بد من طرح أسئلة حول أسباب عدم توصل الفرقاء في ليبيا إلى تسوية بشأن الانتخابات الليبية بعد، وما إذا كان المبعوث الأممي في ليبيا سيتمكن من إصدار أساس دستوري لإجراء الانتخابات قبل نهاية هذا العام.

كذلك، تداعيات هذه الاضطرابات الأمنية من حين لآخر على الشعب من ناحية ومستقبل البلاد من ناحية أخرى، وإذا ما كان هذا التوتر الأمني ​​قد يسرّع أو يحثّ الأطراف معا على إيجاد حلول لأزمة البلاد، بالإضافة إلى تساؤلات حول إمكانية إنهاء التدخلات العسكرية الخارجية في ليبيا، والذين يعتبرون من التحديات الرئيسية لاستقرار البلاد، وما إذا كان هناك إجماع دولي بقيادة واشنطن للضغط على هذه القوى الخارجية للخروج من البلاد.

تعديل دستوري

في السياق، أكد “مجلس النواب الليبي” عقب جلسة في مدينة بنغازي شرقي البلاد، يوم الأربعاء الماضي أن التعديل الدستوري الثالث عشر تم إقراره بإجماع السادة النواب الحاضرين، بحسب بيان مقتضب. وحدّد التعديل نظام الحكم وسلطات رئيس الدولة ورئيس الوزراء، وكذلك شكل السلطة التشريعية لتصبح مجلس للأمة يتكون من غرفتين، مجلس النواب ومقرّه بنغازي ومجلس الشيوخ ومقرّه طرابلس، ويتولى مجلس الأمة هذه سلطة سنّ القوانين وإقرار السياسة العامة للدولة والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية.

بحسب التعديلات الأخيرة، يتألف البرلمان من أعضاء يُنتخبون بالاقتراع العام الحر والسّري المباشر على أساس عدد السكان والمعيار الجغرافي، بحيث يُحدد عدد النواب على أساس نائب واحد عن كل 40 ألف مواطن. وتجنّب البرلمان في التعديل الدستوري وضع شروط لانتخاب رئيس الدولة، وهي النقطة الخلافية الأبرز بين الأطراف السياسية في ليبيا، والتي عرقلت التوصل إلى توافق دستوري يؤدي إلى الانتخابات.

البعض اعتبر أن تبني هذا التعديل هو آخر فرصة لإنهاء الخلافات الدستورية والوصول إلى الانتخابات، فيما يعتقد آخرون أنه سيزيد من تعطيل العملية السياسية وسيخلق جدلا إضافيا، كما أنه محاولة إضافية لكسب الوقت والبقاء في السلطة على حساب إجراء الانتخابات.

هذا ويبدو أن الدبيبة ردا على قرار البرلمان تعديل الإعلان الدستوري لإجراء الانتخابات، أراد أن يقول خلال مشاركته يوم الخميس الماضي في ندوة محلية حول مراقبة الانتخابات، إنه لا خيار أمام الليبيين إلا الانتخابات، مؤكدا انفتاح حكومته لأي مبادرة أو مقترح يسير بالبلاد إلى العملية الانتخابية، ويقطع الطريق أمام من يسعى لمرحلة انتقالية جديدة.

قد يهمك: اتفاقية النفط مع إيطاليا.. هل تفجر الاحتقان في الشارع الليبي؟

الدبيبة أوضح وفق منظوره أن حكومته، قامت بكل الالتزامات المنوطة بها في الانتخابات، بما في ذلك إجراء محاكاة للعملية التأمينية في عدة مناطق بشرق وغرب وجنوب ليبيا.

الكاتب والمحلل السياسي والمتخصص في الشأن الليبي، رامي شفيق، يعتبر هذه الأحداث الأخيرة بأنه تطور لافت، لا سيما بعد أن احتضنت العاصمة المصرية القاهرة، اجتماع اللجنة العسكرية المشتركة “5+5″ برعاية أممية وحضور الممثل الخاص للأمين العام لـ”لأمم المتحدة” في ليبيا عبد الله باتيلي، وانتهى الاجتماع نحو آلية لتقويض حضور المقاتلين الأجانب والمرتزقة، بجانب ما جرى في بنغازي، حيث أقرّ “مجلس النواب” التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري في صورة أقرب للوثيقة الدستورية المرتقبة.

شفيق يقول إن التعديل جاء مضمونه بالتوافق مع رئاسة “المجلس الأعلى” للدولة ويرجح بأن ينجح خالد المشري رئيس “المجلس الاستشاري” أن يمرره خلال الجلسة القادمة، وفق حديثه لموقع “الحل نت”.

تحديات أمام الاستحقاق الانتخابي

في ظل الأزمة الليبية، يبدو أن هناك ضغوط دولية متصاعدة على الفرقاء في ليبيا لإجراء الانتخابات العامة خلال العام الجاري، على الرغم من أن المراقبين يشككون في إمكانية تحقيق ذلك، لاسيما وأن أطراف الصراع المحليين يحاولون التهرب من هذا الاستحقاق بذرائع مختلفة، ومن بينها مسألة السلطة التنفيذية التي ستتولى الإشراف على العملية الانتخابية.

المتخصص في الشأن الليبي، يقول إنه على الرغم من تلك المؤشرات المتفائلة والتي توحي بتوفير بيئة مناسبة لتنفيذ الاستحقاق الانتخابي لكن ثمة جملة من التحديات تجابه تلك الخطوات الإيجابية الذاكرة آنفا الناتجة عن ضغوط المجتمع الدولي لتمرير قرارات اللجنة العسكرية وإقرار البرلمان في شرق ليبيا التعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري وتتمثل تلك التحديات وفق تقديره، أولا إيجابية الدول المتداخلة ميدانيا في ليبيا وتنفيذها خارطة طريق للخروج منها، سواء كانت القوات التركية في الغرب أو مرتزقة “فاغنر” العسكرية الروسية في شرق البلاد.

هذا واندلعت اشتباكات عنيفة بين الميليشيات المسلحة، مساء يوم الخميس الماضي، في منطقة تاجوراء شرق العاصمة الليبية طرابلس، تسببت في إغلاق المطار الرئيسي العامل في المدينة وتحويل وجهة الرحلات إلى مطار “مصراتة”.

مصادر محلية قالت إن الاشتباكات اندلعت بين ميليشيات “الدروع” و”صبرية” التابعتين لـ”المجلس الرئاسي” بسبب خلافات وحسابات شخصية، بعد مقتل عنصر تابع لميليشيا “صبرية” على يد مسلحين من ميليشيا “الدروع”، وهو ما دفعها إلى رد الفعل وقتل عنصر تابع للدروع، وفق ما نقلته قناة “العربية“.

هذه المواجهات المسلحة أدت إلى غلق عدد من الطرقات الرئيسية في منطقة تاجوراء، وتحويل وجهة الرحلات من مطار “معيتيقة” الدولي بالعاصمة طرابلس إلى مطار “مصراتة”.

هذا التوتر الأمني بطرابلس، يعكس حجم المعضلة التي تعانيها ليبيا، في ظل تنافس حكومتين على السلطة، تلعب فيه الميليشيات المسلحة التي تتحكم في العاصمة طرابلس ومدن الغرب الليبي دورا كبيرا، كما يلفت الانتباه إلى التعقيدات التي تواجه الحل السياسي في هذا البلد وصعوبة الوصول إلى حالة الاستقرار.

من جهة أخرى تثير هذه الاشتباكات المتكرّرة قلق المجتمع الدولي، بما في ذلك “الأمم المتحدة” التي أدانت العنف أكثر من مرة ودعت قادة البلاد لاحترام اتفاق وقف إطلاق النار، والعودة إلى المحادثات السياسية للخروج من الأزمة والوصول إلى الانتخابات. وبالتالي ربما هذا الأمر يؤدي بالقوى الدولية وعلى رأسهم الولايات المتحدة، للإجماع والضغط على القوى الخارجية لمغادرة البلاد وحث الفرقاء في ليبيا للجلوس على طاولة المفاوضات لوضع حلول وأُطر لهذا البلد المنهك منذ سنوات طويلة.

احتمالية إنهاء حالة الانسداد السياسي

في الأثناء، يقود المبعوث الأممي في ليبيا، جهودا مضنية لحثّ القادة في ليبيا، على إصدار أساس دستوري لإجراء الانتخابات قبل نهاية هذا العام.

الدبيبة أعرب عن استعداده لتقديم تطمينات من أجل تولي حكومته الإشراف على الانتخابات. ويبدو أنه يحاول فرض نفسه كسلطة إشراف على العملية الانتخابية المنتظرة، لكن قوى ليبية وفي مقدمتها “مجلس النواب” ترفض ذلك، وفق مراقبين. إلا أن الدبيبة يؤكد على”دعم حكومته بقوة لجهود المبعوث الأممي التي تهدف للإيفاء بالتزامات خارطة الطريق التي تنص على أننا في آخر مرحلة انتقالية والضغط الإيجابي الذي يبذله على كل الأطراف لإصدار الأساس القانوني لإجراء الانتخابات”.

قد يهمك: تحرك دولي إقليمي.. هل سيسهم بإنجاح الانتخابات في ليبيا؟

بحسب تقدير شفيق، فإن فض الارتباكات “حل الخلافات” الداخلية وخاصة على مستوى السلطة التنفيذية والنجاح في تمرير سلطة موحّدة تقبض على كامل التراب الليبي وتمارس صلاحياتها في جميع أنحاء البلاد الأمر الذي سيتيح لها الإشراف على الانتخابات، بالإضافة إلى خلق رؤية توافقية لقوانين الانتخابات التي تحدد الشروط المقيدة للمرشح الرئاسي سيما شرط مزدوجي الجنسية، ربما يمكن أن تؤدي إلى حل المأزق السياسي.

لعل ما وقع خلال الفترة السابقة يتماهى مع المقاربة الأميركية في ليبيا ونتيجة فاعلة لضغط السيد باتيلي نحو التلويح بفض الأجسام السياسية الفاعلة والذهاب نحو تنظيم ملتقى حوار جديد يؤسس لترتيبات جديدة، غير أن إقرار البرلمان للتعديل الأخير تبدو حركة وخطوة دافعة للأمام للخروج من وضعية الانسداد السياسي. لكن حقيقة الأمر أن ثمة تفاصيل تملك القدرة على نسف الخطوة من أساسها إذا ما لم تستكمل القوى الفاعلة دوليا مهامها صوب تهيئة الأجواء السياسية والميدانية لتنفيذ الانتخابات الرئاسية تحديدا، وفق وجهة نظر شفيق.

يمكن القول، إن حل الأزمة الليبية مرتبط بشكل أساسي بتبعية بعض الأطراف السياسية في البلاد، ورفضهم الانفكاك عن حالة التبعية هذه،

بالتالي هذا ما جعل البلاد ساحة للتجاذبات الدولية ومن ثم الاضطرابات الأمنية المستمرة بين الحين والآخر، وبدون ضغوط دولية كبيرة لن يخرج القوات الخارجية من البلاد وبالتالي لن يكون هناك حل للأزمة الليبية.

هل أعجبك المحتوى وتريد المزيد منه يصل إلى صندوق بريدك الإلكتروني بشكلٍ دوري؟
انضم إلى قائمة من يقدّرون محتوى الحل نت واشترك بنشرتنا البريدية.